- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ﴾
الخبر:
في بيانه ذي العدد 139 بتاريخ 23 من صفر 1443هـ الموافق لـ2021/9/30م، دعا المجمع الفقهي العراقي لكبار العلماء للدعوة والإفتاء، دعا الشعب العراقي إلى المشاركة في انتخابات مجلس النواب العراقي، من منطلق المسؤوليتين الشرعية والوطنية وبما تمليه صفته المرجعية ومكانته الدينية في بيان رؤيته - على حد وصف البيان - على أن هذه الانتخابات في أصلها وسيلة معاصرة لتداول السلطة، وأنها حق كفله الدستور، والتخلي عنه يفضي إلى جملة مفاسد ومخالفات لا يرتضيها الشرع الحنيف.
التعليق:
يأتي هذا البيان الذي فيه من التدليس ما لا يخفى على ذي بصيرة، فيدعو المجمع الفقهي الشعب للمشاركة في انتخابات وفق النظام الديمقراطي الغربي وفق الدستور الذي وضعه المحتل.
ولمعرفة الحكم الشرعي في هذه المسألة، يجب قبل كل شيء تحقيق مناطها، ومناطها هنا هو انتخاب أعضاء المجلس التشريعي أو ما يسمى مجلس النواب وطبيعة أعمال هذا المجلس وصلاحياته، ومن ثمَّ إنزال الحكم الشرعي عليه. وهنا سوف يتبين حكم الاشتراك بالانتخابات والإدلاء بالأصوات.
فالانتخابات هي وكالة، ولا بد لعقد الوكالة من استيفاء أركانه حتى يكون عقداً صحيحاً وهي الإيجاب والقبول والموكِّل والوكيل والأمر الذي يوكل فيه وصيغة التوكيل.
ومجلس النواب بحسب الدساتير الوضعية الحالية يقوم بأعمال رئيسية هي: التشريع، وانتخاب رئيس الدولة أو حصر ترشيحه، ومنح الثقة للحكومة، والمصادقة على الاتفاقيات والمشاريع والمعاهدات، ومراقبة الحكومة ومحاسبتها ومراقبة مؤسساتها.
أما التشريع فهو عمل لا يجوز للمسلم أن يمارسه لا تشريعاً ولا تصويتاً على تشريع بسلب أو إيجاب حتى وإن وافق هذا التشريع الشرع الإسلامي الحنيف، لأن مصداقية التشريع ومرجعيته هي كونه له دليل من الشرع، أي كونه انبثق من العقيدة الإسلامية وأتى به الوحي، ولأن المسلم ابتداء لا يجوز له التشريع، فضلاً عن أنه لا يجوز له أن يقبل إلا شرع الله لكونه من عند الله لا غير، سواء أوافق الشعب عليه أم لم يوافق، ولهذا يعتبر التشريع لله وحده ولا يحق لأحد أن يشارك الله تعالى في التشريع، قال تعالى: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا للهِ﴾، وقال تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضْيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾، وقال تعالى: ﴿وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ﴾. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعدي بن حاتم: «أليس أحلّوا لهم الحرامَ وحرَّموا عليهم الحلال» قال: نعم، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «فتلك عبادتهم إياهم» وذلك عندما قرأ عليه ﴿اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ﴾.
كان الأحرى بجهة تمثل الشرع، بجهة تُعلّم الناس أن الفتوى بمثابة التوقيع عن الله تعالى، كان الأحرى بها أن تبين للناس الحق لا تخشى فيه لومة لائم، لا أن تدلّس عليهم وتؤمّلهم بسراب يحسبونه ماءً، حتى إذا أتوه رأوه فخّاً ما زادهم إلا وهنا على وهنٍ، وبُعدا عن جادة الصواب، وصرفاً للبوصلة عن الصراط المستقيم الذي يهدي إلى خير وعزّ الدنيا والآخرة.
تأتي الدعوات للانتخابات، والكل رأى تلك العمائم وتلك الشخصيات التي كانت لها سمعة بين الناس، تأمّل الناس فيها خيراً ورأوا في وصولها للبرلمان الفرج والخير، وسرعان ما تبددت آمالهم، وخاب فألهم، بعد أن فشلوا في تحقيق أبسط الحقوق، وتلبية أقل متطلبات الشعب، فغدا الشعب يلعن النائب ويعض إصبعه الذي انتخبه به.
متى يعي المسلمون أن هذه الدساتير الوضعية لا تكفل لهم حقّهم الذي أراد الله؟ متى يعون أن هذه الانتخابات ما هي إلى اختيار ركاب قطار وضعت المحتل سكة له لا يحيد عنه قيد أنملة؟ متى يستفيقون من سباتهم ويعُون أن مبعث عزهم وباب خلاصهم الأوحد هو الرجوع إلى النبع الصافي والشرع الشافي والعمل لاستئناف الحياة الإسلامية بالحكم بما أنزل الله تعالى، الذي خلق فسوى، وقدّر فهدى، وأنعم على أمة سيدنا محمد بشرع ودستور لا يصلح حالهم بغيره، ولا يعز شأنهم بدونه؟
لا يفتأ حزب التحرير يدعو الأمة، حتى تنزاح الغمّة، فهو الرائد الذي لا يكذب أهله، وهو الذي ما حاد ولا يحيد إن شاء الله تعالى عن طريقه الذي تأسى به طريقة رسول الله ﷺ في إقامة دولته، حتى يقيمها بإذن الله تعالى، ويتحقق وعدُ الله تعالى وبشرى نبيه الصادق ﷺ.
قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
بلال زكريا