المكتب الإعــلامي
ماليزيا
التاريخ الهجري | 29 من ربيع الثاني 1446هـ | رقم الإصدار: ح.ت.م./ب.ص. 1446 / 11 |
التاريخ الميلادي | الجمعة, 01 تشرين الثاني/نوفمبر 2024 م |
بيان صحفي
الديمقراطية تعطي الإنسان القدرة على تعريف وتحديد معتقداتنا ومذاهبنا!
(مترجم)
أثار الاقتراح الأخير لمشروع قانون المفتي (الأقاليم الفيدرالية) 2024 نقاشاً حاداً في جميع أنحاء ماليزيا. ومنذ الموافقة على قراءته الأولى في تموز/يوليو، تقدم مشروع القانون إلى الأمام، حيث اقترب من قراءته الثانية والثالثة قبل التصديق البرلماني الكامل. تتجذر نشأة هذا القانون في الخطاب المستمر حول علم الكلام، الذي تصاعد مؤخراً في ماليزيا. ومن المثير للقلق أنه في الوقت الذي تواجه فيه فلسطين أعمالاً عدائية مروعة من يهود لعنهم الله، فإن بعض السلطات الدينية والفصائل داخل ماليزيا منغمسة في المناقشات العقائدية بينما يعكف المشرعون على الموافقة على التشريعات ذات الصلة.
يحمل مشروع قانون المفتي (الأقاليم الفيدرالية) 2024 ثقلاً كبيراً، خاصة لأنه يسعى إلى تعريف "أهل السنة والجماعة" قانونياً وتقييد تفسيره بأطر عقائدية محددة. وعلى وجه التحديد، فإن هذا النص يقصر المصطلح على أولئك الذين يلتزمون بالمذهبين الأشعري والماتريدي في العقيدة، وبالمذهب الشافعي في الفقه (أو في حالات محدودة المذهب الحنفي أو المالكي أو الحنبلي، أو ما تحدده لجنة الفتوى)، وبالإمام جنيد البغدادي والإمام الغزالي في التصوف (القسم 3). ويشير هذا النص إلى أن أولئك الذين يختلفون عن هذه العقائد المحددة يمكن اعتبارهم خارج "أهل السنة والجماعة" ما يصنفهم فعلياً على أنهم منحرفون.
إنّ التضييق القانوني على "أهل السنة والجماعة" يشكل تهديداً خطيراً لوحدة المسلمين. يبدو أن السلطة الدينية، باعتبارها مهندسة هذا التشريع، قد تجاهلت الدروس المستفادة من الانقسامات الماضية، مثل تلك التي غذّاها علم الكلام، فضلاً عن الإجراء المثير للجدل الذي اتخذه الخليفة المأمون، الذي سجن الإمام أحمد واضّطهده لمعارضته العقيدة المفروضة من الدولة. إن مثل هذه التدابير القسرية لا تخدم إلا ترسيخ الاستبداد داخل الحكم الديني.
يبدو أن الأجندة الأساسية لهذا القانون تهدف إلى قمع أي آراء عقائدية مخالفة. من خلال تقنين هذه المسألة، لم يفرض أصحاب السلطة على الناس عقيدة وطائفة معينة فحسب، بل يهددون أيضاً ضمناً بمعاقبة أولئك الذين يحيدون عنها. بالإضافة إلى ذلك، يوفر مشروع القانون الحصانة من أي إجراء قانوني للمفتي ونائب المفتي والمستشار الديني واللجان ذات الصلة (المادة 32)، وبالتالي وضعهم خارج نطاق المساءلة القانونية عما فعلوه في نطاق مشروع القانون. فهل هؤلاء يحاولون وضع أنفسهم باعتبارهم مجموعة نخبوية فوق القانون، والتهرب من المحاسبة على أفعالهم السيئة؟ يبدو أنّ هذه الاستثنائية تتعارض مع مبادئ الشفافية والمحاسبة، كما أشار النبي ﷺ في الحديث الذي يحذّرنا فيه من عدم المساواة في تطبيق العدالة بين الأدنى والأعلى.
وهناك مصدر قلق آخر يتمثل في الطبيعة التعسفية لبعض الأحكام، خاصةً تلك المتعلقة بإصدار الفتاوى. فبينما توجد إجراءات لإصدار الفتاوى (المادة 10)، ولكن إذا اعتبرت لجنة الفتوى فرداً أو مجموعة خارجاً عن "أهل السنة والجماعة" أو صنفتهم على أنهم منحرفون، فلا يوجد شرط للحصول على تفسير أو توضيح (تبيين) مع الأطراف المتضرّرة. هذه السلطة الأحادية الجانب لتحديد وتعريف الأصولية دون الاستماع إلى الأطراف المعنية، من شأنها أن تؤدي إلى تقويض العدالة والإجراءات القانونية الواجبة.
فضلاً عن ذلك فإنّ إصدار الفتاوى في أحكام الشريعة مقيد بالالتزام بالمذهب الشافعي فقط (المادة 16). ولا يُستثنى إلا في حالة تعارضه مع المصلحة العامة، وعندها يمكن الرجوع إلى مذاهب أخرى. في حين إنّ طبيعة الفتاوى أو الأحكام الشرعية تقتضي أن تؤخذ على أساس قوة الدليل، وليس الالتزام بمذهب واحد. وقد شجع العلماء أنفسهم على الالتزام بالرأي الأقوى، وليس الاقتصار على مذهب واحد. فهل يجهل مهندسو مشروع القانون هذه المبادئ الأساسية؟! ولماذا يسعون إلى تضييق الإسلام بينما الله سبحانه وتعالى نفسه جعله واسعاً؟
ولكن المضمون الأوسع والأكثر إثارة للقلق يكمن في النظام الديمقراطي نفسه، وهو النظام الذي يسمح للبشر - بغض النظر عن العقيدة أو الدين - بإملاء العقيدة الدينية أو المذهب علينا!! إنّ هذا النظام يمنح أعضاء البرلمان، بما في ذلك غير المسلمين، سلطة التأثير والتشريع فيما يتعلق بأي تيار من المذاهب والطوائف التي يجب على هذه الأمة أن تتبعه!! وهذا عيبٌ أساسي في النظام الديمقراطي في نظر الإسلام، حيث السيادة للبشر، ما يمكنهم من التشريع حتى في قضايا العقيدة والشريعة. وفي ظلّ هذا النظام، يتمتع أعضاء البرلمان، بغضّ النظر عن الدين أو المعرفة الدينية أو الجهل أو حتى الملحدين، يتمتعون بسلطة متساوية والحق في التصويت، وبالتالي لديهم السلطة والحقّ في تشكيل معتقدات وممارسات كل مسلم.
إنّ حزب التحرير/ ماليزيا يؤكد على أنّ الدولة لا ينبغي لها أن تفرض مذهبا محددا على رعاياها، بل يتبنى المسلم المذهب الذي يراه وَفقَ قوة الدليل. وإنّ تقنين عقائد محدّدة كسياسة للدولة يهدد بتقييد الإسلام نفسه. ونودّ أن نؤكد أن كلمة العقيدة المنسوبة إلى بعض الأئمة مثل العقيدة الأشعرية والعقيدة الماترودية والعقيدة السلفية والعقيدة الطحاوية والعقيدة الوسطية وغيرها ليست دقيقة في الحقيقة بل هي في غير محلها، وتوجد بلبلة وانقساماً بين المسلمين، لأنّ مواقف المذاهب من المسائل المتعلقة بعلم العقيدة ليس العقيدة نفسها، بل العقيدة هي العقيدة الإسلامية المقرّرة في الشريعة بأدلة قطعية، ويحرم الخلاف فيها.
وفي الحالات التي يُحكم فيها على جماعة أو فرد بالانحراف عن العقيدة الإسلامية، فلا بد من إثبات ذلك بأدلة واضحة من القرآن والسنة في محكمة شرعية، وإذا ثبت ارتداده فلا بدّ من سؤاله وإعطائه الفرصة للتوبة. وإذا رفض، فسوف يواجه العقوبة المنصوص عليها في الإسلام؛ وهي القتل.
لقد أظهر الإطار الديمقراطي الحالي مرارا وتكرارا أنه ضار بالإيمان، خاصة أنه يسمح بالتصويت على العقائد الدينية، حتى من غير المسلمين. إن مسائل العقيدة والشريعة هي أمور أساسية؛ يجب أن يتم تطبيقها من قبل المسلمين والدولة، وفقا للقرآن والسنة، وليس رهنا بموافقة البرلمان. من الواضح أن الأمة بحاجة ماسة إلى الخلافة بوصفها الحل الشرعي؛ أي إلى نظام حكم يطبق القرآن والسنة على الرعية، ويمنع الانقسامات التي تغذيها الخلافات الدينية والمناظرات العقائدية التي بدأها المتكلمون منذ ذلك الحين.
عبد الحكيم عثمان
الناطق الرسمي لحزب التحرير
في ماليزيا
المكتب الإعلامي لحزب التحرير ماليزيا |
عنوان المراسلة و عنوان الزيارة Khilafah Centre, 47-1, Jalan 7/7A, Seksyen 7, 43650 Bandar Baru Bangi, Selangor تلفون: 03-89201614 www.mykhilafah.com |
E-Mail: htm@mykhilafah.com |