- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام
الحَلْقَةُ التاسعَةُ وَالعِشْرونَ بَعدَ المِائَة
(ح129) الحُكَّامُ أَربَعَةٌ هُمْ: الخَلِيفَةُ، وَمُعَاوِنُ التَّفوِيضِ، وَالوَالِي، وَالعَامِلُ
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ, وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ, وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ, وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ, والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ, خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ, وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ, الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ, وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ, وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا "بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام" وَمَعَ الحَلْقَةِ التَّاسِعَةِ وَالعِشْرِينَ بَعدَ المِائَةِ, وَعُنوَانُهَا: "نِظَامُ الحُكْمِ نِظَامُ وَحْدَةٍ, وَلَيسَ نِظَاماً اتِّحَادِيّاً, وَالحُكْمُ مَركَزِيٌّ وَالإِدَارَةُ لَا مَركَزِيَّةٌ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ الخَامِسَةِ وَالتِّسعِينَ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ والـمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:
المادةُ الثامنةَ عشْرَةَ 18- الحُكَّامُ أَربَعَةٌ هُمْ: الخَلِيفَةُ، وَمُعَاوِنُ التَّفوِيضِ، وَالوَالِي، وَالعَامِلُ. وَمَنْ عَدَاهُمْ لَا يُعتَبَرُونَ حُكَّاماً، وَإِنَّما هُمْ مُوَظَّفُونَ.
وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ دُستُورَ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ حَتَّى يَدرُسَهُ الـمُسلِمُونَ وَهُمْ يَعْمَلُونَ لإِقَامَتِهَا, وَهَا هُوَ يُوَاصِلُ عَرْضَهُ عَلَيهِمْ, وَهَذه هي الـمَادَّةُ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ, وَإِلَيكُمْ بَيَانَ أَدِلَّةِ هَذِهِ الـمَادَّةِ مِنْ كِتَابِ مَقَدِّمَةِ الدُّستُورِ:
إِنَّ الحَاكِمَ فِي هَذِهِ الـمَادَّةِ هُوَ وَلِيُّ الأَمْرِ الَّذِي يَرعَى الشُّئُونَ سَوَاءٌ أَكَانَتِ الرِّعَايَةُ فِي جَمِيعِ الدَّولَةِ أَمْ فِي جُزءٍ مِنهَا. وَبِاستِقرَاءِ الأَحكَامِ الشَّرعِيَّةِ فَإِنَّ الَّذِينَ تُسنَدُ إِلَيهِمْ رِعَايَة الشُّئُونَ، وَتُسنَدُ إِلَيهِمْ إِقَامَةُ الأَحكَامُ، وَالطَّاعَةُ فِي تَنفِيذِ الأَحْكَامِ هُمْ هَؤُلَاءِ الأَربَعَةُ: الخَلِيفَةُ، وَالـمُعَاوِنُ (وَزِيرُ التَّفوِيضِ)، وَالوَالِي، وَالعَامِلُ، وَهُمُ الَّذِينَ تَكُونُ طَاعَتُهُمْ بِسَبَبِ وِلَايَةِ الأَمْرِ.
أَمَّا الخَلِيفَةُ فَهُوَ الرَّجُلُ الَّذِي تُبَايِعُهُ الأُمَّةُ لِيُقِيمَ الدِّينَ نِيَابةً عَنهَا، فَيُقِيمُ الحُدُودَ، وَيُطَبَّقُ الأَحْكَامَ، وَيُـمْضِيْ الجِهَادَ، وَلَهُ حَقُّ الطَّاعَةِ: «وَمَنْ بَايَعَ إِمَاماً فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ فَلْيُطِعْهُ إِنِ اسْتَطَاعَ، فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الآخَرِ». أَخرَجَهُ مُسلِمُ مِنْ طَرِيقِ عَبدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ. وَأَمَّا وَزِيرُ التَّفوِيضِ, فَهُوَ الـمُعَاوِنُ الَّذِي يُعِينُ الخَلِيفَةَ فِي تَدبِيرِ شُؤُونِ الرَّعِيَّةِ، أَيْ فِي الرِّعَايَةِ العَامَّةِ الدَّائِمَةِ الـمُلزِمَةِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ وَلِيُّ أَمْرٍ وَاجِبُ الطَّاعَةِ فِي الأُمُورِ الَّتِي يُكَلِّفُهُ بِهَا الخَلِيفَةُ أَوْ يَطلُبُ مِنهُ أَنْ يُعِينَهُ فِي إِمضَائِهَا، مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ عَنْ عَائِشَةَ رضي اللهُ عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r: «مَنْ وَلاَّهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا فَأَرَادَ بِهِ خَيْراً جَعَلَ لَهُ وَزِيرَ صِدْقٍ، فَإِنْ نَسِيَ ذَكَّرَهُ، وَإِنْ ذَكَرَ أَعَانَهُ».
وَأَمَّا الوَالِي فَهُوَ الرَّجُلُ الَّذِي يُؤَمِّرُهُ الخَلِيفَةُ عَلَى إِحْدَى وِلَايَاتِ الدَّولَةِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ وَلِيُّ أَمْرٍ وَاجِبُ الطَّاعَةِ مَا رَوَاهُ مُسلِمُ عَنْ عَوفِ بْنِ مَالِكٍ الأَشـجَـِعِـيِّ t يَقُولُ سَمِـْعـتُ رَسُـولَ اللهِ r يَقُولُ: «... أَلاَ مَنْ وَلِيَ عَلَيْهِ وَالٍ فَرَآهُ يَأْتِي شَيْئاً مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ، فَلْيَكْرَهْ مَا يَأْتِي مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَلاَ يَنْزِعَنَّ يَداً مِنْ طَاعَةٍ». وَفِي رِوَايَةٍ أُخرَى عِندَ مُسلِمٍ عَنهُ t عَنْ رَسُولِ اللهِ r قَالَ: «... إِذَا رَأَيْتُمْ مِنْ وُلاتِكُمْ شَيْئاً تَكْرَهُـونَهُ، فَاكْرَهُوا عَمَلَهُ، وَلا تَنْزِعُوا يَداً مِنْ طَاعَةٍ».
وَأَمَّا العَامِلُ فَهُوَ مَنْ يُؤَمِّرُهُ الخَلِيفَةُ أَوْ مَنْ يَنُوبُ عَنهُ عَلَى كُورَةٍ أَو مَدِينَةٍ أَو جُزْءٍ مِنَ الوِلَايَةِ. - وَالكُورَةُ الْمَدِينَةُ, وَكُلُّ بُقْعَةٍ تَجْتَمِعُ فِيهَا الْمَسَاكِنُ وَالقُرَى، كَمَا تُطْلَقُ عَلَى الْمُقَاطَعَةِ الرِّيفِيَّةِ - وَعَمَلُ العَامِلِ كَعَمَلِ الوَالِي سِوَى أَنَّهُ يَحكُمُ فِي جُزْءٍ مِنَ الوِلَايَةِ لَا فِي الوِلَايَةِ كُلِّهَا؛ وَلِذَلِكَ فَهُوَ حَاكِمٌ وَاجِبُ الطَّاعَةِ كَالوَالِي؛ لِأَنَّهُ أَمِيرٌ مِنْ قِبَلِ الخَلِيفَةِ أَوِ الوَالِي، رَوَى البُخَارِيُّ عَنْ أَنَسِ بِنْ مَالِكٍ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r: «اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَإِنِ اسْـتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ». وَرَوَى مُسلِمٌ عَنْ أُمِّ الحُصَينِ تُحَدِّثُ أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِيَّ r يَخطُبُ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ وَهُوَ يَقُولُ: «وَلَوِ اسْتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ يَقُودُكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا».
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.