- الموافق
- كٌن أول من يعلق!

بسم الله الرحمن الرحيم
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام
(ح229) تجبى الزكاة من المسلمين، وتؤخذ على الأموال التي عيَّن الشرع الأخذ منها (1)
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ، وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ، وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ، وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ، والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ، خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ، وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ، الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ، وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ، فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ، وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ، وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا: "بُلُوغُ المَرَامِ مِنْ كِتَابِ نِظَامِ الِإسْلَامِ" وَمَعَ الحَلْقَةِ التَّاسِعَةِ وَالعِشْرِينَ بَعْدَ المِائَتَينِ، وَعُنوَانُهَا: "تُجْبَى الزَّكَاةُ مِنَ المُسْلِمِينَ، وَتُؤْخَذُ عَلَى الأَمْوَالِ الَّتِي عَيَّنَ الشَّرْعُ الأَخْذَ مِنْهَا (1)". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ الصَّفحَةِ الخَامِسَةِ وَالعِشْرِينَ بَعْدَ المِائَةِ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ والمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:
المادة 143: تُجْبَى الزَّكَاةُ مِنَ المُسْلِمِينَ، وَتُؤْخَذُ عَلَى الأَمْوَالِ الَّتِي عَيَّنَ الشَّرْعُ الأَخْذَ مِنْهَا مِنْ نَقْدٍ، وَعُرُوضِ تِجَارَةٍ، وَمَوَاشٍ، وَحُبُوبٍ. وَلَا تُؤْخَذُ مِنْ غَيرِ مَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ. وَتُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ مَالِكٍ سَوَاءٌ أَكَانَ مُكَلَّفاً كَالبَالِغِ العَاقِلِ، أَمْ غَيرَ مُكَلَّفٍ كَالصَّبِيِّ وَالمَجْنُونِ، وَتُوضَعُ فِي بَابٍ خَاصٍّ مِنْ بَيتِ المَالُ، وَلَا تُصْرَفُ إِلَّا لِوَاحِدٍ، أَوْ أَكْثَرَ مِنَ الأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ القُرآنُ الكَرِيمُ.
وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: يَا أُمَّةَ الإِيمَانْ، يَا أُمَّةَ القُرآنْ، يَا أُمَّةَ الإِسلَامْ، يَا أُمَّةَ التَّوحِيدْ، يَا مَنْ آمَنتُمْ بِاللهِ رَبّاً، وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيّاً وَرَسُولاً، وَبِالقُرآنِ الكَرِيمِ مِنهَاجاً وَدُستُوراً، وَبِالإسلَامِ عَقِيدَةً وَنِظَاماً لِلْحَياَة، أَيُّهَا المُسلِمُون فِي كُلِّ مَكَانْ، فَوقَ كُلِّ أَرضٍ، وَتَحتَ كُلِّ سَمَاءْ، يَا خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَتْ لِلنَّاسِ، أَيُّهَا المُؤمِنُونَ الغَيُورُونَ عَلَى دِينِكُمْ وَأُمَّتِكُمْ. أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ دُستُورَ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ، وَهَا هُوَ يُوَاصِلُ عَرْضَهُ عَلَيكُمْ حَتَّى تدرُسُوهُ وَأنتمْ تَعْمَلُونَ مَعَنَا لإِقَامَتِهَا، وَهَذِهِ هِيَ المَادَّةُ الثَّالِثَةُ وَالأربَعُونَ بَعْدَ المِائَةِ. وَإِلَيكُمْ بَيَانَ أَدِلَّةِ هَذِهِ المَادَّةِ مِنْ كِتَابِ مَقَدِّمَةِ الدُّستُورِ:
هَذِهِ المَادَّةُ تَشْمَلُ خَمْسَةَ أُمُورٍ:
أَحَدِهَا: وُجُوبُ الزَّكَاةِ عَلَى المُسلِمِينَ، وَالثَّانِي: كَونُهَا تُؤْخَذُ مِنَ الأَمْوَالِ الَّتِي عَيَّنَهَا الشَّرعُ وَلَا تُؤْخَذُ مِنْ غَيرِهَا، وَالثَّالِثُ: أَخْذُهَا مِنْ كُلِّ مَالِكٍ، وَالرَّابِعُ: كَونُهَا تُوضَعُ فِي بَابٍ خَاصٍّ فِي بَيتِ المَالِ، وَالخَامِسُ: كَونُهَا لَا تُصْرَفُ إِلَّا لِأَشْخَاصٍ مَخْصُوصِينَ مُحَدَّدِينَ بِالصِّفَةِ وَالعَدَدِ.
الأمر الأول: وجوب الزكاة على المسلمين:
أَمَّا الأَمْرُ الأَوَّلُ، وَهُوَ وُجُوبُ الزَّكَاةِ فَدَلِيلُهُ القُرآنُ الكَرِيمُ مِنْ مِثْلِ قَولِهِ تَعَالَى: (وَآتُوا الزَّكَاةَ). (البقرة 43) وَقَولِهِ تَعَالَى: (وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ). (الأحزاب 33) وَقَولِهِ تَعَالَى: (رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ).(النور 37). وَدَلِيلُهُ أَيضاً السُّنَّةُ، فَقَدْ بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُعَاذاً إِلَى اليَمَنِ وَقَالَ لَهُ: «أَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً، تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ». (مُتَّفَقٌ عَلَيهِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ) وَحَدِيثُ: «بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ». (مُتَّفَقٌ عَلَيهِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ) قَالَ فِيهِ: «وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ».
وَعَنْ أَبِي هُرَيرَةَ رضي الله عنه أَنَّ أَعْرَابِياً أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا عَمِلْتُهُ دَخَلْتُ الجَنَّةَ قَالَ: «اللهَ لا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلاةَ الْمَكْتُوبَةَ، وَتُؤَدِّي الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ».(أَخرَجَهُ البُخَارِيُّ). وَعَنْ قَيسٍ قَالَ: قَالَ جَرِيرُ بْنُ عَبدِ اللهِ: «بَايَعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى إِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ». (مُتَّفَقٌ عَلَيهِ)
هَذِهِ أَدِلَّةُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ، وَأَمَّا كَونُهَا لَا تُؤْخَذُ إِلَّا مِنَ المُسْلِمِينَ، وَلَا تُؤْخَذُ مِنْ غَيرِهِمْ فَلِقَولِ الرَّسُولِ فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ: «تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ» وَأَمَّا كَونُهَا لَا تُعْطَى إِلَّا لِلْمُسْلِمِينَ، وَلَا تُعْطَى لِغَيرِهِمْ، فَكَذَلِكَ لِقَولِ الرَّسُولِ فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ المَذْكُورِ: «وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ». أَيِ المُسْلِمِينَ.
الأمر الثاني: كون الزكاة لا تؤخذ إلَّا من الأموال التي عيَّنها الشرع:
وَأَمَّا الأَمْرُ الثَّانِي، وَهُوَ كَونُهَا لَا تُؤْخَذُ إِلَّا مِنَ الأَمْوَالِ الَّتِي عَيَّنَهَا الشَّرعُ، وَلَا تُؤْخَذُ مِنْ غَيرِهَا فَدَلِيلُهُ أَنَّ الشَّارِعَ قَدْ حَدَّدَ الأَنْوَاعَ الَّتِي تُؤْخَذُ مِنْهَا الزَّكَاةَ بِتَحْدِيدِهِ الـمِقْدَارَ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ هَذِهِ الأَنوَاع. فَكُلُّ مَا جَعَلَ الشَّرعُ لَهُ نِصَاباً، تُؤْخَذُ الزَّكَاةُ مِنهُ إِذَا بَلَغَ نِصَاباً، وَلَا تُؤْخَذُ مِنهُ إِذَا لَمْ يَبْلُغِ النِّصَابَ لِمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ مِنْ الإِبِلِ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ التَّمْرِ صَدَقَةٌ». (أَخرَجَهُ مُسْلِمُ). وَلَا تُؤْخَذُ الزَّكَاةُ مِنْ مَالٍ لَمْ يُبَيِّنِ الشَّرْعُ فِيهِ نِصَاباً لِلزَّكَاةِ. لِأَنَّ الآيَةَ وَإِنْ كَانَتْ مُجْمَلَةً وَلَكِنَّ الحَدِيثَ جَاءَ وَبَيَّنَهَا. فَأَحَادِيثُ الزَّكَاةِ مُبَيِّنَةٌ لِلْمُجْمَلِ، وَلَيْسَتْ مُخَصِّصَةً لَهُ، وَهُنَالِكَ فَرْقٌ كَبِيرٌ بَينَ البَيَانِ وَالتَّخْصِيصِ. فَآيَةُ الصَّلَاةِ جَاءَتْ مُجْمَلَةً: قَالَ تَعَالَى: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ). (البقرة 43) وَجَاءَ الرَّسُولُ وَبَيَّنَهَا، فَمَا عَدَا مَا بَيَّنَهُ الرَّسُولُ مِنَ الصَّلَاةِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْتَى بِهِ بِاعْتِبَارِهِ صَـلَاةً، لِأَنَّنَا مُقَيَّدُونَ بِمَا بَيَّنَهُ الرَّسُولَ، وَكَذَلِكَ آيَةُ الزَّكَاةِ جَاءَتْ مُجْمَلَةً: قَالَ تَعَالَى: (وَآتُوا الزَّكَاةَ). (البقرة 43)، وَقَالَ تَعَالَى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ). (التوبة 103)، وَقَالَ تَعَالَى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ). (التوبة 60) وَجَاءَتِ الأَحَادِيثُ فَبَيَّنَتِ الأَنوَاعَ الَّتِي تُؤْخَذُ مِنهَا الزَّكَاةُ بِبَيَانِ المِقْدَارِ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ هَذِهِ الأَنْوَاعِ، وَبَيَانِ النِّصَابِ فِيهَا. وَمَا عَدَا ذَلِكَ لَا تُؤْخَذُ مِنهُ الزَّكَاةُ، وَيَحْرُمُ أَخْذُهَا بِوَصْفِهَا زَكَاةً مِنْ غَيرِ مَا جَاءَ الشَّرعُ نَاصّاً عَلَى نِصَابِهِ، وَعَلَى المِقْدَارِ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنهُ.
وَعَلَيهِ لَا زَكَاةَ عَلَى الدُّورِ، وَلَا عَلَى السَّيَارَاتِ، وَلَا عَلَى الزَّيتُونِ، لِأَنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَنُصَّ عَلَى نِصَابِ الزَّكَاةِ فِيهَا، وَلَا عَلَى المِقْدَارِ الَّذِي يُؤْخَذُ إِذَا بَلَغَتِ النِّصَابَ، فَلَا زَكَاةَ عَلَيهَا. فَيُقْتَصَرُ فِي أَخْذِ الزَّكَاةِ عَلَى المَالِ الَّذِي وَرَدَ بِهِ النَّصُّ الشَّرعِيُّ. فَلَا تُؤْخَذُ الزَّكَاةُ إِلَّا مِنَ الأَشْيَاءِ الَّتِي وَرَدَتْ فِيهَا النُّصُوصُ الصَّحِيحَةُ، وَهِيَ: الإِبِلُ، وَالبَقَرُ، وَالغَنَمُ، وَالذَّهَبُ، وَالفِضَّةُ، وَالحِنْطَةُ، وَالشَّعِيرُ، وَالتَّمْرُ، وَالزَّبِيبُ. أَمَّا الإِبِلُ وَالغَنَمُ، فَدَلِيلُهَا مَا رُوِيَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ كَتَبَ الصَّدَقَةَ وَلَمْ يُخْرِجْهَا إِلَى عُمَّالِهِ حَتَّى تُوُفِّيَ، قَالَ: فَأَخْرَجَهَا أَبُو بَكْرٍ مِنْ بَعْدِهِ فَعَمِلَ بِهَا حَتَّى تُوُفِّيَ، ثُمَّ أَخْرَجَهَا عُمَرُ مِنْ بَعْدِهِ فَعَمِلَ بِهَا. قَالَ: فَلَقَدْ هَلَكَ عُمَرُ يَوْمَ هَلَكَ وَإِنَّ ذَلِكَ لَمَقْرُونٌ بِوَصِيَّتِهِ، قَالَ: فَكَانَ فِيهَا فِي الإِبِلِ فِي خَمْسِ شَاةٍ، حَتَى تَنْتَهِي إِلَى أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ، فَإِذَا بَلَغَتْ إِلَى خَمْسٍ وَعِشْرينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ، إِلَى خَمْسٍ وَثَلاثِينَ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِنْتُ مَخَاضٍ فَابْنُ لَبُونٍ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى خَمْسٍ وَثَلاثِينَ فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ، إِلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ، فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةٌ فَفِيهَا حُقَّةٌ، إِلَى سِتِّينَ، فَإِذَا زَادَتْ فَفِيهَا جَذِعَةٌ، إِلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ، فَإِذَا زَادَتْ فَفِيهَا ابْنَتَا لَبُونٍ، إَلَى تِسْعِينَ، فَإِذَا زَادَتْ فَفِيهَا حُقَّتَانِ، إِلَى عِشْرِينَ وَمَائَةٍ، فَإِذَا كَثُرَتْ الإِبِلُ فَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حُقَّةٌ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ. وَفِي الغَنَمِ مِنْ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةً، إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، فَإِذَا زَادَتْ شَاةٌ فَفِيهَا شَاتَانِ، إِلَى مِائَتَيْنِ، فَإِذَا زَادَتْ فَفِيهَا ثَلاثُ شِياهٍ، إِلَى ثَلاثُمَائَةٍ، فَإِذَا زَادَتْ بَعْدُ فَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ حَتَى تَبْلُغَ أَرْبَعُمَائَةٍ، فَإذَا كَثُرَتْ الْغَنَمُ فَفِي كُلِّ مِائَةٍ شَاةٌ». (أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرمِذِيُّ).
وَعَنْ أَنَسٍ: «أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَتَبَ لَهُمْ: إِنَّ هَذهِ فَرَائِضُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمُسْلِمِينَ الَّتِي أَمَرَ اللهُ بِهَا وَرَسُولُهُ».(أَخرَجَهُ البُخَارِيُّ) ثُمَّ ذَكَرَ الإِبِلَ وَالغَنَمَ عَلَى النَّحْوِ الَّذِي وَرَدَ فِي حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ. وَبِنْتُ المَخَاضِ- بِفَتْحِ المِيمِ- هِيَ الَّتِي أَتَى عَلَيهَا حَوْلٌ، وَدَخَلَتْ فِي الثَّانِي، وَابْنُ اللَّبُونِ هُوَ الَّذِي دَخَلَ فِي الثَّالِثَةِ، وَصَارَتْ أُمُّهُ لَبُوناً بِوَضْعِ الحَمْلِ، وَالأُنْثَى مِنهُ بِنْتُ لَبُونٍ، وَالحِقَّةُ- بِكَسْرِ الحَاءِ، وَتَشْدِيدِ القَافِ - وَالجَمْعُ حِقَاقٌ - بِالكَسْرِ- وَهِيَ الَّتِي أَتَى عَلَيهَا ثَلَاثُ سِنِينَ، وَدَخَلَتْ فِي الرَّابِعَةِ، وَالجَذَعَةُ - بِفَتْحِ الجِيمِ وَالذَّالُ - هِيَ الَّتِي أَتَى عَلَيهَا أَرْبَعُ سِنِينَ، وَدَخَلَتْ فِي الخَامِسَةِ. وَكَونُ الحَدِيثِ نَصَّ عَلَى بِنْتِ اللَّبُونِ فِيمَا زَادَ عَلَى خَمْسٍ وَثَلاثِينَ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ ابْنِ اللَّبُونِ فِي هَذَا، وَلِذَلِكَ زَادَ البُخَارِيُّ "أُنثَى".
وَأَمَّا البَقَرُ فَدَلِيلُهَا مَا رُوِيَ عَنْ مُعَاذٍ بْنِ جَبَل قَالَ: «بَعَثَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْيَمَنِ، فَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ مِنْ كُلِّ ثَلاَثِينَ بَقَرَةً تَبِيعاً أَوْ تَبِيعَةً، وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً...».(أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ)، وَعَنْ يَحْيَى بْنِ الْحَكَمِ أَنَّ مُعَاذاً قَالَ: «بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُصَدِّقُ أَهْلَ الْيَمَنِ وَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ مِنْ الْبَقَرِ مِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعاً قَالَ هَارُونُ وَالتَّبِيعُ الْجَذَعُ أَوْ الْجَذَعَةُ، وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً قَالَ فَعَرَضُوا عَلَيَّ أَنْ آخُذَ مِنْ الأَرْبَعِينَ قَالَ هَارُونُ مَا بَيْنَ الأَرْبَعِينَ أَوْ الْخَمْسِينَ وَبَيْنَ السِّتِّينَ وَالسَّبْعِينَ وَمَا بَيْنَ الثَّمَانِينَ وَالتِّسْعِينَ فَأَبَيْتُ ذَاكَ وَقُلْتُ لَهُمْ حَتَّى أَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ فَقَدِمْتُ فَأَخْبَرْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ مِنْ كُلِّ ثَلاثِينَ تَبِيعاً وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً وَمِنْ السِّتِّينَ تَبِيعَيْنِ... وَأَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ لَا آخُذَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ...».(أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ حَسَّنَهُ الزَّينُ). وَرَوَى أَحْمَدُ عَنْ مُعَاذٍ بْنِ جَبَل قَالَ: «لَمْ يَأْمُرْنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي أَوْقَاصِ الْبَقَرِ شَيْئاً». وَالأَوقَاصُ جَمْعُ وَقْصٍ، وَهُوَ مَا بَينَ النِّصَابَينِ. وَالتَّبِيعُ وَالتَّبِيعَةُ مَا كَانَ فِي أَوَّلِ سَنَةٍ، وَالمُسِنَّةُ مَا كَانَتْ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة، وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ، مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً، نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ، سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام، وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا، وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه، وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ، وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها، إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم، وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.