- الموافق
- كٌن أول من يعلق!

بسم الله الرحمن الرحيم
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام
(ح262) علاقة الدولة الإسلامية بالدول غير المعاهدة، والدول المحاربة حكما، والمحاربة فعلا
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ، وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ، وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ، وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ، والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ، خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ، وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ، الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ، وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ، فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ، وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ، وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا: "بُلُوغُ المَرَامِ مِنْ كِتَابِ نِظَامِ الِإسْلَامِ" وَمَعَ الحَلْقَةِ الثَّانِيَةِ وَالسِّتِّينَ بَعْدَ المِائَتَينِ، وَعُنوَانُهَا: "عَلَاقَةُ الدَّولَةِ الإِسْلَامِيَّةِ بِالدُّوَلِ غَيرِ المُعَاهِدَةِ، وَالدُّوَلِ المُحَارِبَةِ حُكْماً، وَالمُحَارِبَةِ فِعْلاً". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَتَينِ: الرَّابِعَةِ والثَّلَاثِينَ، وَالخَامِسَةِ وَالثَّلَاثِينَ بَعْدَ المِائَةِ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ والمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:
المادة 189: عَلَاقَةُ الدَّولَةِ بِغَيرِهَا مِنَ الدُّوَلِ القَائِمَةِ فِي العَالَمِ تَقُومُ عَلَى اعتِبَارَاتٍ أَربَعَةٍ:
ثالثها: الدُّوَلُ الَّتِي لَيسَ بَينَنَا وَبَينَهَا مُعَاهَدَاتٌ، وَالدُّوَلُ الاستِعْمَارِيَّةُ فِعْلاً كَإِنجلْترَا وَأَمريكَا وَفَرَنسَا، وَالدُّوَلُ الَّتِي تَطْمَعُ فِي بِلَادِنَا كَرُوسيَا، تُعتَبَرُ دُوَلاً مُحَارِبَةً حُكْماً، فَتُتَّخَذُ جَمِيعُ الاحتِيَاطَاتُ بِالنِّسْبَةِ لَهَا، وَلَا يَصِحُّ أَنْ تَنْشَأَ مَعَهَا أَيَّةُ عَلَاقَاتٍ دِبلُومَاسِيَّةٍ. وَلِرَعَايَا هَذِهِ الدُّوَلِ أَنْ يَدْخُلُوا بِلَادَنَا، وَلَكِنْ بِجَوَازِ سَفَرٍ وَبِتَأشِيرَةٍ خَاصَّةٍ لِكُلِّ فَرْدٍ، وَلِكُلِّ سَفْرَةٍ، إِلَّا إِذَا أَصْبَحَتْ مُحَارِبَةً فِعْلاً.
رابعها: الدُّوَلُ المُحَارِبَةُ فِعْلاً (كِإِسرَائِيلَ) مَثَلاً يَجِبُ أَنْ نَتَّخِذَ مَعَهَا حَالَةَ الحَرْبِ أَسَاساً لِكَافَّةِ التَّصَرُّفَاتِ. وَتُعَامَلُ كَأَنَّنَا وَإِيَّاهَا فِي حَرْبٍ فِعْلِيَّةٍ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ بَينَنَا وَبَينَهَا هُدْنَةٌ أَم لَا. وَيُمنَعُ جَمِيعُ رَعَايَاهَا مِنْ دُخُولِ البِلَادِ.
وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: يَا أُمَّةَ الإِيمَانْ، يَا أُمَّةَ القُرآنْ، يَا أُمَّةَ الإِسلَامْ، يَا أُمَّةَ التَّوحِيدْ، يَا مَنْ آمَنتُمْ بِاللهِ رَبّاً، وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيّاً وَرَسُولاً، وَبِالقُرآنِ الكَرِيمِ مِنهَاجاً وَدُستُوراً، وَبِالإسلَامِ عَقِيدَةً وَنِظَاماً لِلْحَياَة، أَيُّهَا المُسلِمُون فِي كُلِّ مَكَانْ، فَوقَ كُلِّ أَرضٍ، وَتَحتَ كُلِّ سَمَاءْ، يَا خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَتْ لِلنَّاسِ، أَيُّهَا المُؤمِنُونَ الغَيُورُونَ عَلَى دِينِكُمْ وَأُمَّتِكُمْ. أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ دُستُورَ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ، وَهَا هُوَ يُوَاصِلُ عَرْضَهُ عَلَيكُمْ حَتَّى تدرُسُوهُ وَأنتمْ تَعْمَلُونَ مَعَنَا لإِقَامَتِهَا، وَهَذِهِ هِيَ الْمَادَّةُ التَّاسِعَةُ وَالثَّمَانُونَ بَعْدَ المِائَةِ. وَإِلَيكُمْ بَيَانَ أَدِلَّةِ هَذِهِ المَادَّةِ مِنْ كِتَابِ مَقَدِّمَةِ الدُّستُورِ:
وأما البند الثالث من المادة 189: فَدَلِيلُهُ هُوَ دَلِيلُ أَحْكَامِ دَارِ الحَربِ فِي حَالِ عَدَمِ وُجُودِ مِيثَاقٍ بَينَنَا وَبَينَ أَهْلِهَا. وَأَمَّا الدُّوَلُ الَّتِي نَصَّ عَلَيهَا فِي المَادَّةِ، فَإِنَّ دَلِيلَ عَدَمِ إِيجَادِ عَلَاقَاتٍ دِبلُومَاسِيَّةٍ مَعَهَا كَونُ سَفَارَاتِهَا إِذَا وُجِدَتْ فِي البِلَادِ الخَاضِعَةِ لِسُلْطَانِ الإِسْلَامِ يَحْصُلُ مِنهَا ضَرَرٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ السَّفَارَاتِ لِمِثْلِ هَذِهِ الدُّوَلِ عَمَلُهَا هُوَ مُحَاوَلَةُ بَسْطِ سَيطَرَةِ دُوَلِهَا عَلَى البِلَادِ الَّتِي تَكُونُ فِيهَا هَذِهِ السَّفَارَاتُ؛ وَلِذَلِكَ تُمْنَعُ عَمَلاً بِقَاعِدَةِ: (مَنْعِ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ المُبَاحِ إِذَا كَانَ يُوصِلُ إِلَى ضَرَرٍ). إِلَّا أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ رَعَايَاهَا مِنْ دُخُولِ البِلَادِ إِلَّا مَنْ كَانَ دُخُولُهُ يُوصِلُ إِلَى ضَرَرٍ. وَلَا يُمْنَعُ الرَّسُولُ المُؤَقَّتُ مِنْ دُخُولِ البِلَادِ إِلَّا إِذَا كَانَ شَخْصُ الرَّسُولِ المُرْسَلِ لَا رَسُولُهُمْ مُطَلَقاً يُؤَدِّي دُخُولُهُ إِلَى ضَرَرٍ.
وَأَمَّا أَنَّ هَذِهِ الدُّوَلُ تُعتَبَرُ مُحَارِبَةً حُكْماً؛ فَلِأَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ تَحْتَ قَولِهِ صلى الله عليه وسلم «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ» حَيْثُ إِنَّهُمْ كُفَّارٌ، وَأَمَّا اعتِبَارُهُمْ مُحَارِبِينَ حُكْماً لَا فِعْلاً؛ فَلِأَنَّهُ لَا يَجرِي قِتَالٌ فِعْلِيٌّ بَينَنَا وَبَينَهُمْ، وَلِأَنَّهُ لَمْ تُعْلَنْ بَينَنَا وَبَينَهُمْ حَالَةُ الحَربِ الفِعْلِيَّةِ، لَا مِنْ قِبَلِنَا، وَلَا مِنْ قِبَلِهِمْ.
وَأَمَّا إِذَا أَصْبَحَتْ هَذِهِ الدُّوَلُ، كُلُّهَا أَوْ بَعضُهَا فِي حَالَةِ حَربٍ فِعْلاً، أَيْ اعتَدَتْ عَلَى بِلَادِ المُسْلِمِينَ، فَإِنَّهَا تُعَامَلُ مُعَامَلَةَ الحَربِ الفِعْلِيَّةِ فِي البَنْدِ الرَّابِعِ، وَلِذَلِكَ فَإِنَّ أَمرِيكَا وَبِريَطَانيَا بَعْدَ عُدْوَانِهِمَا عَلَى العِرَاقِ وَأَفغَانِستَانَ وَكَذَلِكَ أَيَّةَ دَولَةٍ أُخرَى تُعْلِنُ الحَربَ عَلَى أَيِّ بَلَدٍ مِنْ بِلَادِ المُسْلِمِينَ فَإِنَّهَا تُصبِحُ مُحَارِبَةً فِعْلاً، وَتُطَبَّقُ عَلَيهَا أَحْكَامُ الحَربِ الفِعْلِيَّةِ مَا دَامَتْ حَالَةُ الحَربِ هَذِهِ قَائِمَةً بَينَنَا وَبَينَهُمْ.
وأما البند الرابع من المادة 189: فَدَلِيلُهُ هُوَ دَلِيلُ الجِهَادِ مِنَ الأَمْرِ بِقِتَالِ الكُفَّارِ، وَأَدِلَّةُ استِحْلَالِ دِمَاءِ وَأَمْوَالِ غَيرِ المُسْلِمِينَ مِنْهُمْ، وَأَدِلَّةُ القِتَالِ فِي المَعْرَكَةِ، قَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ). (التوبة 123) وَقَالَ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ».(مُتَّفَقٌ عَلَيهِ وَاللَّفْظُ لِمُسْلِم)، وَيُستَثْنَى مِنْهُمُ المُسلِمُونَ لِقَولِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم: «فَإِذَا فَعَلُوا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلا بِحَقِّهَا» وَقَولِهِ تَعَالَى: (وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَىٰ فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ). (الأنفَال 16) وَلِقَولِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ». وَعَدَّدَهَا إِلَى أَنْ قَالَ: «وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ». (مُتَّفَقٌ عَلَيهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيرَةَ)، وَغَيرِ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِ القِتَالِ وَأَحْكَامِ المَعْرَكَةِ وَسَائِرِ أَدِلَّةِ دَارِ الحَربِ وَأَدِلَّةِ المَعرَكَةِ.
وَلَا يَجُوزُ الصُّلْحُ الدَّائِمُ مَعَ هَذِهِ الدُّوَلِ المُحَارِبَةِ فِعْلاً، أَيْ وَقْفُ القِتَالِ الدَّائِمِ أَوِ الهُدْنَةِ الدَّائِمِيَّةِ؛ لِأَنَّ هَذَا يُعَطِّلُ الجِهَادَ، وَهُوَ مَاضٍ إِلَى يَومِ القِيَامَةِ، كَمَا أَنَّ الهُدْنَةَ الدَّائِمِيَّةَ تَمنَعُ نَشْرَ الإِسْلَامِ حَتَّى يُظْهِرَهُ اللهُ سُبْحَانَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ. يَقُولُ اللهُ سُبْحَانَهُ: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ). (الأَنفَالُ 39) وَيَقُولُ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم: «وَالْجِهَادُ مَاضٍ مُنْذُ بَعَثَنِي اللَّهُ إِلَى أَنْ يُقَاتِلَ آخِرُ أُمَّتِي الدَّجَّالَ».(أَخرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ أَنَسٍ رضي الله عنه). أَمَّا عَنِ الصُّلْحِ المُؤَقَّتِ مَعَ هَذِهِ الدُّوَلِ، وَالوَقْفِ المُؤَقَّتِ لِحَالَةِ الحَربِ، فَإِنَّهُ يُنْظَرْ:
أ- إِذَا كَانَتِ الدَّولَةُ، الَّتِي تَجرِي بَينَنَا وَبَينَهَا الحَربُ الفِعْلِيَّةُ، لهَا أَرْضٌ غَيرُ إِسْلَامِيَّةٍ يَقُومُ كَيَانُهَا عَلَيهَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ الصُّلْحُ مَعَهَا بِهُدْنَةٍ مُؤَّقَّتَةٍ، أَيْ وَقْفُ حَالَةِ الحَربِ مَعَهَا مُدَّةً مُؤَقَّتَةً، إِذَا كَانَ ذَلِكَ الوَقْفُ فِي مَصْلَحَةِ الإِسْلَامِ وَالمُسْلِمِينَ، وَبِشُرُوطٍ يُقِرُّهَا الشَّرعُ. وَدَلِيلُ ذَلِكَ صُلْحُ الحُدَيبِيَةِ فَهُوَ كَانَ بَينَ الدَّولَةِ الإِسْلَامِيَّةِ، الدَّولَةِ الَّتِي أَقَامَهَا الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم فِي المَدِينَةِ، وَبَينَ دَولَةِ قُرَيشٍ القَائِمِ كَيَانُهَا عَلَى أَرضٍ لَهَا لَمْ يَفْتَحْهَا الإِسْلَامُ بَعدُ، أَيْ لَمْ تَكُنْ أَرضاً إِسْلَامِيَّةً.
ب- أَمَّا إِذَا كَانَتِ الدَّولَةُ، الَّتِي تَجرِي بَينَنَا وَبَينَهَا الحَربُ الفِعْلِيَّةُ، قَائِماً كَيَانُهَا كُلُّهُ عَلَى أَرْضٍ إِسْلَامِيَّةٍ، أَيْ لَا يَضُمُّ كَيَانُهَا أَرْضاً لَهَا لَمْ يَفْتَحْهَا المُسْلِمُونَ بَعدُ، مِثْلُ (إِسْرَائِيلَ) دَوْلَةُ يَهُودَ المُغْتَصِبَةُ لِفِلَسْطِينَ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ مَعَهَا؛ لِأَنَّ قِيَامَ هَذِهِ الدَّولَةِ بَاطِلٌ شَرْعاً، وَلِأَنَّ الصُّلْحَ مَعَهَا يَعنِي تَنَازُلاً لَهَا وَلَا بُدَّ عَنْ أَرْضٍ إِسْلَامِيَّةٍ، وَهَذَا حَرَامٌ وَجَرِيمَةٌ فِي الإِسْلَامِ، بَلْ يَجِبُ أَنْ تَسْتَمِرَّ حَالَةُ الحَربِ الفِعْلِيَّةِ قَائِمَةً مَعَهَا، سَوَاءٌ أَكَانَتْ هُنَاكَ هُدْنَةٌ عَقَدَهَا مَعَهَا الحُكَّامُ غَيرِ الشَّرعِيِّينَ فِي بِلَادِ المُسْلِمِينَ أَمْ لَمْ تَكُنْ.
وَهَكَذَا فَإِنَّ أَيَّ صُلْحٍ مَعَ دَولَةِ يَهُودَ وَلَو عَلَى شِبْرٍ مِنَ الأَرْضِ هُوَ حَرَامٌ شَرعاً؛ لِأَنَّهَا مُغْتَصِبَةٌ وَمُعْتَدِيَةٌ، وَكَيَانُهَا قَائِمٌ كُلُّهُ عَلَى أَرْضِ المُسْلِمِينَ، وَالصُّلْحُ مَعَهَا هُوَ تَنَازُلٌ لَهَا عَنْ أَرْضٍ إِسْلَامِيَّةٍ، وَتَمكِينُهَا مِنْ تَمَلُّكِهَا وَمِنَ السَّيطَرَةِ عَلَى المُسلِمِينَ فِيهَا، وَهَذَا لَا يَجُوزُ شَرْعاً. وَالإِسْلَامُ يُحَتِّمُ عَلَى المُسْلِمِينَ جَمِيعاً مُحَارَبَتَهَا، فَتَستَنْفِرَ الدَّولَةُ الإِسْلَامِيَّةُ جُيُوشَهُمْ لِلقِتَالِ، وَتَجْمَعُ القَادِرِينَ جُنُوداً فِيهَا، وَيَسْتَمِرُّ ذَلِكَ حَتَّى القَضَاءَ عَلَى دَولَةِ يَهُودَ وَاستِنقَاذَ بِلَادِ المُسْلِمِينَ مِنهَا، قَالَ تَعَالَى: (وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً). (النِّسَاء 141)، وَقَالَ سُبْحَانَهُ: (فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ). (البقرة 194)، وَقَالَ تَعَالَى: (وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ). (البقرة 191).
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة، وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ، مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً، نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ، سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام، وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا، وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه، وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ، وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها، إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم، وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.