- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
من الديون إلى الازدهار: إلغاء الربا من أجل ثورة اقتصادية
(مترجم)
الخبر:
في تقريرها بعنوان "المنشورات المصرفية 2024 - طريق الاستدامة"، ذكرت شركة A. F. Ferguson & Co.، وهي عضو في شبكة برايس ووترهاوس كوبرز إنترناشيونال ليميتد، أن "نسبة الاستثمارات إلى الودائع، من ناحية أخرى، ارتفعت من 33% في عام 2007 إلى 88% في عام 2023 و94% في حزيران/يونيو 2024". (المصدر)
التعليق:
يعود هذا المعدل المرتفع بشكل رئيسي إلى توجيه البنوك جزءاً كبيراً من رأس المال نحو القروض الحكومية، حيث تستثمر المؤسسات المالية مبلغاً باهظاً قدره 7.6 تريليون روبية في سندات حكومية خالية من المخاطر. وفقاً للتقرير نفسه، فإن هذه الممارسة قد حرمت القطاع الخاص، ما أدى إلى خنق النمو وتثبيط الابتكار.
هذه القضية نفسها متعددة الأوجه، حيث تشمل أربعة أطراف رئيسية: الحكومة، التي تقترض بشكل مفرط للوفاء بالتزامات ديونها، والمصرفيون المركزيون، الذين يكافحون للحفاظ على مستويات التوظيف والتضخم من خلال السياسة النقدية، والمصرفيون الاستثماريون، الذين يقرضون القطاعين العام والخاص، ويتقاضون الربا كرسوم لهم، والعملة الورقية، التي تتم بها كل هذه المعاملات. إن الاقتراض الحكومي الضخم من البنوك المركزية للوفاء بالتزامات الديون، إلى جانب تحويل البنوك استثماراتها نحو الإقراض الحكومي في أوقات انخفاض أسعار الربا، كلها تساهم في فرض قبضة خانقة على الاقتصاد.
في الاقتصادات الرأسمالية حول العالم، يصارع المصرفيون المركزيون باستمرار مع منحنى فيليبس، الذي يوضح العلاقة العكسية بين البطالة والتضخم. تتغير السياسة النقدية باستمرار لتحقيق التوازن بين هذه العلاقة، والتلاعب بأسعار الربا للتأثير على قيمة العملة الورقية. عادة، عندما تكون البطالة منخفضة، يميل التضخم إلى الارتفاع، والعكس صحيح.
ومع ذلك، هناك أيضاً الواقع القاتم المتمثل في الركود التضخمي، عندما يكون كل من التضخم والبطالة مرتفعين، ويكون النمو الاقتصادي راكداً. يؤدي هذا السيناريو إلى تفاقم التحديات التي تواجهها الاقتصادات الرأسمالية، ما يؤدي إلى فترات طويلة من المصاعب الاقتصادية وعدم اليقين. يمثل هذا التوازن تحدياً كبيراً للحكومات والمصرفيين المركزيين على مستوى العالم، حيث يجب عليهم التغلب على هذا التقلب الاقتصادي المتأصل.
علاوة على ذلك، فإن الانخراط في الممارسات القائمة على الربا يقوض بشكل كبير الاستقرار الاقتصادي ورفاهية الدول. تتآكل العملات الورقية باستمرار في قوتها الشرائية بمعدل يرتبط بشكل مباشر بأسعار الربا السنوية للبنوك المركزية. على سبيل المثال، فقد الدولار الأمريكي، الذي يمثل العملة الاحتياطية العالمية الحالية، ما يقرب من 90% من قوته الشرائية منذ عام 1971.
تتعرض العملات الورقية أيضاً للتلاعبات المضاربة. على سبيل المثال، في عام 1992، راهن الملياردير جورج سوروس بمبلغ 10 مليارات دولار ضد المبالغة في قيمة الجنيه البريطاني، ما أدى إلى انهيار الجنيه على الرغم من جهود الحكومة البريطانية لتحقيق الاستقرار. هذه الحادثة، المعروفة بـ "الأربعاء الأسود"، تسلط الضوء على الثغرات الكامنة في أنظمة العملات الورقية. وحتى اليوم، فإن المراهنة ضد العملات الورقية تظل قانونية تماماً في جميع الاقتصادات الرأسمالية.
الدين ليس داخلياً فحسب بل خارجي أيضاً. تواجه الاقتصادات الأصغر، خاصة تلك التي تعتمد على الديون الخارجية، تحديات فريدة. غالباً ما تأتي هذه الديون السيادية المزعومة بأسعار ربوية مرتفعة وشروط سداد صارمة يمكن أن تعيق النمو الاقتصادي. هذه الدول عالقة في دائرة مفرغة من الاقتراض والسداد، ما يعيق قدرتها على النمو والتطور. وغالباً ما يؤدي عبء سداد الديون إلى تدابير تقشفية، ما يزيد من تفاقم الفقر، ويخنق التنمية الاقتصادية ويسبب اضطرابات مجتمعية. وغالباً ما تنفق هذه البلدان، بما في ذلك باكستان، أكثر على خدمة الديون مما تنفقه على الخدمات الأساسية مثل التعليم والرعاية الصحية. وقد تضاعف الدين العام الخارجي الجماعي للدول النامية منذ عام 2010، ليصل إلى 3 تريليونات دولار، ما يعيق قدرتها على الاستثمار في المجالات الحيوية الضرورية لبقائها.
كل هذه الحكومات الرأسمالية، ومصرفييها المركزيين والمصرفيين التقليديين، من خلال سياساتهم النقدية، وأدواتهم الاستثمارية، وديونهم المحلية والسيادية، يتعاملون جميعاً بالربا وسيتحملون المسؤولية يوم القيامة أمام الله سبحانه وتعالى: ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾. وقال ﷺ، فيما ورد عن جابر «لَعَنَ رَسُولُ اللهِ ﷺ آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَقَالَ هُمْ سَوَاءٌ» رواه مسلم.
يقف النظام الاقتصادي الإسلامي في تناقض حاد مع المتعارف عليه اليوم. فمن خلال إلغاء الربا بشكل كامل في معاملاته داخل الحدود وعبرها، وإنشاء عملة قائمة على الذهب والفضة - الدنانير والدراهم - فإنه يعزز بيئة مالية مستقرة بشكل استثنائي. على عكس العملات الورقية، المعرضة لتقلبات أسعار الربا، فإن العملة المدعومة بالذهب والفضة توفر أساساً اقتصادياً ثابتاً لا يعتمد على معدلات نمو غير عادية للتوظيف والاستدامة.
في الإسلام، لا تعمل البنوك كوسيط مالي كما تفعل في الأنظمة الرأسمالية. ومع تحريم الربا، تقتصر المؤسسات على تسهيل التواصل بين المستثمرين ورجال الأعمال، واقتضاء رسوم مقابل هذا اللقاء فقط، دون الانخراط في معاملات مالية. ومع ذلك، لا يزال بإمكانهم تقديم خدمات أساسية مثل أجهزة الصراف الآلي، وتحويل الأموال، وغيرها من الخدمات الحلال.
في الإسلام، عدم الحاجة إلى معدل نمو متفجر للحفاظ على التوظيف الكامل بسبب إلغاء وغياب الربا، واستقرار العملة ثنائية المعدن القائمة على الذهب والفضة، وسهولة ممارسة الأعمال التجارية، حيث يتحرر رواد الأعمال من عبء سداد الربا للبنوك، سيؤدي إلى ثورة اقتصادية.
علاوة على ذلك، فإن التوزيع العادل للثروة والممارسات المالية الأخلاقية التي تعززها هياكل توليد الإيرادات وتوزيعها في الإسلام تضمن استفادة جميع أفراد المجتمع من ثمار النظام، ما يعزز مجتمعاً هادئاً ومزدهراً.
في الختام، فإن إلغاء الربا ليس مجرد ضرورة اقتصادية ولكنه ضرورة شرعية. من خلال الالتزام بالأحكام المنصوص عليها في القرآن والسنة، يمكننا تحويل وضعنا من وضع الديون والاستغلال إلى وضع الازدهار والعدالة. يقول الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يهدينا للعمل من أجل نظام اقتصادي عادل ومزدهر، في ظل الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
شيعان دوراني – ولاية باكستان