الأربعاء، 23 ربيع الثاني 1447هـ| 2025/10/15م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
  •   الموافق  
  • كٌن أول من يعلق!

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

غزة تستصرخنا: حان الوقت لنهضة الأمة تحت راية واحدة

 

 

إن معركة غزة الشرسة، جعلت هذه الأرض التي تنزف كل يوم من دماء أهلنا، هي أيضاً مرآة للضعف والتفرق الذي أصابنا بوصفنا أمة. لم يعد بإمكاننا ممارسة الصمت ولا يسعنا الخوف من التحرك. بل أصبحت مسؤوليتنا أن ننهض فكراً وعملاً، أن نعود إلى مصدر قوتنا، العقيدة التي تجمعنا، الإسلام الذي يوحدنا، والراية التي يجب أن ترفرف فوق كل راية: لا إله إلا الله محمد رسول الله.

 

وإن الإنسان في طبيعته كائن فُطر على الإدراك والتأمل، على التسليم لما هو حق، والبحث عما يُنير روحه. هو كائن يتأثر بما حوله، بالكلمة والفعل، بالبيئة والنظام الذي يعيش فيه. وحين يُربّى في واقعٍ مقلوب، يعتاد الانحراف حتى يراه صواباً، ويغترب عن فطرته دون أن يشعر. وتتشكل ملامحه وفق ما يراه ويسمعه، حتى يصبح أسيراً لأفكار ليست منه، ولا تشبه ما خُلق عليه.

 

هذا الغزو الفكري لم يقتصر على الكلمات أو الأفكار، بل تغلغل في أعماق ثقافتنا عبر مناهج التعليم، ووسائل الإعلام، والاقتصاد. فعندما يُقَدم لنا تاريخ مشوّه وقِيَم غريبة في المدارس ووسائل الإعلام، يفقد الجيل الجديد ارتباطه بهويته، وتصبح الفطرة غير مرئية أمام معايير غربية غير أصيلة. لم يعد الانحراف عن المسار الشرعي مجرد خطأ، بل أصبح مقياساً يُقاس به ما هو صواب أو خطأ... وهكذا بدأ الانكسار.

 

فسادُ الواقع لم يأتِ من فراغ، بل من أنظمةٍ استوردناها من الغرب، حتى صرنا نحكم بعقول غيرنا، ونقيس الصواب بميزانٍ غريبٍ عنّا. نظامٌ غيّر المفاهيم، فصار الإيمان تخلّفاً، والعفّة عقدة، والحرية انفلاتاً، والانفتاح انحلالاً! كلّما حاولت الفطرة أن تصرخ، أسكتها ضجيج "الترند"، ووهج الإعلام، وزخرف العناوين التي تخفي خلفها خواءً روحياً مرعباً.

 

الغرب لم يشنّ حربه على الأمة بالسلاح فقط، بل بالفكر، والاقتصاد، والسينما، والتعليم، والإعلام. زرع فينا عقدة النقص، حتى ظنّ كثير منا أن العزة لا تكون إلا بالانتماء إليه. قسّم بلادنا، غيّر رموزنا، بدّل راياتنا التي كانت ترفع لا إله إلا الله محمد رسول الله، براياتٍ ممزوجةٍ بألوانٍ لا تمتّ لديننا بصلة. علّمونا أن ننتمي للحدود، لا للعقيدة، وأن نُقدّس الأناشيد أكثر من القرآن، وأن نغني للوطن ولا ننهض للأمة.

 

تحت هذا التزييف، أصبح المسلم يرى الحق غريباً في بلده. انشغل بلقمة العيش عن معنى الوجود، وتعب من الدفاع عن عقيدته في عالمٍ يراه متطرفاً لمجرد تمسكه بها. حتى إذا نظر إلى الغرب، رآهم رغم كفرهم يعيشون حياةً منظمةً هادئة، فظنّ أن سرّ السعادة في ما عندهم، لا في ما ضيّعه هو من بين يديه.

 

لكن الله لم يخلقنا لنكون أتباعاً، بل لنسود بالحق والعدل. وما فقدنا عزتنا إلا حين تركنا منهج نبينا ﷺ، ذلك المنهج الذي جمع بين العبادة والمعاملة، وبين مزج الروح بالعمل، إن الأمة التي تعرف أنها مستغفَلة، وستنهض لا محالة.

 

يكفي أن يُدرك الفرد أنه يعيش في وهم، ليبدأ التغيير. فكيف بأمةٍ بأكملها إذا أفاقت من غفلتها؟ كيف إذا اجتمعت تحت راية واحدة، تحمل في قلبها "لا إله إلا الله محمد رسول الله" وتوقن أن النصر بيد الله لا بيد الغرب؟ أما آنَ لنا أن نُعيد التأمل بين ما هو مطبق علينا من أنظمة غريبة وبين ما يملي علينا ديننا؟ أما آن أن نُحيي الإسلام كما أراده الله: عبادةً تُصلح القلب، وعدلاً يُصلح الأرض، وربطاً للمادة بالروح، وإنسانية كما أرادها الله؟

 

فهيا معاً لننهض بالفكر والوعي، ونعيد الفطرة، ونسير على نهج من كان نورهم لا يُطفأ، حتى تقيم الأمة خلافتها الراشدة، وترفع راية الحق فوق كل راية.

 

لكننا، ونحن نتحدث عن الفطرة والوعي والنهضة، لا يمكن أن نغضّ الطرف عمّا يجري منذ عقود في فلسطين عموما، وفي غزة خصوصا منذ عملية طوفان الأقصى. هناك، تُختبر عقيدتنا، ويُقاس صدق وعينا، فالأرض التي تنزف دماً كل يوم ليست قضية بعيدة عنا، بل مرآة لضعفنا وصمتنا وتفرّقنا.

 

غزة ليست مجرد صراع على الأرض؛ هي صراع على الهوية والتوحد. الأمة التي تفرّقت وأنهكتها الخلافات الداخلية، وجدت نفسها عاجزة أمام محاولات الغرب المستمرة لتفتيتها. ورغم ما تقدمه غزة من تضحيات، إلا أن غياب الرؤية الموحدة والعمل السياسي الجماعي يجعل نصرتها مجرد صرخات في الهواء! إذا كنا حقاً نريد التغيير، فإن الطريق يبدأ من استعادة وحدتنا الفكرية والسياسية تحت راية واحدة.

 

غزة اليوم تصرخ باسم كل قلبٍ مؤمنٍ بأن الأمة ما زالت حية، تنتظر من يُعيد لها صوتها تحت راية الحق. فإن كنّا نؤمن أن النهضة تبدأ من الوعي، فلتكن نصرة غزة أول اختبارٍ لوعينا، وأول خطوة في طريق أمةٍ تعرف أن النصر وعدٌ من الله لا يتخلف.

 

إن الطريق إلى النصر يبدأ بنهضة الأمة الفكرية والسياسية، ولتحقيق ذلك يجب علينا أن نعود إلى الإسلام في أبعاده الحقيقية؛ عقيدة، شريعة، وحكماً. وإن حزب التحرير اليوم يقود هذه الدعوة بكل إيمان وعزم، مسلطاً الضوء على السبيل الأمثل لاستئناف الحياة الإسلامية، وعودة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة. لن تنقلب موازين القوى لصالح الأمة إلا إذا عادت إلى عقيدتها، وتكاتفت صفوفها، ورفعت راية الإسلام عالية. إن دعوة الإسلام، متمثلة في حزب التحرير، تدعونا لنصرة هذا المشروع العظيم؛ مشروع الأمة التي لا تساوم على عقيدتها ولا تركن إلى غريب عنها. فلتكن غزة الحافز الأول لنا جميعاً، ولنجعلها بوابة التغيير التي يبدأ منها فجر النهضة. فارفعوا راية الحق، وكونوا جزءاً من الأمة الواعية المجاهدة، كما أمرنا الله سبحانه وتعالى.

 

قوموا إلى مشروع الخلافة الراشدة على منهاج النبوة الذي يعمل له حزب التحرير بجد وإخلاص. حينها فقط يصدق فينا وعد الله سبحانه وتعالى، فذلك هو السبيل الوحيد للنهضة بالأمة ورفع سطوة الكافر عنها، واستعادة حكم الإسلام، وتحقيق وعد الله عز وجل: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ﴾، قال تعالى: ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾.

 

 

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

نسيبة الفلاحي (أم وعد) - ولاية اليمن

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع