- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
السيادة الوهمية
حينما تسمع أحاديث عن السيادة، وعن الحرية والكرامة، ومحاولة توظيف هذه الكلمة لا بد أنّك ستصاب بحيرة ودهشة؛ لأن الواقع شيء والتحدث عن مفهوم السيادة شيء آخر.
إن الحديث عن حكايات السيادة وقصصها لا نجده إلا في الدول التي تشعر بعقدة النقص، فالكلام عن سيادة مزعومة لا تسمعه إلا في الدول ذات الحدود المستباحة، لأنك لا يمكن أن تسمع عن هذه الكلمة في الدول التي تتمتع بقوة تستطيع من خلالها أن تحافظ على أرضها وحدودها.
واليوم للأسف ما زال الحديث عن السيادة في بلد مستباح تتصارع على أرضه أجهزة العالم المخابراتية والتجسسية، فأية سيادة يمكن الحديث عنها؟!
فالعراق منهوب وضائع بين طامع وطامح، وبقية من شعب مهزوم خائف، أنهكته عاديات الأيام، يعيش أيامه مرتبكاً تتحكم به قوى سياسية متعددة، يتوزع ولاؤها بين سيادات دول إقليمية ودولية، فما هو مفهوم السيادة التي يتبجحون به وفق هذه الولاءات؟!
الحال لا يختلف عن بقية البلاد الإسلامية، فهل العراق دولة بدون سيادة، أم بسيادة شكلية بدون دولة؟ ربما من الصعب وجود حل لهذه الشفرة عند من يدّعون أنهم قادة البلد وأنهم النخبة المسؤولة عن أمنه، وسيادته، أحزاب وكتل تمارس السلطة والطغيان على أبناء جلدتها فقط، بينما هي عاجزة أمام دول إقليمية تفرض عليها سياسات مذلة؛ فدولة تستخدم سياسة تجفيف منابع الأنهار، وأخرى تغرقهم بالمخدرات، وثالثة تسعى لخنقهم اقتصادياً...
فالحقيقة التي لا مناص منها هي أن السيادة فقدت منذ أن ضاع إرث المسلمين، يوم أن تخلينا عن عزنا ودولتنا وراعي حدودنا وكرامتنا، حتى أصبحنا مستباحي الحمى بين حقبة جديدة من القرارات الأممية الصادرة عن الأمم المجرمة التي لم تنشأ إلا من أجل خنق الشعوب والتآمر على نهب ثرواتها، ووضعها تحت الوصاية الدولية المجرمة باسم الاتفاقيات والمعاهدات المشبوهة التي جعلت من بلادنا الإسلامية كرتونات هزيلة تفصلها عن بعضها حدود مصطنعة ليقف التاريخ بعدها عند حقبة جديدة من احتلالات سياسية، وعسكرية مبرقعة، بين سيادة فعلية وأخرى شكلية حتى صارت أكثر البلاد الاسلامية تترنح مسلوبة الإرادة.
ربما نعود لنتحدث عن بلدٍ كان في يوم ما عاصمة الدولة الإسلامية، بلد الرشيد، وكان الشعراء والأدباء يتغنون بأمجاده الزاخرة، واليوم مع الأسف أصبح دولة خاضعة لإرادات دولية، لا تسمح للقرار السيادي أن يمر أو يأخذ طريقه إلا بعد أن يمر بعديدٍ من القنوات المخابراتية الدولية، ليتحول أخيراً إلى قرار خادم للأهواء الخارجية بعد أن نزعت عنه صفة السيادة.
هل العراق دولة بدون سيادة، أم سيادة شكلية بدون دولة؟
ربما تكون إجابة هذا السؤال صعبة على عامة الناس لأن شفرته ضاعت ما بين الإعلام المضلل، والقائمين على سلطة البلد وتصريحاتهم النارية التي تتحدث عن سيادته التي توهم الآخرين بأن العراق يسير في الطريق الصحيح، وأنه في طريقه لتحقيق الرفاهية للشعب المسكين.
إن حدود العراق التي تستباح بين طامع بأرضه ونفطه، ومياهه لا تجد فرقاً بين الطامعين مع اختلاف جنسياتهم، فاليوم مع تعالي صوت وسائل الإعلام بأن كيان يهود يريد أن يقوم بتوجيه ضربة إلى الفصائل العراقية داخل العراق بحجج عارية واهية ليس لها واقع، لتسارع حكومة العراق بطلب النجدة من أمريكا أن تحميه من تهديدات يهود، فعن أية سيادة يتحدثون؟! وسياسيو العراق يبحثون علناً وبدون خجل عن اتفاقيات استراتيجية للدفاع المشترك لحماية البلد بينهم وبين من أوجدهم (أمريكا). فأي دليل أكبر من هذا الدليل الصريح الخطير الذي يبرر ويشرعن بقاء القوات الأمريكية في العراق لتجعل من بلدنا ولاية أمريكية بلا منازع.
أين تصريحاتهم السابقة التي كانت تتحدث عن إنهاء الوجود الأمريكي وحق السيادة؟! أي سيادة يا سادة؟!
إنه بات واضحاً أن الاحتلال الأمريكي سعى إلى تشكيل نظام سياسي في العراق يحافظ على نفوذ أمريكا في البلد، مع الأسف إن النظام الديمقراطي في العراق وضع تحت الوصايا الأمريكية.
والحقيقة أن العراق فاقد للسيادة، وهو في الوقت نفسه دولة ضائعة قد تعددت فيها مراكز القوة وغابت السيادة خلالها فأصبحت شكلية.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
مؤنس حميد – ولاية العراق