- الموافق
- كٌن أول من يعلق!

بسم الله الرحمن الرحيم
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام
(ح231) تجبى الزكاة من المسلمين، وتؤخذ على الأموال التي عين الشرع الأخذ منها (3)
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ، وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ، وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ، وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ، والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ، خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ، وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ، الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ، وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ، فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ، وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ، وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا: "بُلُوغُ المَرَامِ مِنْ كِتَابِ نِظَامِ الِإسْلَامِ" وَمَعَ الحَلْقَةِ الوَاحِدَةِ والثَّلاثِينَ بَعْدَ المِائَتَينِ، وَعُنوَانُهَا:"تُجْبَى الزَّكَاةُ مِنَ المُسْلِمِينَ، وَتُؤْخَذُ عَلَى الأَمْوَالِ الَّتِي عَيَّنَ الشَّرْعُ الأَخْذَ مِنْهَا (3)". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ الخَامِسَةِ وَالعِشْرِينَ بَعْدَ المِائَةِ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ والمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:
المادة 143: تُجْبَى الزَّكَاةُ مِنَ المُسْلِمِينَ، وَتُؤْخَذُ عَلَى الأَمْوَالِ الَّتِي عَيَّنَ الشَّرْعُ الأَخْذَ مِنْهَا مِنْ نَقْدٍ، وَعُرُوضِ تِجَارَةٍ، وَمَوَاشٍ، وَحُبُوبٍ. وَلَا تُؤْخَذُ مِنْ غَيرِ مَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ. وَتُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ مَالِكٍ سَوَاءٌ أَكَانَ مُكَلَّفاً كَالبَالِغِ العَاقِلِ، أَمْ غَيرَ مُكَلَّفٍ كَالصَّبِيِّ وَالمَجْنُونِ، وَتُوضَعُ فِي بَابٍ خَاصٍّ مِنْ بَيتِ المَالُ، وَلَا تُصْرَفُ إِلَّا لِوَاحِدٍ، أَوْ أَكْثَرَ مِنَ الأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ القُرآنُ الكَرِيمُ.
وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: يَا أُمَّةَ الإِيمَانْ، يَا أُمَّةَ القُرآنْ، يَا أُمَّةَ الإِسلَامْ، يَا أُمَّةَ التَّوحِيدْ، يَا مَنْ آمَنتُمْ بِاللهِ رَبّاً، وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيّاً وَرَسُولاً، وَبِالقُرآنِ الكَرِيمِ مِنهَاجاً وَدُستُوراً، وَبِالإسلَامِ عَقِيدَةً وَنِظَاماً لِلْحَياَة، أَيُّهَا المُسلِمُون فِي كُلِّ مَكَانْ، فَوقَ كُلِّ أَرضٍ، وَتَحتَ كُلِّ سَمَاءْ، يَا خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَتْ لِلنَّاسِ، أَيُّهَا المُؤمِنُونَ الغَيُورُونَ عَلَى دِينِكُمْ وَأُمَّتِكُمْ. أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ دُستُورَ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ، وَهَا هُوَ يُوَاصِلُ عَرْضَهُ عَلَيكُمْ حَتَّى تدرُسُوهُ وَأنتمْ تَعْمَلُونَ مَعَنَا لإِقَامَتِهَا، وَهَذِهِ هِيَ التَتِمَّةُ الثَّانِيَةُ لِلْمَادَّةِ الثَّالِثَةِ وَالأربَعِينَ بَعْدَ المِائَةِ. وَإِلَيكُمْ بَيَانَ أَدِلَّةِ هَذِهِ المَادَّةِ مِنْ كِتَابِ مَقَدِّمَةِ الدُّستُورِ:
لَا تُؤْخَذُ الزَّكَاةُ مِمَّا لَـمْ يُبَيِّنِ الشَّرْعُ فِيهِ نِصَاباً، وَفَوقَ هَذَا فَقَدْ جَاءَتْ نُصُوصٌ أُخْرَى بَيَّنَتْ أَشْيَاءَ بِعَينِهَا تُخْرَجُ مِنهَا الزَّكَاَة، وَلَمْ تَكْتَفِ بِذَلِكَ بَلْ حَصَرَتِ الزَّكَاةَ بِهَذِهِ الأَشْيَاءِ، وَاسْتَعْمَلَتْ لِهَذَا الحَصْرِ أَكْثَرَ مِنْ أُسْلُوبٍ مِنْ أَسَالِيبِ الحَصْرِ الَّتِي أَشَرْنَا إِلَيهَا. وَهَذَا وَحْدَهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الزَّكَاةَ لَا تُخْرَجُ إِلَّا مِنْ أَعْيَانِ الأَشْيَاءِ الَّتِي جَاءَتِ النُّصُوصُ بِهَا وَلَا تُخْرَجْ مِنْ غَيرِهَا مُطْلَقاً.
وَقَدْ يُقَالُ: "إِنَّ النَّصَّ جَاءَ بِتَعْمِيمِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَى المَالِ فِي القُرآنِ وَالسُّنَّةِ فَفِي القُرآنِ قَالَ تَعَالَى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً). (التوبة 103)، وَقَالَ تَعَالَى: (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ). (المعارج 24) وَفِي الحَدِيثِ: «أَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ». (مُتَّفَقٌ عَلَيهِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ)، وَهَذَا يَشْمَلُ كَافَّةَ أَنْوَاعِ المَالِ. فَتَلْزَمُ الزَّكَاةُ فِيهَا جَمِيعاً إِلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الشَّرْعُ، وَالشَّرعُ لَمْ يَسْتَثْنِ إِلَّا الرَّقِيقَ وَالخَيلَ بِقَولِهِ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ صَدَقَةٌ فِي عَبْدِهِ وَلا فِي فَرَسِهِ». (مُتَّفَقٌ عَلَيهِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيرَةَ).
وَالجَوَابُ عَلَى ذَلِكَ هُوَ أَنَّ هَذَا النَّصَّ مُجْمَلٌ يَحْتَاجُ إِلَى بَيَانٍ، وَجَاءَتِ السُّنَّةُ وَبَيَّنَتْهُ، تَمَاماً كَالرِّبَا، فَقَدْ جَاءَ النَّهْيُ عَنهُ مُجْمَلاً، وَجَاءَتِ السُّنَّةُ وَبَيَّنَتْهُ، فَلَا يُقَالُ:"إِنَّ الرَّبَا حَرَامٌ فِي كُلِّ شَيءٍ لِأَنَّهُ جَاءَ النَّهْيُ عَنهُ عَامّاً"، بَلْ يُقَالُ: "إِنَّ الرِّبَا حَرَامٌ فِي الأَمْوَالِ الرَّبَوِيَّةِ الَّتِي جَاءَتِ السُّنَّةُ وَبَيَّنَتْهَا؛ لِأَنَّ نَصَّهَا مُجْمَلٌ وَالسُّنَّةُ بَيَّنَتْهُ، فَلَا رِباً فِي غَيرِهَا". وَكَذَلِكَ لَا يُقَالُ: "إِنَّ الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ فِي كُلِّ شَيءٍ لِأَنَّهُ جَاءَ الأَمْرُ بِهَا عَامّاً"، بَلْ يُقَالُ:"إِنَّ الزَّكَاةَ وَاجبَةٌ فِي الأَمْوَالِ الَّتِي جَاءَتِ السُّنَّةُ، وَبَيَّنَتْ نِصَابَ الزَّكَاةِ فِيهَا فَبَيَّنَتْ بِذَلِكَ أَنْوَاعَ الأَمْوَالِ الَّتِي تُؤْخَذُ مِنْهَا؛ وَذَلِكَ أَنَّ اللهَ أَمَرَ بِالزَّكَاةِ أَمْراً مُجْمَلاً، وَلَمْ يُبَيِّنِ المِقْدَارَ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنهَا، وَلَا مَتَى يُؤْخَذُ هَذَا المِقْدَارُ، فَجَاءَتِ الأَحَادِيثُ وَبَيَّنَتِ المَقَادِيرَ الوَاجبَ إِعْطَاؤُهَا، وَالأَنصِبَةَ الَّتِي تُؤْخَذُ هَذِهِ المَقَادِيرُ مِنْهَا إِذَا بَلَغَتْهَا، وَمَوَاعِيدَ الوُجُوبِ، وَكَوْنَ الوَاجبِ يَسْتَحِقُّ لِمُجَرَّدِ الحُصُولِ عَلَيهِ كَالزُّرُوعِ، أَوِ لِمُضِيِّ وَقْتٍ مُعَيَّنٍ كَالذَّهَبِ وَالفِضَّةِ، فَعَلَى حَسَبِ هَذَا البَيَانِ الَّذِي بَيَّنَتْهُ السُّنَّةُ تُؤْخَذُ الزَّكَاةُ، فَتَكُونُ الأَمْوَالُ الَّتِي بَيَّنَتِ السُّنَّةُ أَخْذَ الزَّكَاةِ مِنْهَا وَكَيفِيَّتَهَا هِيَ الأَمْوَالُ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ، وَمَا عَدَاهَا لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ بَلْ لَا يَتَأَتَّى أَخْذُهَا بِوَجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ إِذْ لَا يُعْرَفُ فِيهَا وَقْتٌ لِلأَخْذِ، وَلَا مِقْدَارُ مَا يُؤْخَذُ، وَلَا النِّصَابُ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنهُ، فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَأَتَّى الأَخْذُ مِنْ غَيرِ مَا بَيَّنَهُ الشَّرعُ مُطْلَقاً.
وَقَدْ وَرَدَتِ النُّصُوصُ وَاضِحَةً فِي هَذِهِ الأَشْيَاءِ: عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r: «مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلا فِضَّةٍ لا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا، إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ، فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَيُكْوَى بِهَا جَبِينُهُ وَجَبْهَتُهُ وَظَهْرُهُ...». (مُتَّفَقٌ عَلَيهِ) وَقَالَ r: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ». (أَخْرَجَهُ مُسْلِمُ مِنْ طَرِيقِ جَابِر). وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ r: «إِذَا كَانَتْ لَكَ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، وَلَيْسَ عَلَيْكَ شَيْءٌ، يَعْنِي فِي الذَّهَبِ، حَتَّى يَكُونَ لَكَ عِشْرُونَ دِينَاراً، فَإِذَا كَانَ لَكَ عِشْرُونَ دِينَاراً وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَفِيهَا نِصْفُ دِينَارٍ». (أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَهُوَ حَسَنٌ). وَقَالَ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «مَا مِنْ صَاحِبِ إِبِلٍ وَلا بَقَرٍ وَلا غَنَمٍ لا يُؤَدِّي زَكَاتَهَا إِلَّا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْظَمَ مَا كَانَتْ وَأَسْمَنَهُ تَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا وَتَطَؤُهُ بِأَظْلافِهَا». (مُتَّفَقٌ عَلَيهِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيرَةَ). وَقَالَ r: «وَالعُشْرُ فِي: التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ». (أَخْرَجَهُ الدَّارْقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ شُعَيبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ).
وَأَخْرَجَ كَذَلِكَ مِنَ الطَّرِيقِ نَفْسِهِ قَالَ: «إِنَّمَا سَنَّ رَسُولُ اللهِ r الزَّكَاةَ فِي: الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ». وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ r بَعَثَهُ إِلَى اليَمَنِ فَقَالَ: «خُذْ الْحَبَّ مِنْ الْحَبِّ، وَالشَّاةَ مِنْ الْغَنَمِ، وَالْبَعِيرَ مِنْ الإِبِلِ، وَالْبَقَرَةَ مِنْ الْبَقَرِ». (أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَه وَالدَّارقُطْنِيُّ).
وَهَكَذَا فَإِنَّ الزَّكَاةَ إِنَّمَا تَجِبُ فَقَطْ فِي الأَمْوَالِ الَّتِي جَاءَ النَّصُّ وَبَيَّنَهَا، وَلَا تَجِبُ فِي غَيرِهَا مُطْلَقاً. وَأَمَّا ادِّعَاءُ أَنَّ النَّبِيَّ r استَثْنَى مِنَ الزَّكَاةِ أَمْوَالاً مُعَيَّنَةً هِيَ الرَّقِيقُ وَالفَرَسُ وَهَذَا يَعْنِي أَنَّ مَا لَمْ يَسْتَثْنِهِ مِنَ الأَمْوَالِ وَاجبٌ فِيهِ الزَّكَاةُ، فَهُوً ادِّعَاءٌ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ r لَمْ يَسْتَثْنِ أَمْوَالاً مُعَيَّنَةً مِنَ الزَّكَاةِ. فَهُوَ لَمْ يَقُل: الزَّكَاةُ وَاجبَةٌ فِي كُلِّ مَالٍ إِلَّا الرَّقِيقَ وَالخَيلَ، وَإِنَّمَا جَاءَ الأَمْرُ بِالزَّكَاةِ مُجْمَلاً، وَجَاءَت النُّصُوصُ، وَبَيَّنَتْ هَذَا المُجْمَلِ بَيَاناً تَامّاً. فَلَا تُوجَدُ قَضِيَّةُ اسْتِثْنَاءٍ عَلَى الإِطْلَاقِ. وَأَمَّا قِصَّةُ الرَّقِيقِ وَالخَيلِ، فَإِنَّ الرَّسُولَ r لَمْ يَسْتَثْنِهِمَا، وَإِنَّمَا أَخْبَرَ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَيهِمْا، فَقَدْ رَوَى البُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ r: «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي فَرَسِهِ وَغُلاَمِهِ صَدَقَةٌ». وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ: «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ صَدَقَةٌ فِي عَبْدِهِ وَلا فِي فَرَسِهِ». وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r: «قَدْ عَفَوْتُ لَكُمْ عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ، فَهَاتُوا صَدَقَةَ...». (أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ) وَقَالَ الحَافِظُ إِسْنَادُهُ حَسَنٌ، وَهَذَا لَيسَ استِثْنَاءً، وَإِنَّمَا هُوَ إِخْبَارٌ، فَلَا يَكُونُ مَالاً مُسْتَثْنىً مِنَ الزَّكَاةِ.
وَكَذَلِكَ جَاءَ النَّصُّ بِأَنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَى الحَمِيرِ. عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: «سُئِلَ رَسُولُ اللهِ r عَنِ الحَمِيرِ فِيهَا زَكَاةٌ فَقَالَ: مَا جَاءَنِي فِيهَا شَيءٌ إِلَّا هَذِهِ الآيَةُ الفَاذَّةُ: (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (٧) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ). (الزَلزَلَة). (مُتَّفَقٌ عَلَيهِ) ، وَالخَيلُ كَذَلِكَ، سُئِلَ عَنْهَا كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيرَةَ. فَهَذَا لَيسَ استِثْنَاءً، وَإِنَّمَا جَوابُ سُؤَالٍ؛ وَلِهَذَا لَا يُعتَبَرُ أَنَّ الرَّسُولَ r استَثْنَى مِنَ الأَمْوَالِ الرَّقِيقَ وَالخَيلَ وَالحَمِيرَ، فَقَالَ: لَا زَكَاةَ عَلَيهَا، وَأَوْجَبَ الزَّكَاةَ عَلَى جَمِيع ِالأَمْوَالِ، فَإِنَّ هَذَا يُخَالِفُ النُّصُوصَ الشَّرعِيَّةَ تَمَامَ المُخَالَفَةِ فَلَمْ يَرِدْ فِيهَا استِثْنَاءٌ مُطْلَقاً؛ لِأَنَ الاستِثْنَاءَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ بِنَصٍّ عَامٍّ عَلَى الحُكْمِ، وَفِي النَّصِّ نَفْسِهِ أَيِ الجُمْلَةِ نَفْسِهَا، جَاءَ استِثْنَاءٌ مِنهُ بِأُسْلُوبٍ مِنْ أَسَالِيبِ الاستِثْنَاءِ مِثْلُ: جَاءَ القَومُ إِلَّا محمداً، أَوْ مِثْلُ: وَجَبَتِ الزَّكَاةُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ إِلَّا عَلَى الخَيلِ وَالرَّقِيقِ. أَوْ يَكُونُ هُنَاكَ نَصٌّ عَامٌّ، وَجَاءَ نَصٌّ آخَرُ خَاصٌّ فَيَكُونُ تَخْصِيصاً لِذَلِكَ العَامِّ، فَيَكُونُ استِثْنَاءً مِنهُ. وَهَذَا غَيرُ مَوجُودٍ فِي نُصُوصِ الخَيلِ وَالرَّقِيقِ وَالحَمِيرِ؛ لِأَنَّ النَّصَّ فِي الزَّكَاةِ مُجْمَلٌ، وَجَاءَتِ السُّنَّةُ وَبَيَّنَتْهُ، ثُمَّ إِنَّ حَدِيثَ الخَيلِ وَالرَّقِيقِ لَمْ يَأْتِ فِي جُمْلَةٍ عَامَّةٍ، وَاستُثْنِيَ بِأُسْلُوبٍ مِنْ أَسَالِيبِ الاستِثْنَاءِ وَإِنَّمَا جَاءَ فِي جُمْلَةٍ مُنفَرِدَةٍ فَيَكُونُ إِخْبَاراً وَلَيسَ استِثْنَاءً.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة، وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ، مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً، نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ، سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام، وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا، وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه، وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ، وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها، إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم، وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.