- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة البروفيسور محمد ملكاوي في المؤتمر العالمي "عام مضى أيتها الجيوش"
الذي عقدته قناة الواقية يوم الخميس 07 ربيع الآخر 1446هـ الموافق 10 تشرين الأول/أكتوبر 2024م
مصالح الغرب وتأثيرها في حرب غزة
براءة من الله من كل كافر مستعمر متجبر ومن كل عميل ذليل مستكبر.
لقد كان أحرى بهذه الأمة أن تكون في طريقها اليوم وبكامل قوتها لتزيل كيان يهود وترفع راية لا إله إلا الله محمد رسول الله، كان أحرى بهذه الأمة أن تكون هذا اليوم قد وصلت إلى الكيفية التي تستطيع أن تقوم بها بما يلزم لإزالة كيان يهود وليس فقط لرفع الظلم والطغيان عن أهلنا في غزة، لتكون هذه الراية منارة تنير مآذن الأقصى، وتكون بيضاء تنير درب المؤمنين درب الأمة، وسوداء ترهب قلوب الحاقدين، والله غالب على أمره ناصرٌ عباده المخلصين.
إن هذا الكيان المسخ لم يكن ليقوم ابتداءً وليستمر حتى الآن إلا بسببين رئيسيين:
أولهما: زوال دولة الخلافة الإسلامية الراعية لشؤون الأمة والحامية لحياضها والحافظة لأبنائها شيوخا ونساء وشبابا وأطفالا.
وثانيها: دعم المستعمر الكافر للكيان المسخ لتحقيق مصالحهم الاستعمارية سياسيا واقتصاديا وفكريا.
أما زوال دولة الخلافة رسميا فقد حصل بعد سبع سنين من إفصاح بريطانيا عن خطتها لإقامة كيان مسخ ليهود في فلسطين وإبرام اتفاقية سايكس بيكو لتقسيم وتقزيم بلاد المسلمين، فكان تقسيم بلاد المسلمين خاصة في الشرق الأوسط بعد وقوعها تحت سيطرة بريطانيا وفرنسا، كان مقدمة لإزالة دولة الخلافة والتي طالما وقف جنودها على أسوار فينَّا وحاصروا فرنسا وهددوا بريطانيا.
ومن أجل الحفاظ على هذا المكسب العظيم للمستعمرين عمدت بريطانيا رأس الكفر واستعملت نفوذها في عصبة الأمم لبناء كيان يهود في فلسطين ليبقى خنجرا في قلب البلاد الإسلامية يحول دون عودة المسلمين إلى سابق عزهم ومجد دولتهم وامتلاك كامل إرادتهم على حكمهم ومقدراتهم وثرواتهم.
ولتثبيت هذا الكيان أحاطته بريطانيا وفرنسا ابتداء وأمريكا لاحقا بسلسلة من الكيانات الهزيلة ونصّبوا عليها عملاء جبناء لا ينتمون إلى أمة الإسلام إلاّ لأسماء ورثوها عن آبائهم بغير إرادة منهم.
واصطنعت بريطانيا وبعدها أمريكا حروبا وهمية بين الكيان المسخ والدول المجاورة لتثبيت الكيان وليس لإزالته، ثم اصطنعت حركات مسلحة وغير مسلحة منذ ثلاثينات القرن الماضي للدخول في صراع مع الكيان لتثبيت هذا الكيان حين يتغلب في الحروب ضد هذه الكيانات الهزيلة من جهة، وليشغل أبناء الأمة المخلصين في أعمال وحروب وحركات سياسية وفكرية وعسكرية وغيرها ويبعدهم عن العمل الذي يزيل الكيان ومن يقف وراءه، وقد استعملت بريطانيا وفرنسا ومن بعدهم أمريكا استعملت الصراع مع الكيان المسخ لعقود كثيرة ليجعلوا شباب الأمة وقودا لحروب لا تنتهي ولصرف أنظارهم عن العمل الجاد لبناء دولة الخلافة التي تعمل على اقتلاع الاستعمار من جذوره مع كيانه المسخ.
وهكذا كان هذا الكيان من أهم الأدوات السياسية التي استعملها الغرب الكافر للحيلولة دون إعادة بناء الدولة الإسلامية والتي لن تمكن الغرب من السيطرة على شبر من الأرض أو برميل من النفط أو أوقية من الذهب أو مادة تعليمية في منهاج المدارس أو متجر يبيع منتجاته أو بنك يسوّق رباه أو شركة تتاجر بأسهمه، ومن هنا كان تصريح رئيس أمريكا بايدن قائلا سوف نحمي هذا الكيان بكل ما عندنا من قوة ولو لم يكن موجودا لكنا قد أوجدناه، وما الحرب الحالية الدائرة في فلسطين ولبنان إلا خطوة على الدرب نفسه الذي تنتهجه أمريكا وحلفاؤها المستعمرون من أجل تثبيت الكيان ليكون جزءا لا يتجزأ من منظومة الشرق الأوسط الجديدة، والتي سماها نظاماً جيوسياسياً وأهم عناصره ست دول كما ورد في تقرير لمعهد بروكينز، هذه الست هي حسب التقرير: إيران، تركيا، (إسرائيل)، السعودية، وروسيا، وأمريكا، وباقي دول المنطقة بما فيها مصر ستكون هامشية لا وزن لها، ولا يستبعد أن أحد أهداف إشغال روسيا في حرب أوكرانيا هو من أجل استبعاد أي دور لها في الشرق الأوسط، إضافة لجعل أوروبا مهتمة بما يجري بالقرب منها في أوكرانيا مما يشغلها عن الشرق الأوسط قيد التكوين.
لقد عبر الرئيس السابق ترامب عن هذا المشروع بتسميته التحالف الأمني للشرق الأوسط الجديد.
والظاهر أن التركيز المستمر الآن على نشاط إيران وإقحامها الحذر في الحرب القائمة الآن دون إشعال حرب كاملة ما هو إلا لتثبيت مكانة إيران وموقعها في التحالف الأمني لمنظومة الشرق الأوسط، فتظهر على أنها القوة الوحيدة المعادلة لقوة الكيان العسكرية، وتَدَخّل إيران هذا سواء مباشرة أو من خلال جماعة الحوثي أو حزب إيران ما هو إلا تثبيت عملي لمركز ودور إيران في إنشاء معادلة أمنية تضمن الاستقرار النوعي والذاتي في الشرق الأوسط نتيجة تعادل القوى الرئيسية. ولا شك أن هذا يقتضي الانتهاء أولا من القضية القديمة الحديثة المتعلقة بشرعية الكيان وحل قضية فلسطين.
والملاحظ أن المتداول اليوم رسميا حول هذه القضية هو تسميتها بقضية الشعب الفلسطيني، وهذه التسمية لها أهمية خاصة حيث إنها تعني في النهاية إقامة دولة لهذا الشعب وتنتهي القضية دون المساس بوجود الكيان المسخ.
وهذا ما تعنيه أمريكا دائما عند التركيز على حل الدولتين فمن جهة تؤكد على شرعية الكيان الأول ومن جهة أخرى تنهي القضية برمتها بإيجاد دولة لأهل فلسطين وتنتهي كل المؤسسات الخاصة بهذه القضية، وتبدأ بإدارة الشرق الأوسط الجديد بأقل التكاليف العسكرية والأمنية والقواعد وغيرها، وتستمر بالسيطرة على المقدرات المالية والاقتصادية والثروات بكافة أنواعها.
وسياسة أمريكا هذه لا تتأثر بالانتخابات أو نوعية وهوية الرئيس، فما نقله معهد بروكينز شمل حقب الرئاسة الديمقراطية والجمهورية على حد سواء.
والحاصل أن اللاعب الرئيسي في أحداث اليوم هي أمريكا بالدرجة الأولى وهي التي تضبط الإيقاع سواء مع إيران أو الكيان وتستعمل قطر ومصر فيما يتعلق بالمقاومة في غزة ومستقبل المفاوضات.
أما من ناحية الأمة الإسلامية فهي لا تزال غير قادرة على التأثير بمجريات الأحداث والأمور ليس ضعفا ولا هو عدم اكتراث بل لأن الأمة لا تزال مسلوبة الإرادة اللازمة لاستخدام مقدراتها المالية والعسكرية والبشرية، وهذه الإرادة المتمثلة بالخلافة الراشدة هي التي تم سلبها منذ زمن على يد بريطانيا لمثل هذه الأيام.
والحقيقة التي يجب أن تبقى ماثلة وبأقصى قوة هي أنه لا خيار لهذه الأمة غير خيار الخلافة كي تنهض من كبوتها وتسترد إرادتها وتستخدم كل مواردها لتحقيق ما أمرها الله به في قوله: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ﴾.
والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته