- الموافق
- كٌن أول من يعلق!

بسم الله الرحمن الرحيم
الهدف من مؤتمر حل الدولتين بمقر الأمم المتحدة
الخبر:
عقد في مقر الأمم المتحدة بنيويورك مؤتمر وزاري تترأسه فرنسا والسعودية باسم "المؤتمر الدولي لتسوية القضية الفلسطينية بالطرق السلمية وتنفيذ حل الدولتين" ما بين يومي 28 و29/7/2025. وقد أعلنت فرنسا على لسان رئيسها ماكرون يوم 24/7/2025 أنها ستعترف بدولة فلسطين في شهر أيلول القادم خلال اجتماعات الأمم المتحدة السنوي. بينما رفضت أمريكا وكيان يهود كل ذلك.
التعليق:
قال الرئيس الفرنسي ماكرون: "علينا في نهاية المطاف بناء دولة فلسطين وضمان قابليتها للبقاء والسماح لها، بموافقتها على أن تكون منزوعة السلاح واعترافها الكامل بإسرائيل، بأن تساهم في أمن الجميع في الشرق الأوسط".
فالدولة الفلسطينية لن تكون دولة في الحقيقة، وإنما منطقة منزوعة السلاح عازلة بين كيان يهود والبلاد العربية المجاورة حتى تساهم في أمن هذا الكيان، وفي الوقت نفسه تعترف بشكل كامل باغتصاب يهود لنحو 80% من فلسطين ونسيان هذا القسم الأكبر منها أنه كان في يوم من الأيام بلدا إسلاميا.
فالمقصود دائما من كلمة أمن الشرق الأوسط والسلام والاستقرار فيه، هو أمن كيان يهود واستقراره وادعاء حقه في البقاء في قلب بلاد المسلمين، ليبقى قاعدة ثابتة للغرب، حيث فشلوا في ذلك أيام الحروب الصليبية، فلم تستقر إمارتهم في فلسطين، وطهرها المجاهدون من رجسهم بقيادة صلاح الدين الأيوبي رحمه الله.
وقال وزير خارجية السعودية فيصل بن فرحان في كلمة افتتاح المؤتمر "علينا أن نعمل على جعل حل الدولتين واقعا ملموسا" واعتبر إقامة دولة فلسطينية بجانب كيان يهود مفتاح السلام الحقيقي بالمنطقة. فهو بذلك يلبي رغبات الغرب. علما أن النظام السعودي أخرج الخطة الأمريكية باسم المبادرة العربية عام 2002 المتعلقة بحل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مقابل اعتراف الدول العربية بكيان يهود. وقد قبلتها كافة الدول العربية في مؤتمر الجامعة العربية ببيروت في تلك السنة وقبلتها منظمة التعاون الإسلامي.
رفضت أمريكا المؤتمر الذي عقد في الأمم المتحدة، ولم تشترك فيه. فقال وزير خارجيتها روبيو: "إن أمريكا ترفض بشدة خطة للاعتراف بالدولة الفلسطينية في الجمعية العامة للأمم المتحدة". علما أن أمريكا هي صاحبة مشروع حل الدولتين، إذ استصدرته عام 1959، يوم كانت الضفة الغربية تحت إدارة الأردن وغزة تحت إدارة مصر حتى عام 1967 حيث استولى كيان يهود على الضفة الغربية وقطاع غزة. فأصبح هناك واقع جديد. وحاولت أمريكا تطبيقه مقابل اعتراف الدول العربية ومنظمة التحرير الفلسطينية بكيان يهود على 80% من فلسطين، ولكنها لم تضغط على كيان يهود بما فيه الكفاية، حيث بدأت تحقق هذا الاعتراف بدون إقامة هذه الدولة.
فقد اعترف بهذا الكيان النظام المصري في اتفاقية كامب ديفيد عام 1979، وكذلك منظمة التحرير الفلسطينية التي اعتبرت بهتانا وزورا الممثل الوحيد والشرعي لأهل فلسطين، اعترفت به في اتفاقية أوسلو الخيانية عام 1993، واعترف به النظام الأردني في اتفاقية وادي عربة عام 1994. حتى جاء ترامب في فترته الأولى بصفقة القرن، فقلب كل شيء رأسا على عقب، ومن ثم أجبر الإمارات والبحرين والمغرب والسودان على الاعتراف بهذا الكيان والتطبيع معه.
وفي فترته الثانية بدأ ترامب يضغط على أنظمة أخرى لتعترف بكيان يهود وتطبع معه، تحت مسمى اتفاقية أبراهام، فأصبح النظام السوري الجديد برئاسة أحمد الشرع وكذلك النظام اللبناني مرشحين للتطبيع، والحبل على الجرار. وبذلك فلم تعد هناك حاجة لمشروع حل الدولتين في الضفة وغزة. بل إن ترامب قال إن كيان يهود صغير وسيعمل على توسيعه، وسيعمل على تهجير أهل غزة ويجعلها منتجعا، وهو ماض في ذلك بتأييده للإبادة الجماعية فيها.
ورفض كيان يهود ذلك، فوصف رئيس وزرائه نتنياهو ذلك بأنه "مكافأة للإرهاب ويشكل خطرا بظهور وكيل إيراني جديد. وإن إقامة دولة فلسطينية تشكل منصة للقضاء على إسرائيل وليس للتعايش السلمي". وقد أصدر الكنيست يوم 18/7/2024 قرارا رسميا يرفض إقامة الدولة الفلسطينية. وبدأ بقضم مزيد من الأراضي في الضفة الغربية وتدمير المخيمات وتهجير أهلها، وإقامة مستوطنات جديدة. وهو على وشك أن يعلن أن الضفة الغربية كلها أراض يهودية أو على الأقل أن يعلن المنطقة "ج" التي تشكل 60% من الضفة جزءا من كيانه، وهي التي تقع تحت سيطرته الأمنية بصورة كاملة حسب اتفاقية أوسلو الخيانية التي وقعتها منظمة التحرير الفلسطينية. وأفادت صحيفة هآرتس يوم 28/7/2025 أن نتنياهو سيقترح خطة لضم أراض من غزة تمهيدا لضمها كاملة فيما بعد. وبذلك قضى كيان يهود عمليا ونظريا على مشروع حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية في الضفة وغزة.
وهكذا فإن هذا المؤتمر لم تسفر عنه نتائج عملية، ومهما عقدت من مؤتمرات ومحادثات حول مشروع حل الدولتين ومهما اعترفت دول به، فمن المستبعد أن يتحقق في أرض الواقع وأن تقام دولة فلسطينية في الضفة الغربية وغزة.
ويبقى مشروع حل الدولتين وسيلة للخداع، ليغطي على جرائم يهود في غزة وعلى تخاذل دول العالم تجاه ما يفعلونه هناك، إذ إن قوانين الأمم المتحدة توجب عليها التدخل الجاد ومنه العسكري لإنقاذ الناس الذين يتعرضون للإبادة الجماعية والتجويع، ونحن لا نريد تدخلا منها، وإنما من جيوش المسلمين وهذا حق شرعي. وكذلك ليقال إن هناك حلا لقضية فلسطين وأهلها تسعى هذه الدول لتحقيقه، فلا يوجد ما يدعو للقيام بأي عمل عسكري ضد كيان يهود.
علما أن هذا الحل هو لصالح كيان يهود وضد أهل فلسطين والمسلمين. ولكن قادته وعساكره وأحباره أصابهم الغرور عندما أمعنوا في الإبادة الجماعية بأهل غزة على مدى أكثر من 21 شهرا وتفننوا في القتل والتجويع والتعذيب والتهجير، وبدأوا يفعلون مثل ذلك في الضفة الغربية، ولم يتحرك أي جيش من جيوش المسلمين ليردعهم ويلقنهم درسا لن ينسوه.
وقد استسلمت كافة الأنظمة في البلاد الإسلامية أمامه فهو يضرب في كل مكان ولا يرى ردا جادا، وقد احتل أراضي جديدة في سوريا ولبنان.
وأمريكا من ورائه تمده بكل ما يحتاج من سلاح وعتاد وتدعمه في كل الميادين، وفرنسا وغيرها من الدول الأوروبية ما زالت تدعمه رغم هذه الحركات المصطنعة من قبلها والتي تثبته وتحافظ على وجوده.
ولهذا أصابه العمى، وفقد بُعد النظر، فلم يعد يرى ما وراء الجدار، أن هناك أمة إسلامية أبية ترفض الأنظمة المستسلمة له ولأمريكا وهي ساخطة على حكامها وتنتظر قيادة سياسية إسلامية واعية مخلصة تقودها نحو تحرير فلسطين وتسقط كافة هذه الأنظمة القائمة في البلاد الإسلامية، وتوحد هذه البلاد في دولة واحدة لتحقق بشرى رسول الله ﷺ: «ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ».
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أسعد منصور