- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
سد النهضة وفرية النجاح الباهر وإخفاء الوجه الخطير منه
أعلن الرئيسي الإثيوبي آبي أحمد رسميا اكتمال بناء سد النهضة بنسبة 100%، وأنه تم حجز مياه كافية دون إلحاق ضرر بدولتي المصب، السودان ومصر. وتعهد أمام مجلس نواب الشعب الإثيوبي في كلمة له بأن إثيوبيا ستعزز تدفقات المياه إلى السودان ومصر، في حالة شح في إمداد المياه جراء سد النهضة. وقال آبي أحمد في تصريحات نقلتها هيئة البث الإثيوبية إن سد النهضة يمثل فرصة مهمة لكل من السودان ومصر، مبدياً ثقته في عدم وجود أي مشكلات تتعلق بدولتي المصب. (وكالة العالم العربي).
بادئ القول إن سد النهضة هو من أكبر المشاريع في قارة أفريقيا، وكان من المفترض أن يتم تنفيذه في ستينات القرن المنصرم، ونسبة لدواعي الواقع السياسي آنذاك لم يبدأ العمل به. ومن المعلوم بأن أمريكا هي من وراء بنائه، وهي التي خططت ووضعت له المكان والخرائط، بل وضعت له حجر الأساس عبر شركة واي بليد، التي دفعت 4.8 مليار دولار. ومن إصرارها الكبير، باشرت الشركة أعمالها دون انتظار التوقيع على اتفاق المبادئ في 23 آذار/مارس 2015 الذي خالف نصوص اتفاق عنتيبي للمياه، المبرم في خمسينات القرن المنصرم، ما يؤكد أن بناء السد فوقي، ويعتمد على أوامر عليا من أمريكا لتنفيذه. وهذا ما أكدته الوقائع والأحداث التي تجاوزت كل الخطوط الحمر.
لقد فشلت كل جولات التفاوض التي عقدت في السودان ومصر وإثيوبيا، بالإضافة لجلسة مجلس الأمن بناء على طلب من مصر والسودان في تموز/يوليو 2021م، حيث دعت مندوبة أمريكا ليندا توماس، إلى استئناف المفاوضات تحت مظلة الاتحاد الأفريقي، يعني تمرير ما تحتاجه إثيوبيا لملء السد والبناء، دون التفات إلى أي انتقاد للمشروع.
لقد حمل خطاب آبي أحمد تناقضات في طياته، حيث قال بأنه "سيعزز تدفقات المياه في حالة شح في إمدادات المياه جراء سد النهضة". ثم أردف مبديا ثقته "في عدم وجود أي مشكلات تتعلق بدولتي المصب". وفي الوقت نفسه قال "إن إثيوبيا لن تسمح بأي تهديد لسيادتها"، وهذا تناقض في الأقوال، وقد جاء بصيغة دبلوماسية، وفي الوقت نفسه حجز من المياه ما يقارب 60 مليار متر مكعب، مبديا ثقته بعدم وجود مشكلات، مع أن آبي أحمد ليس رجل اختصاص حتى يبت في هذه الأمور، فهو يقول الكلام ثم ينقضه، متخذا موقفه كرئيس وزراء، الأمر الذي يجعله يقول بوجود مشكلات حقيقة، ثم يعقبه بتهديد علني.
لقد أكد الخبراء منذ بداية هذا المشروع أنه أخطر مشروع على الإطلاق يمر على المنطقة منذ وجودها، إذ يمثل أكبر تهديد مائي كارثي، فبحدوث خلل في جسم السد، لا سمح الله، جراء حادث طبيعي مثل الزلازل، أو حالة تصدع، أو أي تلف يقع على جسم السد، فإن تدفق المياه الضخمة بعد الملء الخامس إذ تبلغ مياهه ما بين 72 إلى 74 مليار متر مكعب، يعني قنبلة مائية ضخمة، تدمر كل شيء أمامها. أكد الأستاذ عباس شراقي أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة عن كارثة سد النهضة، في أيلول/سبتمبر 2024 أن زلزالا وقع في إثيوبيا الساعة 7.36 صباحا بتوقيت القاهرة الجمعة 27 أيلول/سبتمبر بقوة 4.8 ريختر على عمق 10كلم ويبعد 570 كلم شرق سد النهضة، ويقع مركز الزلزال في منطقة الأخدود الأفريقي العظيم، ولقد وقعت عدة زلازل بالقوة نفسها، لكن لبعد المسافة كان التأثير ضعيفا، لكن ربما يكون الزلزال القادم أقوى.
من المعلوم أن حصة مياه مصر من النيل وفق اتفاقية مياه النيل عنتيبي هي 55.5 مليار متر مكعب. وتغطي هذه النسبة 50% فقط من احتياطي الاستهلاك السنوي لأهل مصر، إذ يحصل الفرد على 500 متر مكعب من احتياجاته في السنة، بينما الأصل أن يحصل على 1000 متر مكعب في السنة، وهذا يعني أن هناك فقرا مائيا في مصر. (الحرة).
إن مخاطر سد النهضة على السودان ومصر كبيرة، علما بأن السد يبعد عن الحدود السودانية 20 كلم فقط نهاية النيل الأزرق في منطقة بني شنقول وقريبة من سد الرصيرص، ذلك السد الذي يعتمد عليه السودان في توليد الكهرباء المائية التي تغذي ست ولايات في السودان. وإن النيل الأزرق يجدد الطمي عندما يكون فيضانه طبيعيا، وهذا الأمر لم يكن متاحا بعد بناء سد النهضة.
أما ردود الأفعال من الحكومة المصرية فلا تخرج عن سياق تخدير الناس وامتصاص غضبهم تجاه تصرف السيسي وحكومته، وما أعلنه آبي أحمد من اكتمال السد. أوردت قناة الشروق تصريحات وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي أن مصر متمسكة بحقوقها المائية في نهر النيل، وأنها قضية لا تفريط فيها، ولا تهاون. وأضاف وزير الخارجية المصري في لقاء مع قناة الشروق في أيلول/سبتمبر المنصرم أن المياه قضية وجودية، وقضية حياة أو موت، وأن القاهرة قادرة على الدفاع عن مصالحها وأمنها المائي في قضية سد النهضة. علما بأن مصر وجهت خطاباً لمجلس الأمن بشأن تطورات سد النهضة، وأكدت فيه استعدادها لجميع التدابير للدفاع عن وجودها ومصالحها ومقدرات شعبها. وقال إن سياسات أديس أبابا ستكون لها آثار سلبية لدولتي المصب مصر والسودان. (وكالات)
إن المتتبع لتصريحات الحكومة المصرية منذ توقيع اتفاق المبادئ في 23 آذار/مارس 2015 لا يجد إلا التباكي والتصريحات النارية من عبد الفتاح السيسي وحكومته عندما قال نحن لن نتهاون ولو في قطرة (ميه)، وغيرها من تصريحات الحكومة المصرية وإعلام مصر وخبراء مصر، الذين يحذرون من خطورة سد النهضة، ولكن لا شيء غير النفيخ الأجوف!
إن قضية سد النهضة تشبه قضية فلسطين وقدسها، حيث وضعت بريطانيا حجر الأساس لدولة يهود، وجاءت بالحكومات العميلة لتحرسها، حكومات تضحك على شعوبها وكل همها كراسيهم المعوجة قوائمها، فهم لا يرقبون في الأمة الإسلامية إلا ولا ذمة.
إن الحكومة المصرية تدرك خطورة السد، وتعرف تناقص حصة مصر والسودان من المياه، وتعرف احتمال انهيار السد، فتجدها تمارس عملية ملء الفراغ الإعلامي نفاقا وهي لا تحرك ساكنا! وإذا سمعت التصريحات القوية المهددة لأديس أبابا فكأنك تهيئ نفسك لضربة قوية تهد السد منذ اللحظات الأولى قبل ملئه!
إن مستوى الإجرام التاريخي الذي ارتكب في حق السودان ومصر من هؤلاء الحكام، وتركهم إكمال السد ليصل مراحله الأخيرة، ليكون قنبلة مائية مدمرة للبلاد هو أمر واضح لكل ذي بصر وبصيرة. وإن ما تحوكه أمريكا عبر عملائها في المنطقة يؤكد مدى حقدها الدفين تجاه أمة محمد ﷺ. فلم تكتف بصناعة الحروب بل هي الآن تصنع التدمير الممنهج للأجيال القادمة، وهلاك كل من يريد الانعتاق من ربقتها ولو بعد حين. إن تصرف أمريكا في صناعة السد وحمايته من أي مساءلة قانونية أو إعطاء الضوء الأخضر لملء السد في كل مراحله، دون رقيب، تاركة لإثيوبيا الحبل على الغارب، ليؤكد عنجهيتها وغطرستها، وهو السقوط المدوي لقيم الإنسانية التي تتشدق بها تجاه العالم. وإن الإجراء الوحيد تجاه هذا السد هو أن يتم إيقافه الآن قبل الغد. والذي يقوم بهذا الإجراء إنما هو دولة مبدئية تتقي الله في رعاياها، وتخاف من غضب القوي الجبار، قبل مساءلة الرعية، وهذا سوف يتحقق في دولة الخلافة القائمة قريبا بإذن الله.
كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
الشيخ محمد السماني – نيالا – ولاية السودان