- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
بعد مقاطعة نقابة التعليم لامتحانات الثلاثي لتحصيل حقوق المعلّم
ماذا بقي لرسالة المتعلّم؟
الخبر:
يقاطع الأساتذة بالمدارس الإعدادية والثانوية امتحانات الأسبوع قبل المغلق الذي انطلق منذ يوم الاثنين 26 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري وذلك تنفيذا لقرارات الهيئة الإدارية لنقابة التعليم الثانوي الأخيرة التي انبثق عنها قرار مقاطعة امتحانات الأسبوع ما قبل المغلق والأسبوع المغلق، وسيواصل الأساتذة تقديم الدروس بصفة عادية مع الامتناع عن إجراء امتحانات الأسبوع المفتوح والأسبوع المغلق الذي موعده الأسبوع القادم.
ورغم تأكيد الجامعة العامة للتعليم الثانوي عدم التوصل إلى اتفاق وعدم جدية الطرف الحكومي في المفاوضات التي كان آخرها خلال جلسة يوم 23 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري فإن المسؤولين بوزارة التربية يؤكدون إيجابية الجلسة الأخيرة وإيجابية المقترحات.
التعليق:
أغلب مقترحات الجامعة العامة تتمحور حول المستحقات المالية، والتي من بينها رفع قيمة المنحة الحالية (360د) بنسبة 50% بمقدار 180د لتصبح 540د سنويا، أي بقيمة إجمالية تقدر بـ17 مليون دينار إضافية بينما قدمت الجامعة مطلبا بمضاعفة هذه المنحة. ومضاعفة منحة الامتحانات الوطنية مراقبة وإصلاحا، حيث اقترحت الوزارة رفع قيمة المنح الحالية بنسبة 50% وبقيمة إضافية إجمالية تقدر بـ4،5 مليون دينار وذلك بقيمة 40 د شهريا بالنسبة إلى المدرس الذي تبلغ أقدميته بالمركز سنة واحدة، و60 د شهريا بالنسبة إلى المدرّس الذي تبلغ أقدميته بالمركز سنتين و80 د شهريا بالنسبة إلى المدرّس الذي تبلغ أقدميته بالمركز 3 سنوات فما أكثر.
وبخصوص المطالبة بتصنيف مهنة مدرسي الإعدادي والثانوي ضمن المهن الشاقة وطلب التقاعد الاختياري في سن 57 سنة و32 سنة عملا، كان رد الوزارة أن هذه العملية تكلّف الدولة حوالي 2000 مليون دينار، وفي حال رغب جميع المدرسين المعنيين في التمتع بالتقاعد في سنّ 57 سنة بعد قضاء 32 سنة من العمل. فإنه ليس لميزانية الدولة القدرة على تحمّل أعبائه المالية في الظرف الراهن.
سجال متواصل من المفاوضات الشكلية التي لا تمت لحقيقة انحراف المنظومة التربوية بصلة، حيث تغض السلطة الطرف عن المشاكل الجوهرية والقضايا الأساسية والأسئلة الأساسية التي نعتقد أنه لا صلاح للمنظومة دون تحديدها وإرسائها بشكل جذري. ولا حل فعليا دون تناولها مباشرة بكل مسؤولية وبكل شجاعة، هي تلك المتصلة بهوية المتعلِّم وبأسس المشروع التربوي المجتمعي الذي يجيب عن سؤال من هو تلميذ المدرسة في هذا البلد المسلم أهله؟ أي: ما هي مقومات شخصيّة هذا الإنسان الجديد الذي نريد من حيث القيم والمواقف والسلوكيات؟ وبالتالي ما هي غايات النظام التربوي وأهدافه؟ وأية مكانة له في العالم؟ وما ينعكس عن ذلك من برامج ومناهج وتكوين وتقييم؟ ذلك هو بيت الداء وأساس الدواء.
فطالما أنّ الأطراف المتفاوضة/المتنازعة تصرّ على حصر مشاكل المؤسسة التربوية في الجانب المادي - رغم وجوده فعليا - دون التطرق إلى مكمن الداء، فلنا أن نعتبر الأمر لن يتعدى كونه جزءاً من الفسحة السنوية المعتادة لإعادة دور القيادة للنقابة وتجديد الثقة لدى منظوريها من الأساتذة والمعلمين.
فالواقع ذاته يتكرر كل سنة، ولو نعود بالذاكرة إلى سنة 2005 التي أعلنت فيها وزارة التربية عن مشروع للحوار الوطني حول إصلاح المنظومة التربوية الذي أعلنه ناجي جلول وزير التربية آنذاك، سنجد النقابة من بين الأطراف المشاركة فيه بشكل أو بآخر. رغم كون المشروع تحت إشراف وزارة التربية، والاتحاد العام التونسي للشغل والمعهد العربي لحقوق الإنسان المعروف بخدمة أجندات الثقافة الغربية المعادية للثقافة الإسلامية. وكان قد سبق للاتحاد العام التونسي للشغل أن أعلن مقاطعته ورفضه "ركوب القطار وهو يسير" ثم غير موقفه وأصبح من الأطراف الراعية للحوار بعد مفاوضات خاضها مع وزير التربية ناجي جلول وانتهت بإقناع القيادة النقابية بالانخراط والمشاركة في الحوار المذكور. وقد تم آنذاك إقصاء شرائح واسعة من مكونات "المجتمع المدني" رغم أنها معنية بمشروع التعليم بل كان أغلبها قد وقع على اتفاقيات شراكة مع وزارة التربية.
ناهيك أنه تزامن مع موجة من الاحتجاجات والإضرابات لرجال التعليم الابتدائي والثانوي... إذ لم يُمَكّن عامة الناس من متابعة هذا الحوار ولا إبداء رأيهم فيه فاستحوذت عليه نخب وفنيون ممن يعتقدون في أحقية إرساء منظومة تعليمية وتربوية تكون نسخة طبق الأصل عن تلك التي في بلدان الغرب بكل ما فيها.. وتقوم على النظرة العلمانية والرأسمالية لأنظمة التعليم التي تهدف وبكل بساطة لتهيئة الطلاب للوظائف وقياس نجاحاتهم اعتمادا على قيمتهم في سوق العمل بدل بناء شخصيتهم الإسلامية. حتى إنه من النادر اليوم أن تجد لدى أي من أهل تونس دراية بما وصل إليه المشروع المذكور.
فلا الطرف النقابي يريد للمعلم والمتعلم خيرا، ولا الوزارة كذلك، فلو كان الأمر غير ذلك لكنّا شهدنا اتفاقا حول وجوب استناد مناهج التعليم إلى العقيدة الإسلامية، بحيث توضع مواد الدراسة وطرق التدريس جميعها على الوجه الذي لا يحدث أي خروج في التعليم عن هذا الأساس. ولكن الحال يغني عن المقال.
فعلى أولياء التلاميذ والطلبة في تونس أن يكونوا على درجة من الوعي بأهميّة اليقين بأنّ تونس جزء لا يتجزأ من أمّة عتيدة ذات مبدأ متكامل، الإسلام الذي أعطى للإنسان حقيقة وجوده في الحياة وغاياتها. وباعتبار أن الأمة الإسلامية حاملة رسالة تحملها للآخرين، وصاحبة قضية، لذلك عندما تدرس العلوم والمعارف فإنما تدرسها من زاوية العقيدة الإسلامية بحيث تستطيع تحقيق غاياتها العليا التي بعثت من أجلها.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أحمد بن فتيتة
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية تونس