الثلاثاء، 05 شعبان 1446هـ| 2025/02/04م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
التخبط السياسي في ألمانيا يكشف عن تفاهة المبدأ

بسم الله الرحمن الرحيم

 

التخبط السياسي في ألمانيا يكشف عن تفاهة المبدأ

 

 

الخبر:

 

صوت البرلمان الألماني اليوم على مشروع للحد من الهجرة بإغلاق الحدود وإعادة نقاط التفتيش على الحدود حسب البرنامج الذي طرحه مرشح الحزب المسيحي الديمقراطي فريدريش ميرتز، وجاءت الموافقة بفارق ثلاثة أصوات حيث صوت بالقبول 348 وصوت بالرفض 345 نائبا.

 

التعليق:

 

تمر ألمانيا حاليا بأزمات سياسية واقتصادية واجتماعية متراكمة، وتأخذ كل أزمة بزمام الأخرى في حلقة مفرغة لا نهاية لها. فبعد أن فشل الائتلاف الحكومي المكون من ثلاثة أحزاب هي: الديمقراطي الاجتماعي والخضر والليبرالي، سقطت الحكومة في مطلع العام بسبب انسحاب الحزب الليبرالي من الائتلاف وتقرر إثر ذلك تحديد انتخابات مبكرة في نهاية الشهر القادم شباط/فبراير. وكان فشل الحكومة السابقة بسبب المعضلات الاقتصادية، ومن أسبابها في الدرجة الأولى الحرب في أوكرانيا ومقاطعة الغاز الروسي وما ترتب على إثره من غلاء الطاقة وبالتالي غلاء الأسعار والركود الاقتصادي لعامين على التوالي.

 

والآن تستعر الحملات الانتخابية وتلاحظ الحدة في الخطاب من كافة الأحزاب بعضها لبعض، وانخفض سقف الطروحات السياسية والفكرية إلى حد متدنٍ يقارب لغة الشوارع في محاولة لكسب الجمهور والنجاح في الانتخابات القادمة، وبالنظر إلى أن اليمين المتطرف آخذ في الصعود بخطابه الشعبوي المليء بالكراهية للأجنبي المتهم بأنه المتسبب بكافة الأزمات، أصبحت الأحزاب الوسطية "المعتدلة" تخشى خسارة الأصوات لصالح اليمين المتطرف فركبت الموجة وتبنت أفكار اليمين للتخفيف من خسارتها الشعبية، وهذا ما جعل الحزب الديمقراطي المسيحي يطالب بالحد من دخول المهاجرين وطرد الذين لم يحصلوا على اللجوء وتشديد قوانين الهجرة واللجوء كرد فعل على فكرة عدم قبول الأجنبي التي أصبحت سائدة شعبيا منذ طرحها حزب ألمانيا البديل اليميني المتطرف، وهو المشروع الذي تقدم به المرشح عنه فريدريش ميرتز.

 

هذا وقد أخذت الأحزاب المعتدلة على نفسها عهدا أخلاقيا بأن لا تتآلف مع الحزب البديل المتطرف، وأن لا تستند إلى أصواته في البرلمان وتعاهدت على إسقاطه برلمانيا بإهماله وعدم مراعاة أصواته، حتى أطلقوا على هذا الحاجز اسم الجدار الناري العازل، وهذا ما تسبب بالحرج للسيد ميرتز الذي احتاج الآن لأصوات نواب الحزب البديل للحصول على الأغلبية لصالح هذا المشروع، ما اعتبر اختراقا للجدار الناري العازل، وتواطؤ ميرتز مع اليمين المتطرف. فبدون أصوات نواب حزب البديل لم يكن ليحصل على الأغلبية لصالح هذا المشروع، وقد لوحظت بعد التصويت فرحة اليمين المتطرف بنجاح التصويت لصالحهم معتبرين ذلك بداية قبول وجودهم البرلماني ونجاح فكرتهم التي قاموا عليها وهي تقليل عدد الأجانب والمهاجرين في ألمانيا.

 

لقد كانت نتيجة التصويت معلومة من قبل تقديم المشروع رسميا للبرلمان للتصويت، وكان معلوما مسبقا أن نجاح المشروع سيكون فقط بأصوات النواب المتطرفين، ومع ذلك تم عرضه وقبول الأصوات كافة. وقد عبر نواب اليسار والوسط الديمقراطي الاشتراكي عن قبول نتيجة التصويت بأنه طامة كبرى وسابقة خطيرة وفشل ذريع. وسيكون له أثر سلبي على مستقبل ألمانيا، وخاصة بدعم أمريكا للحزب البديل، وتشجيع ترامب له بدعوة ممثلين عنه لمراسيم التعيين الرئاسية دون بقية الأحزاب، وكذلك المقابلة الشخصية على موقع إكس التي جمعت صاحبه إيلون ماسك وزعيمة الحزب البديل أليس فايدل، أظهر فيها ماسك تأييده للحزب البديل وشجع على انتخابه وصرح أنه المنقذ الوحيد للتدهور الاقتصادي والاجتماعي في ألمانيا.

 

هذا التخبط السياسي والهبوط الفكري والتنازلات من كافة الأحزاب والساسة يدل على ضحالة الفكر وانعدام المبدأ وهو مؤشر على حتمية سقوط هذه المنظومة الرأسمالية التي بنيت على أسس ضحلة هشة من مكاسب مادية دون النظر إلى القيم الإنسانية أو الأخلاقية، ناهيك عن القيم الدينية التي أصبحت في المجتمع لا تساوي حبة خردل، بل صارت محط سخرية، وصار التطاول على الأديان والاستهزاء بالرب والرموز الدينية سلّما للوصول إلى مناصب سياسية واجتماعية.

 

من المتوقع أن تكون نتيجة الانتخابات القادمة غير حاسمة لتكوين ائتلاف حكومي مستقر، وذلك لأن الحزب البديل سيحصل - حسب استطلاعات الرأي - على أصوات قد تزيد عن نسبة 30% ما يجعل الأحزاب الأخرى غير قادرة على تكوين ائتلاف، وهذا سيؤدي إلى عدم استقرار سياسي وسيفتح المجال للمزيد من التطرف كما حصل في إيطاليا، وقد يأتي وقت تكون فيه الأغلبية للمتطرفين، حيث أن المعالجات التي تطرحها الأحزاب للأزمات ليست مبنية على قيم مجتمعية صالحة للتآلف بين الشعوب مختلفة الأعراق، بل ما زالت النعرة العرقية الألمانية هي المحرك والقومية هي القاعدة الفكرية، وهذا ما يجعل الأجنبي بالنسبة لهم عنصرا طارئا غير مرغوب فيه، ويحمل مسؤولية الفشل وعدم الاستقرار. فعلى سبيل المثال يعمد إلى حوادث الإجرام التي يحدثها الأجانب سواء سرقة أو اعتداء أو قتل أو أي جريمة أخرى، فيعزى عدم الاستقرار الأمني إلى الأجنبي المجرم والمسلم السفاح خاصة إذا كانت الحادثة قد سببها مسلم أو منتسب للإسلام. وقد حصلت مؤخرا خلال السنوات الثلاث الأخيرة حوادث متفرقة كان الفاعلون أجانب، فأقيمت الندوات والمؤتمرات وجعلت القضية الأمنية مرتبطة بالمهاجرين، وكأن المجتمع قبل المهاجرين كان مجتمعا خاليا من أي اعتداءات أو جرائم!

 

ليس إنقاصا من الإسلام، وليس من باب المقارنة، بل للتوضيح فحسب، حيث قال جل شأنه مبينا كيف تكون العلاقة بين الشعوب: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾.

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

م. يوسف سلامة

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع