- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
2020-07-04
دنيا الوطن:النّظام الرّأسمالي و حقوق المرأة.. هل تطرح الشّجرة الخبيثة ثمارا طيّبة؟ بقلم : زينة الصّامت
بقلم : زينة الصّامت
حقوق المرأة لا تتجزّأ ولا تنفصل عن حقوق الإنسان، هذا ما تضمّنه إعلان ومنهاج عمل بيجين، وما تمّ تأكيده في إطار حملة بيجين +20، إذ صرّح مفوّض الأمم المتّحدة السّامي لحقوق الإنسان " لنكن واضحين بخصوص هذا، فهو أساسيّ جدّاً : يتعيّن أن تكون مدافعاً عن حقوق المرأة لكي تُعتَبَر مدافعاً عن حقوق الإنسان".
ولمّا كان الدّفاع عن حقوق الإنسان من أهداف العولمة ومن أهمّ البنود التي عملت وثيقة بيجين على تعميمها ونشرها في العالم، كان التركيز منصبّا على حقوق المرأة التي أصبحت محور كلّ أعمال الأمم المتّحدة واتّفاقيّاتها ومؤتمراتها حيث أصبحت المرأة وحقوقها من أهمّ مشاغلها.
يُقدّم الغرب نفسه على أنّه مرجع للحقوق الإنسانيّة فروّج صورا مشرقة عن المرأة الغربيّة وأظهر ما دونها من النّساء خاصّة المرأة المسلمة مهضومة الحقوق ومقهورة تعاني من الأمّيّة والفقر والبطالة والتّهميش لذا نادى بضرورة الدّفاع عنها وتعزيز حقوقها الإنسانيّة من أجل مكافحة كافّة أشكال العنف ضدّها لضمان استمرار عمليّة التّنمية والسّلام . " إنّ النّهوض بالمرأة وتحقيق المساواة بينها وبين الرّجل هما مسألة متّصلة بحقوق الإنسان وشرط للعدالة الاجتماعيّة وینبغي ألاّ ینظر إليهما بصورة منعزلة على أنّهما من المسائل الخاصّة بالمرأة " ( المادّة 25 من إعلان ومنهاج عمل بيجين )
لذلك فرض الغرب على الحكومات (دول المسلمين خاصّة) العمل على منع انتهاك حقوق الإنسان للمرأة وتعزيز هذه الحقوق وحمايتها وترسيخها في قوانينها ودساتيرها تنفيذا لما أملاه عليها من اتّفاقيّات دوليّة مبرمة معه لتتلاءم وبنودها. وهذا ما نصّت عليه المادّة الثانية - فقرة و- من اتّفاقيّة الأمم المتّحدة الخاصّة بالقضاء على جميع أشكال التّمييز ضدّ المرأة "يجب على الدّول اتّخاذ جميع التّدابير المناسبة بما في ذلك التّشريع لتعديل أو إلغاء القوانين والأنظمة والأعراف والممارسات القائمة التي تشكّل تمييزا ضدّ المرأة" للتّعجيل بالمساواة بين الرّجل والمرأة والقيام بخطوات حثيثة لتعديل الأنماط الاجتماعيّة والثّقافيّة التي تميّز بين الجنسين ودعت إلى إبطال العمل بالتّشريعات الدّينيّة واستبدالها بالقوانين الدّوليّة فصارت حقوق المرأة من أولويّات أعمال هذه الحكومات ومن الأمور التي لا غنى عنها للنّهوض بالمرأة والمجتمع .
سارعت هذه الحكومات العميلة إلى إبرام الاتّفاقيّات الدّولية رغم معارضة شعوبها ورفضها لها في تحدّ صارخ لثقافتها ودينها لتدعو إلى المساواة بين الرّجل والمرأة في جميع الميادين وإلى سنّ قوانين تحضر التّمييز ضدّ المرأة ونادت بتعديل قوانين الأحوال الشّخصيّة ووضع قوانين أخرى جديدة ( منع تعدّد النّساء والرّفع في سنّ الزّواج والمساواة في الميراث...) عبر مؤتمرات دنيئة تجدّد أعمالها وسياساتها كلّ سنوات (كمؤتمر بيجين ) واتّفاقيّات خبيثة تتسلّل في كلّ المناسبات (كاتّفاقيّة سيداو) متبنّية في ذلك القيم الغربيّة الرّأسماليّة وساعية إلى تنفيذها بفرضها في قوانينها وبنشرها كثقافة بديلة للثقافة السّائدة في مجتمعاتها عبر منظّمات المجتمع المدنيّ والجمعيّات النّسويّة فلم تَحِد في منهجها عن الطّريق الذي رسمه الغرب لعولمة قيمه ومفاهيمه .
فقامت تونس مثلا في عام 2015 بـ" خطوة جديدة نحو القضاء على كلّ أشكال التّمييز ضدّ المرأة " من خلال تنقيح القانون عدد 40 لسنة 1975 المتعلّق بالجوازات والوثائق الذي صار" يسمح لها بالسّفر مع أطفالها القصر دون ضرورة الحصول على إذن من والدهم " وهو ما وصف بأنّه " يعكس الرّغبة والإرادة السّياسيّة والتّشريعيّة في تكريس حماية أقوى لحقوق المرأة " فكانت هذه التّعديلات على القوانين "تتويجا لنضالات المرأة التّونسيّة وانتصارا للقوى التّقدّميّة المناهضة لكلّ أشكال العنف المسلّط على المرأة ..." أيّ تتويج هذا وأيّ انتصار؟ فواقع المرأة في تونس يكذّب ذلك وتفضحه حياة المرأة الرّيفيّة خاصّة فهي تعيش حياة بؤس تدفعها إلى ركوب شاحنات الموت التي تنقلها للعمل في ظروف قاسية يعجز الخيال عن تصوّرها. هي فتاة الخامسة عشرة ربيعا التي لم تكمل تعليمها أو أنّها تعمل لتساعد والديها في مصاريف تعليمها...هي عجوز العقد السّابع أو الثّامن يدفعها الفقر لتكمل ما تبقّى لها من الأيّام بين الحقول أو رعاية الأغنام...فأيّ انتصار هذا الذي يتحدّثون عنه ؟
تقضي المرأة العاملة يومها خارج بيتها تعمل لتساعد في توفير حاجيات أسرتها إذ لم يعد الأب قادرا عليها في ظلّ غلاء المعيشة والأسعار فتعود منهكة لا تقدر على أداء وظيفتها زوجة ولا أمّا... وإن فقدت زوجها أو طلّقها تلجأ للعمل حتّى تعيل نفسها وعائلتها ...فأيّ تتويج هذا ؟ حتّى في أباطيله وادّعاءاته التي ينشرها يتبعون الغرب ! يسيرون على دربه فيما يدّعيه من إعطائه المرأة حقوقها ومساواتها بالرّجل وإسعادها في ظلّ قوانينه التي سنّها. !!
قالوا إنّ المرأة المسلمة مظلومة محرومة ونحن بهذه القوانين سنعيد لها حقوقها ونوفّر لها حرّيّاتها التي حرمتها إيّاها المجتمعات "الذّكوريّة " فطالبوا بإلغاء عدّة أحكام شرعيّة يرون فيها عوائق أمام تحقيق المرأة لمطالبها ومساواتها بالرّجل فيفكّوا بذلك قيودا كبّلتها. وقد قامت الحكومة التّونسيّة سنة 2017 بـ" إلغاء جميع المناشير المتعلّقة بالحدّ من حرّية التّونسيّة في اختيار قرينها ..." بل تجرّأت على النّيل من أحكام معلومة بالضّرورة ونادت في إطار عملها على تحقيق المساواة بين الجنسين بالمساواة بينهما في الميراث بـ" أن يكون للنّساء والرّجال الحقّ في إرث ممتلكات أبويهم بحصص منصفة. "( الفقرة الثّانية من المادّة 21 من الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشّعوب )
فأين هذه القوانين - التي يعتبرونها تتويجا - ممّا تعانيه المرأة والفتاة بعد تخلّيها عن ولاية أبيها وأخيها وصارت تلهث وراء تحقيق ذاتها - كما أوهموها – فتتزوّج من غير المسلم تعصي ربّها وتجري وراء وهم الثّراء والعيش الفاخر متناسية حكم ربّها؟ أين هي ممّا يحدث بين الأزواج بعد أن استأسدت المرأة وصارت ندّا للرّجل وأسقطت منه القوامة؟ أين هي هذه الدّساتير من نسب الطّلاق التي تتزايد كلّ سنة فتُهدَمُ الأُسَرُ ويُضيَّعُ الأبناءُ ؟
حين نتأمّل حال المرأة المسلمة في ظلّ هذا النّظام الرّأسماليّ نجد أنّها مهمّشة تعاني الفقر والبطالة ولا تجد من يخفّف عنها. فلا يهرع إليها السّياسيّون إلّا في حملاتهم الانتخابيّة يسلّطون عليها الأضواء ويظهرون إنجازاتهم ووعودهم لها ببعث المشاريع وتمكينها اقتصاديّا موظّفين الإعلام في ذلك... ويتجاهلونها في ما دون ذلك فتراها بائعة متجوّلة أو عاملة في الحقول تعمل طول النّهار ولساعات طويلة لتجمع بعض الدّنانير لتساعد في توفير حاجيات أسرتها –– بل هي في بعض الأحيان متشرّدة تسأل النّاس ما يسدّ رمقها ويكفي أبناءها الجياع ...
تعاني المرأة المسلمة من التّقتيل والتّنكيل في بورما وفي الصّين وفي فلسطين وذنبها الوحيد أنّها تقول " لا إله إلّا الله" فأين الحقوق الإنسانيّة لهؤلاء ؟ أين الجمعيّات النّسويّة ممّا تلقاه الفتيات العفيفات في سجون بشّار والسّيسي من تعذيب ومن انتهاك الذّئاب لأعراضهنّ ؟ لماذا لا تنقل هذه الجمعيّات ما تعانيه النّساء المسلمات في مناطق النّزاع ولا تصوّر حياتهنّ البائسة : فهنّ بلا غذاء ولا مأوى ولا دواء ويتعرّضن لكلّ أنواع الاستغلال ؟ أين هي ممّا تعانيه المرأة جرّاء ما يشهده العالم من حروب وصراعات ؟.. هي الثّكلى والأرملة تشهد قتل أبنائها وزوجها وإن لجأت إلى من تحسبهم سينصرونها خذلوها بل كانوا أكثر استغلالا وامتهانا لها فلقد اتّضح للّجنة الدّوليّة للصّليب الأحمر خلال عملها في المجتمعات المتضرّرة من النّزاعات المسلّحة أنّ العنف الجنسي هو أهمّ المخاوف التي تواجهها النّساء الشّابات على وجه الخصوص . لماذا تصمت عن حقوقهنّ " الإنسانيّة " المنتهكة وعن انعدام الرّعاية الصّحّية لهنّ و تعقد في المقابل النّدوات وتقيم المؤتمرات للإطناب و للحديث عن الصّحّة الإنجابيّة والجنسيّة وترفع الشّعارات مندّدة بما أسمته بالاغتصاب الزّوجي ؟ أليس في عملها هذا انتقاء للمواضيع التي تخدم أجنداتها وتدعم حرب الغرب على أحكام الإسلام ؟ فهي لا تفوّت فرصة للحديث عن ظلم الإسلام للمرأة وتحقيره لها وإعلاء شأن الرّجل وتدعو إلى استبدال هذه الأحكام بمفاهيم جديدة يطرحها النّظام العالميّ السّائد ؟ !! ...
سعى الغرب بنشر ثقافته الفاسدة بين نساء المسلمين إلى جعلهنّ نسخا من المرأة الغربيّة المتحرّرة فهي المثال الذي لابدّ من السّير على منواله وقد ساهمت الجمعيّات النّسويّة والمنظّمات المشبوهة في نشر تلك المفاهيم فشجّعت الفتاة على رفض الزّواج المبكّر وأقنعتها بأنّه غبن وظلم لها وأنّ لها العيش بحرّية فيمكنها القيام بعلاقات غير مشروعة وجسدها ملكها ... جعلتها تتنكّر لفطرتها وترمي وراءها الزّواج والأمومة وتجري وراء الدّراسة والعمل حتّى تحقّق ذاتها وتستقلّ ماليّا فلا تحتاج للرّجل... نسيت نفسها وفطرتها وطبيعتها فاستيقظت على حقيقة مُرّة : رقم جديد في قائمة العوانس... !
هذا ما تنادي به النّسويّات: تحرير المرأة المسلمة حتّى تكون كالمرأة الغربيّة لا ترى في الرّجل تكاملا وانسجاما بل ندّيّة وتنافسا . فهل تمكّن الغرب فعلا من إعطاء المرأة حقوقها ؟ وهل تمكّن من إسعادها وجعلها كريمة فاعلة في مجتمعها ؟
إن سلّطنا بعض الضّوء على المرأة في الغرب فإنّنا من الوهلة الأولى نكتشف معاناتها جرّاء ما يطبّق عليها من قوانين وضعيّة لا ترعى سوى مصالح الطّبقة الرّأسماليّة المتحكّمة في العالم وترى في المرأة موردا هامّا لتوفير الأرباح . فكيف هي حال المرأة في الغرب ؟ :
- هي متشرّدة بلا مأوى: فلابدّ من توفّر ثلاثة شروط حتّى تحصل على مأوى : أن تكون مدمنة كحول أو مدمنة مخدّرات أو حاملا : فإن لم يتوفّر أحدها حُرمت من السّكن ومن مساعدة الجمعيّات الخيريّة وتجد نفسها في الشّوارع وأقصى ما تتمنّاه بيت صغير تأوي إليه.
أمّا إن توفّر شرط من تلك الشّروط الثّلاثة فلها الحقّ في الملاجئ ولكنّها تتعرّض هناك إلى الاستغلال والتّحرّش ما يدفعها إلى الهروب إلى الشوارع حيث تجد الأمان أكثر من المأوى .
- هي معنّفة مهدّدة بالقتل والاعتداء فكلّ 9 ثوان تتمّ إساءة معاملة إمرأة في الولايات المتّحدة وكلّ يوم تتعرّض 3 نساء للقتل على يد أزواجهنّ أو عشّاقهنّ . هذا وقد سجّل مقتل مالا يقلّ عن 126 امرأة ضحايا العنف الزّوجي في بلد الحرّيات فرنسا في 2019
- هي مُهانة تعاني عواقب النّظرة الجنسيّة لها فتعامل كسلعة في سوق النّخاسة الرّأسماليّ ولا اعتبار لإنسانيّتها التي يتشدّقون بالدّفاع عنها : كما هو حالها في ألمانيا التي عدّت ماخور أوروبا بإلغائها تجريم الدّعارة .
وإن أظهر الغرب وجها آخر للمرأة الغربيّة يتفاخر به فإنّ فيه من حطّ لقيمتها واستنقاصا لها فنظر إليها أنثى يوظّف جسدها وجمالها في إعلامه وإعلاناته وفي مكاتب إداراته لتدرّ على أصحاب رؤوس الأموال الأرباح الكثيرة ما جعلها ترى في جسدها وجمالها ضمانا لها ودفعها للهوس بالحفاظ عليه فإن فقدت جمالها أو جاذبيّتها أصيبت بجزع واكتئاب قد يدفعها للانتحار ....
هذا هو حال المرأة الغربيّة في أبرز الدّول التي تنادي بحرّيّاتها وحقوقها !.. هذه هي أوضاعها التي دفعتها إلى الهروب من هذه الحضارة العفنة إلى حضارة الخير والكرامة والسّلام...لاذت بالفرار واعتنقت الإسلام ! اعتنقت دين الفطرة الذي وجدت فيه ما افتقدته في قوانين دولتها ... !
ثمّ وبعد هذا كلّه تأتي الحكومات والجمعيّات والمنظّمات في دول المسلمين لتزيّف الحقائق وتتشدّق بمكتسبات المرأة المسلمة في ظلّ قوانين الغرب التي فرّت منها المرأة الغربيّة وأسرعت تستنجد بأحكام ربّها بعد أن هداها الله سبيل الرّشاد . فكيف للمرأة المسلمة أن تفرّط في أحكام دينها وتنخدع بأباطيل الغرب وافتراءاته ؟ كيف ترى في مفاهيمه الفاسدة خلاصا لها وهي - وحتّى في بلاده - تعيش ضغوطات وتمنع من ممارسة أحكام دينها ؟ أيمكن لمن يصف المسلمين والإسلام بالإرهاب أن يدافع عن المرأة المسلمة ؟ كيف لمن انتشرت الإسلاموفوبيا في مجتمعاته بسبب سياساته التي أدّت إلى كثير من الاعتداءات على المرأة المسلمة أن يدّعي دفاعه عن حقوقها وينادي بتحريرها من سيطرة مفاهيم مجتمعها ؟ فاقد الشّيء لا يعطيه والغرب لم يوفّر لا للمرأة الغربيّة ولا المسلمة التي تعيش عنده الأمن ولا العيش الكريم ولم يوفّر لها حقوقها فكيف سيعطي المرأة في بلاد المسلمين حقوقها ؟
أعنت هذه الحكومات تبنّيها لقيم الغرب وعملت جاهدة على تثبيتها في مجتمعاتها وقامت بالإجراءات اللّازمة حتّى تكون منسجمة وغاية الغرب في علمنة قيمه ونشرها . فرفع شعار تحرير المرأة المسلمة لم يكن بهدف إعطائها حقوقها ولا تحريرها بل الغاية منه النّيل منها وصرفها عن دينها لترتمي في دوّامة حضارة الغرب الفاسدة تنهل منها فتضلّ عن طريق الحقّ وهذا ما حذّرتها منه الكاتبة والصّحفيّة الأمريكيّة " جوانا فرانسيس " في " رسالة من مسيحيّة إلى مسلمة " فقالت لها " لا تسمحنّ لهم بخداعكنّ ، ولتظلّ النّساء عفيفات وطاهرات.. " وأضافت " نحن بحاجة إليكنّ لتضربن مثلا لنا نظرا لأنّنا ضللنا الطّريق ... إذا تمسّكن بطهارتكنّ ، ولتتذكّرن أنّه ليس بالوسع إعادة معجون الأسنان داخل الأنبوب.. لذلك، لتحرص النّساء على هذا المعجون بكلّ عناية." . فهل مازال لدى المرأة المسلمة شكّ في أنّ دينها هو وحده الكفيل بضمان حقوقها وكرامتها ؟ هل مازال عندها ريب أنّ على المرأة في العالم - وفي الغرب خاصّة - أن تجعل لها من المرأة المسلمة قدوة تحذو حذوها ؟ !...
منذ بداية المقال أشرنا إلى أنّ " حقوق المرأة " لا تنفصل عن حقوق الإنسان التي ترتبط ارتباطا وثيقا بالعقيدة الصّحيحة التي يعتنقها فإن فسدت هذه العقيدة فسد كلّ ما ينبثق عنها من معالجات ... فالعقيدة الرّأسماليّة باطلة تقوم على ضمان مصالح الأقوياء وقتل الضّعفاء ولا تعبأ لنساء ولا لأطفال ولا لشيوخ تتعامل بمواثيق ظاهرها رحمة وباطنها عذاب ....عقيدة وضعيّة تضفي شرعيّة على إفناء الشّعوب بالحروب (أفغانستان - العراق - اليمن ....) وبالأسلحة المبيدة ( البراميل المتفجّرة - الكيماوي في سوريا ) فالدّولة ذات السّيادة فيه - والتي تملك القوّة الماديّة - قادرة على نيل تلك الحقوق الطّبيعيّة من " أعدائها " ولها الحقّ في نهب خيرات الشّعوب الأخرى، واستعمارها.
....لكنّ عقيدة الإسلام والتي يحاربها النّظام العالميّ السّائد بكلّ الوسائل ويعمل على طمسها و تغييبها عن المنظومة التّشريعيّة في قوانين دول المسلمين ويسعى جاهدا لإبعاد مفاهيمها عن حياة المسلمين وتهميشها هي الضّامن الحقيقيّ والوحيد للحقوق الإنسانيّة ( للمرأة المسلمة و غيرها بل للإنسان عموما ) ....فهي تنزيل من ربّ عليم رحيم !
فالحقوق الشّرعيّة الإنسانيّة تقوم على " مفاهيم عالميّة مصدرها الشّريعة الإسلاميّة وتقدّم منظورا واقعيّا لحقوق الإنسان منسجما مع الفطرة الإنسانيّة وثابتا في التّصوّر " ( من دراسة حقوق اﻹنسان في الفكر السّياسي الغربيّ و الشّرع اﻹسلاميّ) بعكس الحقوق الإنسانيّة الوضعيّة التي لا تجد لها واقعا وتبقى خرافات لا تنسجم مع فطرة الإنسان وتتبدّل حسب الأهواء والمصالح .
كرّم الله الإنسان فجعله خليفة في الأرض " وهو الذي جعلكم خلائف الأرض " وجمع بين المرأة والرّجل في هذا التّكريم لاتّصافهما ب " الإنسانيّة " فلا اعتبار للون ولا لجنس ولا لموطن ...! وقد ارتبط هذا التّكريم بعبوديّة الإنسان لربّه فإن هو كفر أو ابتعد عن منهج الحقّ سقط عنه هذا التّكريم الذي ازدانت به إنسانيّته " أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا " .
قدّم الإسلام في تشريعاته منظورا واقعيّا لحقوق المرأة وجعله منسجما مع الفطرة الإنسانيّة فحدّد لها حقوقها بأوامره و نواهيه و حدّد الكيفيّة والضّمانات لتنفيذ هذه الحقوق . على نقيض ما قام به الفكر الغربيّ الذي ربط مصدر الحقوق وتشريعاتها بمبدأ الحرّيّة التي قيّدها بعد ذلك بقيود وهميّة خياليّة " تنتهي حرّيّتي حين تبدأ حرّيّة غيري " وهو ما يجعل الحقوق أمرا نظريّا لا يمكن تحقيقه فمصالح النّاس متضاربة ونزعة الأنانيّة طاغية ممّا يجعل القويّ يسيطر على الضّعيف ويسنّ القوانين بحسب ضمان بقاء سيطرته وهيمنته .... فهي قوانين بشريّة ناقصة عاجزة عن تسيير شؤون الحياة ! .....أمّا الأحكام الإسلاميّة فقد ضمنت الحقوق الشّرعيّة وجعلتها حقوقا شموليّة للإنسان .
شرع الله أحكاما واحدة للرّجل والمرأة {يَأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً..} وسنّ للمرأة من الحقوق ما تعجز عن توفيرها القوانين الوضعيّة لها فقد وصّى الرّسول صلّى الله عليه وسلّم أصحابه بالنّساء «...اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا » وأكّد ذلك على أمّته في حجّة الوداع " النّساء شقائق الرّجال "
- حفظ لها حقّ الحياة بعد أن كانت توأد في الجاهليّة " وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ " و أوصى بالإحسان إليها " مَنْ يَلِي مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ شَيْئًا فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ؛ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ " وبتعليمها " أَيُّمَا رَجُلٍ كَانَتْ عِنْدَهُ وَلِيدَةٌ فَعَلَّمَهَا فَأَحْسَنَ تَعْلِيمَهَا، وَأَدَّبَهَا فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهَا.. فَلَهُ أَجْرَانِ " و أعطاها حقّ اختيار زوجها " الأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا، وَإِذْنُهَا صمَاتُهَا " كما حثّ على حسن معاشرتها ومعاملتها " إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا سَقَى امْرَأَتَهُ مِنَ الْمَاءِ أُجِرَ"
و للمرأة الحقّ في أن تكون لها ذمّة ماليّة مستقلّة ولها حقّ التّصرّف في مالها فلها أن تبيع وتشتري، وتستأجر وتؤجِّر، وتوكل وتهب، ولا حِجْر عليها في ذلك ما دامت عاقلة رشيدة . فإن هي أنفقت على بيتها وأبنائها مع زوجها كان لها ذلك صدقة وتؤجر عليه .
أنزل الإسلام المرأة منزلة رفيعة ولم يفرّق بينها وبين الرّجل في الخصائص الإنسانيّة وأعطاها من الحقوق، ما كرّمها به وصانها وحفظ لها حرّيتها وأحاط حقوقها بسياج متين من القرآن الكريم والسّنّة النبويّة المطهّرة .... لذا ! ومن أهمّ ما ستقوم به دولة الخلافة - التي نسأل الله أن يعجّل بقيامها - حفظ كرامة المرأة وأمنها وجعله ركيزة أساسيّة لسياسات الدّولة . " الأصل في المرأة أنها أم وربة بيت، وهي عرض يجب أن يصان." (المادة 112، مشروع دستور حزب التحرير لدولة الخلافة). وستعمل على نشر الوعي بأحكام الله داخل المجتمعات حتّى تكون النّظرة إلى المرأة ومعاملتها وفق ما جاءت به أحكام الإسلام كما ستوظّف أنظمتها السّياسيّة والتّعليميّة والإعلاميّة وكلّ السّبل الأخرى المتاحة لها لتعزيز نظرة الاحترام للمرأة. وستحرّم أيّ شكل من أشكال العنف ضدّها في المنزل أو خارجه قال النّبيّ ﷺ: " لاَ تَضْرِبُوا إِمَاءَ اللَّهِ " وستَحْضُر كلّ ما من شأنه إضفاء الطّابع الجنسيّ على المجتمع وتمنع جميع أشكال التّعرّض للمرأة واستغلالها ولن تسمح للمرأة أيضا بممارسة أيّ عمل من شأنه أن يُستغلّ فيه جمالها أو جسدها أويحطّ من كرامتها " يمنع كلّ من الرّجل والمرأة من مباشرة أيّ عمل فيه خطر على الأخلاق، أو فساد في المجتمع." (المادّة 119، مشروع دستور حزب التّحرير في دولة الخلافة) فحفظ كرامة المرأة هو من صميم أحكام النّظام الاجتماعيّ الإسلامي التي تنظّم العلاقة بين الرّجل والمرأة وتحصر العلاقات الجنسيّة بينهما في الزّواج لا غير . فهذا النّظام سيحفظها عمليّا لا نظريّا ويجعل علاقة الرّجل بالمرأة علاقة خالصة تضمن لهما الابتعاد عن الانحرافات الجنسيّة فيتعاونان تعاونا مثمرا يحافظان فيه على سلامة المجتمع ويعيشان في بيئة عفيفة نقيّة بعيدة عن تحقيق الرّغبات الجنسيّة بطرق غير سليمة تجلب الأذى لهما وللأسرة وللمجتمع بأسره وبهذا ينشأ مجتمع تتمكّن فيه النّساء من الدّراسة والعمل والسّفر في بيئة آمنة فيقلّ العنف وتنقص الجرائم الأخرى التي تمارس ضدّها .
كما وضع الإسلام أحكاما لتنظيم العلاقة بين الزّوجين حتّى لا تنحرف عمّا يجب أن تكون عليه من مودّة ورحمة فتفسد العلاقة بينهما ف " الحياة الزّوجيّة حياة اطمئنان، وعشرة الزّوجين عشرة صحبة. وقوامة الزّوج على الزّوجة قوامة رعاية لا قوامة حكم..." (المادّة 120، مشروع دستور حزب التّحرير في دولة الخلافة).
هذا هو إسلامنا العظيم شرع ربّنا الحكيم والعليم بما هو خير للمرأة ولعيشها الكريم ....شرع ثابت لا تبدّله الأهواء ولا المصالح ...فيه الصّلاح والفلاح فكيف تبحث المرأة في غيره عن حقوقها وعن الخير العظيم " أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير " ما لكم كيف تحكمون ؟
رفع الإسلام من شأن المرأة وأعلى قدرها وأخرجها من ذلّ العبوديّة وجور الجاهليّة و لكن حين أقصي من حياتها وحكمتها قوانين البشر الوضعيّة - كهذا النّظام الرّأسماليّ الفاسد - عادت إلى العبوديّة والظّلم والانتهاكات التي لا تليق بإنسانيّتها وآدميّتها ! .. هذه القوانين الوضيعة التي تمرّر مخطّطات الغرب وتنشر مفاهيم حضارته مستغلّة شعار " حقوق المرأة " سلاحا خطيرا ضدّ الإسلام !