الخميس، 19 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/21م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام الحَلْقَةُ الثَّلَاثونَ بَعدَ المِائَةِ (ح130) لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَوَلَّى الحُكْمَ أَو أَيَّ عَمَلٍ يُعتَبَرُ مِنَ الحُكْمِ إِلَّا رَجُلٌ حُرٌّ، بَالِغٌ، عَاقِلٌ، عَدْلٌ، قَادِرٌ مِنْ أَهْلِ الكِفَايَةِ، وَلَا يَجُوز

بسم الله الرحمن الرحيم

 

بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام

 

الحَلْقَةُ الثَّلَاثونَ بَعدَ المِائَةِ

 (ح130) لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَوَلَّى الحُكْمَ أَو أَيَّ عَمَلٍ يُعتَبَرُ مِنَ الحُكْمِ إِلَّا رَجُلٌ حُرٌّ، بَالِغٌ، عَاقِلٌ،

 

 

عَدْلٌ، قَادِرٌ مِنْ أَهْلِ الكِفَايَةِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إِلَّا مُسْلِماً

 

 

 

الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ, وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ, وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ, وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ, والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ, خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ, وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ, الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ, وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ, وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ. 

 

أيها المؤمنون:

 

 

السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا "بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام" وَمَعَ الحَلْقَةِ الثَّلَاثِينَ بَعدَ المِائَةِ, وَعُنوَانُهَا: " لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَوَلَّى الحُكْمَ أَو أَيَّ عَمَلٍ يُعتَبَرُ مِنَ الحُكْمِ إِلَّا رَجُلٌ حُرٌّ، بَالِغٌ، عَاقِلٌ، عَدْلٌ، قَادِرٌ مِنْ أَهْلِ الكِفَايَةِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إِلَّا مُسْلِماً". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ الخَامِسَةِ وَالتِّسعِينَ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ والـمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:

 

المادةُ  التاسعةَ عشْرَةَ 19- لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَوَلَّى الحُكْمَ أَو أَيَّ عَمَلٍ يُعتَبَرُ مِنَ الحُكْمِ إِلَّا رَجُلٌ حُرٌّ، بَالِغٌ، عَاقِلٌ، عَدْلٌ، قَادِرٌ مِنْ أَهْلِ الكِفَايَةِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إِلَّا مُسْلِماً.

 

وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ دُستُورَ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ حَتَّى يَدرُسَهُ الـمُسلِمُونَ وَهُمْ يَعْمَلُونَ لإِقَامَتِهَا, وَهَا هُوَ يُوَاصِلُ عَرْضَهُ عَلَيهِمْ, وَهَذه هي الـمَادَّةُ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ, وَإِلَيكُمْ بَيَانَ أَدِلَّةِ هَذِهِ الـمَادَّةِ مِنْ كِتَابِ مَقَدِّمَةِ الدُّستُورِ:

 

إِنَّ اللهَ تَعَالَى نَهَى نَهياً جَازِماً عَنْ أَنْ يَكُونَ الكَافِرُ حَاكِماً عَلَى الـمُسلِمِينَ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: (وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلكَافِرِينَ عَلَى الـمُؤمِنِينَ سَبِيلًا).(النساء 141) وَجَعْلُ الكَافِرِ حَاكِماً عَلَى الـمُسلِمِ هُوَ جَعْلُ سَبِيلٍ لَهُ عَلَيهِ، وَقَدْ نَفَى اللهُ ذَلِكَ نَفياً قَاطِعاً بِاستِعْمَالِهِ حَرفَ "لَنْ" وَهُوَ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ عَنْ أَنْ يَكُونَ لِلكَافِرِ سَبِيلٌ عَلَى الـمُسلِمِينَ، أَيْ عَنْ أَنْ يَكُونَ الكَافِرُ حَاكِماً عَلَى الـمُسلِمِينَ هُوَ نَهيٌ جَازِمٌ، فَهُوَ يُفِيدُ التَّحرِيمَ.

 

وَأَيضاً فَإِنَّ اللهَ اشتَرَطَ فِي الشَّاهِدِ عَلَى الرَّجْعَةِ أَنْ يَكُونَ مُسْلِماً قَالَ تَعَالَى: (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَو فَارِقُوهُنَّ بِمَعرُوفٍ وَأَشهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنكُمْ). (الطلاق 2) وَمَفهُومُهُ لَا مِنْ غِيرِكُمْ، وَاشتَرَطَ فِي الشَّاهِدِ فِي الدَّينِ أَنْ يَكُونَ مُسلِماً قَالَ تَعَالَى: (وَاستَشْهِدُوا شَهِيدَينِ مِنْ رِجَالِكُمْ). (البقرة 282) أَيْ لَا مِنْ رِجَالِ غَيرِكُمْ.

 

وَإِذَا كَانَ مِثْلُ هَذَا الشَّاهِدِ فِي هَذَينِ الأَمرَينِ اشتَرَطَ الشَّرعُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مُسلِماً، فَمِنْ بَابِ أَولَى أَنَّهُ يَشتَرِطُ فِي الحَاكِمِ أَنْ يَكُونَ مُسلِماً، وَأَيضاً فَإِنَّ الحُكْمَ هُوَ تَنفِيذُ أَحْكَامِ الشَّرعِ، وَتَنفِيذُ أَحكَامِ القُضَاةِ، وَهُمْ مَأْمُورُونَ أَنْ يَحكُمُوا بِالشَّرعِ، وَهُو يَقتَضِي أَنْ يَكُونَ الـمُنَفِّذُ مُسلِماً، لِأَنَّهُ يُؤَمَّنُ بِمَا يُنَفِّذُ، وَالكَافِرُ لَا يُؤتَمَنُ عَلَى تَنفِيذِ الإِسلَامِ، وَلِذَلِكَ اشتَرَطَ أَنْ يَكُونَ مُسلِماً.

 

وَأَيضاً فَإِنَّ الحُكَّامَ هُمْ أُولُو الأَمْرِ, وَاللهُ تَعَالَى حِينَ أَمَرَ بِالطَّاعَةِ لِأُولِي الأَمْرِ، وَحِينَ أَمَرَ بِرَدِّ الأَمْرِ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الخَوفِ إِلَى أُولِي الأَمْرِ، اشْتَرَطَ أَنْ يَكُونَ وَلِيُّ الأَمْرِ مُسلِماً. فَقَالَ تَعَالَى: (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنكُمْ). (النساء 59) وَقَالَ: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الخَوفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَو رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنهُمْ). (النساء 83). فَقَالَ: "مِنكُمْ" أَي لَا مِنْ غَيرِكُمْ وَقَالَ: "مِنهُمْ" أَيْ لَا مِنْ غَيرِهِمْ. مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ وَلِيَ الأَمْرِ يُشتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مُسلِماً. وَلَـمْ تَرِدْ فِي القُرآنِ كَلِمَةُ "وَلِيِّ الأَمْرِ" إِلَّا مَقرُونَةً بِأَنْ يَكُونَ مِنَ الـمُسلِمِينَ، مِمَّا يُؤَكِّدُ اشتِرَاطَ أَنْ يَكُونُ الحَاكِمُ مُسلِماً. وَأَيضاً فَإِنَّ الحَاكِمَ لَهُ عَلَى الـمُسلِمِينَ الطَّاعَةُ، وَالـمُسلِمُ غَيرُ مُكَلَّفٍ بِطَاعَةِ الكَافِرِ؛ لِأَنَّ تَكلِيفَهُ إِنَّما وَرَدَ بِطَاعَةِ وَلِيِّ الأَمْرِ الـمُسلِمِ قَالَ تَعَالَى: (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنكُمْ). (النساء 59) فَأَمَرَ بِطَاعَةِ أُولِي الأَمْرِ مِنَ الـمُسلِمِينَ، وَلَـمْ يَأْمُرْ بِطَاعَةِ غَيرِهِمْ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ طَاعَةِ وَلِيِّ الأَمْرِ الكَافِرِ، وَلَا حَاكِمَ دُونَ طَاعَةٍ. وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ وَلِيُّ الأَمْرِ عَلَى الـمُسلِمِينَ إِلَّا مُسلِماً, وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ كَافِراً، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الحَاكِمُ كَافِراً مُطلَقاً.

 

وَأَمَّا شَرطُ أَنْ يَكُونَ الحَاكِمُ رَجُلاً فَلِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: لـَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللهِ r أَنَّ أَهْلَ فَارِسَ مَلَّكُوا عَلَيهِمْ بِنْتَ كِسْرَى قَالَ: «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً» أَخرَجَهُ البُخَارِيُّ، فَإِخبَارُ الرَّسُولِ r بِنَفْيِ الفَلَاحِ عَمَّنْ يُوَلُّونَ أَمرَهُمُ امرَأَةً نَهْيٌ عَنْ تَولِيَتِهَا، إِذْ هُوَ مِنْ صِيَغِ الطَّلَبِ. وَكَونُ هَذَا الإِخبَارِ جَاءَ إِخْبَاراً بِالذَّمِّ فَإِنَّهُ يَكُونُ قَرِينَةً عَلَى أَنَّ النَّهْيَ نَهْيٌ جَازِمٌ، فَتَكُونُ تَولِيَةُ الـمَرأَةِ الحُكْمَ حَرَاماً، وَمِنْ هُنَا كَانَ كَونُ الحَاكِمِ رَجُلاً شَرطاً مِنْ شُرُوطِ تَولِيَةِ الحَاكِمِ.

 

وَأَمَّا اشتِرَاطُ أَنْ يَكُونَ الحَاكِمُ عَدْلاً فَلِأَنَّ اللهَ تَعَالَى اشتَرَطَ فِي الشَّاهِدِ أَنْ يَكُونَ عَدْلاً، قَالَ تَعَالَى: (وَأَشهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنكُمْ). (الطلاق 2) فَمَنْ هُوَ أَعْظَمُ مِنَ الشَّاهِدِ وَهُوَ الحَاكِمُ مِنْ بَابِ أَولَى يَلزَمُ أَنْ يَكُونَ عَدْلاً، لِأَنَّهُ إِذَا شُرِطَتِ العَدَالَةُ لِلشَّاهِدِ فَشَرْطُهَا لِلْحَاكِمِ أَولَى.

 

وَأَمَّـا شَـْرطُ أَنْ يَكُـونَ حُـرّاً فَـلِأَنَّ الـعَـْبـدَ لَا يَملِكُ التَّصَرُّفَ بِنَفسِهِ فَـلَا يِمـلِكُ أَنْ يَرعَى شُؤُونَ غَيرِهِ. ثُمَّ إِنَّ العُبُودِيَّةَ تَقتَضِي أَنْ يَكُونَ وَقْتُ العَبدِ مِلْكاً لِسَيِّدِهِ.أَمَّا شَرطُ أَنْ يَكُونَ بَالِغاً، فَلِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صَبِياً، لِـمَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ t أَنَّ رَسُولَ اللهِ r قَالَ: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثَةٍ: عَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ، وَعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْـتَـيْقِظَ، وَعَنِ الْمَعْـتُوهِ حَتَّى يَبْرَأَ». وَلَهُ رِوَايَةٌ أُخرَى بِلَفْظِ: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثَةٍ: عَنِ الْمَجْنُونِ الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ حَتَّى يَفِيقَ، وَعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ»، وَمَنْ رُفِعَ القَلَمُ عَنهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي أَمْرِهِ، وَهُوَ غَيرُ مُكَلَّفٍ شَرْعاً، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ خَلِيفَةً، أَوْ مَا دُونَ ذَلِكَ مِنَ الحُكْمِ، لِأَنَّهُ لَا يَملِكُ التَّصَرُّفَاتِ. وَالدَّلِيلُ أَيضاً عَلَى عَدَمِ جَوَازِ كَونِ الخَلِيفَةِ صَبِيّاً مَا رَوَىَ البُخَارِيُّ: «عن أَبي عَقِيلٍ زُهْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هِشَامٍ، وَكَانَ قَدْ أَدْرَكَ النَّبِيَّ r وَذَهَبَتْ بِهِ أُمُّهُ زَيْنَبُ بِنْتُ حُمَيْدٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ r فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَايِعْهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ r: هُوَ صَغِيرٌ. فَمَسَحَ رَأْسَهُ وَدَعَا لَهُ ...». فَإِذَا كَانَتْ بَيعَةُ الصَّبِيِّ غَيرَ مُعْـتَبرَةٍ، وَأَنَّهُ لَيسَ عَلَيهِ أَنْ يُبَـايِعَ غَـيرَهُ خَلِيفَةً، فَمِنْ بَابِ أَولَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خَلِيفَةً.

 

وَأَمَّا شَرطُ أَنْ يَكُونَ عَاقِلاً فَلِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونُ مَجنُوناً؛ لِقَولِ رَسُولِ اللهِ r: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثَةٍ»، وَذَكَرَ مِنهَا: «الْمَجْـنُونِ الْمَغْلُوبِ عَلَى عَـقْلِهِ حَـتَّى يَفِيقَ». وَمَنْ رُفِعَ عَنهُ القَلَمُ فَهُوَ غَيرُ مُكَلَّفٍ؛ لِأَنَّ العَقْلَ مَنَـاطُ التَّكـلِـيفِ، وَشَـْرطٌ لِصِـحـَّةِ التَّصَـرُّفَـاتِ. وَالخَلِيفَةُ إِنَّما يَقُومُ بِتَصَرُّفَاتِ الحُكْمِ، وَبِتَنفِيذِ التَّكَالِيفِ الشَّرعِيَّةِ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَجنُوناً؛ لِأَنَّ الـمَجنُونَ لَا يَصِحُّ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي أَمْرِ نَفسِهِ، وَمَنْ بَابِ أَولَى لَا يَصِحُّ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي أُمُورِ النَّاسِ.

 

أَمَّا شَرطُ أَنْ يَكُونَ قَادِراً مِنْ أَهْلِ الكِفَايَةِ فَلِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ مُقْتَضَى البَيعَةِ فِي حَقِّ الخَلِيفَةِ، وَمِنْ مُقتَضَى عَقْدِ التَّولِيَةِ فِي غَيرِ الخَلِيفَةِ مِنَ الـمُعَاوِنِينَ وَالوُلَاةِ وَالعُمَّالِ، إِذْ إِنَّ العَاجِزَ لَا يَقدِرُ عَلَى القِيَامِ بِشُؤُونِ الرَّعِيَّةِ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ اللَّذَينِ بُويِعَ عَلَيهِمَا أَوْ وَفْقَ عَقْدِ التَّولِيَةِ الَّذِي وُلِّيَ بِهِ.

 

وَمِنَ الأَدِلَّةِ عَلَى ذَلِكَ:

 

1 -  أَخرَجَ مُسلِمٌ مِنْ طَرِيقِ أَبِي ذَرٍّ رضي اللهُ عنه قَالَ: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلا تَسْتَعْمِلُنِي؟ قَالَ: فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِي ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنَّكَ ضَعِيفٌ، وَإِنَّهَا أَمَانَةُ، وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ، إِلَّا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا». فَالرِّوَايَةُ تُبَيِّنُ الأمْرَ بِأَخْذِهَا بِحَقِّهَا وَأَدَاءِ الَّذِي عَلَيهِ فِيهَا أَيْ أَنْ يَكُونَ أَهْلاً لَهَا، وَالقَرِينَةُ تُفِيدُ الجَزْمَ لِأَنَّ الرَّسُولَ r قَالَ فِيمَنْ يَأخُذُهَا وَهُوَ لَيسَ أَهْلاً لَهَا: «وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ، إِلَّا مَنْ أَخَذَهَا ...».

 

2 -  أَخرَجَ البُخَارِيُّ مِنْ طَريِق ِأَبِي هُرَيرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ r قَالَ: «إِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ. قَالَ: كَيْفَ إِضَاعَتُهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: إِذَا أُسْنِدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ». فَالحَدِيثُ كَذَلِكَ يُفِيدُ النَّهْيَ الجَازِمَ عَنْ أَنْ تُوضَعَ الوِلَايَةُ لِمَنْ لَيسَ لَهَا أَهْلاً. وَالقَرِينَةُ الجَازِمَةُ هِيَ أَنَّ ذَلِكَ يَعنِي تَضْيِيعاً لِلأَمَانَةِ وَأَنَّهَا مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى عِظَمِ تَحرِيمِ تَولِيَةِ مَنْ لَيسَ أَهْلاً.

 

أَمَّا كَيفَ تُحَدَّدُ (الكِفَايَةُ) فَهِيَ تَحتَاجُ إِلَى تَحقِيقِ مَنَاطٍ, لِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ تَتَعَلَّقُ بِمَرَضٍ جِسمَانِيٍّ أَو بِمَرَضٍ فِكْرِيِّ أَوْ غَيرِهِ، وَلِذَلِكَ يُتْرَكُ تَحدِيدُهَا إِلَى مَحْكَمَةِ الـمَظَالِمِ, فَهِيَ الَّتِي تُقَرِّرُ مَثَلاً تَوَفُّرَ شُرُوطِ الانعِقَادِ فِي الـمُرَشَّحِينَ لِلخِـلَافَةِ.

 

أيها المؤمنون:

 

 

نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.

آخر تعديل علىالأحد, 10 تشرين الثاني/نوفمبر 2024

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع