إيران هي الخاسر الحقيقي في الصفقة النووية المؤقتة
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
في 23 من تشرين الثاني/نوفمبر 2013م، وصف الرئيس الأمريكي (أوباما) الاتفاقَ النووي مع إيران بالتاريخي، فقد كان الاتفاق الأول منذ بدأت المفاوضات في عام 2003م، والذي وضع قيوداً على ما يسمى ببرنامج إيران النووي، حيث قال أوباما: "إنّ الاتفاق بكل بساطة يقطع الطريق أمام إيران في إنتاج قنبلة نووية". إلا أنّ دولة يهود لا تشارك أوباما الرأي نفسه، وتعارض الصفقة، حيث وصف رئيس الوزراء اليهودي (بنيامين نتنياهو) الاتفاقَ بأنّه "خطأ تاريخي".
أما الدول الأخرى، وأبرزها دول الخليج، فتشعر بخيبة أمل تجاه الاتفاق، فقد قال سامي الفرج (مستشار أمني لدول مجلس التعاون الخليجي) لرويترز: "إنّ حكومات دول الخليج تسّتخف بالصفقة... وإيران تجلس على عرش عالٍ، بينما تتركنا لبقايا الطعام... وسنستمر في شراء المزيد من الأسلحة رداً على ذلك، وسنعمل على حشد الدول الأخرى المتضررة بهذه الاتفاقية من خلال حملة دبلوماسية موحّدة".
وفي الوقت نفسه، أبهج الاتفاق إيران، حيث قال المرشد الأعلى (آية الله علي خامنئي): "رِضا الله عن الأمة الإيرانية هو سبب هذا النجاح". في حين وصف حسن روحاني (الرئيس الإيراني) الاتفاقَ بالصفقة الإيجابية، وقال: "إنّ الاتفاق يفيد جميع دول المنطقة، والسلم العالمي".
فمن هو الفائز الحقيقي، والخاسر الحقيقي في هذه الصفقة؟
والجواب يكمن في ما تمّ الاتفاق عليه، فالاتفاق الذي تم التوصل إليه بين إيران ومجموعة 5+1 (أمريكا، وبريطانيا، وفرنسا، وروسيا، والصين، إضافة إلى ألمانيا) هو اتفاق مؤقت، وخطوة أولى نحو التوصل إلى اتفاق شامل يُؤمل إبرامه في المستقبل. وينصّ الاتفاق المؤقت الموقّع في جنيف على الشروط التالية:
• تمتنع إيران عن تركيب أجهزة الطرد المركزي الجديدة، وعن استخدام الآلاف من الأجهزة التي تمّ تثبيتها بالفعل، ولم يتم استخدامها في تخصيب اليورانيوم بعد.
• لن يُسمح بزيادة مخزون الوقود النووي الإيراني إلى أكثر من مستوياته الحالية خلال ستة أشهر، وهذا يعني أنّ إيران أمام خيارين، إما وقف تخصيب اليورانيوم، أو تحويل الوقود النووي إلى لوحات معدنية.
• موافقة إيران على وقف إنتاج كل ما يسمى "باليورانيوم المخصب بنسبة 20%"، وهذا نوع من الوقود يمكن تحويله بسهولة إلى يورانيوم عالي الخصوبة، ويستخدم في صنع القنابل النووية.
• يجب تحويل مخزون إيران من الوقود النووي المخصب بنسبة 20% إلى معدن، أو مزجه مع اليورانيوم الطبيعي للحدّ من نقاوته، مع العلم أن وزن الوقود أقل من 450 باوند.
• توقف إيران عن بناء قضبان الوقود وغيرها من المكونات في منشأة آراك للبلوتونيوم.
• خضوع المنشآت النووية الإيرانية لمراقبة غير مسبوقة، وزيارات يومية من قبل المفتشين الدوليين، الذين سيحصلون على تسجيلات فيديو عن بعد من خلال كاميرات المراقبة.
• ستتلقى إيران حوافز اقتصادية بقيمة 7 مليارات دولار، على مدى ستة أشهر من توقيع الاتفاق المؤقت.
يتضح من الاتفاق الذي وضع عدة قيود على إيران أنّه يهدف إلى تعطيل قدرة إيران على إنتاج قنبلة نووية، ويفتح رسمياً أبواب إيران أمام المزيد من عمليات التفتيش التي قد تؤدي إلى تفكيك القدرات الإيرانية النووية، التي حصلت عليها بشق الأنفس، وأنفقت عليها مليارات الدولارات على مدار العقد الماضي. إضافة إلى ذلك، فإنّ نجاح الغرب في تفكيك القدرة العسكرية العراقية، وفي إتلاف الأسلحة الكيماوية السورية من خلال تفتيش الأمم المتحدة، هو نذير شؤم لما قد يحدث لإيران في المستقبل.
على الرغم من ذلك كله، اعتبرت طهران اتفاقية جنيف انتصاراً. فعلى سبيل المثال، أكدّ وزير الخارجية الإيراني (محمد جافيد زريف) أنّ الاتفاق يعترف صراحة بحق إيران في تخصيب اليورانيوم، ويُجنب إيران خطر تعرضه لضربة عسكرية أمريكية.
بينما بدد وزير الخارجية الأمريكي (جون كيري) هذه الادّعاءات بشكل قاطع، حيث قال فيما يتعلق بالتهديد الأمريكي في استخدام القوة ضد طهران: "الحقيقة هي أنّ الرئيس كقائد عام للقوات المسلحة، له خيار استخام القوة... ولم يتم حقيقة وضع هذا الخيار على طاولة البحث".
وبهذا فإنّ إيران هي الخاسر الحقيقي في هذه الاتفاقية، وأمريكا وربيبتها دولة يهود هما الفائز الحقيقي، فدولة يهود لم يطلب منها تفكيك أي من المائة رأس من أسلحتها النووية، وأمريكا ستستخدم إيران لتحقيق استقرار مصالحها في سوريا والعراق وأفغانستان.
لقد حرّم الإسلام على المسلمين التفريط بالأصول الاستراتيجية التي تستخدم لمواجهة القوى الاستعمارية، حيث قال سبحانه وتعالى في سورة النساء: ﴿...وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا﴾.
وبدلاً من الاستسلام للقوى الغربية، والتنازل عن أجزاء من البنية التحتية النووية، كان ينبغي على طهران أن تعمل على بناء مجموعة متنوعة من الأسلحة النووية التي يمكن استخدامها، ليس فقط للحفاظ على أمن إيران، بل ولحماية الأمة الإسلامية بأكملها، امتثالاً لقوله تعالى في سورة الأنفال: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ﴾.
ولكن حقيقة الأمر هي أنّ حماية الأمة الإسلامية هي أبعد ما يكون عن ذهن القيادة الإيرانية، فأذهانهم منشغلة فقط في كيفية دعم القوى الاستبدادية الظالمة، كنظام بشار الأسد، والمالكي، وكرزاي. واستسلامهم للغرب في مشروع البرنامج النووي، يبرهن أنّ ولاءهم هو لأعداء الأمة. قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا﴾ .[ النساء] 60
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أبو هاشم