- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
بين إنهاء هيمنة الدولار وتحرير العملات
الخبر:
خسرت الليرة التركية منذ عام 2013 نحو أربعة أضعاف من قيمتها مقابل الدولار؛ من 1,5 ليرة تقريبا إلى 6 ليرات. وخسر الجنيه المصري خلال هذه السنوات الخمس نحو 3 أضعاف من قيمته؛ من 6 جنيهات إلى 18 جنيها، وخسر الجنية السوداني 8 أضعاف من 6 جنيهات إلى 48 جنيها، وخسر الدينار التونسي الضعف من قيمته تقريبا، من 1,53 دينارا إلى 2,85 دينارا. وسقط الريال الإيراني 3 أضعاف من 38000 ريال للدولار إلى أكثر 110000 آلاف ريال. وكلها مرشحة للسقوط أكثر وليس للارتفاع. وقس على ذلك أكثر العملات في البلاد الإسلامية وغيرها من دول العالم. فما هي عواقب هذه الانخفاضات في العملات؟ ولماذا تحدث؟ وما كيفية الخلاص منها؟
التعليق:
هذه الخسائر في العملات تتسبب في ارتفاع الأسعار مما يزيد العبء على كاهل الناس؛ بأن يدفعوا المزيد من النقود ليحصلوا على حاجاتهم وعلى الخدمات، فيصبح الكثير منهم يعاني شظف العيش.
وتتسبب في خسارة الدائنين، فإذا أراد أن يستوفي دينه تكون قيمة الدين قد انخفضت بمقدار ما انخفضت العملة، ونحن المسلمين لا نقبل الربا على الدين، وذلك محرم تحريما قاطعا. وإذا وضع ربا على المستدين فيتضاعف العبء عليه ويرهقه الدين الربوي كما هو حاصل.
وتتسبب في خسارة المستثمرين لأموالهم في المشاريع، فإذا تعهد مستثمر بإنشاء مشروع لشخص أو لمؤسسة بكلفة معينة، فعند انخفاض العملة يترتب عليه أن يدفع المزيد، مما يتسبب له بالخسائر أو بفقدان الأرباح، وعندئذ لا يتشجع المستثمرون على القيام بإنشاء المشاريع، فتتوقف حركة العمران والصناعة والزراعة والتجارة وغيرها.
وتعمد الدول إلى رفع سعر الفائدة الربوية لتشجع الذين سيضعون أموالهم في البنوك لاستثمارها بالربا وليس في إقامة المشاريع التي تفيد البلاد والعباد. وهي محاولة من الدول لوقف انخفاض العملة لديها بجلب مزيد من الأموال إلى بنوكها، ولكن حركة الاستدانة للقيام بالأعمال ستنخفض لأن الفائدة الربوية قد ارتفعت على الدين، وعندئذ تقل حركة الاستثمار في المشاريع الحقيقية وتزيد البطالة.
ويتسبب انخفاض العملة بزيادة البطالة أيضا، إذ إن الكثير من أصحاب الأعمال والمشاريع والمؤسسات والمحلات يعمدون إلى تخفيض عدد العاملين لديها لمواجهة الخسائر وللمحافظة على الأرباح عند انخفاض العملة حتى يقللوا من سعر التكلفة.
كل ذلك يؤدي إلى احتجاج الناس وزيادة تذمرهم من الأنظمة القائمة مما يؤدي إلى الانتفاضة والثورة. وهذا حق شعبي، لأن السلطة قائمة على قضاء مصالح الناس وتأمين سبل العيش الرغيدة لهم والعمل على إسعادهم. فإذا لم تستطع القيام بذلك فيجب إسقاطها، أو إسقاط النظام برمته إن كان الفساد في أصل النظام.
والحقيقة أن الفساد قائم في أصل النظام، وليس فيمن يتولى السلطة فقط، لأن الدولة هي جهاز تنفيذي لمجموعة المفاهيم والمقاييس والقناعات التي يتبناها الناس، وهي منبثقة من فكرة.
فالفكرة الإسلامية تنبثق منها المفاهيم والمقاييس والقناعات الصحيحة فتكون الدولة القائمة على هذه الفكرة وعند تطبيقها بإحسان تصبح دولة راشدة، وهذا هو المطلوب.
وأما الدول القائمة حاليا في العالم الإسلامي فهي جهاز تنفيذي لمجموعة المفاهيم والمقاييس والقناعات الغربية الغريبة التي لا يتبناها الناس وتفرض عليهم بالقوة وتطبق بالحديد والنار. وبذلك كانت كلها دولاً فاشلة جائرة مستبدة. فكان الحق كل الحق للناس بأن يقوموا ويعملوا على إسقاطها، وقد وعوا على ذلك فتحركوا، وما زالت حركتهم قائمة وهي في طور النضوج ونحو وعي تام بفضل الله ورحمته بإخراجها ثلة واعية من أبنائهم المخلصين لتقودهم قيادة سياسية واعية صادقة.
إن هذه الانخفاضات في العملات تحدث لارتباطها بالدولار، وهي والدولار عملات وثيقية لا تستند إلى الذهب أو الفضة. فالدولار يسند نفسه بالثقة بمدى هيمنة أمريكا الاقتصادية والسياسية والعسكرية في العالم. فيتحكم في أسعار النفط والذهب وكافة المواد الأساسية ويتحكم في المؤسسات الاقتصادية العالمية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومؤسسة التجارة الدولية وتتحكم شركاتها ومضاربوها في البورصات العالمية والمحلية.
فمنذ معاهدة بريتون وودز عام 1944 عندما جعل الدولار هو العملة التي تقدَّر بها أسعار النفط والذهب وتأسيس البنك وصندوق النقد الدوليين وإخضاع جميع دول العالم لهاتين المؤسستين لفرض الشروط الأمريكية عليهما حسب تحكم الدولار وشروط سير الاقتصاد في كل دولة وشروط الإقراض، ومن ثم تأسيس منظمة التجارة العالمية لفتح الأبواب أمام الشركات الأمريكية لغزو الأسواق المالية والتجارية والاستثمار في دول العالم، كل ذلك مكّن من هيمنة الدولار الورقة التي لا تساوي الحبر الذي طبعت به.
علما أن العملات الأخرى مثل الدولار ورقة وثيقية ليس لها مقابل إلا الثقة في البلد وقوتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية. ولكنها لا تساوي شيئا في خارج بلدها لعدم وجود هذه القوة لديها، فتضطر إلى أن ترتبط بالدولار أو بسلة العملات الصعبة. وهكذا تحصل أمريكا على كل ثروات العالم مجانا بورقتها المطبوعة بحبر أخضر، ولكن تركيا ومصر والسودان وتونس وإيران وغيرها تضطر إلى شراء الدولار أو الحصول عليه ببيع ثرواتها بأبخس الأثمان أو بيع ما لديها من ذهب لدفع ما تستورده من الخارج أو لدفع ديونها للدول والمؤسسات الدائنة الخارجية وللمستثمرين الأجانب، ولا تستطيع أن تدفع لهم بعملتها المحلية، فتذهب ثرواتها ومقدراتها هباء.
والحل هو جعل العملات تستند إلى الذهب والفضة. فكل دولة تسند عملتها بمقدار معين من الذهب أو الفضة، فعندئذ تتعامل كل الدول بكل العملات، فالتي ليس لديها ذهب وفضة تكسبهما عندما تبيع بضاعتها للدول الأخرى فتقبضها بالذهب والفضة أو عندما ترسل عمالها إلى الخارج فيعودون بالذهب الفضة مقابل خدماتهم، فيصبح لديها رصيد من الذهب أو الفضة أو يزيد رصيدها من المعدنين. فذلك يكون حقا وعدلا، فلا يظلم شعب من الشعوب، فثرواتهم وسلعهم التي يصدرونها لها مقابل حقيقي لا ورقة خضراء!
وبذلك تستقر الأسعار والأجور بشكل عام، فلا يحصل تضخم كما يحصل حاليا، ولا يظلم الدائنون بلا ربا، ولا يظلم أصحاب الاستثمارات، بل يتشجعون على استثمار أموالهم في مشاريع حقيقية تفيد البلد، لا لوضعها في البنك لاستثمارها بالربا الذي يمحقه الله لأنه يمحق الناس. ولا يظلم شعب بأن تذهب ثرواتهم سدى وهم لا يستطيعون أن يحصلوا على ثروات الآخرين وسلعهم إلا بكد الأنفس وبشكل ضئيل، وعندئذ لا تستطيع أمريكا أن تنهب ثروات الشعوب الأخرى ليتمتع شعبها بثروات العالم وسلعه مجانا، وعندئذ لا تستطيع أن تمول قواعدها المنتشرة في العالم، ولا الحروب الإرهابية التي تشنها على شعوب الأرض، فتعود أدراجها إلى داخل حدودها وإلى عزلتها التي يتوق لها الكثير من الأمريكيين، فيتخلص العالم من شرها المستطير، وتكون الظروف قد تهيأت بإذن الله للمسلمين بأن ينشروا الخير عن طريق دولتهم دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أسعد منصور