- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي
تفتيت الثروة بتقسيم الإرث على الأب والجد (ح 72)
الحَمْدُ للهِ الذِي شَرَعَ لِلنَّاسِ أحكَامَ الرَّشَاد, وَحَذَّرَهُم سُبُلَ الفَسَاد, وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى خَيرِ هَاد, المَبعُوثِ رَحمَةً لِلعِبَاد, الَّذِي جَاهَدَ فِي اللهِ حَقَّ الجِهَادِ, وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الأَطهَارِ الأمجَاد, الَّذِينَ طبَّقُوا نِظَامَ الِإسلامِ فِي الحُكْمِ وَالاجتِمَاعِ وَالسِّيَاسَةِ وَالاقتِصَاد, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ يَومَ يَقُومُ الأَشْهَادُ يَومَ التَّنَاد, يَومَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العِبَادِ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا إِروَاءُ الصَّادِي مِنْ نَمِيرِ النِّظَامِ الاقتِصَادِي, وَمَعَ الحَلْقَةِ الثَّانِيَةِ وَالسَّبعِينَ, وَعُنوَانُهَا: "تَفتِيتُ الثَّروَةِ بِتَقسِيمِ الإِرْثِ عَلَى الأبِ وَالجَدِّ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَفحَةِ الخَامِسَةَ عَشرَةَ بَعدَ المِائَةِ مِنْ كِتَابِ النِّظَامِ الاقتِصَادِي فِي الإِسلامِ لِلعَالِمِ وَالمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ: "وَقَد شُوهِدَ فِي الوَاقِعِ، أنَّ وَسِيلَةَ تَفتِيتِ الثَّروَةِ هَذِهِ طَبِيعِيًّا هِيَ المِيرَاثُ".
يَقُولُ الشَّارِحُ جَزَاهُ اللهُ خَيرًا: قَالَ اللهُ تَعَالَى: (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ).
لِلأبِ ثَلاثَةُ أحْوَالٍ: حَالَةٌ يَرِثُ فِيهَا بِطَرِيقِ الفَرضِ, وَحَالَةٌ يَرِثُ فِيهَا بِالتَّعصِيبِ, وَحَالَةٌ يَرِثُ فِيهَا بِالفَرضِ وَالتَّعصِيبِ مَعًا. الحَالَةُ الأُولَى: يَرِثُ فِيهَا بِطَرِيقِ الفَرْضِ إِذَا كَانَ مَعَهُ فَرْعٌ وَارِثٌ مُذَكَرٌ مُنفَرِدٌ أو مَعَ غَيرِهِ, وَفِي هَذِهِ الحَالَةِ فَرضُهُ السُّدُسُ. الحَالَةُ الثَّانِيَةُ: يَرِثُ فِيهَا بِطَرِيقِ التَّعصِيبِ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَ المَيِّتِ فَرعٌ وَارِثٌ مُذَكَّرًا كَانَ أو مُؤَنَّثًا, فِيأخُذُ كُلَّ التَّرِكَةِ إِذَا انفَرَدَ. أو البَاقِي مِنْ أصْحَابِ الفُرُوضِ إِنْ كَانَ مَعَهُ أحَدٌ مِنهُمْ. وَالحَالَةُ الثَّالِثَةُ: يَرِثُ فِيهَا بِطَرِيقِ الفَرضِ وَالتَّعصِيبِ معًا, وَذَلِكَ إِذَا كَانَ مَعَهُ فَرعٌ وَارِثٌ مُؤَنَّثٌ, وَفِي هَذِهِ الحَالِ يَأخُذُ السُّدُسَ فَرضًا, ثُمَّ يَأخُذُ البَاقِي مِنْ أصْحَابِ الفُرُوضِ تَعصِيبًا. وَهَكَذَا فَإِنَّ الأبَ يَرِثُ السُّدُسَ مَعَ وُجُودِ الأولادِ ذُكُورًا وَإِناثًا, فَمَعَ الذُّكُورِ لا يَزِيدُ عَلَيهِ, وَمَعَ الإِنَاثِ إِنْ بَقِيَ بَعدَ الفُرُوضِ شَيءٌ أخَذَهُ, وَمَعَ عَدَمِ الأولادِ مُطْلَقًا يَرِثُ بِلا تَقدِيرٍ, وَإِذَا انفَرَدَ يَأخُذُ كُلَّ المَالِ. وَالأبُ لا يَحجُبُهُ أحَدٌ. وَهُوَ يَحجُبُ الجَدَّ, وَالأخَ الشَّقِيقَ, وَالأُختَ الشَّقِيقَةَ, وَالأخَ لأبٍ, وَالأُختَ لأبٍ, وَالإِخوَةَ لأُمٍّ, وَابنَ الأخِ الشَّقِيقِ, وَابنَ الأخِ لأبٍ, وَالعَمَّ الشَّقِيقَ, وَالعَمَّ لأبٍ, وَابنَ العَمِّ الشَّقِيقِ, وَابنَ العَمِّ لأبٍ.
الجَدُّ مِنهُ المُعتَبَرُ مِنْ نَاحِيَةِ الإِرثِ, وَمِنهُ غَيرُ المُعتَبَرِ. فَالجَدُّ المُعتَبَرُ هُوَ الَّذِي يُمكِنُ نِسبَتُهُ إِلَى المَيِّتِ دُونَ دُخُولِ أنثَى مِثلَ أبِ الأبِ. وَالجَدُّ غَيرُ المُعتَبَرِ هُوَ الَّذِي لا يُنسَبُ إِلَى المَيِّتِ إِلاَّ بِدُخُولِ الأُنثَى كَأبِ الأُمِّ. وَالجَدُّ المُعتَبَرُ إِرثُهُ ثَابِتٌ بِالإِجمَاعِ. وَيَسقُطُ إِرثُ الجَدِّ المُعتَبَرِ بِالأبِ عِندَ وُجُودِ الأبِ. وَالجَدُّ يَحجُبُ الأخَ الشَّقِيقَ, وَالأخَ لأبٍ, وَالأُختَ الشَّقِيقَةَ, وَالأُختَ لأبٍ عَلَى القَولِ الرَّاحِجِ, وَالإِخوَةَ لأُمٍّ, وَابنَ الأخِ الشَّقِيقِ, وَابنَ الأخِ لأبٍ, وَالعَمَّ الشَّقِيقَ, وَالعَمَّ لأبٍ, وَابنَ العَمِّ الشَّقِيقِ, وَابنَ العَمِّ لأبٍ.
وَالجَدُّ يَقُومُ مَقَامَ الأبِ عِندَ فَقدِهِ إِلاَّ فِي أربَعِ مَسَائِلَ: المسألَةُ الأُولَى: أمُّ الأبِ لا تَرِثُ مَعَ وُجُودِ الأبِ لأنَّهَا تُدْلِي بِهِ, وَتَرِثُهُ مَعَ وُجُودِ الجَدِّ. المَسألَةُ الثَّانِيَةُ: إِذَا تَرَكَ المَيِّتُ أبَوَينِ وَأحَدَ الزَّوجَينِ, فَلِلأُمِّ ثُلُثُ مَا يَبقَى بَعدَ فَرضِ أحَدِ الزَّوجَينِ. المَسألَةُ الثَّالِثَةُ: إِذَا وُجِدَ مَكَانَ الأبِ جَدٌّ فَلِلأُمِّ ثُلُثُ الجَمِيعِ. المَسألَةُ الرَّابِعَةُ: إِذَا وُجِدَ الأبُ حَجَبَ الإِخوَةَ وَالأخَوَاتِ الأشِقَّاءَ, وَالإِخوَةَ وَالأخَوَاتِ لأبٍ. أمَّا الجَدُّ فَإِنَّهُمْ لا يُحجَبُونَ بِهِ, وَهَذَا مَذهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَمَالِكٍ. وَقَالَ أبُو حَنِيفَةَ يُحجَبُونَ بِالجَدِّ كَمَا يُحجَبُونَ بِالأبِ لا فَرقَ بَينَهُمَا.
وَقَبلَ أَنْ نُوَدِّعَكُمْ أَحبّتنا الكِرَامَ نُذَكِّرُكُمْ بِأَبرَزِ الأفكَارِ التِي تَنَاوَلهَا مَوضُوعُنَا لِهَذَا اليَومِ:
أولاً: الأبُ لَهُ أرْبَعُ حَالاتٍ:
- إِذَا انفَرَدَ الأبُ, يَأخُذُ كَامِلَ التَّرِكَةِ.
- إِذَا وُجِدَ فَرعٌ وَارِثٌ ذَكَرٌ, يَأخُذُ الأبُ السُّدُسَ.
- إِذَا لَمْ يُوجَدْ فَرعٌ وَارِثٌ, وَوُجِدَ أصْحَابُ فُرُوضٍ أخَذُوا فُرُوضَهُمْ يَأخُذُ الأبُ البَاقِي.
- إِذَا وُجِدَ صَاحِبُ فَرْضٍ وَعُدِمَ الابنُ وَابنُ الابْنِ, وَلَمْ تَستَغرِقِ الفُرُوضُ التَّرِكَةَ يَأخُذُ الأبُ السُّدُسَ وَالبَاقِي.
ثانيًا: الجَدُّ لَهُ كَذَلِكَ أرْبَعُ حَالاتٍ:
- أنْ يَنفَرِدَ الجَدُّ, وَيَأخُذَ كَامِلَ التَّرِكَةِ.
- إِذَا عُدِمَ الأبُ وَوُجِدَ فَرعٌ وَارِثٌ ذَكَرٌ أخَذَ الجَدُّ السُّدُسَ.
- إِذَا لَمْ يُوجَدْ الأبُ, وَلَمْ يُوجَدْ الفَرعُ الوَارِثُ, وَوُجِدَ أصْحَابُ فُرُوضٍ أخَذُوا فُرُوضَهُمْ, يَأخُذُ الجَدُّ البَاقِي.
- إِذَا وُجِدَ أصْحَابُ فُرُوضٍ أخَذُوا فُرُوضَهُمْ, وَلَمْ يُوجَدِ الأبُ, وَلَمْ يُوجَدْ الفَرعُ الوَارِثُ الذَّكَرُ, يَأخُذُ الجَدُّ السُّدُسَ وَالبَاقِي.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الَمولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ على منهاج النبوة في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.