- الموافق
- كٌن أول من يعلق!

بسم الله الرحمن الرحيم
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام
(ح261) جميع البلاد الإسلامية يجب أن تضم للدولة الإسلامية، وأن تخضع للراية الإسلامية
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ، وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ، وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ، وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ، والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ، خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ، وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ، الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ، وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ، فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ، وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ، وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا: "بُلُوغُ المَرَامِ مِنْ كِتَابِ نِظَامِ الِإسْلَامِ" وَمَعَ الحَلْقَةِ الوَاحِدَةِ وَالسِّتِّينَ بَعْدَ المِائَتَينِ، وَعُنوَانُهَا: "جَمِيعُ البِلَادِ الإِسْلَامِيَّةِ يَجِبُ أَنْ تُضَمَّ لِلدَّولَةِ الإِسْلَامِيَّةِ، وَأَنْ تَخْضَعَ لِلرَّايَةِ الإِسلَامِيَّةِ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَتَينِ: الرَّابِعَةِ وَالثَّلَاثِينَ، وَالخَامِسَةِ وَالثَّلَاثِينَ بَعْدَ المِائَةِ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ والمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:
المادة 189: عَلَاقَةُ الدَّولَةِ بِغَيرِهَا مِنَ الدُّوَلِ القَائِمَةِ فِي العَالَمِ تَقُومُ عَلَى اعتِبَارَاتٍ أَربَعَةٍ:
أحدها: الدُّوَلُ القَائِمَةُ فِي العَالَمِ الإِسْلَامِيِّ تُعتَبَرُ كَأَنَّهَا قَائِمَةٌ فِي بِلَادٍ وَاحِدَةٍ، فَلَا تَدخُلُ ضِمْنَ العَلَاقَاتِ الخَارِجِيَّةِ، وَلَا تُعْتَبَرُ العَلَاقَاتُ مَعَهَا مِنَ السِّيَاسَةِ الخَارِجِيَّةِ، وَيَجِبُ أَنْ يُعْمَلَ لِتَوحِيدِهَا كُلِّهَا فِي دَولَةٍ وَاحِدَةٍ.
ثانيها: الدُّوَلُ الَّتِي بَينَنَا وَبَينَهَا مُعَاهَدَاتٌ اقتِصَادِيَّةٌ، أَوْ مُعَاهَدَاتٌ تِجَارِيَّةٌ، أَوْ مُعَاهَدَاتُ حُسْنُ جِوَارٍ، أَوْ مُعَاهَدَاتٌ ثَقَافِيَّةٌ، تُعَامَلُ وَفْقَ مَا تَنُصُّ عَلَيهِ المُعَاهَدَاتُ. وَلِرَعَايَاهَا الحَقُّ فِي دُخُولِ البِلَادِ بِالهَوِيَّةِ دُونَ حَاجَةٍ إِلَى جَوَازِ سَفَرٍ إِذَا كَانَتِ المُعَاهَدُة تَنُصُّ عَلَى ذَلِكَ، عَلَى شَرْطِ المُعَامَلَةِ بِالمِثْلِ فِعْلاً. وَتَكُونُ العَلَاقَاتُ الاقتِصَادِيَّةُ وَالتِّجَارِيَّةُ مَعَهَا مَحدُودَةً بِأَشيَاءَ مُعَيَّنَةٍ، وَصِفَاتٍ مُعَيَّنَةٍ عَلَى أَنْ تَكُونَ ضَرُورِيَّةً، وَمِمَّا لَا يُؤَدِّي إِلَى تَقْوِيَتِهَا.
وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: يَا أُمَّةَ الإِيمَانْ، يَا أُمَّةَ القُرآنْ، يَا أُمَّةَ الإِسلَامْ، يَا أُمَّةَ التَّوحِيدْ، يَا مَنْ آمَنتُمْ بِاللهِ رَبّاً، وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيّاً وَرَسُولاً، وَبِالقُرآنِ الكَرِيمِ مِنهَاجاً وَدُستُوراً، وَبِالإسلَامِ عَقِيدَةً وَنِظَاماً لِلْحَياَة، أَيُّهَا المُسلِمُون فِي كُلِّ مَكَانْ، فَوقَ كُلِّ أَرضٍ، وَتَحتَ كُلِّ سَمَاءْ، يَا خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَتْ لِلنَّاسِ، أَيُّهَا المُؤمِنُونَ الغَيُورُونَ عَلَى دِينِكُمْ وَأُمَّتِكُمْ. أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ دُستُورَ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ، وَهَا هُوَ يُوَاصِلُ عَرْضَهُ عَلَيكُمْ حَتَّى تدرُسُوهُ وَأنتمْ تَعْمَلُونَ مَعَنَا لإِقَامَتِهَا، وَهَذِهِ هِيَ الْمَادَّةُ التَّاسِعَةُ وَالثَّمَانُونَ بَعْدَ المِائَةِ. وَإِلَيكُمْ بَيَانَ أَدِلَّةِ هَذِهِ المَادَّةِ مِنْ كِتَابِ مَقَدِّمَةِ الدُّستُورِ:
التتمة الثالثة للبند الأول من المادة 189:
القسم الأول: مِنَ الفَقْرَةِ المُتَعَلِّقُ بِعَلَاقَةِ الدَّولَةِ الإِسلَامِيَّةِ بِالدُّوَلِ القَائِمَةِ فِي العَالَمِ الإِسْلَامِيِّ. وَعَلَى هَذَا فَإِنَّهُ إِذَا قَامَتِ الدَّولَةُ الإِسْلَامِيَّةُ فَوُجِدَتِ الخِلَافَةُ - عَجَّلَ اللهُ فِي قِيَامِهَا- صَارَتِ البِلَادُ الَّتِي تَحْكُمُهَا بِسُلْطَانِ المُسْلِمِينَ، وَبِأَمَانِ الإِسْلَامِ (دَارَ إِسْلَامٍ)، وَمَا عَدَاهَا يُنظَرُ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ لَا يُحْكُمْ بِالِإِسْلَامِ، أَوْ كَانَ أَمَانُهُ بِأَمَانِ الكُفْرِ، كَانَ (دَارَ كُفْرٍ) أَيْ (دَارَ حَرْبٍ)، وَلَو كَانَ جَمِيعُ أَهْلِهِ مُسْلِمِينَ، وَتَنطَبِقُ عَلَيهِ أَحْكَامُ (دَارِ الحَربِ). وَأَمَّا إِنْ كَانَ يُحْكَمُ بِالإِسْلَامِ، وَأَمَانُهُ بِأَمَانِ الإِسْلَامِ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَنْضَمَّ إِلَى الخِلَافَةِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ (دَارَ إِسْلَام)، وَتَنطَبِقُ عَلَيهِ أَحْكُامُ الإِسْلَامِ. وَيَكُونُ حُكْمُهُمْ كَحُكْمِ البُغَاةِ تَصِحُّ عُقُودُهُمْ، وَيَصِحُّ نَصبُهُمْ لِلقُضَاةِ وَالوُلَاةِ، وَيَصِحُّ حُكْمُ قُضَاتِهِمْ وَوُلَاتِهِمْ، وَلَكِنْ يُقَاتَلُونَ لِلدُّخُولِ فِي بَيعَةِ الخَلِيفَةِ، لِحَدِيثِ: «إِذَا بُويِعَ لِخَليفتَيْنِ فَاقْتُلُوا الآخَرَ مِنْهُمَا». (رَوَاهُ مُسْلِمُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ)، أَيْ قَاتِلُوهُ. وَعَلَى هَذَا فَمَتَى قَامَتِ الدَّولَةُ الإِسْلَامِيَّةُ فِي قُطْرٍ مِنْ أَقْطَارِ المُسلِمِينَ كَالعِرَاقِ وَتُركِيَّا وَسُورِيَّا مَثَلاً، فَإِنَّهُ يَكُونُ حُكْمُ المُسْلِمِ الَّذِي يَستَوطِنُ إِنجِلْتَرا أَوْ أَمرِيكَا أَوْ رُوسيَا أَوْ غَيرِهَا مِنْ دِيَارِ الكُفُرِ، وَبِلَادِ الكُفَّارِ هُوَ كَحُكْمِ مَنْ يَكُونُ فِي (دَارِ الحَربِ) لَا فَرقَ بَينَ المُسْلِمِ وَالكَافِرِ سِوَى بِعِصْمَةِ دَمِهِ وَمَالِهِ عِندَ فَتْحِ تِلْكَ البِلَادِ.
وَأَمَّا المُسْلِمُونَ الَّذِينَ يَكُونُونَ فِي بِلَادٍ مُسْلِمَةٍ، فَإِنَّهُمْ إِنْ طَبَّقُوا الإِسْلَامَ، وَلَمْ يَدخُلُوا فِي الخِلَافَةِ كَانَتْ بِلَادُهُمْ (دَارَ إِسْلَامٍ)، وَحُكْمُهُمْ (حُكْمَ البُغَاةِ). أَمَّا إِنْ لَمْ يُطَبِّقُوا الإِسْلَامَ، فَإِنَّهَا تَكُونُ (دَارَ كُفْرٍ). وَكَذَلِكَ كُلُّ قُطْرٍ مِنْ بِلَادِ الإِسْلَامِ إِذَا ظَلَّ غَيرَ مُطَبِّقٍ لِلإِسْلَامِ، أَوْ كَانَ أَمَانُهُ الخَارِجِيًّ بِغَيرِ أَمَانِ المُسْلِمِينَ، فَإِنَّهُ يُعتَبَرُ (دَارَ كُفْرٍ)، وَتُطَبَّقُ فِي حَقِّهِ أَحْكَامُ (دَارِ الحَربِ)، وَلَو كَانَ جَمِيعُ أَهْلِهِ مُسْلِمِينَ. وَلَا فَرْقَ بَينَ أَنْ يَكُونُ مُجَاوِراً لِلدَّولَةِ الإِسْلَامِيَّةِ، أَيْ لِلبِلَادِ الَّتِي يَحكُمُهَا خَلِيفَةُ المُسْلِمِينَ، أَوْ كَانَ غَيرَ مُجَاوِرٍ لَهَا. فَالدَّولَةُ الإِسْلَامِيَّةُ تَعتَبِرُ جَمِيعَ البِلَادِ الإِسْلَامِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ تُحْكَمُ بِالإِسْلَامِ، أَوْ كَانَتْ أَكْثَرِيَّتُهَا مِنَ المُسْلِمِينَ، بِلَاداً إِسْلَامِيَّةً وَاحِدَةً يَجِبُ أَنْ تُضَمَّ لِلدَّولَةِ الإِسْلَامِيَّةِ، وَأَنْ تَخْضَعَ لِلرَّايَةِ الإِسلَامِيَّةِ، وَأَنْ تَكُونَ فِي عُنُقِهَا بَيعَةٌ لِلخَلِيفَةِ.
وَمُصْطَلَحُ (أَمَانِ الإِسْلَامِ) المُرَادُ مِنهُ أَنْ يَأْمَنَ بِسُلْطَانِ الإسْلَامِ، وَمُصْطَلَحُ (أمَانِ الكُفْرِ) المُرَادُ مِنهُ أَنْ يَأَمَنَ بِسْلُطَانِ الكُفْرِ. قَالَ فِي القَامُوِسِ المُحِيطِ: (الأَمْنُ، وَالآمِنُ: كَصَاحِبِ، ضِدُّ الخَوفِ، أَمِنَ: كَفَرِحَ، أَمْناً وَأَمَاناً بِفَتْحِهِمَا) وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ عَنْ سَعْدٍ قَالَ: «لَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ أَمَّنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم النَّاسَ إِلَّا أَرْبَعَةَ نَفَرٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَسَمَّاهُمْ» وعن أبي بن كعب «فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْفَتْحِ قَالَ رَجُلٌ لا يُعْرَفُ: لا قُرَيْشَ بَعْدَ الْيَوْمِ، فَنَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمِنَ الأَسْوَدُ وَالأَبْيَضُ إِلا فُلاناً وَفُلاناً نَاساً سَمَّاهُمْ».(أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي المُسْنَدِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ)، وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ الحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، كِلَاهُمَا عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه. هُوَ مَعْنَى الأَمَانِ. وَإِضَافَتُهُ إِلَى الإِسْلَامِ أَوْ إِلَى الكُفْرِ إِنَّمَا هِيَ إِضَافَةٌ إِلَى السُّلْطَانِ الَّذِي يُؤَمِّنُ، لِأَنَّ الأَمَانَ فِي الدَّولَةِ إِنَّمَا هُوَ لِلسُّلْطَانِ. فَأَمَانُ الإِسْلَامِ هُوَ الأَمَانُ بِسُلْطَانِ المُسْلِمِينَ، وَأَمَانُ الكُفْرِ هُوَ الأَمَانُ بِسُلْطَانِ الكُفَّارِ. وَالأَمَانُ الدَّاخِلِيُّ هُوَ أَنْ يَأْمَنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الرَّعِيَّةِ عَلَى عِرْضِهِ وَدَمِهِ وَمَالِهِ بِأَمَانِ السًّلْطَانِ، وَأَمَّا الأَمَانُ الخَارِجِيُّ فَهُوَ أَنْ تَكُونَ الدَّولَةُ حَامِيَةَ حُدُودِهَا مِنَ الغَارَةِ عَلَيهَا بِسُلْطَانِهَا هِيَ لَا بِسُلْطَانِ غَيرِهَا.
وأما البند الثاني من المادة 189: فَإِنَّ دَلِيلَهُ أَنَّ الإِسْلَامَ أَجَازَ عَقْدَ المُعَاهَدَاتِ مَعَ الدُّوَلِ قَالَ تَعَالَى: (إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ). (النِّسَاء 90) وَقَالَ: (وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ). (النِّسَاء 92) وَقَالَ: (وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ). (الأَنفَالُ 72) وَالمِيثَاقُ فِي هَذِهِ الآيَاتِ هُوَ المُعَاهَدَةُ. وَالرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم عَقَدَ مُعَاهَدَةً مَعَ يُوحَنَّة بْنِ رُؤْبَةَ صَاحِبِ أَيلَةَ، وَعَقَدَ مُعَاهَدَةً مَعَ بَنِي ضَمْرَةَ. وَتُطَبَّقُ فِي هَذِه المُعَاهَدَاتِ الشُّرُوطُ الَّتِي تَتَضَمَّنُهَا، وَيَجِبُ أَنْ يَتَقَيَّدَ المُسْلِمُونَ بِهَذِهِ الشُّرُوطِ لِقَولِهِ صلى الله عليه وسلم: «وَالْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ». (أَخرَجَهُ التِّرمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ)، عَلَى أَنْ لَا يَكُونَ هَذَا الشَّرْطُ مُنَاقِضاً لِلإِسْلَامِ، فَإِنْ كَانَ مُنَاقِضاً لِلإِسْلَامِ رُفِضَ لِقَولِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ التِّرمِذِيِّ: «إِلَّا شَرْطاً حَرَّمَ حَلاَلاً أَوْ أَحَلَّ حَرَاماً» وَلِقَولِهِ صلى الله عليه وسلم : «مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها، فَيَقُومُ المُسْلِمُونَ بِتَنْفِيذِ هَذِه الشُّرُوطِ حَسَبَ مَا وَرَدَتْ فِي نُصُوصِ المُعَاهَدَاتِ إِنْ كَانَتْ لَا تُخَالِفُ الإِسْلَامَ. فَدَلِيلُ هَذِهِ الفَقْرَةِ هُوَ دَلِيلُ جَوَازِ المُعَاهَدَاتِ، وَدَلِيلُ وُجُوبِ الوَفَاءِ بِالشُّرُوطِ.
وأما القسم الثاني: مِنْ هَذِهِ الفَقْرَةِ المُتَعَلِّقُ بِالعَلَاقَاتِ الاقتِصَادِيَّةِ وَالتِّجَارِيَّةِ، فَإنَّهُ نَظَراً لِمَا يُمكِنُ أَنْ يَنْشَأَ مِنَ المُعَاهَدِةِ الاقتِصَادِيَّةِ مِنْ ضَرَرٍ عَلَى الأُمَّةِ كَأَنْ كَانَتْ تُخْرِجُ المَوَادَّ الخَامَّ مِنَ البِلَادِ، أَوْ كَانَتْ تُسَبِّبُ إِقْفَالَ مَصَانِعِ البِلَادِ أَوْ مَا شَاكَلَ ذَلِكَ، فَإِنَّهَا تُحَدَّدُ بِمَا لَا ضَرَرَ مِنهُ، وَتُمْنَعُ مِنْ كُلِّ مَا فِيهِ ضَرَرٌ؛ عَمَلاً بِقَاعِدَة: (كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ المُبَاحِ إِذَا كَانَ يُؤَدِّي إِلَى ضَرَرٍ يُمنَعُ ذَلِكَ الفَرْدُ وَيَبقَى الشَّيءُ مُبَاحاً) وَكَذَلِكَ الحَالُ فِي المُعَاهَدَاتِ التِّجَارِيَّةِ. وَتُعتَبَرُ هَذِهِ الدُّوَلُ دُوَلاً مُحَارِبَةً حُكْماً، وَذَلِكَ لِأَنَّ كَونَهُمْ كُفَّاراً لَمْ يَخْضَعُوا لِسُلْطَانِ الإِسْلَامِ، فَإِنَّهُمْ يُعتَبَرُونَ مُحَارِبِينَ، لِأَنَّ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ» فَهُوَ عَامٌّ، وَكَونُهُمْ يُعتَبَرُونَ مُحَارِبِينَ حُكْماً، أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلأَحْكَامِ، فَإِنَّهُ بِسَبَبِ المُعَاهَدَاتِ الَّتِي بَيْنَنَا وَبَينَهُمْ.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة، وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ، مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً، نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ، سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام، وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا، وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه، وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ، وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها، إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم، وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.