الإثنين، 21 جمادى الثانية 1446هـ| 2024/12/23م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
  •   الموافق  
  • 3 تعليقات
اللغة العربيّة عماد فهم الأحكام الشرعيّة   فحافظوا عليها يا أبناء الأمّة الإسلاميّة

بسم الله الرحمن الرحيم

 

اللغة العربيّة عماد فهم الأحكام الشرعيّة


فحافظوا عليها يا أبناء الأمّة الإسلاميّة


ضمن حملة القسم النسائي "الشباب المسلم: روّاد التغيير الحقيقي"

 


عالم الإنترنت أو الشبكة العنكبوتية وتعني البنية التحتية التي تنقل جملة المعلومات المتداولة عبر القارات... عالم شدّ انتباه الكثيرين واستقطب اهتمامهم وصار ذا قيمة بالغة في حياة الناس، ولعلّ الشريحة الأكثر استقطابا هي شريحة الشباب التي صارت "مدمنة" على استعماله وخاصّة عبر مواقع التواصل.


أصبح هذا العالم الافتراضي يأسر مستعمليه وخاصّة منهم الشباب فيكبّلهم لساعات طوال أمام جهاز الكمبيوتر أو الحاسوب اللوحي ويعزلهم عن العالم "الواقعي" كليا إلاّ من بعض ما تنقله لهم تلك الأجهزة من أخبار.


صار أداة تواصل بينهم يعبّرون فيه عن كل مشاغلهم وأفكارهم وآرائهم. ولكن اللافت للنّظر لغة التخاطب التي أُحدِثت وراجت بين الشباب وصارت اللغة المتداولة والمستعملة وهي عبارة عن أحرف كتابة جديدة يتواصلون بها لسهولتها وسرعة كتابتها - حسب زعمهم - فأصبحت هذه اللغة التي أطلق عليها "لغة الفايس بوك" لغة الشباب بها يكتبون ويتراسلون. في حين صارت اللغة العربية - اللغة الأمّ - لغة يصعب التخاطب بها ويجد الشباب في استعمالها حرجا! بل ويتفادى التعامل بها ويعتبرها بطيئة تعرقل سيره في ظلّ النسق السريع لحياته والتطوّرات العلمية والتقنية التي شهدها العالم!!


فما هي أسباب عزوف الشباب المسلم عن لغة دينه؟ ولماذا فقد ثقته بها؟ وما هي الحلول اللازمة لمعالجة أزمة الثقة هذه؟ وكيف السبيل إلى محو الفجوة بين الشباب المسلم ولغته الأمّ؟


للوقوف على هذه الأسباب حريّ بنا البحث في حقائق وبديهيات سار عليها الكون منذ أن خُلق. فما من شكّ في أنّ الصراع بين الكفر والإيمان صراع أبديّ وأنّ المعركة بين الحق والباطل متواصلة إلى يوم الدّين. لذلك تعمل الحضارات دوما على نشر مفاهيمها وضرب مفاهيم الحضارات الأخرى حتّى تضمن سيادتها وقيادتها للعالم دون بروز حضارة تنافسها وتحاربها للفوز بالقيادة والريادة لهذا العالم. ولقد سعى الغرب طويلا وعلى مدى قرون للنيل من الإسلام حتىّ يهزمه ويجعله ضعيفا خاصة في نفوس أهله.


يقول سبحانه وتعالى في الآية 120 من سورة البقرة {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتّبع ملتهم} ويقول سبحانه في الآية 217 من السورة نفسها: {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} ويقول تعالى: {ودّوا لو تكفرون كما كفروا} [ النساء: 89 ].


بسقوط دولة الإسلام صار هذا الدّين مجرّد طقوس لا أحكاماً شرعيّة يتقيّد بها المسلم ويسير على خطاها؛ فقد ضيّع الغرب أمّة الإسلام وخاصّة شبابها الذين فيهم الأمل وبهم العمل لخدمة هذا الدين العظيم، وصار الشباب يعاقر الخمرة ويتحرّش بأخواته المسلمات دون عودة على الحكم الشرعي؛ فقد أقصي عن حياته وسعى لفصله عن واقعه وواقع الأمّة الحكام الضرار.


لقد تسلّم الشباب المسلم دينه على أنّه طقوس ولم يفقه أنّ هذا الدّين دين حياة يطبّق فيها وتسري أحكامه نافذة فيه لتنشر السلم والأمن بين الناس. وبذلك حصلت فجوة هائلة بينهما ليصبح شبابنا أبعد ما يكونون عن الإسلام.


من التحدّيات التي تعترض الشباب المسلم قضية الهوية ومنها اللغة العربية، ولا شكّ أنّها من المواضيع الملحّة والخطيرة لأنّ اللغة وعاء للفكر وهما وجهان لعملة واحدة، وكما يقول ابن تيمية "إنّ لكلّ أمّة شعارا وشعار أهل الإسلام لغتهم"، ويقول أيضا: "اعلم أن اعتبار اللغة العربية يؤثر في العقل والخلق والدّين تأثيرا قويّا بيّنا ومعرفتها فرض واجب، فإنّ فهم الكتاب والسنة فرض ولا يفهم إلا بفهم اللغة العربية، وما لا يتمّ الواجب إلا به فهو واجب".


مؤلم أن نرى عزوفا من الشباب عن هذه اللغة وهي لغة القرآن!! قال تعالى: {قرآنًا عربيًا غيرَ ذي عوج لعلهم يتقون} [الزمر: 28]، وقوله تعالى: {إنا أنزلناه قرآنًا عربيًا لعلكم تعقلون}[يوسف: 2].


وإنّه لمن الغريب أن يُقرَأ القرآن ولا يُفهم وحين تسأل الشباب عن معنى كلمة في القرآن يجيب بجهله لها!! فكيف سيفهم كتاب ربّه وكيف سيمتثل لأحكامه وهو يجهل اللغة التي بها نزل؟! كيف التواصل بين المخاطِب والمخاطَب وقناة التواصل غير مفهومة؟ كيف السبيل إلى إرضاء الخالق دون العلم بما يرضيه؟!!


إنّ تركيز الغرب على تمييع اللغة العربية وطمس معالمها وتشويهها أمر مدروس وهو من بين البنود العريضة التي وضعها ضمن مخطّطاته ومؤامراته للنيل من الإسلام، فهو على علم بما للغة العربيّة من أثر في فهم أحكام الإسلام، ومتى ضُرِبت هذه اللغة ضُرِب فهمُ الأحكام وضُمن بذلك عدمُ تطبيقها. ولقد سخّر كل وسائله حتّى يطمس هذه اللغة ويجعلها هجينة محتقرة من شباب الأمّة فأشاع أنّها لغة التّخلّف والرجعية، وأنّه يصعب عليها مواكبة التطوّر السريع الذي يشهده العالم وعلى من يريد السير في الركب وعدم التخلّف عنه، عليه أن يلفظها ويتعلّم لغة العصر ويحاول فهمها والعيش بها: والمراد بلغة العصر طبعا لغته هو التي يفرضها بكلّ الطرق!!.


أصبحت الكتابة والحديث باللغة العربية وصمة عار يتجنّبها معظم الشباب فتراهم يجهدون أنفسهم للتلفّظ ببعض العبارات الإنجليزية أو الفرنسية معبّرين بذلك عن مواكبتهم للعصر... أيّ حال وصل إليه خير شباب لخير أمّة؟ أتُترَك اللغة العربية التي هي أشرف اللغات والتي اختارها رب البشرية وخالق الكون لتكون لغة القرآن العظيم والمفضلة على سائر لغات البشرية، ويلهث شبابنا وراء لغة تحمله إلى عالم غريب عجيب يجعله يحيا بلا هوية ولا حضارة ولا جذور منبتّا تائها ضائعا!؟؟


نظرة خاطفة في عالم الإنترنت وفي مواقع التواصل - تحديدا - تجعلنا نتيه في بحار لغة غير مفهومة لا هي عربية ولا إنجليزية.. بل مزيج هجين.. هي لغة أطلقوا عليها اسم لغة الإنترنت أو لغة العصر. لغة لا تعترف بقواعد رسم ولا نحو ولا صرف. لغة تحرّرت من كلّ القواعد لتعكس واقع مستعمليها: واقعا يعمل على أن يكون الشباب أحرارا بل متسيّبين لا ضوابط لأفعالهم ولا قيود...


إن سألت أحدهم لماذا تستعمل هذه اللغة ولماذا لا تكتب باللغة العربية يردّ باستهتار تغلّفه ثقة بنفس مغرورة: هذه أسرع وأسهل، أمّا العربية فصعبة ولا أجيد قواعدها!! عجبا لشباب أمّة الإسلام! عجبا لشباب يملك ثروة يحسده عليها أعداء أمته ويفرّط فيها!! عجبا لشباب الإسلام يقولون إنّ اللغة العربية صعبة وقد قال جورج سارتون، وهو البلجيكي: "إن اللغة العربية أسهل لغات العالم وأوضحها، فمن العبث إجهاد النفس في ابتكار طريقة جديدة لتسهيل السهل وتوضيح الواضح، فإذا فتحت أي خطاب فلن تجد صعوبة في قراءة أردأ خط به، وهذه هي طبيعة الكتابة العربية التي تتسم بالسهولة والوضوح". فلماذا هذا الهجر للغة العربية من شباب الأمّة؟


ومن المسئول عماّ آل إليه حالهم في علاقتهم بلغة دينهم التي بها نزلت الأحكام الشرعية وبدونها لا تفهم؟


إنّ ابتعاد الشباب المسلم عن اللغة العربية يعني فقدانه لهويّته ولحضارته التي ميّزته وجعلته لقرون صالحا لقيادة البشرية وللسير في المقدمة. فمن أهمّ مقوّمات الأمّة الإسلامية اللغة العربية، ومن الخطر التفريط فيها فقد كانت منذ القدم لغة الحضارة والعلم والتقدم والفنون الأدبية وكانت على مر أزمان كثيرة وعاءً للعلوم واللغة السائدة في العالم، وهي اللغة الزاخرة ببحر مفردات جميلة لا ينضب!!!..


لعب الإعلام دورا كبيرا في تعميق الفجوة بين الشباب المسلم ولغة دينه؛ فالمحطّات الفضائية التلفزيونية والإذاعية تعتمد اللغة العامية في برامجها وتبتعد عن استعمال العربية الفصحى إلا في بعض المسلسلات والأفلام التاريخية إيحاء بأنّ العربية لغة عتيقة قديمة لا تواكب تقدم المجتمع وتطوّره، كما تعمد إلى إدراج ألفاظ من اللغات الأجنبية لتجعلها عاكسة للتطوّر والتقدّم والعلوم وعلى من يريد مواكبة العصر التعامل بها وتعلّمها.


كما تسعى القنوات الفضائية إلى بثّ برامجها بلهجة بلدها العاميّة بحجّة وصول كلام الباثّ إلى المتقبّل بسهولة وسلاسة وحتّى يكون الكلام من القلب إلى القلب!، فكثرت هذه البرامج وملأت القنوات. في حين أُهمِلت اللغةُ العربية الفصحى ولم تعد سوى لغة بعض البرامج الدينية أو الوثائقية أو الإخبارية، واتجهت الأنظار نحو العامية لتقديم كل ما يهمّ الأطفال والشباب حتّى تعوّدت آذانهم على تلك اللغة وصاروا يتفكّهون بكلمة ما تردّدت على مسامعهم في مسلسل أو اسم ذكر في أحد الأفلام دون تبيّن لمعناه ولا تبصّر في الغاية التي بثّ لأجلها.


ولنتأمّل البرامج التعليمية والكتب المدرسية كيف تسعى جاهدة لتنفيذ أجندات هدّامة تصنع من أبناء الأمّة أجيالا منبتّة عن جذورها لا تعرف لغتها التي بها تفهم حضارتها فتتشبّث بها وتحافظ عليها، فما نراه من تمرير لمفردات عاميّة أو نقل عبارات من لغات أجنبية وكتابتها بأحرف عربية يجعلنا نشفق على هذه الأجيال التي صارت تحيا بشخصيات مضطربة ضعيفة تائهة بين واقع تجمّعت فيه كلّ الوسائل لحرفها عن تلمّس الطريق الصحيح لنهضتها ونهضة أمّتها وبين رواسب طفيفة من عقيدتها. إضافة إلى تعمّد إصدار صحف ومجلات باللغة العامية حتّى تُمحَى معالمُ اللغة الأمّ وتضيع مكانتها.


لقد تعوّد الشباب على سماع اللهجة العامية ونسي لغته الأمّ: نسي لغة أحكام دينه التي عليه فهمها والعمل بها فصار لا يرى فيها سوى الضعف والعجز والتأخّر... ومن الخطورة بمكان أن يتملّص الشباب عن اللغة العربية لأنّ ذلك سيقضي على دينه وعلى أحكام هذا الدين. فكيف له بفهمها وما هي اللغة التي ستعينه على ذلك إذا كانت اللغة التي أنزلت بها تلك الأحكام غير مقروءة ولا مفهومة؟؟


إنّ انبهار الشباب اليوم بالغرب وتقدّمه يجعله يحيا حياة غربية بامتياز فيتسابق على الربح السهل ويعتكف لا لمعرفة دينه وتبيّن أحكامه بل للولوج عبر مواقع التواصل يتحادث ويتسامر معتمدا لغته الخاصة لغة عصره البعيدة كل البعد عن اللغة العربية الفصحى: اللغة التي لا تلقى منهم سوى الاستهزاء والتحقير!!


إنّ الحلول لهذه المشاكل تبدأ من ضرورة تغيير المفاهيم الفاسدة التي رسّخها الغرب الحاقد والقناعة التامة بل اليقين بأنّ هذه الأمّة هي أفضل أمّة لقوله تعالى في سورة آل عمران الآية 110: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرونَ بالمعروف وتنهونَ عن المنكر وتؤمنون بالله}. والتمسّك باللغة العربية والذي يعني التمسّك بالإسلام وأحكامه فقد قال الله تعالى في مدحها في سورة النحل الآية 103: {لسانُ الذي يلحدون إليه أعجميٌّ وهذا لسان عربيٌّ مبين}.


فمن المحزن أن يكون الشباب المسلم - وهم أبناء هذه اللغة - أوّل من يحاربها ويهجرها ويمتهنها وهي لغة دينه ناهيك عمّا قيل فيها من المفكّرين الذين لم يجحدوا قيمتها وقوتها وجمالها: "من أغرب ما وقع في تاريخ البشر انتشار اللغة العربية فقد كانت غير معروفة فبدأت فجأة في غاية الكمال سلسة غنية كاملة، فليس لها طفولة ولا شيخوخة، تلك اللغة التي فاقت أخواتها بكثرة مفرداتها ودقة معانيها وحسن نظام مبانيها". (إرنست رينان)


كما لم تُخفِ الألمانية "سيجريد هونكه" انبهارها بهذه اللغة فتصرّح: "كيف يستطيع الإنسان أن يقاوم جمال هذه اللغة ومنطقها السليم وسحرها الفريد؟ فجيران العرب أنفسهم في البلدان التي فتحوها سقطوا صرعى سحر تلك اللغة".


إليك يا شباب أمتي الأبيّة: إنّ ضعف المعرفة باللغة العربية يعني ضعف صلة الأمّة بكتاب ربّها وبحسن تلاوته والعمل بأحكامه، وفي ذلك ضعفها وضياعها، فلا تكونوا عونا لأعدائها عليها ولنشمّر جميعا رجالا ونساء عن سواعدنا لنهضتها وإعادة عزّتها. فكفى وقوفا على أطلال أمجاد الأجداد وهبّوا لدوركم المجيد يا شباب أمّة الإسلام العتيد...


يا شباب أمّتي أدعوكم وقلبي ينفطر **** أبكي ضياع لغتي ودموعي تنهمر
قالوا بسخرية لا تحزن عليها واصطبر **** قضت وصارت كأعْجَاز نَخْل منقَعِر
يا شباب الأمّة أدّوا أمانة ربّ البشر **** فالنّصر المبين آت فهل من مدّكر
أعيدوا مجدها وقولوا بإذن الله ننتصر **** هو نعم الوكيل وهو القادر المقتدر

 

 

كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير


زينة الصّامت

 

3 تعليقات

  • ام عبدالله
    ام عبدالله الإثنين، 18 نيسان/ابريل 2016م 20:43 تعليق

    بوركت اختي الفاضلة

  • khadija
    khadija الإثنين، 18 نيسان/ابريل 2016م 14:16 تعليق

    بوركت أختي زينة وأكثر الله من أمثالك وكلماتك الطيبة

  • إبتهال
    إبتهال الإثنين، 18 نيسان/ابريل 2016م 13:49 تعليق

    بوركت أختي الفاضلة

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع