- الموافق
- 1 تعليق
بسم الله الرحمن الرحيم
كيف ستعامل الخلافة رعاياها من غير المسلمين
(مترجمة)
يقول سبحانه وتعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾
جاء الإسلام رسالة للبشرية كلها، دون النظر إلى دينهم أو عقيدتهم أو عرقهم أو جنسهم. وفي دولة الخلافة فإن كل الرعايا سيتمتعون بفوائد النظام الإسلامي وبالحماية الكاملة لحياتهم وممتلكاتهم وشرفهم دون أي تمييز بينهم.
"جميع الذين يحملون التابعية الإسلامية يتمتعون بالحقوق ويلتزمون بالواجبات الشرعية." (المادة 5 من مشروع دستور دولة الخلافة، حزب التحرير)
إن الإسلام يرفض كل علامات القومية، والتي كانت أساس التطور في الدول الغربية. حيث إن الإسلام يتسامى عن كل هذا لأنه يعرّف الشخصية بناء على نظرة شاملة للعالم. هذه النظرة تقوم على أساس فهم أن كل شيء مخلوق للخالق سبحانه وتعالى وأن كل شيء ذليل أمام تشريعات الله سبحانه وتعالى.
أما من منظور اجتماعي فإن الإسلام ينظر لجميع السكان كأناس بغض النظر عن عرقهم أو أصلهم. ونتيجة لذلك فإن كل من يسكن مناطق الدولة الإسلامية يُنظر إليه على أنه تابعي، بغض النظر عن دينه أو لونه أو عرقه.
إن حق التابعية يعتمد على الإقامة عوضا عن مكان الولادة أو الزواج. فكل من يحملون التابعية يخضعون للدولة، التي يقع على عاتقها أمر حمايتهم وإدارة شؤونهم، دون أي تمييز. فكل من يحمل تابعية الدولة الإسلامية يجب أن تتم معاملته بتساو وعدل دون أي تمييز بينهم سواء من الحاكم أو فيما يخص إدارة شؤونهم أو حماية حياتهم وشرفهم وثرواتهم، أو من القاضي ليحكم بالعدل والمساواة.
"لا يجوز للدولة أن يكون لديها أي تمييز بين أفراد الرعية في ناحية الحكم أو القضاء أو رعاية الشؤون أو ما شاكل ذلك، بل يجب أن تنظر للجميع نظرة واحدة بغض النظر عن العنصر أو الدين أو اللون أو غير ذلك." (المادة 6 من مشروع دستور دولة الخلافة، حزب التحرير)
إن حق التابعية في الإسلام يقوم على إقامة الشخص بشكل دائم في أراضي دولة الخلافة بغض النظر عن عرقه أو معتقداته. فليس مطلوبا من الشخص أن يكون مسلما وأن يتبنى القيم الإسلامية حتى يكون تابعا للدولة. وهذا مأخوذ من حديث رسول لله e، حيث قال عليه الصلاة والسلام: «ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ فَإِنْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، وَكُفَّ عَنْهُمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ فَإِنْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا أَنَّ لَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَيْهِمْ».
إن الرعايا غير المسلمين الذين يعيشون في دولة الخلافة أطلقت عليهم الشريعة اسم الذميين. وأما مصطلح "الذمي" فيعني "الالتزام بالوفاء بالاتفاق". وقد جاء الإسلام بعدد من التشريعات تتعلق بالذميين، والتي تضمن لهم حقوق التابعية وتفرض عليهم ما عليهم من واجبات. كما حدد الإسلام أن للذمي التمتع بنفس العدالة التي يتمتع بها المسلمون وأنه يجب أن يلتزموا بنفس الأحكام التي يلتزم بها المسلمون. أما بما يتعلق بتمتعهم بالعدل والمساواة، فقد جاء ذلك من الحكم العام الذي أمر به تعالى في قوله: ﴿وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ﴾ وقوله تعالى: ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ﴾ وكما قال تعالى حول الحكم بين أهل الكتاب: ﴿وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾.
- يترك غير المسلمين وما يعتقدون وما يعبدون ضمن النظام العام. وتفصل أمور الزواج والطلاق بين غير المسلمين حسب أديانهم. وتعين الدولة قاضيا منهم للبت في قضاياهم حسب دينهم في المحاكم التابعة للدولة. ويعامل غير المسلمين في أمور المطعومات والملبوسات حسب أديانهم ضمن ما تجيزه الأحكام الشرعية. وتنفذ الدولة باقي الأحكام الشرعية وسائر أمور الشريعة الإسلامية من معاملات وعقوبات وبينات ونظم حكم واقتصاد وغير ذلك على الجميع، ويكون تنفيذها على المسلمين وعلى غير المسلمين على السواء، (من المادة 7، مشروع دستور دولة الخلافة، حزب التحرير). وكتب آدم متز وهو مؤرخ غربي، بما يتعلق بالخلافة في القرن الرابع بعد الهجرة، "لقد سمحت الدولة الإسلامية للناس من انتماءات ديانات أخرى باستخدام محاكمهم الخاصة. وما نعلم عن هذه المحاكم أنها محاكم كنائسية وكبار القضاة فيها هم قادة روحانيون بارزون".
هناك العديد من الأحاديث التي تأمر بحسن المعاملة مع الذميين وعدم التعرض لهم بالإساءة أو التعامل معهم وكأنهم من طبقة أدنى. فرسول الله e قال: «أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا، أَوِ انْتَقَصَهُ، أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ، فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». كما أن علماء الإسلام فصّلوا في واجبات المسلمين أمام أهل الذمة. حيث قال القاضي المالكي الشهير شاه الدين القرافي "من واجب المسلمين تجاه أهل الذمة الاعتناء بضعيفهم، وتلبية حاجات فقيرهم، وإطعام جائعهم، وكسوتهم، ومخاطبتهم بأدب، وحتى احتمال الأذى منهم حتى وإن كان من جار، على الرغم من امتلاك المسلمين اليد العليا. على المسلمين أن ينصحوهم بإخلاص في شؤونهم وأن يحموهم من أي من يحاول المساس بهم أو بأسرهم أو سرقة ثرواتهم، أو التعدي على حقوقهم".
قال المؤرخ البريطاني تي دبليو آرنولد في كتابه "تعاليم الإسلام" بما يتعلق بمعاملة غير المسلمين الذين يعيشون في ظل الخلافة العثمانية "على الرغم من تفوق اليونانيون عددا على الأتراك في كل المقاطعات الأوروبية في الإمبراطورية، إلا أن التسامح الديني الذي ضمنوه، والحماية على أرواحهم وممتلكاتهم التي تمتعوا بها، جعلهم يفضلون سيطرة السلطان بدلا عن أي قوة مسيحية". وكتب الكاتب الإنجليزي إتش جي ويلز ما يلي عن تطبيق العدالة من الخلافة: "لقد أنشأوا عادات عظيمة من التسامح الديني. لقد ألهموا الناس بكرمهم وتسامحهم الروحيين، وهم غاية في الإنسانية والعملية. لقد خلقوا مجتمعا إنسانيا يندر فيه رؤية القسوة أو الظلم الاجتماعي، على غير عادة المجتمعات التي أتت قبلهم".
يتمتع الذمي بحقوق اقتصادية كالمسلمين. حيث يمكن أن يكونوا موظفين، أو أن يؤسسوا شركات لهم، أو أن يكونوا شركاء مع مسلمين، ويمكنهم الشراء والبيع. كما أن ثرواتهم محمية وفي حال كانوا فقراء وغير قادرين على العثور على عمل فإنهم عندها يستحقون مساعدات من خزينة دولة الخلافة (بيت المال).
يجوز أن يكون في مجلس الأمة - وهو جهاز في الدولة يحاسب الخليفة ويمثل ويعبر عن آراء الشعب للخليفة - أعضاء من غير المسلمين من الرعايا؛ من أجل الشكوى من ظلم الحكام لهم، أو من إساءة تطبيق الإسلام عليهم، أو عدم توفير الخدمات لهم ونحو ذلك. "...ويجوز لغير المسلمين أن يكونوا في مجلس الأمة من أجل الشكوى من ظلم الحكام، أو من إساءة تطبيق أحكام الإسلام". (المادة 105، مشروع دستور دولة الخلافة، حزب التحرير)
تاريخيا فإن أهل الذمة تمتعوا بالتسامح والازدهار في دولة الخلافة. وقد ذكر المؤرخ التاريخي اليهودي البريطاني سيسيل روث معاملة الدولة العثمانية لليهود والتي جذبت اليهود من كل أنحاء أوروبا الغربية. فأرض الإسلام أصبحت أرض الفرص. وكان أطباء يهود من مدرسة سالانكا يعملون في خدمة السلطان والوزراء. وفي العديد من الأماكن كانت صناعة الزجاج والتعدين حكرا على اليهود، وبمعرفتهم بلغات أجنبية، كانوا أكبر المنافسين للتجار الفينيسيين.
إن أكبر سوء فهم لنظام الضريبة في الإسلام هي الجزية. فبعض المؤرخين رسموا صورة مغلوطة عن الجزية بأنها كانت عالية جدا لدرجة اضطرار الذميين إلى الدخول في الإسلام لتجنبها. وقام البعض بوضع تقديرات عشوائية مغلوطة للجزية وصل تقديرها إلى 50%.
إن فرض الجزية جاء من الآية الكريمة، حيث قال سبحانه وتعالى: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ [التوبة 29]، وصاغرون هنا تعني الخضوع لأحكام الإسلام. ولا تعني الذل الحقيقي.
إن الجزية تفرض على كل البالغين من الذكور القادرين على دفعها. أما النساء والأطفال فيستثنون منها كما الفقراء الذين لا يملكون قوت يومهم. وتُدفع الجزية حسب وضع الذمي. ففي زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وضع ثلاث فئات للجزية حسب وضع الشخص. معدلات الجزية لولايات مختلفة في الدولة الإسلامية زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مذكورة في الجدول التالي:
اليمن | دينار (عملة ذهبية) | وزن الدينار بالغرام | الغرامات بالذهب |
كل من يقدر عليها | 1 | 4.25 | 4.25 غم |
العراق | درهم (عملة فضية) | وزن الدرهم بالغرام | الغرامات بالفضة |
الأغنياء | 48 | 2.975 | 142.80 |
الطبقة المتوسطة | 24 | 2.975 | 71.4 |
الفقراء | 12 | 2.975 | 35.7 |
مصر | دينار (عملة ذهبية) | وزن الدينار بالغرامات | الغرامات بالذهب |
الأغنياء | 4 | 4.25 | 17 غم |
الطبقة المتوسطة | 2 | 4.25 | 8.5غم |
الفقراء | 1 | 4.25 |
4.25 غم
|
- تُمنع الخلافة أن تثقل كاهل الذميين بالضرائب لما قد ينتج عن ذلك من أذى لهم. حيث قال رسول الله r: «أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا، أَوِ انْتَقَصَهُ، أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ، فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». وقد جيء لعمر بن الخطاب بمال كثير، أحسبه قال من الجزية، فقال: إني لأظنكم قد أهلكتم الناس؟ قالوا: لا والله ما أخذنا إلا عفوا صفوا. قال: بلا سوط ولا نوط؟ قالوا: نعم. قال: الحمد لله الذي لم يجعل ذلك على يدي ولا في سلطاني.
"وقد كان أهل الذمة: المسيحيون والزرادشتيون واليهود والصابئون، يتمتعون في عهد الخلافة الأموية بدرجة من التسامح لا نظير لها في البلاد المسيحية في هذه الأيام، فقد كانوا أحراراً في ممارسة شعائرهم، واحتفظوا بكنائسهم ومعابدهم. وتمتعوا بحكم ذاتي بما يتعلق بأحكام دينهم من العلماء والقضاة". ويل دورانت، كاتب ومؤرخ أمريكي، "قصة الحضارة - عصر الإيمان".
كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
ثريا أمل يسنى
عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
1 تعليق
-
لا حل ولا خلاص إلا بالإسلام،الخلافة وعد الله ونصر قريب