- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
رجل الدولة والتغيير
يتطلع كثير من الناس إلى نظام عادل أو حكم يلمسون من خلاله أمانا واستقرارا سياسيا واقتصاديا يصون حقوقهم، وعيشا كريما يصون كرامتهم.
وهذا الأمر يطمع فيه كل إنسان بغض النظر عن دينه ولونه وجنسه وهو إحساس وشعور قد لا يفصحون عنه ولكن في المقابل لا يدركون حقيقة الأفكار الناهضة وما هي الخطوط أي الطريقة العملية للوصول إلى حالة الاستقرار والأمان؛ ذلك أن فوضى الأفكار وما يعتري الشعوب من أزمات وأحداث تمر بهم عبر سياسات الأنظمة الحاكمة والتي تسعى دائما في إشغالها واحتواء حركتها، ويملؤون أي فراغ قد تنفذ منه ومع سيناريوهات معدة مسبقا تخدم أسيادهم ومن نصبوهم على رقاب الشعوب وعلى رأسهم امريكا التي ما برحت تشعل الحروب والصراعات دوليا وإقليميا ومحليا، والعمل على زياده الطين بلة من خلال سياسات الدائن والمدين عن طريق البنك وصندوق النقد الدوليين وربط التعاملات التجارية بالدولار والتلاعب به صعودا وانخفاضا، وتوفير المخدرات وانتشارها في مجتمعاتنا، والفساد المستشري داخل أروقة ومؤسسات الدولة من ربا ورشاوى وابتزاز وغيرها الكثير.
وما فعله الغزو الفكري الغربي من طمس كثير من الأفكار الإسلامية وتشويه للإسلام وإزالة حكمه ليس بالأمر الهين من خلال المدارس والمعاهد والجامعات والبعثات والأحزاب العلمانية.
إن الأمة الإسلامية اليوم بأمس الحاجة إلى رجال قياديين قادرين على قيادتها، وسحب البساط وفك الارتباط بالاستعمار والاحتلال، وما جاء به من أفكار ومفاهيم، وما أنتجه من فساد في هذا الواقع الذي نراه.
فهم أي الرجال القياديون يجب أن يكونوا على مستوى وقدر من المسؤولية تجاه عملية التغيير المنشودة نحو حياة ترضي الله، لينالوا عز الدنيا والآخرة، ويجب أن يكونوا سياسيين ومفكرين مبدعين لا يعتريهم اليأس والملل، وأن يبينوا للناس أصالة الفكر الإسلامي ونظرته للإنسان والحياة ورعايتها، فالأمة تواقة إلى رجل الدولة الذي يتمتع بعقلية الحكم وله القدرة على إدارة شؤون الدولة، فوجوده ضرورة شرعية وعقلية، فكان لا بد من توعية الناس وتعبئتهم عقديا وثقافيا من أجل أخذ قيادتهم حيث إن سياسات الدول الغربية ساهمت كثيرا في كشف خداعها للشعوب ودجلها وتضليلها وزيف ادعائها وتشدقها بأفكارها النتنة من ديمقراطية وحقوق الإنسان والإثنيات الصغيرة، وما يسمى بالمحكمة الدولية والأمم المتحدة والقانون الدولي والوطنية والقومية...
فها هي أمريكا وكيان يهود يمارسون القتل المستمر وهدم المنازل على رؤوس أهلها وتهجير الناس من أرضهم والعمل على تخريب المؤسسات الخدمية والإنسانية والمؤسسات الصحية، فسقط قناعهم وأصبحت الشعوب على عمومها تدرك أن من يحكمها هم أراذل القوم وأنهم عملاء لأسيادهم الغربيين فهم يحاولون جعل الشعوب عبيدا لسياستهم القذرة.
إن نهب البلاد واستغلالها لمصلحة أوروبا وأمريكا عبر الاتفاقيات المشتركة والعقود المبرمة ليست إلا لإحكام السيطرة وديمومة عدم انعتاق الأمة الإسلامية من الهيمنة الغربية.
إن مفهوم أن (الإسلام هو وحده القادر على انتشال الشعوب مما تعانيه)، أمر لا بد من أن يُعطى مركزا من خلال إظهاره عبر بيان أحكامه التي من خلالها ساد الأمان والاستقرار، وأنه الوحيد الذي فيه العدل، فهو يحمل في طياته الطمأنينة، ونيل رضوان الله من خلال سياسته في الدولة وعلى المجتمع.
إن من الأهمية بمكان على أولئك الذين يريدون أن يغيروا هذا الواقع السيئ أن يكونوا رجال دولة مفعمين بالإحساس المرهف والتفكير المستنير، وأن يجتهدوا ويبدعوا في تبليغ دعوتهم والأفكار التي تبنوها لإيصالها إلى أقصى ما يمكن، فيبرئوا ذمتهم.
إن مجموع الناس يحتاجون إلى إثارة مشاعرهم وإنارة عقولهم وبيان حاجتهم إلى ما يرفع من شأنهم وأن لا يبقوا مستعبدين إلا لله عز وجل وحده.
إن من صفات رجل الدولة أن يكون لديه القدرة على إدارة الحوار، وتغليب المصلحة العامة، وأن يوازن بين الإيجابيات، ويبتعد عن السلبيات، ففي الحديث الشريف قال ﷺ: «إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْراً».
وأن يتجنب كل ما يثير الفتن، وكل ما من شأنه التضييق على الناس على أساس مذهبي أو قومي، وأن ينوع في عرض الفكرة والقضية التي يريد إثارتها من خلال الإبداع في أساليبه، وأن يجعل من ضرب الأمثلة حافزا وتشويقا للفكرة من خلال ضرب الأمثلة العملية والواقعية، والواقع مليء بها.
وأن يتجدد على الدوام في خطابه مع الناس لكي لا يملّوه، وأن يجتهد ويبذل الوسع في بيان واستيضاح الآراء والأفكار والمفاهيم التي يريد زرعها في عقول الناس، وتحميلهم مسؤولية عدم حملها وجعلها قناعات لديهم، وإثارة روح النقاش، وأن لديه مستجدات، فهذه تحتاج باستمرار إلى متابعة الموقف الدولي وتقلباته ومتابعة الأحداث السياسية والعسكرية، وللاتفاقيات سواء أكانت اتفاقيات اقتصادية أم أمنية، وتحليلها وفق زاوية خاصة، وأن يظهر عليه من خلال حواراته ونقاشه مع الناس أنه سياسي يحمل همومهم، ويسعى إلى حل مشاكلهم، ويقدم لهم المساعدة ما أمكن، وأن يسع الناس ما أمكنه إلى ذلك من سبيل.
إن الاستحضار الدائم لدى العاملين للتغيير يجب أن يكون على مستوى عال في عقلياتهم ونفسياتهم، فيكونوا على قدر عال من تحمل المسؤولية، وأن يتسابقوا في إيجاد الأفكار والمفاهيم التي تبنوها وإظهارها وإيجادها في المجتمع والتي غاب كثير منها عن المسلمين، وأن يصارعوا على الدوام الأفكار والمفاهيم المضللة، وأن لا ييأسوا مهما طال الزمن، وأن يكافحوا في سبيل تحقيق غايتهم، وأن يكونوا سافرين متحدين أقوياء في طروحاتهم ثابتين غير آبهين لما يقال عنهم.
وأن يكونوا كاشفين موضحين مخططات أعداء الإسلام من خلال ما يمر على الأمة الإسلامية من الوقائع والأحداث ومآلات الاتفاقيات والندوات والمؤتمرات والزيارات المستمرة من قبل الغرب وعلى رأسه أمريكا صاحبة الإرهاب وخلق الأزمات والفتن والصراعات الدولية والمحلية، وما تحمله من قدرات سياسية وأعمال شيطانية في سبيل الإبقاء على نفوذها وتمدده ونهب خيرات البلاد وحرمان المسلمين منها حتى أصبح المسلمون يستجدون لقمه العيش الكريم والأمان.
ومع هذا وذاك لا بد لحملة الدعوة من بيان مصالح الأمة في تطبيق شرع الله عز وجل والتزام أحكامه فهي الناجية والمنجية، وليس مع ما يجبرها عليه الاحتلال أو الاستعمار بأسماء ومسميات خبيثة مثل حق تقرير المصير والوطنية والاستثمار وإدخال الشركات الرأسمالية ومسائل العولمة والخصخصة، حتى يأتي الكثير من جيل الشباب في واقعنا يلهث وراء كل ما يمكنه من أسباب الحصول على المال من دون الاهتمام بمصدر المال حلالا كان أم حراما!
إن كل ما يجري على أمتنا الإسلامية يستدعي منا وجوبا أن نكون مصارعين ومكافحين وكاشفين ومتبنين قضايانا المصيرية للخلاص مما يعتلينا اليوم.
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
عبد الله مصطفى – ولاية العراق