الإثنين، 16 ربيع الأول 1447هـ| 2025/09/08م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

التعزيزات المصرية في سيناء

بين التنسيق مع يهود وواجب تحرير الأرض المباركة

 

 

شهدت الأيام الأخيرة تحركات واسعة للجيش المصري في شمال سيناء، ووصفتها تقارير إعلامية بأنها أكبر انتشار عسكري منذ توقيع معاهدة كامب ديفيد عام 1979، حيث تحدثت المصادر عن نحو 40 ألف جندي ومئات المدرعات والآليات العسكرية، في خطوة قيل إنها تأتي لمنع أي سيناريو لتهجير جماعي للفلسطينيين إلى سيناء. وفي المقابل، أكدت مصادر عبرية أن هذا الانتشار جاء بالتنسيق الكامل مع الكيان الغاصب، في إطار التفاهمات الأمنية المنبثقة عن المعاهدة المشؤومة.

 

هنا يثور السؤال: ما حكم الشرع في هذا الانتشار إذا كان تحت سقف كامب ديفيد وتحت أعين يهود؟ وما الواجب الشرعي على هذه الحشود العسكرية؟

 

لقد نصّت المعاهدة على جعل سيناء منطقة منزوعة السلاح إلا من قوات محدودة، وعلى وجود قوات مراقبة دولية، وعلى ترتيبات أمنية تُقيد حركة الجيش المصري في أرضه. والأخطر أنها اعترفت بكيان يهود، وألزمت مصر بسلام دائم معه. وهذا وحده كافٍ لجعلها معاهدة باطلة شرعاً، إذ كيف يجوز شرعاً أن يُعطى العدو المحتل شرعية على أرض المسلمين، والله تعالى يقول: ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً﴾؟! قال القرطبي: "هذه الآية أصل في تحريم تمكين الكفار من شيء من سلطان المسلمين"، ومعاهدة كامب ديفيد جعلت لهم سلطاناً واعترافاً وحقاً مزعوماً في أرض فلسطين.

 

الانتشار العسكري الحالي لم يتم خارج المعاهدة ولا في إطار قرار سيادي مستقل، بل تم بالتنسيق مع كيان يهود، وهو ما اعترف به الإعلام العبري. وهذا يفضح حقيقة الأمر: أن هذه القوات ليست موجهة لتحرير الأرض المباركة ولا لقتال يهود، وإنما لضبط الحدود وحماية أمن كيان يهود من أي تدفق محتمل للمجاهدين أو السلاح، ولمنع تهجير الفلسطينيين إلى مصر بما يهدد أمن النظام، لا نصرةً لهم ولا عملا لتحرير أرض الإسلام. فهذه الحشود في حقيقتها جزء من المنظومة الأمنية المرتبطة بالمعاهدة، لا جيشاً متأهباً للجهاد في سبيل الله.

 

إن الجيوش في بلاد المسلمين وخصوصاً جيش الكنانة هم أهل القوة والمنعة الذين فرض الله عليهم نصرة الدين والذود عن حمى المسلمين. قال تعالى: ﴿وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا﴾. يقول ابن كثير إن هذه الآية "حجة في وجوب قتال الكفار لاستنقاذ المستضعفين من أيديهم". فأهل فلسطين اليوم هم أصدق مثال على المستضعفين الذين يوجب الشرع نصرتهم، ولكن أن يتحرك الجيش المصري ويحتشد تحت سقف كامب ديفيد وبالتنسيق مع المحتل، فهذا لا يعدو كونه إحكاماً للقيود التي كبّلت بها أمريكا مصرَ وجيشها منذ السبعينات، وتحويلاً لقوته إلى أداة لحماية أمن يهود بدلاً من تهديدهم.

 

إن الواجب على هذه الجموع من الجنود والدبابات أن تتحرك لا شرق سيناء فحسب، بل أن تتجاوز الحدود نحو غزة والأرض المباركة كلها، لإزالة كيان يهود الغاصب من جذوره. فالأرض المباركة أرض إسلامية مغتصبة، وتحريرها فرض عين على المسلمين. قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم: "إذا دخل الكفار بلداً للمسلمين، صار الجهاد فرض عين على أهل ذلك البلد، وعلى من يليهم حتى يعم جميع المسلمين"، وها هو العدو قد احتل فلسطين كلها، ويمعن في قتل أهلها وتجويعهم في غزة. فأي فرض أعظم من هذا؟ وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فإذا دخل العدو بلاد الإسلام، فلا ريب أنه يجب دفعه على الأقرب فالأقرب". ومصر بحكم جوارها لفلسطين هي أولى الناس بحمل هذا الواجب.

 

إن الغاية من هذه التحركات ليست نصرة أهل غزة ولا تحرير فلسطين، وإنما حماية النظام من غضب شعبي محتمل إذا وقع التهجير، وفي الوقت نفسه طمأنة يهود بأن الحدود مؤمّنة ولن يُفتح عليهم من مصر بابٌ للجهاد أو السلاح. وهكذا تستمر وظيفة الجيش المصري، كما رسمتها أمريكا في كامب ديفيد، قوةً ضاربةً لحماية أمن كيان يهود لا لاقتلاعه.

 

إن كل جندي وكل قائد في الجيش المصري يجب أن يعلم أن معاهدة كامب ديفيد باطلة شرعاً، ولا يجوز الالتزام بها، لأنها تعطل فريضة الجهاد وتضفي شرعية على كيان مغتصب. وكل تنسيق أمني مع يهود هو حرام شرعاً وخيانة لله ولرسوله وللمؤمنين. قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ﴾. قال الطبري: "أي من أعانهم ونصرهم على المسلمين فهو منهم في الحكم والموالاة". فكيف بمن يتعاون معهم أمنياً ويجعل حدود مصر حصناً لهم؟!

 

إن هذه التعزيزات، ما دامت تحت سقف كامب ديفيد وبالتنسيق مع كيان يهود، فهي لا قيمة لها شرعاً ولا تُعذر بها الأمة أمام ربها. بل هي تأكيد لاستمرار الارتهان لاتفاقية باطلة وتفويت لفرصة القيام بالواجب الشرعي.

 

يا أهل الكنانة: إن رباطكم في سبيل الله لا يكون بحراسة حدود يهود ولا بتأمين وجودهم، بل رباطكم الحق أن تكونوا على ثغور الإسلام لتحرير كامل فلسطين وتطهيرها من دنسهم، رباطكم يكون في الساحات مطالبين أبناءكم في الجيوش بنصرة أهل الأرض المباركة وتحرير أرض الإسلام ورفض الانصياع لحكام الذل والعار عبيد الاستعمار، بل واقتلاعهم وإقامة دولة الإسلام؛ الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.

 

أيها الجنود والضباط: أنتم قوة الأمة ومنعتُها، والله سائلكم غداً عن دماء أهل غزة، وعن أرض الإسراء التي يدنسها أحط خلق الله. فإما أن تكونوا جنداً لله، وإما أن يكتبكم التاريخ في خانة من قيّدهم العدو بمعاهدة باطلة وأهدروا فرص النصر.

 

يا أجناد الكنانة: إنكم لستم مجرد أفرادٍ في تشكيلٍ عسكري، أنتم جزء من أمة محمد ﷺ، وأنتم طليعة يجب أن تتحرك، وسيف يجب أن يُستل، وسندٌ يجب أن ينهض لنصرة المستضعفين في غزة وفي كل فلسطين. إن إخوتكم هناك يُذبحون، ويُحاصرون، ويُبادون، وأنتم أقرب إليهم من أي جيش، وأقدر على كسر القيد، إن أردتم. فلا تخدعنّكم الأوامر التي تُقيّد أيديكم، ولا تُفتنوا بعقيدة القتال المفرغة من روحها، فالعقيدة القتالية الحقيقية هي التي تنبع من القرآن، وهذه الجيوش في الإسلام لم تُوجد لحماية الأنظمة، ولا لحراسة اتفاقيات الذل، بل شُكّلت لتحمي الأمة، وتحمل رسالة الإسلام إلى العالم، وتدافع عن ديار المسلمين، وتُرهب عدوهم.

 

يا أجناد الكنانة: أما آن لكم أن تنتصروا لدينكم، لأهلكم، لإخوانكم الذين يُبادون على مرأى منكم؟

 

أما آن لقلوبكم أن تضج بالغيرة على المسجد الأقصى وهو يُدنس، وعلى أطفال غزة وهم يُقطعون إرباً بالصواريخ؟ أما آن لأرواحكم أن تتحرر من أسر التعليمات التي تصدرها أنظمة خائنة لا تمثل إلا مصالح المستعمر؟

إننا لا نخاطبكم كأفراد، بل كأبطال محتملين، يحمل كل واحد منكم في قلبه بذرة التغيير.

 

افتحوا أعينكم على الحقيقة، من يستعملكم لحراسة كيان غاصب يحتل أرض الإسلام؟ ومن يجعلكم تؤمنون حدوده؟ من يمنعكم من نصرة غزة؟ من يأمركم بالسكوت على المجازر؟ من يحرمكم من أداء فرض فرضه الله عليكم؟ إنه النظام الذي ينسّق مع العدو، ويصمت على القتل، بل ويشارك في حصار أهلكم في فلسطين.

 

أنتم قادرون على كسر هذه المعادلة، على قلب الطاولة، وعلى نصرة إخوانكم.

 

يكفي أن تتحركوا، أن تخرجوا لله، أن تجعلوا رضا الله هو الأمر الأعلى، لا رضا أمريكا ولا تحالف الصهاينة.


يكفي أن تقولوا: لن نخون، لن نصمت، لن نبقى حرساً لمعابر الذل ومعاهدة العار وحدود الاستعمار.

 

ولتكن لكم في سعد بن أبي وقاص، وخالد بن الوليد، سيف الله المسلول، قدوة، لا في قادة الانقلابات واتفاقيات كامب ديفيد. ولتجعلوا من سلاحكم أمانة في أعناقكم لا يُرفع إلا في وجه عدو الله وعدو الأمة.

إن غزة اليوم تناديكم... فهل من مجيب؟

 

إن القدس اليوم تستصرخكم... فهل من مغيث؟

 

إن الأمة تنتظر منكم موقفاً يسجله التاريخ بمداد الفخر، لا بالعار.

 

فيا جند الكنانة، آن أوانكم؛ فإما أن تكونوا رجال التغيير، وصنّاع النصر، وحملة راية الإسلام، وإما أن يسجلكم التاريخ في صفحات الخذلان.

 

اللهم بلّغنا... اللهم اشهد.

 

﴿قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ﴾

 

 

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

محمود الليثي

عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع