- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
الإنكار لن يكون حلا
الخبر:
قال وزير المالية السوداني محمد عثمان الركابي: (إن أزمة الوقود التي شهدتها البلاد خلال المرحلة الماضية قد انتهت وأن تكدس الصفوف أمام محطات الوقود سببه حالة الخوف وعدم الاطمئنان الذي عاشه المواطنون خلال الفترة الماضية). وقد نشر ذلك في الصحف السودانية الصادرة في 2018/5/10 وفي صحف ذلك اليوم نفسها صدر تصريح من وزارة النفط والغاز يقول: (الوقود درس قاسٍ للحكومة ولم نحدد وقتا لانفراج الأزمة).
التعليق:
لقد عاش السودان وما زال يعيش أزمة حادة في الوقود، فتكدسات السيارات بالآلاف أمام محطات الوقود وبالساعات الطوال مستمرة، وقد بلغ بالبعض البقاء حتى الساعات الأولى من صبيحة اليوم التالي على أمل أن يجد له وقوداً يحرك به سيارته التي يتكسب بها رزقه. وقد ترتب على تلك الأزمة خسائر فادحة في المشاريع الزراعية ونفوق الحيوانات تقدر بمليارات الجنيهات. ولكن ظلت الحكومة في حالة إنكار تام لتلك الأزمة كالذي قال به وزير المالية، وقد سبقه على ذلك وزير النفط والغاز عبد الرحمن عثمان فيما صرح به لصحيفة الصيحة قائلا: (نملك كمية من البنزين تغطي كل أنحاء السودان) مؤكدا عدم تأثير صيانة المصفاة على توفير الوقود، وقال: صحيح أن جزءاً منها تحت الصيانة ولكن الجزء الآخر يعمل ويغطي كل الاحتياجات. ولكن جاء وزير الدولة بوزارة النفط ليكذب كل ما قاله الوزير ويبين حالة الإنكار تلك، في مخاطبته للبرلمان وكما جاء على الصحف جاء الوزير يذرف الدموع حزنا على تفاقم أزمة الوقود وعجز الوزارة عن معالجتها وتأسف على عدم مقدرة الوزارة على تعويض الناس عن الخسائر التي لحقت بهم في المشاريع الزراعية ونفوق الحيوانات. كاشفا أن عدم توفير التمويل لأعمال الصيانة هو سبب أزمة الوقود مبينا أن عملية الصيانة للمصفاة تحتاج إلى 102 مليون دولار لم توفر حتى الآن.
إن سلوك الإنكار هذا إنما هو منهج تتبعه الحكومة للقفز فوق المشاكل، فقد أنكرت من قبل أزمة الدقيق وأزمة السكر وأنكرت كشف الشهادة السودانية للعام 2018م وأنكرت السيطرة على السيولة ومنع الناس من أخذ أموالهم من المصارف. وهذا لعمري لا يمكن أن يكون أسلوبا لحل المشاكل.
أما ما طرح من حلول لتجاوز أزمة الوقود فقد طلب وزير الدولة بوزارة النفط سعد الدين البشري من نواب البرلمان الدعاء. فلا أدري من يدعون؟! صندوق النقد الدولي الذي أطاعوه أم يدعون الله الذي عصوه؟! أما الكاروري - أحد شيوخ الإنقاذ - فقد دعا الناس من على المنبر أن يصلوا صلاة الاستسقاء. حيث قال إن صلاة الاستسقاء عامة وليس للمطر وحده بل يمكن أن تكون للوقود! أما النائبة البرلمانية فقالت إن سبب المشكلة يتمثل في أولئك المغتربين العائدين من السعودية والحل أن يوضعوا في معسكرات حتى يتعودوا على حياة التقشف. ما هكذا تورد الإبل يا سعد!!!
إن المنهج الصحيح لحل أي مشكلة هو الاعتراف أولا بأن هنالك مشكلة ثم إدراك حجمها وآثارها وأسبابها ثم النظر في طرق حلها حلا مبنياً على قاعدة صحيحة حتى يكون الحل صحيحا وجذريا ولا يكتفى بالنظر في آثار المشكلة والخروج ببعض المسكنات فلا تلبث أن تعود المشكلة نفسها بحجم أكبر أو تظهر بمظهر آخر.
فالناظر إلى السودان يجد أن مشكلته قديمة بقدم السودان وهي سياسية بامتياز تتمثل في الفكرة التي يقام عليها الحكم فهو سائر بلا هوية سياسية تتقاذفه التيارات حيثما سارت فتكون قراراته السياسية كقوت اليوم. وقد استنسخت من هذه المشكلة مشاكل اقتصادية ومشاكل مالية ومشاكل أمنية وحروب وغيرها من المشاكل مما جعل الدولة في حالة انهيار تام.
فإذن لا بد من قاعدة فكرية تستنبط منها الحلول، فيا أهل السودان لا قاعدة أصوب ولا أشمل ولا أتم من كتاب الله ففيه حكم ما بينكم، ومن حكم به عدل وفيه يقول رب العزة ﴿مَا فَرَّطْنَا فِيْ الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ﴾.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
المهندس/ حسب الله النور سليمان