الإثنين، 30 شوال 1446هـ| 2025/04/28م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام (ح263) تمنع منعاً باتاً المعاهدات العسكرية، وما هو من جنسها كالمعاهدات السياسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام

(ح263)تمنع منعاً باتاً المعاهدات العسكرية، وما هو من جنسها كالمعاهدات السياسية

 

 

الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ، وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ، وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ، وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ، والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ، خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ، وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ، الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ، وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ، فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ، وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ، وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ. 

 

أيها المؤمنون:

 

السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا: "بُلُوغُ المَرَامِ مِنْ كِتَابِ نِظَامِ الِإسْلَامِ" وَمَعَ الحَلْقَةِ الثَّالِثَةِ وَالسِّتِّينَ بَعْدَ المِائَتَينِ، وَعُنوَانُهَا: "تُمْنَعُ مَنعاً بَاتّاً المُعَاهَدَاتُ العَسْكَرِيَّةُ، وَمَا هُوَ مِنْ جِنْسِهَا كَالمُعَاهَدَاتِ السِّيَاسِيَّةِ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ الخَامِسَةِ وَالثَّلَاثِينَ بَعْدَ المِائَةِ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ والمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:

 

المادة 190: تُمْنَعُ مَنعاً بَاتّاً المُعَاهَدَاتُ العَسْكَرِيَّةُ، وَمَا هُوَ مِنْ جِنْسِهَا، أَوْ مُلْحَقٌ بِهَا كَالمُعَاهَدَاتِ السِّيَاسِيَّةِ، وَاتِّفَاقِيَّاتِ تَأْجِيرِ القَوَاعِدِ وَالمَطَارَاتِ. وَيَجُوزُ عَقْدُ مُعَاهَدَاتِ حُسْنِ الجِوَارِ، وَالمُعَاهَدَاتُ الاقتِصَادِيَّةُ، وَالتِّجَارِيَّةُ، وَالمَالِيَّةُ، وَالثَّقَافِيَّةُ، وَمُعَاهَدَاتُ الهُدْنَةِ.

 

المادة 191: المُنَظَّمَاتُ الَّتِي تَقُومُ عَلَى غَيرِ أَسَاسِ الإِسْلَامِ، أَوْ تُطَبِّقُ أَحْكَاماً غَيرَ أَحْكَامِ الإِسلَامِ، لَا يَجُوزُ لِلدَّولَةِ أَنْ تَشْتَرِكَ فِيهَا، وَذَلِكَ كَالمُنَظَّمَاتِ الدَّولِيَّةِ مِثْلِ هَيئَةِ الأُمَمِ، وَمَحْكَمَةِ العَدْلِ الدَّولِيَّةِ، وَصُندُوقِ النَّقْدِ الدَّولِيِّ، وَالبَنْكِ الدَّولِيِّ. وَكَالمُنَظَّمَاتِ الإِقلِيمِيَّةِ مِثْلِ الجَامِعَةِ العَرَبِيَّةِ.

 

وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: يَا أُمَّةَ الإِيمَانْ، يَا أُمَّةَ القُرآنْ، يَا أُمَّةَ الإِسلَامْ، يَا أُمَّةَ التَّوحِيدْ، يَا مَنْ آمَنتُمْ بِاللهِ رَبّاً، وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيّاً وَرَسُولاً، وَبِالقُرآنِ الكَرِيمِ مِنهَاجاً وَدُستُوراً، وَبِالإسلَامِ عَقِيدَةً وَنِظَاماً لِلْحَياَة، أَيُّهَا المُسلِمُون فِي كُلِّ مَكَانْ، فَوقَ كُلِّ أَرضٍ، وَتَحتَ كُلِّ سَمَاءْ، يَا خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَتْ لِلنَّاسِ، أَيُّهَا المُؤمِنُونَ الغَيُورُونَ عَلَى دِينِكُمْ وَأُمَّتِكُمْ. أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ دُستُورَ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ، وَهَا هُوَ يُوَاصِلُ عَرْضَهُ عَلَيكُمْ حَتَّى تدرُسُوهُ وَأنتمْ تَعْمَلُونَ مَعَنَا لإِقَامَتِهَا، وَهَاتَانِ هُمَا الْمَادَّتَانِ التِّسْعُونَ بَعْدَ المِائَةِ، وَالوَاحِدَةُ وَالتِّسْعُونَ بَعْدَ المِائَةِ، وَهُمَا المَادَّتَانِ الأَخِيرَتَانِ فِي هَذَا الدُّستُورِ المُبَارَكِ، المُسْتَنْبَطِ مِنَ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَمَا أَرْشَدَا إِلَيهِ مِنْ إِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، وَمِنَ القِيَاسِ بِاجْتِهَادٍ صَحِيحٍ وَفْقَ الضَّوَابِطِ الشَّرعِيَّةِ، وَالَّذِي نَدْعُو اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يُمَكِّنَ العَامِلِينَ المُخْلِصِينَ لِإِقَامَةِ دَولَةِ الخِلَافَةِ مِنْ وَضْعِهِ مَوضِعَ التَّطبِيقَ العَمَلِيَّ. إِنَّهُ سُبْحَانَهُ وَلِيُّ ذَلِكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. وَإِلَيكُمْ بَيَانَ أَدِلَّةِ هَاتَينِ المَادَّتَين ِمِنْ كِتَابِ مَقَدِّمَةِ الدُّستُورِ:

 

أولا: المادة 190: تَعْرِيفُ المُعَاهَدَاتِ هُوَ أَنَّهَا اتِّفَاقَاتٌ تَعْقِدُهَا الدُّوَلُ فِيمَا بَينَهَا بِغَرَضِ تَنظِيمِ عَلَاقَةً مُعَيَّنَةٍ وَتَحْدِيدِ القَوَاعِدِ وَالشُّرُوطِ الَّتِي تَخْضَعُ لَهَا هَذِهِ العَلَاقَةُ. وَيُسَمِّيهَا فُقَهَاءُ المُسْلِمِينَ المُوَادَعَاتُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِ عَقْدِ المُعَاهَدَاتِ بَينَ المُسْلِمِينَ وَالكُفَّارِ قَولُهُ تَعَالَى: (إلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ). (النِّسَاءُ 90) وَقَولُهُ: (وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ). (النِّسَاءُ 92) وَقَولُهُ: (وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ). (الأَنفَالُ 72)، وَالمِيثَاقُ فِي هَذِهِ الآيَاتُ هُوَ المُعَاهَدَاتُ وَقَدْ عَقَدَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم مُعَاهَدَاتٍ كَثِيرَةً مَعَ الكُفَّارِ. إِلَّا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ انعِقَادِ المُعَاهَدَةِ أَنْ يَكُونَ مَوضُوعُ التَّعَاقُدِ قَدْ أَجَازَهُ الشَّرعُ، كَأَنْ تَكُونَ مُحَدَّدَةَ المُدَّةِ، بِالإِضَافَةِ لِغَيرِهَا مِنَ الأَحْكَامِ الشَّرعِيَّةِ ذَاتِ العَلَاقَةِ. وَالمُعَاهَدَاتُ أَنوَاعٌ مِنهَا المُعَاهَدَاتُ غَيرِ السِّيَاسِيَّةِ، وَمِنْهَا المُعَاهَدَاتُ السِّيَاسِيَّةُ.

 

263

 

أَمَّا المُعَاهَدَاتُ غَيرِ السِّيَاسِيَّةِ فَهِيَ الاتِّفَاقَاتُ الَّتِي تُعَيِّنُ كَيفِيَّةَ العَلَاقَةِ بَينَ الدَّولَتَينِ مِنْ حَيثُ شَأْنٌ خَاصٌ مِنْ شُؤُونِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنهَا كَالعَلَاقَاتِ المَالِيَّةِ وَالاقتِصَادِيَّةِ وَالتِّجَارِيَّةِ وَالصِّنَاعِيَّةِ وَالثَّقَافِيَّةِ وَمَا شَاكَلَ ذَلِكَ. فَهَذِهِ يُنْظَرُ لَهَا شَرْعاً حَسَبَ مَوضُوعِهَا، وَتُطَبَّقُ عَلَيهَا الأَحْكَامُ الشَّرعِيَّةُ المُتَعَلِّقَةُ بِمَوضُوعِهَا. وَلِذَلِكَ كَانَتِ المُعَاهَدَاتُ الاقتِصَادِيَّةُ جَائِزَةً، لِأَنَّهُ تُطَبَّقُ فِيهَا أَحْكَامُ الأَجِيرِ، وَأَحْكَامُ التِّجَارَةِ الخَارِجِيَّةِ، وَكَانَتِ المُعَاهَدَاتُ التِّجَارِيَّةُ جَائِزَةً، لِأَنَّهُ تُطَبَّقُ فِيهَا أَحْكَامُ البَيعِ، وَأَحْكَامُ التِّجَارَةِ الخَارِجِيَّةِ، وَكَانَتِ المُعَاهَدَاتُ المَالِيَّةُ جَائِزَةً، لِأَنَّهُ تُطَبَّقُ فِيهَا أَحْكَامُ الصَّرفِ، وَكَانَتِ المُعَاهَدَاتُ الثَّقَافِيَّةُ جَائِزَةً لِأَنَّهُ تُطَبَّقُ فِيهَا أَحْكَامُ التَّعَلُّمِ وَالتَّعلِيمِ مِنْ حَيثُ المَادَّةُ العِلْمِيَّةُ، وَمِنْ حَيثُ النَّتَائِجُ الحَتْمِيَّةُ أَوِ الظَّنيَّةُ الَّتِي تَنتُجُ عَنْ تَعَلُّمِهَا وَتَعلِيمِهَا. وَأَمَّا المُعَاهَدَاتُ السِّيَاسِيَّةُ فَهِيَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ:

 

القسم الأول: منها معاهدات سياسية جائزة: وَهِيَ المُعَاهَدَاتُ الَّتِي لَا تُؤَثِّرُ فِي كَيَانِ الدَّولَةِ، وَلَا تُنْقِصُ مِنْ سُلْطَانِهَا الدَّاخِلِيِّ أَوِ الخَارِجِيِّ، وَلَا تَجْعَلْ لِلكَافِرِ سُلْطَاناً عَلَيهَا. وَذَلِكَ مِثْلُ مُعَاهَدَاتِ الصُّلْحِ، وَمُعَاهَدَاتِ الهُدْنَةِ، فَإِنَّ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم عَقَدَ الهُدْنَةَ وَالصُّلْحَ مَعَ قُرَيْشٍ فِي صُلْحِ الحُدَيبِيَةِ، وَمِثْلُ مُعَاهَدَاتِ عَدَمِ الاعتِدَاءِ، فَالرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم عَقَدَ مُعَاهَدَةَ عَدَمَ اعتِدَاءٍ مَعَ بَنِي ضَمْرَةَ، وَبَنِي مُدْلِجٍ، وَكَذَلِكَ مُعَاهَدَاتُ حُسْنِ الجِوَارِ جَائِزَةٌ لِأَنَّ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم عَقَدَ مُعَاهَدَةَ حُسْنِ جِوَارٍ مَعَ اليَهُودِ، وَهَكَذَا.

 

القسم الثاني: ومنها معاهدات جائزة اضطراراً: فِي حَالَةِ وُجُودِ الدَّولَةِ فِي حَالَةِ ضِيقٍ وَشِدَّةٍ، كَالمُعَاهَدَةِ مَعَ دَولَةٍ لِأَخْذِ جِزْيَةٍ مِنهَا وَإِبقَائِهَا تُحْكَمُ بِنِظَامِ الكُفْرِ، أَوْ فِي حَالَةِ تَجَمُّعِ الأَعْدَاءِ لِحَرْبِنَا كَالمُعَاهَدَةُ مَعَ دَولَةٍ لِإِعْطَائِهَا مَالاً مُقَابِلَ إِخْرَاجِهَا مِنْ حِلْفِ الأَعْدَاءِ المُحَارِبِينَ لَنَا.

 

القسم الثالث: ومنها معاهدات ممنوعة: مِثْلُ: مُعَاهَدَةِ الحِمَايَةِ، وَمُعَاهَدَةِ الحِيَادِ الدَّائِمِ، وَمُعَاهَدَةِ تَحدِيدِ الحُدُودِ الدَّائِمَةِ، وَمُعَاهَدَةُ تَأْجِيرِ المَطَارَاتِ، وَالقَوَاعِدِ العَسْكَرِيَّةِ وَمَا شَاكَلَ ذَلِكَ، فَهَذِهِ المُعَاهَدَاتُ غَيرُ جَائِزَةٍ، لِأَنَّ مَوضُوعَهَا غَيرُ جَائِزٍ، لِأَنَّ الحِمَايَةَ تَجْعَلُ لِلكَافِرِ سُلْطَاناً عَلَى المُسْلِمِينَ، وَتَجْعَلُ المُسْلِمِينَ يَأْمَنُونَ بِأَمَانِ الكُفْرِ. وَالحِيَادُ الدَّائِمُ غَيرُ جَائِزٍ، لِأَنَّهُ يُنْقِصُ مِنْ سُلْطَانِ المُسْلِمِينَ، وَتَحدِيدُ الحُدُودِ الدَّائِمَةِ غَيرُ جَائِزٍ، لِأَنَّهُ يَعنِي عَدَمَ حَمْلِ الدَّعْوَةِ، وَإِيقَافَ حُكْمِ الجِهَادِ، وَتَأْجِيرُ المَطَارَاتِ غَيرُ جَائِزٍ، لِأَنَّهُ يَجْعَلُ لِلكُفَّارِ سُلْطَاناً عَلَى دَارِ الإِسْلَامِ، وَكَذَلِكَ القَوَاعِدُ العَسْكَرِيَّةُ. وَأَمَّا المُعَاهَدَاتُ العَسْكَرِيَّةُ فَحَرَامٌ لِقَولِهِ صلى الله عليه وسلم: «لا تَسْتَضِيئُوا بِنَارِ الْمُشْرِكِينَ». (رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ)، وَنَارُ القَومِ كِنَايَةٌ عَنْ كَيَانِهِمْ فِي الحَرْبِ، وَلِقَولِهِ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ» (رَوَاهُ مُسْلِمُ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها)، وَعِندَ أَبِي دَاوُدَ وَابْنِ مَاجَه عَنهَا رضي الله عنها: «إِنَّا لا نَسْتَعِينُ بِمُشْرِكٍ». وَقَولِهِ صلى الله عليه وسلم: «لاَ نَسْتَعِينُ بِالْكُفَّارِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ». (رَوَاهُ ابنُ أَبِي شَيبَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُنْذِرِ).

 

وَأَمَّا مَا رَوَاهُ أَحْمَد وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ ذِي مَخْمَرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «تُصَالِحُونَ الرُّومَ صُلْحاً آمِناً، وَتَغْزُونَ أَنْتُمْ وَهُمْ عَدُوّاً مِنْ وَرَائِهِمْ». فَإِنَّهُ يُحْمَلُ قَولُهَ: «تَغْزُونَ أَنْتُمْ وَهُمْ عَدُوّاً مِنْ وَرَائِهِمْ» عَلَى أَفْرَادِ الرُّومِ، لَا عَلَى دَوْلَتِهمْ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ قَالَ: «تُصَالِحُونَ الرُّومَ صُلْحاً آمِناً، وَتَغْزُونَ». وَالصُّلْحُ بَينَ المُسْلِمِينَ وَالكُفَّارِ إِنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ قَبُولِهِمُ الجِزْيَةَ وَدُخُولِهِمْ تَحْتَ حُكْمِ المُسلِمِينَ، لِأَنَّ الإِسلَامَ قَدْ أَمَرَ المُسلِمِينَ أَنْ يُخَيِّرُوا الكُفَّارَ الَّذِينَ يُحَارِبُونَهُمْ بَينَ ثَلاثٍ: الإِسْلَامِ، أَوِ الجِزْيَةِ، أَوِ الحَرْبِ، فَإِذَا حَصَلَ الصُّلْحُ وَهُمْ كُفَّارٌ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي حَالِ دَفْعِ الجِزْيَةِ، وَدُخُولِهِمْ تَحْتَ الرَّايَةِ الإِسْلَامِيَّةِ. فَقَولُهُ سَتُصَالِحُونَهُمْ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّهُمْ تَحْتَ رَايَةِ المُسلِمِينَ فَهُمْ حِينَئِذٍ أَفْرَادٌ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا وَاقِعُ مَا حَصَلَ مَعَ الرُّومِ. فَإِنَّ المُسْلِمِينَ حَارَبُوهُمْ، وَهَزَمُوهُمْ، وَاحتَلُّوا بِلَادَهُمْ، وَقَدْ حَارَبَ الرُّومَ مَعَ المُسْلِمِينَ أَفْرَاداً، وَلَكِنَّ دَولَةَ الرُّومِ لَمْ تُحَارِبْ مَعَ الدَّولَةِ الإِسْلَامِيَّةِ عَدُوّاً مِنْ وَرَائِهِمْ، مِمَّا يُؤَكِّدُ أَنَّ المُرَادَ بِالحَدِيثِ هُوَ الرُّومُ أَفْرَاداً، لَا كَدَولَةٍ، وَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى هَذَا، جَمْعاً بَينَ الأَدِلَّةِ، وَإِعْمَالاً لَهَا، كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي أُصُولِ الفِقْهِ مِنْ أَنَّ إِعْمَالَ الدَّلِيلَينِ أَوْلَى مِنْ إِهْمَالِ أَحَدِهِمَا، وَلَا يُعْمَدُ إِلَى التَّرجِيحِ إِلَّا إِذَا تَعَذَّرَ الجَمْعُ. وَبِذَلِكَ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ دَلِيلٌ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الاستِعَانَةِ بِالمُشْرِكِينَ كَدَوْلَةٍ، بَلِ الأَدِلَّةُ صَرِيحَةٌ فِي عَدَمِ جَوَازِ ذَلِكَ مُطْلَقاً. وَهَذِهِ هِيَ أَدِلَّةُ المَادَّةِ.

 

ثانياً: المادة 191: المَوضُوعُ الَّذِي قَامَتْ عَلَيهِ المُنَظَّمَاتُ الدَّولِيَّةُ، وَالمُنَظَّمَاتُ المَحَلِيَّةُ يُحَرِمُهُ الشَّرعُ. فَهَيئَةُ الأُمَمِ تَقُومُ عَلَى أَسَاسِ النِّظَامِ الرَّأسْمَالِيِّ، وَهُوَ نِظَامُ كُفْرٍ، عَلَاوَةً عَلَى أَنَّهَا أَدَاةٌ فِي يَدِ الدُّوَلِ الكُبْرَى، وَلَا سِيَّمَا أَمرِيكَا لِتُسَخِّرَهَا مِنْ أَجْلِ فَرْضِ سَيطَرَتِهَا عَلَى الدُّوَلِ الصُّغْرَى، وَمِنْهَا الدُّوَلُ القَائِمَةُ فِي العَالَمِ الإِسلَامِيِّ.

 

وَمَحْكَمَةُ العَدْلِ الدَّولِيَّةِ تَحْكُمُ بِنِظَامِ الكُفْرِ، وَالاحْتِكَامُ إِلَيهَا احتِكَامٌ لِغَيرِ مَا أَنْزَلَ اللهُ، وَصُندُوقُ النَّقْدِ الدَّولِيِّ يَقُومُ عَلَى إِقْرَاضِ العُمْلَاتِ الصَّعْبَةِ بِالرِّبَا، وَعَلَى أَسَاسِ الصَّرفِ الحَرَامِ شَرْعاً. فَهِيَ لَا تُعطِي عُمْلَةً صَعْبَةً مُقَابِلَ عُمْلَةِ البَلَدِ يَداً بِيَدٍ. وَإِنَّمَا تُعْطِي عُمَلَةً صَعْبَةً لِلدَّولَةِ المُحْتَاجَةِ إِلَى هَذِهِ العُمْلَةِ الصَّعْبَةِ مُقَابِلَ أَنْ تَستَوفِيَ مِنهَا فِيمَا بَعْدُ مَبْلَغاً مُمَاثِلاً مِنْ عُمْلَتِهَا بِرِباً مُعَيَّنٍ. فَهِيَ صَرْفٌ حَرَامٌ مِنْ جِهَةٍ، لِأَنَّهُ مِنَ الصَّرفِ المَنْهِيِّ عَنهُ، لِأَنَّ الصَّرْفَ إِنَّمَا يَكُونُ يَداً بِيَدٍ، وَلَا يَكُونُ نَسِيئَةً، فَإِنْ كَانَ نَسِيئَةً، فَهُوَ حَرَامٌ كَمَا وَرَدَ فِي الحَدِيثِ. وَفِيهِ كَذَلِكَ رِباً فَهُوَ حَرَامٌ.

 

وَالبَنْكُ الدَّولِيُّ يَقُومُ عَلَى الاشتِغَالِ بِالرِّبَا كَأَيِّ بَنْكٍ مِنَ البُنُوكِ. وَالجَامِعَةُ العَرَبِيَّةُ تَقُومُ عَلَى أَسَاسِ النِّظَامِ الرَّأسْمَالِيِّ، وَتَنُصُّ فِي مِيثَاقِهَا عَلَى المُحَافَظَةِ عَلَى استِقْلَالِ الدُّوَلِ العَرَبِيَّةِ، أَيْ المُحَافَظَةِ عَلَى الانفِصَالِ، وَتَجْزِئَةِ بِلَادِ الإِسْلَامِ وَهُوَ حَرَامٌ. وِمِثْلُ الجَامِعَةِ العَرَبِيَّةِ مُنَظَّمَةُ المُؤْتَمَرِ الإِسْلَامِيِّ وَأَمْثَالُهَا. لِهَذِهِ الأَسْبَابُ كُلِّهَا يَحُرُمُ عَلَى الدَّولَةِ الإِسْلَامِيَّةِ الاشتِرَاكُ بِهَذِهِ المُنَظَّمَاتِ.

 

يَا أُمَّةَ الإِيمَانْ، يَا أُمَّةَ القُرآنْ، يَا أُمَّةَ الإِسلَامْ، يَا أُمَّةَ التَّوحِيدْ، يَا مَنْ آمَنتُمْ بِاللهِ رَبّاً، وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيّاً وَرَسُولاً، وَبِالقُرآنِ الكَرِيمِ مِنهَاجاً وَدُستُوراً، وَبِالإسلَامِ عَقِيدَةً وَنِظَاماً لِلْحَياَة، أَيُّهَا المُسلِمُون فِي كُلِّ مَكَانْ، فَوقَ كُلِّ أَرضٍ، وَتَحتَ كُلِّ سَمَاءْ، يَا خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَتْ لِلنَّاسِ، أَيُّهَا المُؤمِنُونَ الغَيُورُونَ عَلَى دِينِكُمْ وَأُمَّتِكُمْ.

 

هَذِهِ هِيَ مُقَدِّمَةُ الدُّسْتُورِ، أَوِ الأَسْبَابُ المُوجِبَةُ. وَقَدْ بَيَّنَّا فِيهَا أَدِلَّةَ الأَحْكَامِ الَّتِي تَضَمَّنَتْهَا مَوَادُّ الدُّستُورِ، وَشَرَحْنَا فِيهَا مَا لَا بُدَّ مِنْ شَرْحِهِ، وَمِنْهَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ هَذَا الدُّسْتُورَ دَسْتُورٌ إِسْلَامِيٌّ، أَيْ هُوَ أَحْكَامٌ شَرعِيَّةٌ مُستَنبَطَةٌ مِنَ الأَدِلَّةِ الشَّرعِيَّةِ: مِنَ الكِتَابِ، وَالسُّنَّةِ، وَإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، وَالقِيَاسِ. وَلِذَلِكَ فَإِنَّ العَمَلَ بِهِ فَرْضٌ عَلَى المُسْلِمِينَ.

 

فَهَيَّا أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ وَأَيَّتُهَا المُؤْمِنَاتُ، شَمِّرُوا عَنْ سَاعِدِ الجِدِّ، وَابذُلُوا الغَالِي وَالنَّفِيسَ في سبيل تحكيم شرع الله بِإِقَامَةِ دَولَةِ الخِلَافَةِ الرَّاشِدَةِ الثانية عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، وَوَضْعِ هَذَا الدُّسْتُورِ مَوضِعَ التَّطبِيقِ العَمَلِيِّ كَي تُزِيلُوا عَنْ كَوَاهِلِكُمْ إِثُمَ القُعُودِ عَنْ نُصْرَةِ دِينِ اللهِ، وَتُبرِئُوا ذِمَّتَكُمْ أَمَامَ اللهِ، وَتُبعِدُوا عَنْ أَنفُسِكُمْ مِيتَةَ الجَاهِلِيَّةِ بِمُبَايَعَةِ خَلِيفَةِ المُسْلِمِينَ الَّذِي يُطَبِّقُ عَلَيكُمْ شَرْعَ اللهِ، وَيَحْكُمَكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ، وَيَقُودَكُمْ لِلجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَنَالُوا خَيرَيِ الدُّنيَا وَالآخِرَةِ!

 

أيها المؤمنون:

 

نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة، وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ، مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً، نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ، سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام، وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا، وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه، وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ، وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها، إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم، وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع