- الموافق
- كٌن أول من يعلق!

بسم الله الرحمن الرحيم
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام
(ح256) المناورات السياسية، الأساليب السياسة، الطرق السياسية
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ، وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ، وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ، وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ، والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ، خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ، وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ، الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ، وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ، فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ، وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ، وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا: "بُلُوغُ المَرَامِ مِنْ كِتَابِ نِظَامِ الِإسْلَامِ" وَمَعَ الحَلْقَةِ السَّادِسَةِ وَالخَمْسِينَ بَعْدَ المِائَتَينِ، وَعُنوَانُهَا: "المُنَاوَرَاتُ السِّيَاسِيَّةُ، الأَسَالِيبُ السِّيَاسِيَّةِ، الطُّرُقُ السِّيَاسِيَّة". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَتَينِ: الثَّالِثَةِ وَالثَّلَاثِينَ، وَالرَّابِعَةِ وَالثَّلَاثِينَ بَعْدَ المِائَةِ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ والمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:
المادة 184: المُنَاوَرَاتُ السِّيَاسِيَّةُ ضَرُورِيَّةٌ فِي السِّيَاسَةِ الخَارِجِيَّةِ، وَالقُوَّةُ فِيهَا تَكْمُنُ فِي إِعْلَانِ الأَعْمَالِ وَإِخفَاءِ الأَهْدَافِ.
المادة 185: الجُرأَةُ فِي كَشْفِ جَرَائِمِ الدُّوَلِ، وَبَيَانِ خَطَرِ السِّيَاسَاتِ الزَّائِفَةِ، وَفْضَحِ المُؤَامَرَاتِ الخَبِيثَةِ، وَتَحطِيمِ الشَّخصِيَّاتِ المُضَلِّلَةِ، هُوَ مِنْ أَهَمِّ الأَسَالِيبِ السِّيَاسِيَّةِ.
المادة 186: يُعتَبَرُ إِظْهَارُ عَظَمَةِ الأَفكَارِ الإِسلَامِيَّةِ فِي رِعَايَةِ شُؤُونِ الأَفرَادِ وَالأُمَمِ وَالدُّوَلِ مِنْ أَعْظَمِ الطُّرُقِ السِّيَاسِيَّةِ.
وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: يَا أُمَّةَ الإِيمَانْ، يَا أُمَّةَ القُرآنْ، يَا أُمَّةَ الإِسلَامْ، يَا أُمَّةَ التَّوحِيدْ، يَا مَنْ آمَنتُمْ بِاللهِ رَبّاً، وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيّاً وَرَسُولاً، وَبِالقُرآنِ الكَرِيمِ مِنهَاجاً وَدُستُوراً، وَبِالإسلَامِ عَقِيدَةً وَنِظَاماً لِلْحَياَة، أَيُّهَا الـمُسلِمُون فِي كُلِّ مَكَانْ، فَوقَ كُلِّ أَرضٍ، وَتَحتَ كُلِّ سَمَاءْ، يَا خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَتْ لِلنَّاسِ، أَيُّهَا الـمُؤمِنُونَ الغَيُورُونَ عَلَى دِينِكُمْ وَأُمَّتِكُمْ. أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ دُستُورَ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ، وَهَا هُوَ يُوَاصِلُ عَرْضَهُ عَلَيكُمْ حَتَّى تدرُسُوهُ وَأنتمْ تَعْمَلُونَ مَعَنَا لإِقَامَتِهَا، وَهَذِهِ هِيَ المَوَادُّ الرَّابِعَةُ وَالثَّمَانُونَ بَعْدَ المِائَةِ، وَالخَامِسَةُ وَالثَّمَانُونَ بَعْدَ المِائَةِ، وَالسَّادِسَةُ وَالثَّمَانُونَ بَعْدَ المِائَةِ. وَإِلَيكُمْ بَيَانَ أَدِلَّةِ هَذِهِ المَوَادِّ مِنْ كِتَابِ مَقَدِّمَةِ الدُّستُورِ:
أولاً: المادة 184: إِنَّ هَذِهِ المَادَّةَ مِنَ المُبَاحَاتِ الَّتِي جُعِلَتْ لِرَأْيِ الإِمَامِ وَاجتِهَادِهِ، وَالمُنَاوَرَةُ السِّيَاسِيَّةُ هِيَ أَعْمَالٌ تَقُومُ بِهَا الدَّولَةُ قَاصِدَةً غَايَاتٍ غَيرِ الغَايَاتِ الَّتِي تَظْهَرُ مِنَ القِيَامِ بِالعَمَلِ، وَكَانَ صلى الله عليه وسلم يَقُومُ بِهَذِهِ المُنَاوَرَاتِ، فَمِنْ ذَلِكَ السَّرَايَا الَّتِي قَامَ بِهَا فِي أَوَاخِرِ السَّنَةِ الأُولَى، وَأَوَائِل ِالسَّنَةِ الثَّانِيَةِ لِلْهِجْرَةِ، فَإِنَّ هَذِهِ السَّرَايَا يَدُلُّ ظَاهِرُهَا عَلَى أَنَّ الرَّسُولَ كَانَ يُرِيدُ غَزْوَ قُرَيشٍ، لَكِنَّ الحَقِيقَةَ أَنَّهُ كَانَ يُرِيدُ إِرْهَابَ قُرَيشٍ، وَجَعْلَ قَبَائِلِ العَرَبِ الأُخرَى تَقِفُ مُحَايِدَةً فِي الخِصَامِ الدَّائِرِ بَينَهُ وَبَينَ قُرَيشٍ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ هُوَ أَنَّ هَذِهِ السَّرَايَا كَانَتْ قَلِيلَةَ العَدَدِ، سِتِّينَ، أَو مِائَتَينِ، أو ثَلَاثَمِائَةٍ، وَهِيَ لَيسَتْ أَعْدَاداً كَافِيَةً لِقِتَالِ قُرَيشٍ، وَأَنَّهُ لَمْ يُقَاتِلْ قُرَيشاً فِيهَا كُلِّهَا، وَكُلُّ مَا نَتَجَ عَنْهَا عَقْدُ مُعَاهَدَاتٍ مَعَ بَعْضِ قَبَائِلِ العَرَبِ، كَمُحَالَفَتِهِ لِبَنِي ضَمْرَةَ، وَمُوَادَعَتِهِ لِبَنِي مُدْلِجْ، وَمِنْ ذَلِكَ ذَهَابُهُ فِي السَّنَةِ السَّادِسَةِ لِلْهِجْرَةِ إِلَى مَكَّةَ قَاصِداً الحَجَّ وَإِعْلَانُهُ ذَلِكَ مَعَ وُجُودِ حَالَةِ الحَرْبِ الَّتِي بَينَهُ وَبَينَ قُرَيشٍ الَّتِي تَقَعُ الكَعْبَةُ تَحْتَ سُلطَانِهَا. فَإِنَّ القَصْدَ مِنْ تِلْكَ الرِّحْلَةِ هُوَ الوُصُولُ إِلَى مُهَادَنَةِ قُرَيشٍ، لِيَضْرِبَ خَيبَرَ. إِذْ بَلَغَهُ أَنَّ خَيبَرَ وَقُرَيشٍ يَتَفَاوَضَانِ لِلاتِّفَاقِ عَلَى غَزْوِ المَدِينَةِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ هَذِهِ مُنَاوَرَةٌ هُوَ أَنَّهُ رَضِيَ أَنْ يَرْجِعَ، وَلم يَحُجَّ حِينَ ظَفَرَ بِالهُدْنَةِ، وَأَنَّهُ بَعْدَ رُجُوعِهِ بِأُسبُوعَينِ غَزَا خَيبَرَ وَقَضَى عَلَيهَا. فَهَذِهِ كُلُّهَا مُنَاوَرَاتٌ سِيَاسِيَّةٌ. وَالقُوَّةُ الَّتِي فِي هَذِهِ المُنَاوَرَاتِ أَنَّ الأَعْمَالَ الَّتِي يُقَامُ بِهَا كَمُنَاوَرَةٍ تَكُونُ مُعْلَنَةً وَظَاهِرَةً، وَلَكِنَّ الغَايَاتِ مِنْهَا تَكُونُ خَفِيَّةً، فَقُوَّتُهَا فِي إِبرَازِ الأَعْمَالِ وَإِخفَاءِ الأَهْدَافِ.
ثانياً: المادة 185: هَذِهِ المَادَّةُ مِنَ الأَسَالِيبِ، وَهِيَ مِنَ المُبَاحَاتِ، وَالرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم قَدْ كَشَفَ جَرِيمَةَ بَنِي قُرَيظَةَ فِي نَقْضِهِمُ العَهْدَ يَومَ الأَحْزَابِ، وَحِينَ هَاجَمَتْهُ قُرَيشٌ لِقِيَامِ عَبدِ اللهِ بْنِ جَحْشٍ بِأَسْرِ رَجُلَينِ، وَقَتْلِ آخَرَ فِي الشَّهْرِ الحَرَامِ، وَقَالَتْ: إِنَّ محمداً وَأَصْحَابَهُ استَحَلُّوا الشَّهْرَ الحَرَامَ، وَسَفَكُوا فِيهِ الدَّمَ، وَأَخَذُوا الأَمْوَالَ، وَأَسَرُوا الرِّجَالَ، حِينَ هَاجَمَتْهُ قُرَيشٌ بِذَلِكَ أَنَزْلَ اللهُ تَعَالَى آيَاتٍ يُنَدِّدُ فِيهَا بِسِيَاسَتِهَا الزَّائِفَـةِ فِي فِتْنَةِ المُسْلِمِينَ عَنْ دِينِهِمْ، قَالَ تَعَالَى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ). (البقرة 217).
وَحِينَ تَآمَرَ يَهُودُ بَنِي النَّضِيرِ عَلَى الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم لِيُلقُوا صَخْرَةً عَلَيهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ جَالِسٌ إِلَى جَنْبِ جِدَارٍ فَضَحَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم مُؤَامَرَاتِهِمْ هَذِهِ، وَأَجْلَاهُمْ جَزَاءً عَلَيهَا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: «خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم إلَى بَنِي النّضِيرِ يَسْتَعِينُهُمْ فِي دِيَةِ ذَيْنِك الْقَتِيلَيْنِ مِنْ بَنِي عَامِرٍ اللّذَيْنِ قَتَلَ عَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ الضّمْرِيّ، لِلْجِوَارِ الّذِي كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَقَدَ لَهُمَا، كَمَا حَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ، وَكَانَ بَيْنَ بَنِي النّضِير وَبَيْنَ بَنِي عَامِر ٍ عَقْدٌ وَحِلْفٌ. فَلَمّا أَتَاهُمْ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتَعِينُهُمْ فِي دِيَةِ ذَيْنِك الْقَتِيلَيْنِ قَالُوا: نَعَمْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ، نُعِينُك عَلَى مَا أَحْبَبْت مِمّا اسْتَعَنْت بِنَا عَلَيْهِ ثُمّ خَلا بَعْضُهُمْ بِبَعْضِ فَقَالُوا: إنّكُمْ لَنْ تَجِدُوا الرّجُلَ عَلَى مِثْلِ حَالِهِ هَذِهِ -وَرَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم إلَى جَنْبِ جِدَارٍ مِنْ بُيُوتِهِمْ قَاعِدٌ- فَمَنْ رَجُلٌ يَعْلُو عَلَى هَذَا الْبَيْتِ فَيُلْقِي عَلَيْهِ صَخْرَةً فَيُرِيحُنَا مِنْهُ؟ فَانْتَدَبَ لِذَلِكَ عَمْرُو بْنُ جَحّاشِ بْنُ كَعْبٍ، فَقَالَ: أَنَا لِذَلِكَ، فَصَعِدَ لِيُلْقِيَ عَلَيْهِ صَخْرَةً كَمَا قَالَ... فَأَتَى رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم الْخَبَرُ مِنْ السّمَاءِ بِمَا أَرَادَ الْقَوْمُ فَقَامَ وَخَرَجَ رَاجِعاً إلَى الْمَدِينَةِ... وَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِالتّهَيُّؤِ لِحَرْبِهِمْ وَالسّيْرِ إلَيْهِمْ... ثم أجلاهم صلى الله عليه وسلم».
وَهُجُومُ القُرآنِ عَلَى أَبِي لَهَبٍ بِاسْمِهِ، قَالَ تَعَالَى: (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ). (المسد 1) وَعَلَى آخَرِينَ بِصِفَاتِهِمْ... وَكُلُّ ذَلِكَ يُعتَبَرُ مِنْ تَحطِيمِ الشَّخصِيَّاتِ المُضَلِّلَةِ. وَهَذِهِ هِيَ أَدِلَّةُ المَادَّةِ
ثالثاً: المادة 186: هَذِهِ المَادَّةُ مِمَّا يَجِبُ عَلَى الدَّولَةِ أَنْ تَقُومَ بِهِ، فَهُوَ فَرْضٌ وَلَيسَ مُبَاحاً. وَذَلِكَ أَنَّ الوَاجِبَ عَلَى الدَّولَةِ أَنْ تُبَلِّغَ الدَّعْوَةَ عَلَى وَجْهٍ يُلْفِتُ النَّظَرَ، لِأَنَّ اللهَ يَقُولُ: (وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ). (العنكبوت 18)، وَكَلِمَةُ (المُبِينُ) وَصْفٌ مُفْهِمٌ، وَلِذَلِكَ تَكُونُ قَيداً لِلتَّبلِيغِ. وَلَا يَتَأَتَّى تَبلِيغُ الدَّعْوَةِ عَلَى وَجْهٍ يُلفِتُ النَّظَرَ إِلَّا بِإِظْهَارِ عَظَمَةِ الأَفكَارِ الإِسْلَامِيَّةِ. وَمِنْ عَظَمَةِ الأَفْكَارِ الإِسْلَامِيَّةِ مُعَامَلَةُ الدَّولَةِ الإِسلَامِيَّةِ لِلذِّمِّيِّ وَالمُستَأْمِنِ وَالمُعَاهِدِ، وَكَونُ الحَاكِمِ مُنَفِّذاً لِلشَّرعِ لَا مُتَسَلِّطاً عَلَى النَّاسِ، وَكَونُ الأُمَّةِ تُحَاسِبُ الحَاكِمَ بِانضِبَاطٍ تَامٍّ. فَكَمَا تَجِبُ عَلَيهَا مُحَاسَبَتُهُ تَجِبُ عَلَيهَا طَاعَتُهُ وَلَوْ ظَلَمَ، وَيَحْرُمُ عَلَيهَا أَنْ تُطِيعَهُ فِي مَعْصِيَةٍ. وَتَتَمَتَّعُ بِحَقِّ الثَّورَةِ تَمَتُّعاً تَامّاً، وَيَجِبُ عَلَيهَا أَنْ تَثُورَ إِذَا رَأَتْ كُفْراً بَوَاحاً، وَيَتَسَاوَى فِيهَا الحَاكِمُ وَالمَحْكُومُ فِي كُلِّ شَيءٍ، وَتَشْكُو الحَاكِمَ كَمَا تَشكُو أَيَّ فَرْدٍ فِي الحُقُوقِ أَمَامَ أَيِّ قَاضٍ، وَتَشكُوهُ لِقَاضِي المَظَالِمِ إِذَا خَالَفَ الشَّرْعَ فِي قِيَاِمِهِ بِالحُكْمِ، إِلَى غَيرِ ذَلِكَ مِنَ الأَفْكَارِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ إِظْهَارُهَا وَإِبْرَازُ العَظَمَةِ الَّتِي فِيهَا حَتَّى تَبْرُزَ عَظَمَةُ الإِسلَامِ، وَحَتَّى تَكُونَ، بِتَبلِيغِهِ عَلَى وَجْهٍ يُلفِتُ النَّظَرَ. وَإِظْهَارُهَا لَيسَ مِنَ الأَسَالِيبِ السِّيَاسِيَّةِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنَ الطُّرُقِ السِّيَاسِيَّةِ.
عَلَى أَنَّ الحُكْمَ الشَّرعِيَّ أَنَّ قِتَالَ الكُفَّارِ قِتَالاً فِعْلِيّاً لَا يَجُوزُ إِلَّا بَعْدَ تَبلِيغِهِمُ الدَّعْوَةَ، أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الكَبِيرِ عَنْ فَرْوَةَ بْنِ مُسَيكٍ المُرَادِيِّ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُقَاتِلُ بِمَنْ أَقْبَلَ مِنْ قَوْمِي مَنْ أَدْبَرَ مِنْهُمْ؟ قَالَ: "نَعَمْ"، فَلَمَّا أَدْبَرَ دَعَاهُ، فَقَالَ: ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلامِ فَإِنْ أَبَوْا فَقَاتِلْهُمْ»، وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ التِّرمِذِيُّ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «مَا قَاتَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَوْماً حَتَّى دَعَاهُمْ». (أَخرَجَهُ الدَّارِمِيُّ وَأَحْمَدُ وَالحَاكِمُ). وَكُلُّ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الدَّعْوَةِ إِلَى الإِسلَامِ قَبْلَ القِتَالِ. وَحَتَّى تَتِمَّ الدَّعْوَةُ إِلَى الإِسلَامِ لَا بُدَّ مِنْ تَبلِيغِهِمُ الدَّعْوَةَ عَلَى وَجْهٍ يُلفِتُ النَّظَرَ. وَمِنْ هُنَا كَانَ إِظْهَارُ عَظَمَةِ الأَفْكَارِ الإِسلَامِيَّةِ فَرْضاً؛ لِأَنَّهُ بِهِ يَحْصُلُ التَّبلِيغُ عَلَى وَجْهٍ يُلْفِتُ النَّظَرَ. فَهُوَ مِنْ أَحْكَامِ الطَّرِيقَةِ وَلَيسَ مِنَ الأَسَالِيبِ.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة، وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ، مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً، نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ، سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام، وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا، وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه، وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ، وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها، إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم، وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.