- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
(سلسلة أجوبة العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة أمير حزب التحرير
على أسئلة رواد صفحته على الفيسبوك "فقهي")
جواب سؤال حول توريث ذوي الأرحام
إلى Yuce Ulfa
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعد التحية، يا شيخنا الجليل حفظك الله ورعاك،
ورد في كتاب الأموال في دولة الخلافة في الباب "مال من لا وارث له" ص 118 ما يلي: "كل مال، منقولا كان، أو غير منقول، مات عنه أربابه، ولم يستحقّه وارث بفرض، ولا تعصيب، بأن يكون الشخص قد مات، ولم يكن له ورثة، من زوجة، أو أولاد، أو آباء، أو أمهات، أو إخوة، أو أخوات، أو عصبات، فإن هذا المال ينتقل إلى بيت المال ميراثا." السؤال هو: هل هذا يعني أن الحزب يتبنى عدم توريث ذوي الأرحام عند عدم ذوي الفروض وعدم العصبات؟ أي إذا مات شخص ولا يوجد له ورثة من ذوي الفروض ولا العصبات، ولكن يوجد أقارب من ذوي الأرحام، في هذه الحالة هل ينتقل مال تَرِكَتِهِ إلى بيت المال ميراثا ولا يستحقّ ذوو الأرحام شيئا من تركته؟ وإذا كان، فكيف بما روي عَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، أَنَّ رَجُلًا رَمَى رَجُلًا بِسَهْمٍ، فَقَتَلَهُ، وَلَمْ يَتْرُكْ إلَّا خَالًا، فَكَتَبَ فِيهِ أَبُو عُبَيْدَةَ إلَى عُمَرَ، فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ: إنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ «اللَّهُ وَرَسُولُهُ مَوْلَى مَنْ لاَ مَوْلَى لَهُ وَالْخَالُ وَارِثُ مَنْ لاَ وَارِثَ لَهُ» (رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد وابن حبان) وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح، وصححه ابن حبان. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وروى المقدام بن معديكرب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «مَنْ تَرَكَ كَلاً فَإِلَيَّ (وَرُبَمَا قَالَ: إِلَى اللهِ وِإِلَى رَسُوْلِهِ) وَمَنْ تَرَكَ مَالاً فَلِوَرَثَتِهِ وَأَنَا وَارِثٌ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ أَعْقِلُ لَهُ وَأَرِثُهُ وَالْخَالُ وَارِثٌ مَنْ لاَ وَارِثَ لَهُ يَعْقِلُ عَنْهُ وَيَرِثُهُ» (رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والطحاوي وابن حبان والحاكم والبيهقي وابن الجارود) وروى أبو عاصم عن أبن جريج عن عمرو بن مسلم عن طاوس عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول اللهصلى الله عليه وسلم: «اَلْخَالُ وَارِثٌ مَنْ لاَ وَارِثً لَهُ» (رواه الترمذي والدارقطني) قال الترمذي: وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ هذه الأحاديث تثبط أن الخال وارث، والخال من ذوي الأرحام، وعليه فإن هذه الأحاديث تدل على توريث ذوي الأرحام. وروي عن واسع بن حبان قال: توفي ثابت بن الدحداحة ولم يدع وارثا ولا عصبة فرفع شأنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عنه عاصم بن عدي «هل ترك من أحد؟» فقال: يا رسول الله، ما ترك أحدا. «فدفع رسول الله صلى الله عليه وسلم ماله إلى ابن أخته أبي لبابة بن عبد المنذر» (قال السيوطي في جامع الحديث: سعيد بن منصور وسنده صحيح) وروي عن واسع بن حبان قال توفي ثابت بن الدحداحة وكان رجلا أتيا في بني أنيف أو في بني العجلان فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هل له من وارث؟» فلم يجدوا له وارثا. قال: «فدفع النبي صلى الله عليه وسلم ميراثه إلى ابن أخته أبي لبابة بن عبد المنذر» (مصنف عبد الرزاق).
أشكرك كثيرا على اهتمامك وجوابك يا شيخنا الجليل، وجزاك الله خيرا، وجعل الله النصر والتمكين على يديك آمين. ومعذرة عن طوال السؤال. أختك أم فقيه عبد الرحمن.
الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته:
قبل الإجابة على هذا السؤال يحسن أن نبين ما يلي:
ينقسم من لهم صلة قرابة بالميت في علم المواريث إلى ثلاثة أقسام:
1- أصحاب الفروض وهم الذين لهم أنصبة مقدرة من الميراث نص عليها الشرع.
2- العصبات وهم الذين ليس لهم أنصبة وفروض مقدرة من الميراث ولكن الشرع نص عليهم بأخذ ما يبقى من الميراث.
3- ذوو الأرحام وهم سائر الأقارب الذين ليسوا أصحاب فروض ولا عصبات، وهم عشرة أصناف: الخال والخالة، والجد لأم، وولد البنت وولد الأخت، وبنت الأخ، وبنت العم، والعمة، والعم لأم، وابن الأخ لأم ومن أدلى بأحد منهم.
ولا خلاف بين المسلمين في أن أصحاب الفروض والعصبات يرثون لورود أدلة واضحة في ذلك، فآيات المواريث والأحاديث الصحيحة، أدلة واضحة على كونهم يرثون... وأما ذوو الأرحام فقد وقع خلاف في توريثهم في عهد الصحابة والتابعين والفقهاء من بعد...
فممن قال بتوريثهم من الصحابة علي وابن مسعود وابن عباس في أشهر الروايات عنه... ومن التابعين شريح والحسن البصري...
وممن قال بعدم توريثهم من الصحابة زيد بن ثابت وابن عباس في رواية عنه... ومن التابعين سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير...
وذهب الشافعي إلى أنه لا ميراث لهم وأن بيت المال أولى منهم... وقال أبو حنيفة: ذوو الأرحام أولى بالميراث من بيت المال...
وهكذا فإن المسألة خلافية، وإني أجيبك وفق الراجح لدينا:
1- نعم إن الحزب يتبني الرأي القائل بعدم توريث ذوي الأرحام عند انعدام أصحاب الفروض والعصبات، ويظهر ذلك من النص الذي نقلته السائلة من كتاب الأموال في دولة الخلافة، وأوضح منه هو ما جاء في النظام الاجتماعي تحت عنوان: "صلة الأرحام" من قوله:
(وقد جعل الإسلام الأقارب قسمين أحدهما الأقارب الذين يمكن أن يرثوا الشخص إذا مات. والثاني أولو الأرحام. أما الذين لهم حق الإرث فهم أصحاب الفروض والعصبات، أما ذوو الأرحام فهم غير هؤلاء، وهم من لا سهم لهم في الميراث وليسوا بعصبة. وهم عشرة أصناف: الخال والخالة، والجد لأم، وولد البنت وولد الأخت، وبنت الأخ، وبنت العم، والعمة، والعم لأم، وابن الأخ لأم ومن أدلى بأحد منهم. وهؤلاء لم يجعل الله لهم نصيباً في ميراث الشخص مطلقاً.) انتهى، فنحن نتبنى هذا الرأي لرجحان أدلته عندنا.
2- فإذا مات شخص وليس له وارث من أصحاب الفروض والعصبات، فإن ميراثه مستحق لبيت مال المسلمين، أي أن بيت مال المسلمين هو وارثه، والدليل على ذلك:
- أخرج الحاكم في المستدرك وقال هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ: عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي عَامِرٍ الْهَوْزَنِيِّ، عَنِ الْمِقْدَامِ الْكِنْدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَنَا مَوْلَى مَنْ لَا مَوْلَى لَهُ أَرِثُ مَالَهُ...».
- وأخرج ابن حبان في صحيحه عن رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي عَامِرٍ الْهَوْزَنِيِّ، عَنِ الْمِقْدَامِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ تَرَكَ كَلًّا فَإِلَيْنَا، وَمَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ، وَأَنَا وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ...».
- وأخرج ابن ماجه في سننه عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي عَامِرٍ الْهَوْزَنِيِّ، عَنِ الْمِقْدَامِ الشَّامِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِصلى الله عليه وسلم: «أَنَا وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ، أَعْقِلُ عَنْهُ وَأَرِثُهُ...».
فهذه الأحاديث صريحة، وواضحة الدلالة، في أن الشخص إذا مات وليس له وارث، فإن وارثه يكون هو الرسول صلى الله عليه وسلم، لأنّه ولي المؤمنين كافة، ومولى من لا مولى له، ومن بعده انتقلت الولاية إلى الخليفة، وأصبح الخليفة هو ولي المؤمنين كافة، ومولى من لا مولى له، ووارث من لا وارث له، ووراثة الخليفة لا تكون لنفسه، وإنّما لبيت مال المسلمين، وبذلك يتحول ميراث من لا وارث له، من الأملاك الخاصة، إلى ملكية الدولة، ويوضع في بيت المال، في ديوان الفيء والخراج، ويتصرف فيه الخليفة وفق ما يراه في مصالح المسلمين.
3- أما لماذا يتبنى الحزب أن ذوي الأرحام لا يرثون، فذلك لأن أدلة الميراث من الكتاب والسنة جاءت مفصلة ومبيِّنة أحكام الميراث ومستحقيه وهم:
- أصحاب الفروض، ومن هذه الأدلة قوله تعالى: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْن...﴾ وقوله تعالى: ﴿ولكم نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ...﴾
- والعصبات، ومن هذه الأدلة قوله صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه البخاري ومسلم عن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قال النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَلْحِقُوا الفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا بَقِيَ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» أي لأقرب وارث من العصبات، جاء في فتح الباري (قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْمَعْنَى أَقْرَبُ رجل من الْعصبَة، وَقَالَ بن بَطَّالٍ الْمُرَادُ بِأَوْلَى رَجُلٍ أَنَّ الرِّجَالَ مِنَ الْعَصَبَةِ بَعْدَ أَهْلِ الْفُرُوضِ إِذَا كَانَ فِيهِمْ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ إِلَى الْمَيِّتِ اسْتَحَقَّ دُونَ مَنْ هُوَ أَبْعَدُ فَإِنِ اسْتَوَوْا اشْتَرَكُوا...)
ولم ترد أدلة تجعل لذوي الأرحام نصيباً من الميراث، وقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم هذا المعنى في الحديث الذي رواه الترمذي عن أَبِي أُمَامَةَ البَاهِلِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ عَامَ حَجَّةِ الوَدَاعِ: «إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدْ أَعْطَى لِكُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ»، وهذا الحديث في خطبة حجة الوداع، وهي من آخر ما تكلم به النبي صلى الله عليه وسلم قبل موته، وهو في موضوع الإرث، ومنه يتبين أن مستحقي الميراث هم من جعل الله سبحانه لهم حقوقاً في الميراث وفق ما جاء في كتاب الله تبارك وتعالى وما جاء في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم أصحاب الفروض والعصبات، ولا يدخل فيهم ذوو الأرحام حيث لم يجعل الله سبحانه لهم نصيباً من الميراث.
4- أما ما جاء في السؤال من روايات بأن ذوي الأرحام لهم حق في الميراث، فهي ليست كذلك، وسنستعرضها كما يلي:
أ- روى الترمذي في سننه عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ قَالَ: كَتَبَ مَعِي عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اللَّهُ وَرَسُولُهُ مَوْلَى مَنْ لَا مَوْلَى لَهُ، وَالخَالُ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ»...لكن هناك رواية أخرى تبين العلة، فقد روى أبو داود في سننه عَنِ الْمِقْدَامِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَرَكَ كَلًّا فَإِلَيَّ»وَرُبَّمَا قَالَ: «إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ، وَمَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ، وَأَنَا وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ، أَعْقِلُ لَهُ وَأَرِثُهُ، وَالْخَالُ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ، يَعْقِلُ عَنْهُ وَيَرِثُهُ»، وبالجمع بين الحديثين يتبين أن الخال المقصود هنا هو الذي«يعقل عنه» أي يكون من عاقلته، (والعاقلة هم العصبات فقط، وأما غيرهم من الإخوة من الأم وسائر ذوي الأرحام والزوج وكل من عدا العصبات فإنهم ليسوا من العاقلة. والعاقلة هم عصبة الرجل، وهم أخوته وأعمامه وأولادهم وأن سفلوا... وهم الذين يدفعون دية القتل الخطأ حيث تدفعها العاقلة وحدها، وعاقلة الرجل هم عشيرته: إخوته وأعمامه وأولاد عمه حتى الجد الثالث...) العقوبات - باب لمن تدفع الدية.
وعليه فإن الخال المقصود في الحديث هو الذي يكون من العصبة كأن يتزوج رجل من ابنة عمه فيكون خال ولده ابن عمه أي من العصبة وليس فقط من ذوي الأرحام، أي أن الحديث يدل على أن من مات ولم يكن له ورثة من أصحاب الفروض وكان له خال من عصبته فإنه يرث، وأنْ تَرِثَ العصبةُ في هذه الحالة فلا خلاف.
ب- جاء في سنن سعيد بن منصور وفي كنز العمال عن محمد بن يحيى بن حبان عن عمه واسع بن حبان قال:«توفى ثابت بن الدحداحة ولم يدع وارثا ولا عصبة فرفع شأنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عنه عاصم بن عدى هل ترك من أحد فقال يا رسول الله ما ترك أحدا فدفع رسول الله صلى الله عليه وسلم ماله إلى ابن أخته أبى لبابة بن عبد المنذر» وقال عنه السيوطي في جامع الحديث "سنده صحيح"، فواضح من هذه الرواية أن ثابت بن الدحداحة لم يدع وارثاً ولا عصبة، أي لم يترك مستحقاً للميراث، وأن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي دفع ماله إلى ابن أخته لا أنه أعطاه حقاً في الميراث، أي تصرف صلى الله عليه وسلم بوصفه إماماً فأعطى المال ابن أخته بما جُعل له صلى الله عليه وسلم من حق التصرف بهذا المال، فهذا الحديث دليل على أن ذوي الأرحام ليسوا أصحاب حق في الميراث وليس دليلاً على أنهم يرثون. وهذا واضح في أول الرواية: (ولم يدع وارثا ولا عصبة).
ويؤكد ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم سئل عن ميراث العمة والخالة، فقال صلى الله عليه وسلم (لا ميراث لهما)، والحديث بتمامه: أخرج الحاكم في المستدرك على الصحيحين وقال هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ: عَنِ ابْنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلمعَلَى حِمَارٍ فَلَقِيَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ رَجُلٌ تَرَكَ عَمَّتَهُ وَخَالَتَهُ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُمَا، قَالَ: فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ رَجُلٌ تَرَكَ عَمَّتَهُ وَخَالَتَهُ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُمَا» ثُمَّ قَالَ: «أَيْنَ السَّائِلُ؟» قَالَ: هَا أَنَا ذَا، قَالَ: «لَا مِيرَاثَ لَهُمَا» والعمة والخالة من أولي الأرحام ومع ذلك فلم يجعلهما الرسول صلى الله عليه وسلم من أهل الميراث.
ج- لكن حديث أبي لبابة يرشد إلى أن الميت إن لم يكن له ورثة من أصحاب الفروض ولا من العصبات فيعطي الخليفة لذوي الأرحام من تركة الميت، كلها أو بعضها، أي ليس فرضاً أن توضع كلها في بيت المال إن كان للميت ذوو رحم. وهذا لا يتعارض مع قولنا في الأموال من أن مال الميت يكون في بيت المال إن لم يكن للميت ورثة من أصحاب الفروض أو العصبات، وذلك لأن الخليفة هو الذي يتصرف بهذه الأموال وفق ما يراه من مصلحة للمسلمين، فله أن يعطي من تركة الميت لأرحامه إن لم يكن له ورثة من أصحاب الفروض والعصبات. فإذا انعدم بيت مال المسلمين لعدم وجود الخليفة، فإن مال الميت الذي لا ورثة له من أصحاب الفروض والعصبات، هذا المال يدفع إلى ذوي أرحامه، فهم أولى بماله من غيرهم عند فقد الإمام.
هذا هو الراجح في مسألة توريث ذوي الأرحام، والله أعلم وأحكم.
أخوكم عطاء بن خليل أبو الرشتة
رابط الجواب من صفحة الأمير على الفيسبوك
رابط الجواب من موقع الأمير
رابط الجواب من صفحة الأمير على الغوغل بلس