- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام
(ح199) مناصب ووظائف الدولة التي يجوز أن تعين فيها المرأة
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ, وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ, وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ, وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ, والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ, خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ, وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ, الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ, وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ, وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا: "بُلُوغُ المَرَامِ مِنْ كِتَابِ نِظَامِ الِإسْلَامِ" وَمَعَ الحَلْقَةِ التَّاسِعَةِ وَالتِّسْعِينَ بَعدَ المِائَةِ, وَعُنوَانُهَا: "مَنَاصِبُ وَوَظَائِفُ الدَّولَةِ الَّتِي يَجُوزُ أَنْ تَتَعَيَّنَ فِيهَا المَرأَةُ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ العِشْرِينِ بَعْدَ المِائَةِ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ والمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:
المادة 115: يَجُوزُ لِلْمَرأَةِ أَنْ تُعَيَّنَ فِي وَظَائِفِ الدَّولَةِ، وَفِي مَنَاصِبِ القَضَاءِ مَا عَدَا قَضَاءَ المَظَالِـمِ، وَأَنْ تَنْتَخِبَ أَعْضَاءَ مَجْلِسِ الأُمَّةِ وَأَنْ تَكُونَ عُضْواً فِيهِ، وَأَنْ تَشْتَرِكَ فِي انتِخَابِ الخَلِيفَةِ وَمُبَايَعَتِهِ.
وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: يَا أُمَّةَ الإِيمَانْ, يَا أُمَّةَ القُرآنْ, يَا أُمَّةَ الإِسلَامْ, يَا أُمَّةَ التَّوحِيدْ, يَا مَنْ آمَنتُمْ بِاللهِ رَبّاً, وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيّاً وَرَسُولاً, وَبِالقُرآنِ الكَرِيمِ مِنهَاجاً وَدُستُوراً, وَبِالإسلَامِ عَقِيدَةً وَنِظَاماً لِلْحَياَة,ِ أَيُّهَا المُسلِمُون فِي كُلِّ مَكَانْ, فَوقَ كُلِّ أَرضٍ, وَتَحتَ كُلِّ سَمَاءْ, يَا خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَتْ لِلنَّاسِ, أَيُّهَا المُؤمِنُونَ الغَيُورُونَ عَلَى دِينِكُمْ وَأُمَّتِكُمْ. أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ دُستُورَ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ, وَهَا هُوَ يُوَاصِلُ عَرْضَهُ عَلَيكُمْ حَتَّى تدرُسُوهُ وَأنتمْ تَعْمَلُونَ مَعَنَا لإِقَامَتِهَا, وَهَذِهِ هِيَ المَادَّةُ الخَامِسَةَ عَشْرَةَ بَعْدَ المِائَةِ. وَإِلَيكُمْ بَيَانَ أَدِلَّةِ هَذِهِ المَادَّةِ مِنْ كِتَابِ مَقَدِّمَةِ الدُّستُورِ:
المادة 115: دَلِيلُهَا هُوَ دَلِيلُ الإِجَارَةِ؛ لِأَنَّ المُوَظَّفَ أَجِيرٌ, وَالقَاضِي أَجِيرٌ. وَدَلِيلُ الإِجَارَةِ جَاءَ عَامّاً, وَجَاءَ مُطْلَقاً: فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ r: «أَعْطُوا الأَجِيرَ أَجْرَهُ قَـبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ». (أَخْرَجَهُ ابنُ مَاجَه مِنْ طَرِيقِ عَبدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ)، فَلَفْظُ الأَجِيِر هُنَا لَفْظٌ عَامٌّ يَشْمَلُ المَرْأَةَ وَالرَّجُلَ. وَكَذَلِكَ فَقَدْ أَخْرَجَ البُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ r قَالَ فِي مَا يَرْوِيهِ عَنْ رَبَّهِ: «ثَلاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» إِلَى أَنْ قَالَ: «وَرَجُلٌ اسْـتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْـتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ»، وَلَفْظُ (أَجِيراً) هُنَا مُطْلَقٌ يَشْمَلُ الرَّجُلَ وَالمَرْأَةَ. وَتَعرِيفُ الإِجَارَةِ هُوَ أَنَّهَا (عَقْدٌ عَلَى المَنْفَعَةِ بِعِوَضٍ)، وَالعَمَلُ فِي دَوَائِرِالحُكُومَةِ، وَالعَمَلُ فِي القَضَاءِ، هُوَ مَنْفَعَةٌ يَجرِي عَلَيهَا العَقْدُ بَينَ الدَّولَةِ واَلمُوَظَّفِ مُقَابِلَ عِوَضٍ هُوَ رَاتِبُهُ، وَقَدْ وَلَّى عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ الشِّفَاءَ امْرَأَةً مِنْ قَومِهِ قَضَاءَ الحِسْبَةِ فِي المَدِينَةِ، غَيرَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمَرأَةِ أَنْ تَتَوَلَّى قَضَاءَ المَظَالِمِ، وَلَا قَاضِيَ القُضَاةِ المَسئُولِ عَنْ قَضَاءِ المَظَالِـمِ لِأَنَّهُ مِنَ الحُكْمِ.
وَأَمَّا مَجْلِسُ الأُمَّةِ فَهُوَ لِلشُّورَى وَالمُحَاسَبَةِ، وَالشُّورَى ثَابِتَةٌ بِالدَّلِيلِ العَامِّ: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ) (آل عمران 159)، (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَينَهُمْ). (الشورى 38) وَالرَّسُولُ r حِينَ امْتَنَعَ المُسْلِمُونَ عَنِ الحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ وَقَالَ لَهَا: «لَقَدْ هَلَكَ الْمُسْلِمُونَ». (رَوَاهُ البُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ الـمُسَوِّرِ بْنِ مَخْرَمَةَ), وَقَصَّ عَلَيهَا مَا حَدَثَ، فَقَالَتْ لَهُ: احْلِقْ فَإِنَّهُمْ لَا يُخَالِفُونَكَ، فَفَعَلَ، فَقَامُوا فَحَلَقُوا وَقَصَّرُوا، ثُمَّ قَالَتْ لَهُ: عَجِّلْ بِالسَّفَرِ بِهِمْ، فَفَعَلَ. فَهُوَ قَدْ أَخَذَ رَأْيَ امْرَأَةٍ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُؤْخَذُ رَأْيُهَا فِي كُلِّ شَيءٍ فِي السِّيَاسَةِ وَغَيرِهَا.
وَعُضْوُ مَجْلِسِ الشُّورَى إِنَّـمَا هُوَ وَكِيلٌ بِالرَّأْيِ، وَالوِكَالَةُ جَائِزَةٌ لِلْمَرأَةِ كَمَا هِيَ جَائِزَةٌ لِلرَّجُلِ، لِعُمُومِ دَلِيلِهَا. وَكَذَلِكَ المُحَاسَبَةُ فَنُصُوصُ الأَمْرِ بِالمَعْرُوفِ, وَالنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ عَامَّةٌ تَشْمَلُ الرَّجُلَ وَالمَرْأَةَ، رَوَى مُسْلِمُ عَنْ أُمِّ سَلَمَة رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللهِ r قَالَ: «سَتَكُونُ أُمَرَاءُ فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ، فَمَنْ عَرَفَ بَرِئَ، وَمَنْ أَنْكَرَ سَلِمَ، وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ، قَالُوا: أَفَلاَ نُقَاتِلُهُمْ؟ قَالَ: لا مَا صَلَّوْا». وَالصَّلَاةُ هُنَا كِنَايَةٌ عَنِ الحُكْمِ بِالإِسْلَامِ, وَالحَدِيثُ عَامٌّ لِلرَّجُلِ وَالمَرْأَةِ. وَكَمَا حَاسَبَ الرِّجَالُ الحَاكِمَ كَذَلِكَ حَاسَبَتِ النِّسَاءُ.
أَمَّا عَنْ مُحَاسَبَةِ الرِّجَالِ الحَاكِمَ، فَقَدْ رَوَى البُخَارِيُّ وَمُسْلِمُ عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: «لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ r وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ t، وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنَ الْعَرَبِ، فَقَالَ عُمَرُ t: كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَمَنْ قَالَهَا فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلَّا بِحَقِّهِ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ. فَقَالَ: وَاللهِ، لأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ، وَاللهِ، لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقاً كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ r لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا. قَالَ عُمَرُ t: فَوَاللهِ، مَا هُوَ إِلَّا أَنْ قَدْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ t، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ». وَأَمَّا عَنْ مُحَاسَبَةِ النِّسَاءِ الحَاكِمَ فَقَدْ أَنْكَرَتِ امْرَأَةٌ عَلَى عُمَرَ رضي الله عنه نَهْيَهُ عَنْ أَنْ يَزِيدَ النَّاسُ فِي المُهُورِ عَلَى أَرْبَعِمَائِةِ دَرْهَمٍ، فَقَالَتْ لَهُ: لَيسَ هَذَا لَكَ يَا عُمَرُ: أَمَا سَمِعْتَ قَولَ اللهِ سُبْحَانَهُ:(وَآتَيتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلَا تَأخُذُوا مِنهُ شَيئًا). (النساء 20) فَقَالَ: أَصَابَتِ امْرَأَةٌ وَأَخْطَأَ عُمَرُ، ذَكَرَهُ القُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ، وَالآمِدِيُّ فِي إِحْكَامِهِ, وَالغَزَالِيُّ فِي مُسْتَصْفَاهُ.
وَأَمَّا انِتَخَابُهَا لِلخَلِيفَةِ وَبَيعَتُهَا لَهُ, فَإِنَّ حَدِيثَ أُمِّ عَطِيَّةَ صَرِيحٌ فِي بَيعَةِ النِّسَاءِ، أَخْرَجَ البُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: «بَايَعْنَا النَّبِيَّ r فَقَرَأَ عَلَيْنَا أَنْ لاَ يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَـيْئاً وَنَهَانَا عَنِ النِّيَاحَةِ، فَقَبَضَتِ امْرَأَةٌ مِنَّا يَدَهَا ... إِلَى نِهَايَةِ الحَدِيثِ». وَكَذَلِكَ مَا وَرَدَ فِي الآيَةِ الكَرِيمَةِ: (إِذَا جَاءَكَ المُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ). (الممتحنة 12) فَهِيَ صَرِيحَةٌ فِي بَيعَةِ النِّسَاءِ، وَلِهَذَا جَازَ لَهَا أَنْ تَنْتَخِبَ الخَلِيفَةَ, وَأَنْ تُبَايِعَهُ.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.