- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله الرحمن الرحيم
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام
(ح106) مشروع الدستور - أحكام عامّة -
تنفيذ الدولة للشرع الإسلامي (1)
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ, وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ, وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ, وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ, والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ, خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ, وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ, الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ, وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ, وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا "بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام" وَمَعَ الحَلْقَةِ السَّادِسَةِ بَعدَ المِائَةِ, وَعُنوَانُهَا: "مَشرُوعُ الدُّستُور - أحكَامٌ عَامَّةٌ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ الثَّالِثَةِ وَالتِّسعِينَ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ والـمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:
"المادة 7 - تُنَفِّذُ الدَّولَةُ الشَّرْعَ الإِسلَامِيَّ عَلَى جَمِيعِ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ التَّابِعِيَّةَ الإِسلَامِيَّةَ سَوَاءٌ أَكَانُوا مُسْلِمِينَ أَمْ غَيرَ مُسلِمِينَ عَلَى الوَجْهِ التَّالِي:
أ - تُنَفَّذُ عَلَى الـمُسلِمِينَ جَمِيعُ أَحْكَامِ الإِسلَامِ دُونَ أَيَّ استِثْنَاءٍ.
ب - يُترَكُ غَيرُ الـمُسلِمِينَ وَمَا يَعتَقِدُونَ وَمَا يَعبُدُونَ ضِمْنَ النِّظَامِ العَامِّ.
ج - الـمُرتَدُّونَ عَنِ الإِسلَامِ يُطَبَّقُ عَلَيهِمْ حُكْمُ الـمُرتَدِّ إِنْ كَانُوا هُمُ الـمُرتَدِّينَ، أَمَّا إِذَا كَانُوا أَولَادَ مُرتَدِّينَ وَوُلِدُوا غَيرَ مُسلِمِينَ فَيُعَامَلُونَ مُعَامَلَةَ غَيرِ الـمُسلِمِينَ حَسْبَ وَضْعِهِمُ الَّذِي هُمْ عَلَيهِ مِنْ كَونِهِمْ، مُشركِينَ أَو أَهْلَ كِتَابٍ.
وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ دُستُورَ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ حَتَّى يَدرُسَهُ الـمُسلِمُونَ وَهُمْ يَعْمَلُونَ لإِقَامَتِهَا, وَهَا هُوَ يُوَاصِلُ عَرْضَهُ عَلَيهِمْ, وَهَذه هي الـمَادَّةَ السَّابِعَةُ مِنهُ, وَإِلَيكُمْ أَدِلَّةَ هَذِهِ الـمَّادَّةِ مِنْ خِلَالِ النُّقَاطِ الآتِيَةِ:
- إِنَّ الإِسلَامَ جَاءَ لِجَمِيعِ النَّاسِ، قَالَ تَعَالَى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ)، وَكَمَا أَنَّ الكَافِرَ مُكَلَّفٌ بِالأُصُولِ، أَيْ بِالعَقِيدَةِ الإِسلَامِيَّةِ، فَكَذَلِكَ هُوَ مُكَلَّفٌ بِالفُرُوعِ أَيْ بِالأَحْكَامِ الشَّرعِيَّةِ. أَمَّا كَونُهُ مُكَلَّفًا بِالأُصُولِ فَصَرِيحٌ فِي آيَاتِ القُرآنِ الكَرِيمِ، وَأَمَّا كَونُهُ مُكَلَّفًا بِالفُرُوعِ فَلِأَنَّ اللهَ قَدْ كَلَّفَهُ صَرَاحَةً بِبَعْضِ الفُرُوعِ، مِنهَا أَنَّ الآيَاتِ الآمِرَةَ بِالعِبَادَةِ مُتَنَاوِلَةٌ لَهُمْ، كَقَولِهِ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ) وَقَولِهِ تَعَالَى: (وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيتِ) وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَمِنْهَا أَنَّهُمْ لَو لَمْ يَكُونُوا مُكَلَّفِينَ بِالفُرُوعِ مَا تَوَعَّدَهُمُ اللهُ تَعَالَى عَلَيهَا، وَالآيَاتُ الَّتِي تَتَوَعَّدُهُمْ بِسَبَبِ تَركِهَا كَثِيرَةٌ، مِنهَا قَولُهُ تَعَالَى: (وَوَيلٌ لِلمُشْرِكِينَ، الَّذِينَ لَا يُؤتُونَ الزَّكَاةَ)، وَقَولُهُ تَعَالَى: (وَالَّذِينَ لَا يَدعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَلَا يَزنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا) الآية، وَقَولُهُ تَعَالَى: (فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى). وَقَولُهُ تَعَالَى: (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الـمُصَلِّينَ) الآية، فَثَبَتَ كَونُهُمْ مُكَلَّفِينَ بِبِعْضِ الأَوَامِرِ وَبَعْضِ النَّوَاهِي فَكَذَلِكَ سَائِرُ الأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي.
- وَأَيضًا فَإِنَّ الآيَاتِ الَّتِي جَاءَ التَّكْلِيفُ بِهَا بِالفُرُوعِ جَاءَتْ عَامَّةً, وَالعَامُّ يَجرِي عَلَى عُمُومِهِ مَا لَمْ يَرِدْ دَلِيلُ التَّخْصِيصِ، وَلَمْ يَأْتِ دَلِيلٌ يُخَصِّصُهَا بِالـمُسلِمِينَ فَتَظَلُّ عَامَّةً، مِنْ ذَلِكَ قَولُهُ تَعَالَى: (وَأَحَلَّ اللهُ البَيعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا)، وَقَولُهُ تَعَالَى: (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ)، وَقَولُهُ عَلَيهِ الصلاة والسَّلَامُ: "النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ"، إِلَى غَيرِ ذَلِكَ مِنَ الأَحْكَامِ. وَهَذَا دَلِيلٌ صَرِيحٌ عَلَى أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ بِالفُرُوعِ.
- وَأَيضًا فَإِنَّ التَّكْلِيفَ بِالأَصْلِ تَكْلِيفٌ بِالفَرْعِ، وَالتَّكْلِيفَ بِالكُلِّ تَكْلِيفٌ بِالجُزْءِ، فَالتَّكْلِيفُ بِالصَّلَاةِ تَكَلِيفٌ بِالرَّكْعَةِ وَالقِرَاءَةِ وَالقِيَامِ .. وَالكَافِرُ مُكَلَّفٌ بِالأَصْلِ فَهُوَ مُكَلَّفٌ بِالفَرْعِ.
- وَأَمَّا عَدَمُ جَوَازِ بَعْضِ الفُرُوعِ مِنْهُمْ كَالصَّلَاةِ وَالصَّومِ فَلِأَنَّ شَرْطَهَا الإِسلَامُ، فَلَا تَصِحُّ حَتَّى يَتَحَقَّقَ الشَّرْطُ، وَلَكِنَّ ذَلِكَ لَا يَعنِي أَنَّهَا لَيسَتْ وَاجِبَةً عَلَيهِمْ.
- وَأَمَّا عَدَمُ طَلَبِ بَعْضِ الفُرُوعِ مِنْهُمْ كَالجِهَادِ، مَعَ أَنَّ الإِسلَامَ لَيسَ شَرْطًا فِي أَدَائِهِ فَلِأَنَّ الجِهَادَ قِتَالُ الكُفَّارِ لِكُفْرِهِمْ، وَالذِّمِّيُّ كَافِرٌ فَيَمْتَنِعُ أَنْ يُقَاتِل الكُفَّارَ لِكُفْرِهِمْ، وَإِلاَّ جَازَ أَنْ يُقَاتِلَ نَفْسَهُ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُطَالَبًا بِهِ. وَلَكِنَّهُ إِذَا رَضِيَ أَنْ يُقَاتِلَ كَافِرًا غَيرَهُ يُقْبَلُ مِنهُ, وَلكِنْ لَا يُجبَرُ عَلَيهِ، إِلاَّ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَعنِي أَنَّهُ غَيرُ مُكَلَّفٍ بِهِ مِنَ اللهِ.
- هَذَا مِنْ حَيثُ كَونُهُمْ مُطَالَبِينَ بِأَحْكَامِ الإِسلَامِ، أَمَّا مِنْ حَيثُ تَطْبِيقُ الحَاكِمِ جَمِيعَ أَحْكَامِ الإِسلَامِ عَلَيهِمْ، فَلِأَنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي حَقِّ أَهْلِ الكِتَابِ: (فَاحْكُمْ بَينَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ)، وَقَالَ: (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيكَ الكِتَابَ لِتَحْكُمَ بَينَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ)، وَهَذَا عَامٌّ يَشْمَلُ الـمُسلِمِيَن وَغَيرَ الـمُسلِمِينَ، لِأَنَّ كَلِمَةَ (النَّاسِ) عَامَّةٌ.
- وأمّا قَولُهُ تَعَالَى: (سَمَّاعُونَ لِلكَذِبِ أَكَّالُون لِلسُّحْتِ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَينَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنهُمْ) فَإِنَ الـمُرَادَ مِنهَا مَنْ جَاءَ إِلَى الدَّولَةِ الإِسلَامِيَّةِ مِنْ خَارِجِهَا لِيَحْتَكِمَ إِلَى الـمُسلِمِينَ فِي خُصُومَةٍ مَعَ كَافِرٍ آخَرَ أوْ كُفَّارٍ آخرين، فَالـمُسلِمُونَ مُخَيَّرُونَ بَينَ أَنْ يَحْكُمُوا بَينَهُمْ وَبَينَ أَنْ يُعْرِضُوا عَنْهُمْ. فَإِنَّ الآيَةَ نَزَلَتْ فِيمَنْ وَادَعَهُمُ الرَّسُولُ مِنْ يَهُودِ الـمَدِينَةِ، وَعَقَدَ مَعَهُمْ مُعَاهَدَاتٍ، وكَانُوا قَبَائِلَ يُعْتَبَرُونَ دُوَلاً ُأُخْرَى، فَلَم يَكُونُوا خَاضِعِينَ لِسُلْطَانِ الإِسْلَامِ، بَلْ كَانُوا دَولَةً أٌخْرَى، وَلِذَلِكَ كَانَتْ بَينَهُ وَبَينَهُمْ مُعَاهَدَات.
- أمّا إِنْ كانوا خاضِعينَ لسلطانِ الإسلامِ، بِأَنْ كانوا ذِمِّيّينَ، أو جاؤوا مستأمِنينَ، فلا يَجوزُ أنْ يُحْكَمَ بينَهم إلاّ بالإسلامِ، ومَنِ امْتَنَعَ منهُمْ عَنِ الرجوعِ إلى حُكْمِ الإسلامِ أَجْبَرَهُ الحاكمُ على ذلكَ وأَخَذَهُ بِهِ، إِذْ إِنَّهُ لا يُجوزُ عَقْدُ الذِّمَّةِ المؤبَّدَةِ إلاّ بشرطَيْنِ: أحدُهُما: أَنْ يَلتزِمُوا إِعْطاءَ الجزيةِ في كُلِّ حَوْلٍ. والثانيْ التزامُ أحكامِ الإسلامِ، وهو قَبُولُ ما يُحْكَمُ بِهِ عليهِمْ مِنْ أَداءِ حَقٍّ أوْ تَرْكِ مُحَرَّمٍ، لِقَوْلِ اللهِ تعالى: (حَتَّى يُعْطُوْا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) أَيْ خَاضِعونَ لأَحْكامِ الإسلامِ.
- وَقَدْ كانَ الرسولُ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ يُطَبِّقُ عليهِمْ أَحْكامَ الإسلامِ. رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ أُتِيَ بيهودِيَّيْنِ فَجَرا بَعْدَ إِحْصَانِهِمَا فَأَمَرَ بَرَجْمِهِمَا، وَرَوَى أَنَسٌ أَنَّ «يَهوديًا قَتَل جَارِيَةً على أَوْضَاحٍ لها بَحَجَرٍ فَقَتَلَهُ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ». وهَؤلاءِ اليهودُ كانُوا مِنْ رَعايا الدولةِ الإسلاميةِ.
- وكَتَبَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ إلى أهلِ نَجْرَانَ وَهُمْ نَصَارَى «إِنَّ مَنْ بَايَعَ مِنْكُمْ بالربا فَلا ذِمَّةَ لَهُ».
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.