الأحد، 24 شعبان 1446هـ| 2025/02/23م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام (ح234) تستوفى من المسلمين الضريبة التي أجاز الشرع استيفاءها لسد نفقات بيت المال (1)

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام

 (ح234) تستوفى من المسلمين الضريبة التي أجاز الشرع استيفاءها

لسد نفقات بيت المال (1)

 

 

 

الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ، وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ، وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ، وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ، والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ، خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ، وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ، الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ، وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ، فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ، وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ، وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ. 

 

أيها المؤمنون:

 

 

السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا: "بُلُوغُ المَرَامِ مِنْ كِتَابِ نِظَامِ الِإسْلَامِ" وَمَعَ الحَلْقَةِ الرَّابِعَةِ والثَّلاثِينَ بَعْدَ المِائَتَينِ، وَعُنوَانُهَا: "تُسْتَوفَى مِنَ المُسْلِمِينَ الضَّرِيبَةُ الَّتِي أَجَازَ الشَّرعُ استِيفَاءَهَا لِسَدِّ نَفَقَاتِ بَيتِ المَالِ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ الخَامِسَةِ وَالعِشْرِين َبَعْدَ المِائَةِ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ والمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:

 

المادة 146: تُسْتَوفَى مِنَ المُسْلِمِينَ الضَّرِيبَةُ الَّتِي أَجَازَ الشَّرعُ استِيفَاءَهَا لِسَدِّ نَفَقَاتِ بَيتِ المَالِ، عَلَى شَرْطِ أَنْ يَكُونَ استِيفَاؤُهَا مِمَّا يَزِيدُ عَلَى الحَاجَاتِ الَّتِي يَجِبُ تَوفِيرُهَا لِصَاحِبِ المَالِ بِالمَعْرُوفِ، وَأَنْ يُرَاعَى فِيهَا كِفَايَتُهَا لِسَدِّ حَاجَاتِ الدَّولَةِ.

 

وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: يَا أُمَّةَ الإِيمَانْ، يَا أُمَّةَ القُرآنْ، يَا أُمَّةَ الإِسلَامْ، يَا أُمَّةَ التَّوحِيدْ، يَا مَنْ آمَنتُمْ بِاللهِ رَبّاً، وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيّاً وَرَسُولاً، وَبِالقُرآنِ الكَرِيمِ مِنهَاجاً وَدُستُوراً، وَبِالإسلَامِ عَقِيدَةً وَنِظَاماً لِلْحَياَة، أَيُّهَا المُسلِمُون فِي كُلِّ مَكَانْ، فَوقَ كُلِّ أَرضٍ، وَتَحتَ كُلِّ سَمَاءْ، يَا خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَتْ لِلنَّاسِ، أَيُّهَا المُؤمِنُونَ الغَيُورُونَ عَلَى دِينِكُمْ وَأُمَّتِكُمْ. أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ دُستُورَ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ، وَهَا هُوَ يُوَاصِلُ عَرْضَهُ عَلَيكُمْ حَتَّى تدرُسُوهُ وَأنتمْ تَعْمَلُونَ مَعَنَا لإِقَامَتِهَا، وَهَذِهِ هِيَ الْمَادَّةُ السَّادِسَةُ وَالأربَعُونَ بَعْدَ المِائَةِ. وَإِلَيكُمْ بَيَانَ أَدِلَّةِ هَذِهِ المَادَّةِ مِنْ كِتَابِ مَقَدِّمَةِ الدُّستُورِ:

 

فِي هَذِهِ المَادَّةِ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ: أَحَدِهَا: استِيفَاءُ الضَّرِيبَةِ، وَالثَّانِي: أَنْ لَا تُسْتَوفَى هَذِهِ الضَّرِيبَة إِلَّا مِمَّا يَزِيدُ عَنِ الحَاجَاتِ الَّتِي يَحْتَاجُهَا صَاحِبُ المَالِ حَسَبَ العُرْفِ، وَالثَّالِثُ: أَنْ لَا تُسْتَوفَى إِلَّا بِمِقْدَارِ مَا يَحْتَاجُ بَيتُ المَالِ، وَلَا تُسْتَوْفَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ.

 

Boloogh19 02 2025

 

أما الأمر الأول: فَإِنَّ كَلِمَةَ (ضَرِيبَة) اصْطِلَاحٌ غَرْبِيٌّ، وَهِيَ مَا يَفْرِضُهُ السُّلْطَانُ عَلَى الرَّعِيَّةِ لِإِدَارَةِ شُؤْونِهَا. وَالسُّؤَالُ هُوَ: هَلْ يَجُوزُ لِلدَّولَةِ الإِسْلَامِيَّةِ أَنْ تَفْرِضَ ضَرَائِبَ عَلَى المُسْلِمِينَ لِإِدَارَةِ شُؤُونِهِمْ؟ وَالجَوابُ عَلَى ذَلِكَ هُوَ أَّن الشَّرعَ قَدْ حَدَّدَ الوَارِدَاتِ الَّتِي لِبَيتِ المَالِ، وَجَعَلَ هَذِهِ الوَارِدَاتِ لِإِدَارَةِ شُؤُونِ الرَّعِيَّةِ، وَلَمْ يُشَرِّعْ ضَرَائِبَ لِإِدَارَةِ شُؤُونِ الرَّعِيَّةِ، ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ r كَانَ يُدِيرُ شُؤُونَ الرَّعِيَّةِ بِهَذِهِ الوَارِدَاتِ، وَلَمْ يَثْبُتْ عَنهُ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ فَرَضَ ضَرِيبَةً عَلَى النَّاسِ، وَلَمْ يُرْوَ عَنهُ ذَلِكَ مُطْلَقاً، وَحِينَ عَلِمَ أَنَّ مَنْ عَلَى حُدُودِ الدَّولَةِ يَأْخُذُونَ ضَرَائِبَ عَلَى البَضَائِعِ الَّتِي تَدْخُلُ البِلَادِ نَهَى عَنْ ذَلِكَ. فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُقْبَةَ بْنَ عَامِر أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ r يَقُولُ: «لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ صَاحِبُ مَكْسٍ». (أَخرَجَهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الحَاكِمُ وَالزَّينُ). وَعَنْ أَبِي الخَيرِ قَالَ: سَمِعْتُ رُوَيفِعَ بْنَ ثَابِتٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ r يَقُولُ: «إِنَّ صَاحِبَ الْمَكْسِ فِي النَّارِ». (أَخْرَجَهُ أَبُو عُبَيدٍ فِي الأَمْوَالِ، وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَحَسَّنَهُ الزَّينُ) قَالَ: "يَعْنِي العَاشِرَ". وَالعَاشِرُ هُوَ الَّذِي يَأْخُذُ العُشْرَ عَلَى التِّجَارَةِ الخَارِجِيَّةِ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى النَّهْيِ عَنْ أَخْذِ الضَّرَائِبِ بِالمَعْنَى الَّذِي اصْطَلَحَ عَلَيهِ الغَرْبُ. عَلَى أَنَّ الرَّسُولَ r يَقُولُ فِي الحَدِيثِ المُتَّفَقِ عَلَيهِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرَةَ: «إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا...». وَهُوَ عَامٌّ يَشْمَلُ كُلَّ إِنْسَانٍ وَمِنْهَا الدَّولَةُ، وَأَخْذُ الضَّرَائِبِ أَخْذٌ لِمَالِ المُسْلِمِ مِنْ غَيرِ طِيبِ نَفْسِهِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ أَخْذِهَا. إِلَّا أَنَّ وَارِدَاتِ بَيتِ المَالِ مُحَدَّدَةُ الجِهَاتِ الَّتِي تُسْتَوفَى مِنْهَا، وَمُحَدَّدَةُ المِقْدَارِ فَقَدْ لَا تَكْفِي لِرِعَايَةِ شُؤُونِ الرَّعِيَّةِ، وَقَدْ تُوجَدُ شُؤُونٌ تَحْتَاجُ إِلَى الرِّعَايَةِ، وَتَكُونُ وَارِدَاتُ بَيتِ المَالِ قَدْ نَفِدَتْ، فَهَلْ يَجُوزُ فِي هَذِهِ الحَالَةِ فَرْضُ ضَرَائِبَ أَمْ لَا؟

 

وَالجَوَابُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ مَا أَوْجَبَهُ الشَّرْعُ عَلَى بَيتِ المَالِ نَوعَانِ: مِنهُ مَا أَوْجَبَهُ عَلَى بَيتِ المَالِ فَقَطْ، وَلَم يُوجبْهُ عَلَى المُسْلِمِينَ. وَمِنُهُ مَا أَوْجَبَهُ عَلَى بَيتِ المَالِ، وَأَوْجَبَهُ فِي الوَقْتِ نَفْسِهِ عَلَى المُسْلِمِينَ. فَمَا أَوْجَبَهُ عَلَى بَيتِ المَالِ فَقَطْ، وَلَمْ يُوجبْهُ عَلَى المُسْلِمِينَ لَا يَحِلُّ لِلدَّولَةِ فَرْضُ ضَرِيبَةٍ عَلَى المُسْلِمِينَ لِأَجْلِ القِيَامِ بِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي بَيتِ المَالِ مَالٌ قَامَتْ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَالٌ أَخَّرَتْهُ حَتَّى يُوجَدَ لَدَيهَا مَالِ لِتَقُومَ بِهِ، وَلَا تَفْرِضُ مِنْ أَجْلِهِ ضَرِيبَةً عَلَى المُسْلِمِينَ مُطْلَقاً، لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يُوجبْ ذَلِكَ عَلَى المُسْلِمِينَ، فَلَا يَحِلُّ أَخْذُ ضَرَائِبَ عَلَيهِ؛ لِأَنَّ أَخْذَ الضَّرَائِبِ فِي هَذِهِ الحَالِ يُعْتَبَرُ ظُلْماً وَهُوَ حَرَامٌ، وَيُعتَبَرُ كَذَلِكَ إِيجَاباً لِمَا لَمْ يُوجبْهُ اللهُ، وَهُوَ كَتَحْرِيمِ المُبَاحِ، وَإِبَاحَةِ الحَرَامِ، وَهُوَ عُدْوَانٌ عَلَى الشَّرْعِ يُعْتَبَرُ فَاعِلُهُ كَافِراً إِنِ اعْتَقَدَهُ، وَيُعْتَبَرُ عَاصِياً إِنْ لَمْ يَعْتَقِدْهُ.

 

وَمِنْ هُنَا لَا يَحِلُّ لِلدَّولَةِ فَرْضُ ضَرِيبَةٍ عَلَى المُسْلِمِينَ فِيمَا لَمْ يُوجبْهُ الشَّرعُ فِي الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَيهِمْ. وَذَلِكَ مِثْلُ إِعْطَاءِ رَوَاتِبَ لِلعَامِلِينَ عَلَى الزَّكَاةِ، وَمِثْلُ إِعْطَاءِ المُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِعْطَاءِ الأَرِقَّاءِ لِيُعْتَقُوا، وَإِعْطَاءِ المَدِينِينَ لِيَسُدُّوا دَينَهُمْ، وَمِثْلُ فَتْحِ طَرِيقٍ ثَانِيَةٍ مَعَ وُجُودِ غَيرِهَا، وَمِثْلُ إِقَامَةِ سَدٍّ لِلمِيَاهِ مَعَ وُجُودِ الأَمْطَارِ، وَمِثْلُ إِقَامَةِ مُسْتَشْفًى ثَانٍ مَعَ وُجُودِ مُسْتَشْفَىً قَائِمٍ بِالحَاجَةِ، أَوْ مَا شَاكَلَ ذَلِكَ، مِـمَّا لَا يُؤَدِّي عَدَمُ وُجُودِهِ إِلَى ضَرَرٍ، وَلَكِنْ يُؤَدِّي وُجُودُهُ إِلَى تَحْسِينٍ وَزِيَادَةِ كَمَالٍ. فَهَذَا كُلُّهُ لَا يُحِلُّ لِلدَّولَةِ فَرْضَ ضَرَائِبَ عَلَى المُسْلِمِينَ لِأَجْلِ القِيَامِ بِهِ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يُوجبْ عَلَيهِمْ ذَلِكَ. وَقَدْ قَالَ الفُقَهَاءُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الأُمُورِ بِأَنَّ هَذَا يَكُونُ استِحْقَاقُهُ عَلَى بَيتِ المَالِ مُعْتَبَراً بِالوُجُودِ دُونَ العَدَمِ، فَإِنْ كَانَ المَالُ مَوجُوداً كَانَ صَرْفُهُ فِي جهَاتِه مُسْتَحِقاً، وَكَانَ عَدَمُهُ مُسْقِطاً لِاستِحْقَاقِهِ.

 

وَأَمَّا مَا أَوْجَبَهُ الشَّرعُ عَلَى بَيتِ المَالِ، وَعَلَى المُسْلِمِينَ، فَإِنَّهُ إِذَا لَمْ يُوْجَدْ فِي بَيتِ المَالِ مَالٌ، أَوْ فُقِدَ مَا فِيهِ مِنْ مَالٍ، فَإِنَّ لِلدَّولَةِ فِي هَذِهِ الحَالِ أَنْ تَفْرِضَ ضَرَائِبَ عَلَى المُسْلِمِينَ لِلقِيَامِ بِالمَصَالِحِ الَّتِي أَوْجَبَهَا الشَّرعُ عَلَيهِمْ وَأَوْجَبَهَا عَلَى بَيتِ المَالِ. وَذَلِكَ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِالنَّصِّ أَنَّ اللهَ أَوْجَبَهَا عَلَيهِمْ، وَجَعَلَ الإِمَامَ وَالِياً عَلَيهِمْ، فَهُوَ الَّذِي يُحَصِّلُ هَذَا المَالَ مِنْهُمْ، وَيُنفِقُهُ عَلَى هَذِهِ المَصَالِحِ، وَذَلِكَ كَالنَّفَقَاتِ اللَّازِمَةِ لِلفُقَرَاءِ وَالمَسَاكِينَ وَابْنِ السَّبِيلِ، وَلَمْ يُوجَدْ فِي بَيتِ المَالِ مَالٌ يُنْفَقُ عَلَيهِمْ مِنْهُ، لَا فِي وَارِدَاتِ الزَّكَاةِ، وَلَا فِي وَارِدَاتِ بَيتِ المَالِ الأُخْرَى. وَذَلِكَ لِأَنَّ إٍطْعَامَ الفُقَرَاءِ وَاجبٌ عَلَى جَمِيعِ المُسْلِمِينَ، قَالَ r: «وَأَيُّمَا أَهْلُ عَرْصَةٍ أَصْبَحَ فِيهِمْ امْرُؤٌ جَائِعٌ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُمْ ذِمَّةُ اللَّهِ تَعَالَى». (أَخـَرجَهُ أَحْمَدُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَصَحَّحَهُ أَحْمَد شَاكِر). وَكَالنَّفَقَاتِ الوَاجبَةِ لِلجَيشِ وَالحَرْبِ وَكُلِّ مَا يَلْزَمُ مِنَ الإِعْدَادَاتِ الحَربِيَّةِ إِذَا لَمْ يُوجَدْ فِي بَيتِ المَالِ مَا يَكْفِيهَا فَرَضَـتْ عَلَى المُسْـلِمِينَ ضَرِيبَةً لِلْقِيَامِ بِهَا لِقَولِهِ تَعَـلَى: (وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ). (التوبة 41) وَقَالَ: (وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ). (النساء 95) وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r: «جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ». (أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَهُ النَّسَائِيُّ وَالحَاكِمُ وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ).

 

وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا كَانَ عَدَمُ القِيَامُ بِهِ يُسَبِّبُ ضَرَراً لِلمُسْلِمِينَ كَفَتْحِ طَرِيقٍ لَا يُوجَدُ غَيرُهَا، وَكَفَتْحِ مُسْتَشْفَىً تَقْتَضِي الضَّرُورَةُ فَتْحَهُ، وَمَا شَاكَلَ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ مَا يَكُونُ صَرْفُهُ مُسْتَحِقاً عَلَى وَجْهِ المَصْلَحَةِ وَالإِرْفَاقِ دُونَ البَدَلِ، وَكَانَ ضَرُورَةً مِنَ الضَّرُورَاتِ، وَيَنَالُ الأُمَّةَ ضَرَرٌ مِنْ عَدَمِ وُجُودِهِ، فَإِنَّهُ تُفْرَضُ ضَرِيبَةٌ عَلَى المُسْلِمِينَ لِلقِيَامِ بِهِ لِأَنَّ إِزَالَةَ الضَّرَرِ وَاجِبَةٌ عَلَى المُسْلِمِينَ. قَالَ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَا ضَرَرَ وَلا ضِرَارَ». (أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ، وَالحَاكِمُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ وَصَحَّحَهُ وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ). وَكَأَرْزَاقِ الجُنْدِ وَالقُضَاةِ وَالمُعَلِّمِينَ، فَإِنَّهَا مِمَّا أَوْجَبَهُ الشَّرعُ عَلَى المُسْلِمِينَ، إِذِ التَّعْلِيمُ فَرْضٌ عَلَيهِمْ، وَكَذَلِكَ القَضَاءُ، وَالجِهَادُ، كَمَا دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ النُّصُوصُ الصَّرِيحَةُ. فَهَذِهِ الأُمُورُ الَّتِي أَوْجَبَهَا الشَّرعُ عَلَى المُسْلِمِينَ مَعَ إِيجَابِهَا عَلَى بَيتِ المَالِ يَجُوزُ لِلدَّولَةِ أَنْ تَفْرِضَ ضَرَائِبَ لِأَجْلِ القِيَامِ بِهَا؛ لِأَنَّ النُّصُوصَ صَرِيحَةٌ فِي فَرْضِهَا عَلَى المُسْلِمِينَ، وَهَذَا دَلِيلُ الأَمْرِ الأَوَّلِ مِنَ المَادَّةِ.

 

أيها المؤمنون:

 

 

نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة، وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ، مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً، نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ، سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام، وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا، وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه، وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ، وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها، إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم، وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع