- الموافق
- كٌن أول من يعلق!

بسم الله الرحمن الرحيم
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام
(ح255) العلاقة بالدول محصورة بالدولة وحدها، والغاية لا تبرر الواسطة
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ، وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ، وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ، وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ، والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ، خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ، وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ، الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ، وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ، فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ، وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ، وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا: "بُلُوغُ المَرَامِ مِنْ كِتَابِ نِظَامِ الِإسْلَامِ" وَمَعَ الحَلْقَةِ الخَامِسَةِ وَالخَمْسِينَ بَعْدَ المِائَتَينِ، وَعُنوَانُهَا: "العَلَاقَةُ بِالدُّوَلِ مَحصُورَةُ بِالدَّولَةِ وَحْدَهَا، وَالغَايَةُ لَا تُبَرِّرُ الوَاسِطَةَ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ الثَّالِثَةِ وَالثَّلَاثِينَ بَعْدَ المِائَةِ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ والمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:
المادة 182: لَا يَجُوزُ لِأَيِّ فَردٍ، أَو حِزْبٍ، أَو كُتلَةٍ، أَو جَمَاعَةٍ، أَنْ تَكُونَ لَهُمْ عَلَاقَةٌ بِأَيِّ دَولَةٍ مِنَ الدُّوَلِ الأَجنَبِيَّةِ مُطْلَقاً. وَالعَلَاقَةُ بِالدُّوَلِ مَحصُورَةٌ بِالدَّولَةِ وَحْدَهَا، لِأَنَّ لَهَا وَحْدَهَا حَقُّ رِعَايَةِ شُؤُونِ الأُمَّةِ عَمَلِيّاً. وَعَلَى الأُمَّة وَالتَّكَتُّلَاتِ أَنْ تُحَاسِبَ الدَّولَةَ عَلَى هَذِهِ العَلَاقَةِ الخَارِجِيَّةِ.
المادة 183: الغَايَةُ لَا تُبَرِّرُ الوَاسِطَةَ، لِأَنَّ الطَّرِيقَةَ مِنْ جِنْسِ الفِكْرَةِ، فَلَا يُتَوَصَّلُ بِالحَرَامِ إِلَى الوَاجبِ وَلَا إِلَى المُبَاحِ. وَالوَسِيلَةُ السِّيَاسِيَّةُ لَا يَجُوزُ أَنْ تُنَاقِضَ طَرِيقَةَ السِّيَاسَةِ.
وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: يَا أُمَّةَ الإِيمَانْ، يَا أُمَّةَ القُرآنْ، يَا أُمَّةَ الإِسلَامْ، يَا أُمَّةَ التَّوحِيدْ، يَا مَنْ آمَنتُمْ بِاللهِ رَبّاً، وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيّاً وَرَسُولاً، وَبِالقُرآنِ الكَرِيمِ مِنهَاجاً وَدُستُوراً، وَبِالإسلَامِ عَقِيدَةً وَنِظَاماً لِلْحَياَة، أَيُّهَا المُسلِمُون فِي كُلِّ مَكَانْ، فَوقَ كُلِّ أَرضٍ، وَتَحتَ كُلِّ سَمَاءْ، يَا خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَتْ لِلنَّاسِ، أَيُّهَا المُؤمِنُونَ الغَيُورُونَ عَلَى دِينِكُمْ وَأُمَّتِكُمْ. أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ دُستُورَ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ، وَهَا هُوَ يُوَاصِلُ عَرْضَهُ عَلَيكُمْ حَتَّى تدرُسُوهُ وَأنتمْ تَعْمَلُونَ مَعَنَا لإِقَامَتِهَا، وَهَاتَانِ هُمَا الْمَادَّتَانِ الثَّانِيَةُ وَالثَّمَانُونَ بَعْدَ المِائَةِ وَالثَّالِثَةُ وَالثَّمَانُونَ بَعْدَ المِائَةِ. وَإِلَيكُمْ بَيَانَ أَدِلَّةِ هَاتَينِ المَادَّتَينِ مِنْ كِتَابِ مَقَدِّمَةِ الدُّستُورِ:
أولا: تتمة المادة 182: هَذَا مِنْ حَيثُ الدَّلِيلُ، أَمَّا مِنْ حَيثُ الوَاقِعُ فَإِنَّ القِيَامَ بِرِعَايَةِ بَعْضِ الشُّؤُونِ مِنْ قِبَلِ جَمَاعَةٍ رِعَايَةً إِلزَامِيَّةً هُوَ مِنْ مَفَاهِيمِ الحُكْمِ الدِّيمُقرَاطِيِّ. فَإِنَّ الحُكْمَ الدِّيمُقرَاطِيَّ مُؤَسَّسَاتٌ، أَعْلَاهَا الوَزَارَةُ أَيِ الحُكُومَةُ، وَلَكِنْ يُوجَدُ غَيرُهَا مَنْ يَقُومُ بِرِعَايَةِ بَعْضِ الشُّؤُونِ رِعَايَةً إِلزَامِيَّةً، أَيْ مَنْ يَقُومُ بِالحُكْمِ فِي نَاحِيَةٍ مِنَ النَّوَاحِي. فَهُنَاكَ النِّقَابَاتُ مَثَلاً. فَنَقَابَةُ المُحَامِينَ تَقُومُ بِرِعَايَةِ شُؤُونِ المُحَامِينَ فِي مِهْنَةِ المُحَامَاةِ رِعَايَةً إِلزَامِيَّةً فَيَكُونُ لَهَا السُّلطَانُ عَلَيهِمْ فِي شُؤُونٍ مُعَيَّنَةٍ، فَهِيَ الَّتِي تُعطِيهِمْ إِذْناً بِالمُحَامَاةِ، وَتُوقِعُ عَلَيهِمْ عُقُوبَاتٍ، وَتَجعَلُ لَهُمْ صُندُوقَ تَقَاعُدٍ، وَغَيرُ ذَلِكَ مِنْ أَعْمَالِ الحُكْمِ وَالسُّلطَانِ الَّتِي تَتَوَلَّاهَا الدَّولَةُ فِي مِهْنَةِ المُحَامَاةِ، وَأَمْرُهَا نَافِذٌ كَأَمْرِ الوَزَارَةِ سَوَاءً بِسَوَاءٍ، وَكَذَلِكَ نَقَابَةُ الأَطِبَّاءِ، وَسَائِرُ النَّقَابَاتِ، فَهَذَا هُوَ الوَاقِعُ الَّذِي يُسَلَّطُ عَلَيهِ الدَّلِيلُ بِالنِّسْبَةِ لِلدَّاخِلِ. أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلخَارِجِ، فَإِنَّ بَعْضَ الدُّوَلِ الدِّيمُقرَاطِيَّةِ تَجْعَلُ لِلْحِزْبِ المُعَارِضِ حَقَّ الاتِّصَالِ بِالدُّوَلِ الأُخرَى، وَتَجْعَلُ لَهُ صَلَاحِيَّةَ مُفَاوَضَاتِ تِلْكَ الدُّوَلِ وَهُوَ خَارِجُ الحُكْمِ، وَلَهُ الاتِّفَاقُ مَعَ الدُّوَلِ الأُخرَى عَلَى أُمُورٍ تَتَعَلَّقُ بِالعَلَاقَاتِ بَينَهُ وَبَينَ دَولَتِهِ لِيُنَفِّذَهَا حِينَ يَسْتَلِمُ الحُكْمَ. فَهَذَا أَيضاً هُوَ الوَاقِعُ الَّذِي يُسَلَّطُ عَلَيهِ الدَّلِيلُ بِالنِّسبَةِ لِلخَارِجِ.
فَهَذَا الوَاقِعُ وَهُوَ قِيَامُ بَعْضِ المُؤَسَّسَاتِ مِنَ النَّاسِ كَالنَّقَابَاتِ مَثَلاً بِرِعَايَةِ بَعْضِ الشُّؤُونِ رِعَايَةً إِلزَامِيَّةً فِي الدَّاخِلِ، وَقِيَامُ بَعْضِ المُؤَسَّسَاتِ مِنَ النَّاسِ كَالأَحزَابِ السِّيَاسِيَّةِ مَثَلاً بِرِعَايَةِ بَعْضِ الشُّؤُونِ رِعَايَةً إِلزَامِيَّةً فِي الخَارِجِ، لَا يَجُوزُ فِي الإِسلَامِ مُطلَقاً. لِأَنَّ السُّلطَانَ وَالقِيَامَ بِسِيَاسَةِ النَّاسِ إِنَّمَا أُعطِيَ لِلخَلِيفَةِ أَو لِلأَمِيرِ، أَوْ لِمَنْ يُوَلِّيهِ الخَلِيفَةُ أَوِ الأَمِيرُ، فَلَا يَحِلُّ لِغَيرِهِ أَنْ يُبَاشِرَهُ وَلَو فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ، لِمُخَالَفَةِ ذَلِكَ لِلشَّرعِ.
وَأَيضاً فَإِنَّ مُبَاشَرَةَ رِعَايَةِ الشُّؤُونِ رِعَايَةً إِلزَامِيَّةً وِلَايَةٌ عَلَى النَّاسِ، وَالوِلَايَةُ عَقْدٌ لَا بُدَّ أَنْ يَتِمَّ بَينَ اثنَينِ، إِمَّا بَينَ الأُمَّةِ وَالخَلِيفَةِ أَو بَينَ الأُمَّةِ وَالأَمِيرِ الَّذِي أَمَّرَتْهُ، وَإِمَّا بَينَ الخَلِيفَةِ وَمَنْ يُوَلِّيهِ أَوْ بَينَ الأَمِيرِ وَمَنْ يُوَلِّيهِ. وَمَنْ يُبَاشِرُ رِعَايَةَ الشُّؤُونِ مِنْ غَيرِ عَقْدِ وِلَايَةٍ فَمُبَاشَرَتُهُ بَاطِلَةٌ، وَكُلُّ تَصَرُّفٍ بَاطِلٍ فَهُوَ حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ، فَكَانَتْ مُبَاشَرَةُ رِعَايَةِ الشُّؤُونِ رِعَايَةً إِلزَامِيَّةً بَاطِلَةٌ، وَمِنْ هُنَا يَحرُمُ عَلَى الأَحْزَابِ السِّيَاسِيَّةِ، وَعَلَى الأَفرَادِ فِي الأُمَّةِ أَنْ تَكُونَ لَهُمْ عَلَاقَةٌ بِأَيَّةِ دَولَةٍ أَجنَبِيَّةٍ، فِيهَا مِمَّا يُعتَبَرُ مُبَاشَرَةً لِرِعَايَةِ شَأْنٍ مِنْ شُؤُونِ الأُمَّةِ رِعَايَةً إِلزَامِيَّةً، وَهَذَا هُوَ دَلِيلُ هَذِهِ المَادَّةِ.
ثانياً: المادة 183: إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ جَعَلَ لِمُعَالَجَةِ مَشَاكِلِ النَّاسِ أَحْكاَماً كَالبَيعِ وَالإِجَارَةِ وَالشَّرِكَةِ وَغَيرِ ذَلِكَ، وَجَعَلَ لِتَنفِيذِ هَذِهِ المُعَالَجَاتِ بَينَ النَّاسِ أَحْكَاماً أُخرَى، كَعِقَابِ الغَاشِّ بِالبَيعِ تَعزِيراً، وَقَطْعِ يَدِ السَّارِقِ حَدّاً. وَكَذَلِكَ جَعَلَ لِمُعَالَجَةِ المَشَاكِلِ الَّتِي تَحصُلُ بَينَ الدَّولَةِ الإِسلَامِيَّةِ وَالدُّوَلِ الكَافِرَةِ أَحْكَاماً كَأَحْكَامِ المُعَاهِدِ وَالمُسْتَأْمِنِ، وَأَحْكَامِ دَارِ الحَرْبِ، وَأَحْكَامِ تَبْلِيغِهِمُ الدَّعْوَةَ عَلَى وَجْهٍ يُلفِتُ النَّظَرَ، وَغَيرِ ذَلِكَ. وَجَعَلَ لِتَنفِيذِ هَذِهِ الأَحْكَامِ أَحْكَاماً أُخرَى، كَحِفْظِ دَمِ المُستَأْمِنِ وَمَالِهِ مِثْلَ حِفْظِ دَمِ المُسلِمِ وَمَالِهِ، وَكَتَحرِيمِ قِتَالِ الكُفَّارِ قَبلَ تَبلِيغِهِمُ الدَّعْوَةَ عَلَى وَجْهٍ يَلْفِتُ النَّظَرَ، وَهَكذَا. فَالطَّرِيقَةُ فِي الإِسلَامِ أَحْكَامٌ شَرعِيَّةٌ. وَلِذَلِكَ لَا يُتَوَصَّلُ لِلنَّصْرِ بِالغَدْرِ، وَلَا يُتَوَصَّلُ لِلْفَتْحِ بِنَقْضِ العَهْدِ. فَكَمَا أَنَّ الغَايَةَ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مِمَّا أَتَى بِهِ الشَّرعُ كَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَا يُوصِلُ إِلَى هَذِهِ الغَايَةِ مِمَّا أَجَازَهُ الشَّرعُ. لِأَنَّ الغَايَةَ وَالوَاسِطَةَ كُلٌّ مِنهُمَا فِعُلُ العَبدِ، وَالَّذِي يَجعَلُ هَذَا الفِعْلَ مُبَاحاً أَو مَمنُوعاً هُوَ الدَّلِيلُ الشَّرعِيُّ وَلَيسَ النَّتَائِجُ الَّتِي تَنتُجُ عَنهُ، وَلَا الغَايَةُ الَّتِي يَهدِفُ إِلَيهَا لِأَنَّ اللهَ يَقُولُ: (وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ). (المائدة 49) لَا بِمَا نَتَجَ عَنِ الأَعْمَالِ، أَوْ بِمَا تُوصِلُ إِلَيهِ هَذِهِ الأَعْمَالُ، فَيَكُونُ حُكْمُ الوَاسِطَةِ كَحُكْمِ الغَايَةِ هُوَ الدَّلِيلَ الشَّرعِيَّ، أَيْ أَنَّ كَونَ الدَّلِيلِ الشَّرعِيِّ هُوَ الَّذِي يُقَرِّرُ إِبَاحَةَ الغَايَةِ أَوْ تَحرِيمَهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الغَايَةَ لَا تُبَرِّرُ الوَاسِطَةَ، أَيْ لَا تَجعَلُهَا مُبَاحَةً إِذَا كَانَ الدَّلِيلُ الشَّرعِيُّ قَدْ جَاءَ بِتَحْرِيِمهَا. وَلِذَلِكَ لَا تُجْعَلُ الوَاسِطَةُ مُبَاحَةً لِأَنَّ غَايَتَهَا مُبَاحَةٌ أَوْ وَاجِبَةٌ أَوْ مَندُوبَةٌ، أَوْ لِأَنَّ غَايَتَهَا فِيهَا نَفْعٌ أَو خَيرٌ أَو نَصْرٌ، بَلْ تَكُونُ مُبَاحَةً إِذَا أَبَاحَهَا الشَّرعُ، وَمُحَرَّمَةً إِذَا حَرَّمَهَا الشَّرعُ. أَيْ يَجِبُ أَنْ تُسَيَّرَ بِأَحْكَامِ الشَّرعِ. لِأَنَّ كُلَّ فِعْلٍ مِنْ أَفْعَالِ المُسلِمِ يَجِبُ أَنْ يُسَيَّرَ بِالشَّرعِ، وَأَنْ يَكُونَ وَفْقَ حُكْمٍ شَرعِيٍّ. لِأَنَّ تَعرِيفَ الحُكْمِ الشَّرعِيِّ هُوَ خِطَابُ الشَّارِعِ المُتَعَلِّقِ بِأَفْعَالِ العِبَادِ، فَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ جَمِيعُ أَفْعَالِ المُسلِمِ وَفْقَ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ. وَمِنْ هُنَا يُنكِرُ المُسلِمُونَ وَيَستَنكِرُونَ قَاعِدَةَ الغَايَةِ تُبَرِّرُ الوَاسِطَةَ. صَحِيحٌ أَنَّ الإِسلَامَ قَدْ استُنبِطَ مِنْ أَدِلَّتِهِ قَوَاعِدُ أَعْطَتِ الوَسِيلَةَ المُوصِلَةَ لِلغَايَةِ حُكْمَ الغَايَةِ، مِثْلَ قَاعِدَةِ: (الوَسِيلَةِ إِلَى الحَرَامِ حَرَامٌ) وَمِثْلَ قَاعِدَةِ: (كُلُّ فَردٍ مُبَاحٍ إِذَا أَوْصَلَ إِلَى ضَرَرٍ حُرِّمَ ذَلِكَ الفَرْدُ وَبَقِيَ الشَّيءُ مُبَاحاً). وَمِثْلَ قَاعِدَةِ: (مَا لَا يَتِمُّ الوَاجِبُ إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ) وَلَكِنَّ هَذَا إِذَا كَانَتِ الوَسِيلَةُ مُبَاحَةً، أَوْ فَرضاً، أَمَّا إِنْ كَانَتْ حَرَاماً فَلَا تُحِلُّهَا الغَايَةُ إِنْ كَانَتْ فَرضاً أَوْ مُبَاحَةً، بَلْ تَبْقَى حَرَاماً. وَمِنْ هُنَا كَانَتِ الغَايَةُ لَا تُبَرِّرُ الوَاسِطَةَ، أَيْ الغَايَةُ الوَاجبَةُ أَوِ المُبَاحَةُ لَا تَجعَلُ الوَاسِطَةَ المُحَرَّمَةَ مُبَاحَةً. وَعَلَى هَذَا وُضِعَتْ هَذِهِ المَادَّةُ وَكَانَ ذَلِكَ دَلِيلَهَا.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة، وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ، مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً، نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ، سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام، وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا، وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه، وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ، وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها، إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم، وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.