- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
2023-11-01
جريدة الراية: حرب غزة والآثار العسكرية والسياسية
لمن هذه الحشود العسكرية التي شارك فيها الغرب كله وكأنها حرب عالمية؟ من هو الطرف المقابل لهذه الحشود؟ أليست غزة شريطا ساحليا محدود المساحة والسكان؟ أليست غزة محاصرة من كيان يهود ومن الدول المجاورة؟ أليست إمكانياتها القتالية متواضعة؟ بلا سلاح جو ولا أسلحة متطورة ولا جيش؟ أليست غزة محاطة بأسوار منيعة ومحاطة بقواعد عسكرية ومستوطنات سكانها إما جنود يحملون السلاح أو احتياط؟
لفهم ما يجري لا بد من تذكر الحقائق التالية:
- في أعقاب الحرب العالمية الأولى وسقوط الخلافة العثمانية تم تقسيم تركتها إلى مستعمرات رسموا لها الحدود ونصّبوا عليها حكاما بلا قرار ولا سيادة، أقاموا سلطانهم على أنقاض دولة الإسلام وجعلوا الثمن دين الله، فتجدهم أشد الناس عداوة للإسلام وعودته.
- زرع الغرب كيان يهود في فلسطين ليكون رأس حربة، وقاعدة عسكرية متقدمة لهم، وليصرف عداء المسلمين عنهم إلى يهود.
- لم يكن هناك شعب يهودي، فاستجلبوا اليهود من الشتات فكانت دولة تجمعت بلا رابط بين مكوناتها ولا تجانس ولا انتماء.
- قام حكام المنطقة على مدار مئة عام بتخطيط غربي بحروب مصطنعة تم فيها تسليم فلسطين بعد تجريد أهلها من السلاح لعصابات يهودية ارتكبت أبشع المجازر بحق العزل، وهجّرت الكثيرين.
- اعترف المجتمع الدولي بهذه الدولة اللقيطة، وأعطاها الشرعية وأمدها بكل أسباب الحياة والقوة الاقتصادية والعسكرية، وبرر كل ما تقوم به من قتل وتدمير وحصار لأهل فلسطين.
والآن جاءت معركة غزة لتقلب الموازين رأسا على عقب؛
- عسكريا أسقطت أسطورة الجيش الذي لا يقهر على أيدي ثلة قليلة من الرجال وبأسلحة متواضعة.
- أظهرت عدم أهلية الجيش وأنه لا يملك عقيدة قتالية، فكان انهياره وتحطم نفسيات جنده، ووقوع جنرالاته أسرى.
- أظهرت هشاشة الكيان وأنه لا يرتقي لأن يكون دولة بل هو فكرة دولة استعمارية وثكنة عسكرية.
- أظهرت حقيقة المجتمع اليهودي غير المتجانس، فأحدثت فيه آثارا نفسية عميقة حطمت معنوياته ومزقت وسطه السياسي، وأفقدته الثقة بجيشه وبقيادته السياسية.
- عمقت الشعور بعدم الأمان في الكيان، وأنه لا يصلح للعيش، ولا يستحق التضحية من أجله، فازدحمت المطارات بالهاربين منه.
أما على الجانب الإسلامي:
- لقد اقتلعت اليأس والإحباط من نفوس المسلمين وأعادت ثقتهم بأنفسهم وبقدراتهم.
- لقد أزالت الحدود ووحدت الأمة وأحيت مواتها وأشعلت فيها جذوة الإيمان وشعور العزة والكرامة.
- أظهرت أن التطبيع مع يهود ما هو إلا تطبيع مع حكام، وأن الشعوب ليست على دين حكامها.
- لقد وضعت الجيوش في موضع غاية في الحرج أمام طوفان الأمة وضغط الرأي العام، وأصبح تمرد الجيوش لا محالة واقعاً، فلا ثقة للحكام بالجيوش، ويتوجسون منها خيفة.
- لقد أسقطت شرعية الحكام وأحدثت قطيعة بين الحكام وشعوبهم ولولا بطش العسكر لما بقي واحد منهم على كرسيه، بعد أن تيقن الناس أن بقاءهم هو بقاء لكيان يهود، فهم حماته وشركاؤه في حربه، وأنهم عبيد ينفذون الأوامر.
- لقد أظهرت المعركة قوة الأمة الحقيقية الكامنة في البلاد الإسلامية، وفي جالياتها في الغرب وأن الغرب قد بلع منجلا فيه حتفه.
- لقد أظهرت المعركة أن الدولة الإسلامية ستولد عظيمة من أول يوم، وإذا ما أطيح بدولة واحدة فسينفرط عقد باقي الدول وستعود للمسلمين سيادتهم وعزتهم، وسيخرج الغرب صاغرا ذليلا.
وعلى المستوى العالمي:
- لقد تم الخروج على القانون الدولي وسحقه تحت أقدام الدول الكبرى صاحبة الفيتو، ما خلق فرصة عظيمة للمخلصين للتخلص منه وإيجاد نظام بديل، ولولا أن الصين تاجر جبان لضمّت تايوان، ولو كان الدب الروسي يعقل لاجتاح أوكرانيا وخلع خنجر أمريكا المغروس في قلبه.
- إن تأييد أمريكا لجرائم يهود وتبرير مجازرهم البشعة زلزل مكانة أمريكا كدولة أولى متحكمة في الموقف الدولي والسياسة الدولية وشوه صورتها وأوجد رأيا عاما دوليا جعلها تعيش الموت السريري والإفلاس الحضاري، دولة بلا قيم ولا قانون ولا أخلاق.
- لقد أدرك الغرب كله سقوط هذا الكيان، وأن ما يرتكبه من مجازر قد وضع المنطقة على فوهة بركان يوشك أن ينفجر في وجهه ويقتلع كيانه الخبيث، ويخرجه من نفوذه.
- إن الغرب يدرك أن المسلمين يملكون رسالة وبديلا حضاريا لحضارته، وأن معركتهم مع شعوب المنطقة هي معركة حضارة ووجود، فأداروا المعركة على صعيدها الذي يجب أن يكون؛ معركة بين إسلام وكفر.
- إن هذه الحشود العسكرية والبوارج الحربية والدعم الصليبي الكامل للمجرمين لا يدل على أنها حرب على غزة لوحدها، إنها أكبر بكثير من قضية غزة، فغزة لا تمتلك طيرانا ولا أسلحة متطورة وهي محدودة المكان والعدة والعتاد. إنما هي للأمة والمنطقة بأسرها.
إنهم يخشون سقوط الحكام وخروج مارد الإسلام فتخرج المنطقة من قبضتهم، وتكون بداية النهاية للرأسمالية المتوحشة. وإن الغرب أسفر عن وجهه الحقيقي وسَحق نظامه العالمي بقدمه، وتوحّد ضد المسلمين وأعلنها حربا صليبية. فيجب أن يدرك المسلمون جميعا أن أمريكا هي العدو الحقيقي، وما كيان يهود إلا ثكنة عسكرية من ثكناتها، وتريد استثمار هذه المعركة لخدمة مشاريعها، فتجعل دماء المسلمين وتضحياتهم ثمنا لتمرير مشاريعها، ولإحكام قبضتها على المنطقة بما فيها كيان يهود، فهي تعمل جاهدة كيلا يخرج كيان يهود مهزوما. فهي قد أعطت الضوء الأخضر ليهود ليقتلوا ويدمروا لحفظ ماء الوجه وللتغطية على الهزيمة النكراء التي لحقت بها.
إن معركة غزة حدث مزلزل ومنحنى تاريخي. إنها حرب عالمية لن يستطيع أحد أن يتنبأ بما ستسفر عنه، فالمعركة ليست معركتنا فحسب، بل هي معركة الحق سبحانه وتعالى. ولقد وعدنا الله القوي العزيز بالنصر والتمكين، ولقد بشرنا ﷺ فقال: «بَشِّرْ هَذِهِ الْأُمَّةَ بِالسَّنَاءِ وَالرِّفْعَةِ وَالنَّصْرِ وَالتَّمْكِينِ فِي الْأَرْض».
إن تحرير الأقصى شرف عظيم يناله عباد مخلصون اصطفاهم الله، هم غراس الله في دينه، يجاهدون في سبيل الله، لا يرهبهم جبروت الطغاة المستبدين ولا حشود الكافرين، ولا يخافون في الله لومة لائم. وإن النصر بيد الله وحده وبأَجَله لا يتقدم ولا يتأخر فإذا جاء أَجَله فسنرى أمورا كأنها مستحيلة.
إن الأرض تستعد لأمر عظيم والنصر بيد الله القوي العزيز.
﴿فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ﴾
بقلم: الشيخ سعيد رضوان أبو عواد (أبو عماد)
المصدر: جريدة الراية