- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
2017-12-27
جريدة الراية: صفقة القرن؛ تبدأ بصفقة القدس!!
ذكرت وكالة (بلومبيرج الإخبارية الأمريكية) بتاريخ 2017/12/4 تقريرا إخباريا تحت عنوان: "صفقة القرن ونقل السفارة.. من يدير ملف الخارجية الأمريكية؟" تحدث هذا التقرير عن خلاف داخل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب؛ والسبب إعداد جاريد كوشنر صهر الرئيس ترامب وكبير مستشاريه خطة سلام بين العرب وكيان يهود؛ (بسرية تامة) بالاتفاق مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان؛ بعيدا عن استشارة وزارة الخارجية... وأبدى وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون الذي لم يكن لديه علم مسبق بتلك الخطة امتعاضه من تدخل كوشنر في عمله، وعدم استشارته في ملف الشرق الأوسط، الذي يعد من مسؤوليات وزارة الخارجية منذ ستة عقود.. وتتضمن "خطة كوشنر" ما يعتقد أنها تنازلات كبرى من أطراف عربية على رأسها السعودية والإمارات عن العديد من الثوابت التقليدية للقضية الفلسطينية...
وأورد موقع (تلفزيون العالم الإخباري) تقريرا إخباريا بتاريخ 2017/12/6 في نفس السياق؛ حول نقل السفارة الأمريكية للقدس تحت عنوان: "صفقة القرن؛ تبدأ القدس عاصمة (إسرائيل)"؛ جاء في هذا التقرير: "...رفع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سماعة هاتفه أمس، على الاتجاهين: (متّصلاً ومتلقّياً)، بعدما بادر إلى مهاتفة كلّ من رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، والملك الأردني عبد الله الثاني، وأيضاً الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، لإبلاغهم نيّته نقل السفارة الأمريكية؛ من تل أبيب إلى القدس المحتلة، وفق بيانات الرئاسة الفلسطينية والمصرية والديوان الملكي الأردني... هذه البيانات قالت: إن الثلاثة حذروا من تداعيات وخطورة مثل هذا القرار على عملية السلام والأمن والاستقرار في المنطقة والعالم، كما أنه سيقوّض جهود الإدارة الأمريكية لاستئناف العملية السلمية، ويؤجّج مشاعر المسلمين والنصارى، من دون أن يوضحوا هل سيكون النقل فوراً أو يؤجّل قليلاً... ومن جهة أخرى، قال البيت الأبيض: إن ترامب أجرى اتصالاً مع رئيس الوزراء (الإسرائيلي) بنيامين نتنياهو، في الشأن نفسه، من دون المزيد من التفاصيل...".
إن الحديث عن صفقة القرن في وسائل الإعلام هذه الأيام أصبح مرتبطا بأمرين مهمين؛ يشترطهما كيان يهود قبل أي خطوة في هذا المشروع؛ الأول: التطبيع الكامل مع كافة الأنظمة في محيط كيان يهود في العالم العربي، والأمر الثاني: هو الاعتراف بسيادة كيان يهود الكاملة على مدينة القدس الموحدة، مع ضمان حقوق العبادة تحت السيادة اليهودية، وليس تحت أي سيادة أخرى...
وقبل أن نتحدث عن مؤامرة صفقة القرن، وعلاقتها بصفقة القدس، وما يجري من مؤامرة وتفريط؛ في القدس والمقدسات؛ نقول: بأنه لم يعد هناك أي ثوابت، ولا ضوابط عند حكام المسلمين أمام أوامر أمريكا وسياستها في الشرق الأوسط ومشروعها المسمى الشرق الأوسط الجديد، أو سايكس بيكو جديد للشرق الأوسط.. وآخر هذه الثوابت؛ والتي تغنى بها حكام المسلمين ردحا من الزمن كذبا وزورا هي القدس والمقدسات والأرض والإنسان...
فإذا استعرضنا بعضا من هذه الثوابت؛ نجد أنها أصبحت تاريخا، ونسيا منسياً... وكان أولها اللاءات الثلاث: التي سطرها الزعماء العرب في قمة الخرطوم في 1967/8/29 بعد ما يسمى بالنكسة مباشرة؛ وهي: لا صلح.. لا اعتراف.. لا تفاوض.. مع العدو الصهيوني حتى يعود الحق لأصحابه...
أما ما يتعلق بثوابت منظمة التحرير الفلسطينية فقد كان أهمها: تحرير كامل الأرض المغتصبة من قبل كيان يهود؛ وقد تأسست منظمة التحرير قبل نكسة 67؛ أي تأسست من أجل تحرير ما اغتصبه يهود سنة 48؛ وقد سطروا في ميثاق المنظمة أن فلسطين التاريخية هي من البحر إلى النهر؛ غير مقسمة ولا مجزأة...
إن المتابع لسلم التنازلات عند الأنظمة العربية أو عند منظمة التحرير، والسلطة الفلسطينية من بعد - منذ سنة 67 حتى يومنا هذا؛ لا يستبعد أن تكون القدس والمقدسات عرضة للمساومة عند هذه الأنظمة المفرّطة بالأرض والإنسان والعقيدة والشريعة... ولا يستبعد أيضا أن تكون القدس هي ضمن صفقة القرن الحالية في إنهاء قضية فلسطين وتصفيتها لصالح يهود...
إن موضوع صفقة القرن وارتباطه بصفقة القدس، وعربون التطبيع؛ ليذكرنا بأمور لا بد من ذكرها والتذكير بها منها:
1- إن موضوع صفقة القرن ليس وليد اليوم، ولا الأمس؛ إنما يحضر له منذ سنوات طويلة؛ وكانت بداياته في عهد الرئيس المصري عبد الناصر؛ كما كشف عن ذلك تقرير للجزيرة بعنوان "صفقة القرن؛ طرح متعدد ومتجدد بين الوعد والعراقيل" بتاريخ 2017/6/14 جاء فيه: (.. مشروع توطين 60 ألف فلسطيني في سيناء أيام عهد جمال عبد الناصر؛ الذي نجحت غزة في إفشاله... ومشروع آلون للتوطين في سيناء؛ تحت مبرر عجز السلطة المصرية عن فرض سيطرتها الأمنية على سيناء)... وقد عرضت عليه الأونروا في سنة 1953 توطين قسم من اللاجئين الفلسطينيين في سيناء، وانكشفت المؤامرة لدى أهل فلسطين؛ وخاصة لدى سكان مدينة غزة، وقامت المظاهرات العارمة في غزة، واستشهد أكثر من ثلاثين شخصا على أيدي الجيش المصري، واضطرت الحكومة المصرية لإلغاء المشروع أمام غضبة الجماهير وهبتها...
2- تجددت صفقة القرن مرة أخرى في عهد الرئيس حسني مبارك، حيث كشفت شبكة "بي بي سي" وثائق سرية بريطانية بتاريخ 2017/11/29 جاء فيها (..أن الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك قبل توطين فلسطينيين في مصر، قبل أكثر من ثلاثة عقود... وحسب الوثائق، التي حصلت عليها "بي بي سي" حصريا بمقتضى قانون حرية المعلومات في بريطانيا، فإن مبارك استجاب لمطلب أمريكي في هذا الشأن...).
3- إن التهيئة لهذا المشروع قد طفت على السطح هذه الأيام، وقد بدأت أولى حلقاتها منذ حوالي عام كما ذكرت ذلك (صحيفة هآرتس) اليهودية في تقرير لها بتاريخ 21 شباط 2016 جاء فيه: (... قبل أكثر من عام وتحديدا في 21 شباط 2016؛ عُقد في العقبة الأردنية لقاءٌ رباعي (بين نتنياهو، وكيري، والسيسي، وعبد الله الثاني)، ناقش أفكاراً جديدة للحل على أساس من يهودية الدولة وتبادل الأراضي...)
وبعد عام وفي 12 شباط 2017؛ أعلن عضو حزب الليكود أيوب قرا أنه أثار مع نتنياهو مقترح دولة فلسطينية في سيناء؛ وفق خطة السيسي، لتعبيد طريق السلام الشامل مع الائتلاف السني حسب وصفه، وأن نتنياهو سيعرض المقترح على الرئيس الأمريكي دونالد ترمب...)، وفي 12 حزيران 2017، فجر الصحفي اليهودي يوسي فرتر مفاجأة لقاء سِرّي؛ جمع بنيامين نتنياهو، وزعيم المعارضة إسحاق هارتسوغ مع الرئيس المصري في القصر الجمهوري في 2016 وقال فرتر وقتها: إن اللقاء السري جاء في ذروة الجهود الدولية لرسم الخطوط العريضة لمبادرة سلام إقليمية...).
ومن أهم مقدمات صفقة القرن كشرط لكيان يهود؛ التطبيع الكامل والعلني مع الأنظمة العربية كما صرح بذلك نتانياهو في مؤتمر (هرتسيليا اليهودي للسياسات والاستراتيجية) 2017، وأن يعترف العالم العربي والدول الكبرى كذلك بالقدس موحدة وعاصمة لكيان يهود كما صرح وأعلن ترامب في خطابه الأربعاء الفائت... وهذه الخطوة من جانب أمريكا قد جرى التشاور حولها مع الدول في العالم الإسلامي والدول الكبرى...
4- إن القدس بشطريها هي أصلا مغتصبة، ومكبلة بالسلاسل والقيود؛ بما فيها المسجد الأقصى المبارك، وإن اعتراف أمريكا بها عاصمة ليهود ليس أكبر من احتلالها، ولا من تدنيس المسجد الأقصى، واقتطاع جزء منه وهو حائط البراق؛ المسمى بـ(حائط المبكى)...
5- إن الثوابت التي لا تتغير، ولا يؤثر عليها اعتراف أمريكا، أو اغتصاب يهود، أو تفريط حكام المسلمين؛ هي أن القدس وأرضها المباركة هي أرض إسلامية وقفية خراجية، وأن يهود لا مكان لهم فيها بموجب العهدة العمرية، وأنها عقر دار الإسلام، ومركز خلافته آخر الزمان...
6- إن هذا الواقع سوف يتغير؛ بعد زوال هؤلاء الرويبضات من الحكام، وتوحيد أمة الإسلام في دولة واحدة هي الخلافة؛ في ظل حكام كعمر بن الخطاب؛ فاتح القدس، وصلاح الدين محررها من عباد الصليب، وعبد الحميد الثاني؛ صاحب الثوابت ضد يهود والإنجليز...
وفي الختام نسأله تعالى أن تكون هذه المؤامرات هي الكاشفة والضربة القاضية؛ التي تسقط هؤلاء الرويبضات أرضا؛ فتكون سببا في صحوة الأمة، ووعيها على دينها وعقيدتها ومقدساتها، ودافعا لإعادة مجدها في ظل الخلافة على منهاج النبوة... اللهم آمين.
بقلم: حمد طبيب
المصدر: جريدة الراية