السبت، 21 محرّم 1446هـ| 2024/07/27م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

إطلاق النار على ترامب ينبئ بموت السياسة في الغرب وتعفن المنظومة ونتن ديمقراطيتها!

 

 

 

لم يكن حدث إطلاق النار على الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب أثناء خطابه أمام تجمع انتخابي في بنسلفانيا، حدثا خارج النسق الدامي للديمقراطية الأمريكية وعنفها السياسي التاريخي، فالاغتيالات السياسية نهج أصيل في السياسة الداخلية الأمريكية وأسلوبها الدامي في تصريف الخلافات السياسية الحادة. لكن الجديد في العنف السياسي الراهن هو وتيرة تناميه بشكل متسارع واستمراريته المتواصلة، فلقد خلص تقرير لوكالة رويترز أن الولايات المتحدة الأمريكية تعيش أسوأ حالات العنف السياسي منذ السبعينات، ووفق التقرير فقد تم رصد 213 حادثا بعد هجوم الكابيتول الشهير سنة 2021. هذا الأخير الذي شكل زلزالا سياسيا غير مسبوق في التاريخ الأمريكي، وخطورته أن تصميمه والتحريض عليه كان من رأس الدولة، عبر حث وتحريض الرئيس ترامب أنصاره يومها "لا يمكنك أن تسترد بلدك برفق، تسترده بالقوة، كن هناك، ما سيحدث سيكون جامحاً"، وكان يومها تتويجا للعنف السياسي الأمريكي. وهو ما يجعل العنف السياسي الأمريكي الراهن مختلفا عن سابقه وذا طابع خاص.

 

فهذه الوتيرة المتسارعة على مستوى النمو والاستمرارية للعنف السياسي الأمريكي الراهن، يصبح معها التفسير التاريخي للظاهرة قاصرا وناقصا، فالتاريخ يفسر بعض الأعراف السياسية الأمريكية لكنه لن يخبر شيئا عن الأسباب والدوافع المستجدة والراهنة في سرعة نمو واستمرارية هذا العنف السياسي، فحدث بهذا المستوى وفي قلب ديمقراطية الغرب الأولى تداعياته تتجاوز السياسة الداخلية إلى السياسة الدولية، وتتعدى الجانب الأمني ونظرياته المثيرة إلى أعماق الأزمة الحضارية والسياسية الغربية التي جعلت العنف السياسي يبلغ ذروته ويصل مستواه الحرج الخطر.

 

الثابت أن الحالة الغربية، فلسفة وحضارة وأنظمة، بلغت حالة التعفن القصوى وفاض نتنها، والحالة الأمريكية هي نموذجها الفاضح، والعنف السياسي المسلح الأخير ليس وليد تقصير أمني، واستدعاء النظريات الأمنية هو للتعمية عن عمق الأزمة السياسية التي فاض نتنها في الإفلاس المدوي للأحزاب السياسية وفساد القادة وموت السياسة وقحط الساسة وتكاثر ونمو طفيليات الأحزاب اليمينية العنصرية والساسة الغوغائيين، وانكشاف فضيحة الديمقراطية أنها رهن وقيد لطبقات أصحاب رؤوس الأموال الحكام الحقيقيين الذين يتنازعونها لتحقيق مصالحهم الخاصة، هذه المصالح الذي وصلت خلال هذين العقدين مرحلة التنافر والتناقض ولّدت تطاحنا ساما أضحت معه أدوات السياسة قاصرة وعاجزة عن تلبية وتحقيق الأهداف الرأسمالية المتضاربة والمتناقضة، وتم استدعاء العنف المادي كأداة لتحقيق الأهداف السياسية والرأسمالية، فكان الهجوم على مبنى الكابيتول ومقر الكونغرس بالعاصمة واشنطن عام 2021 ذروة هذا العنف، عطفا على إفلاس وفشل المنظومة وأنظمتها في تحقيق الغاية من وجودها في تنظيم المجتمع وسد حاجات أفراده، أصبح معها العنف المادي أداة المجتمع وأفراده للتعبير عن امتعاضهم وتمردهم.

 

في هذه الظروف المشحونة بالإفلاس والفشل السياسي كان إطلاق النار الأخير، وهذا العنف السياسي المسلح مرشح للنمو والتوسع، فالنزاعات العميقة في الحياة السياسية الأمريكية في ازدياد ومعها الخطاب التحريضي لسحق الخصم، وهذه الحالة هي الوصفة المثالية لبلد يقف على شفير حرب أهلية. فالمجتمع الأمريكي اليوم يعيش حالة انقسام حادة وسامة على مستوى الطبقات الرأسمالية والطبقة السياسية والشعب، والكل متفق أنها حالة نار تحت الرماد عبر عنها ناشط جمهوري في ولاية ساوث كارولينا ومن معارضي ترامب: "إذا لم تكن البلاد برميل بارود من قبل، فهي الآن كذلك"، وقالت سي إن إن الأمريكية بعد حادث إطلاق النار "لقد صدمت البلاد التي تعاني بالفعل من تصدع عميق وذلك خلال واحدة من أكثر فتراتها توترا في تاريخها الحديث"، كما أشارت استطلاعات الرأي إلى المستوى الخطير الذي بلغه تغلغل العنف المسلح كأداة سياسة والاستقطاب الواسع له، ومعه تعاظمت المخاوف من انزلاق أمريكا نحو ماضيها الدامي وحربها الأهلية المعاصرة.

 

فالحالة الأمريكية هي الحالة المتقدمة للتعفن السياسي الغربي، فانقسام وانشطار المجتمع والدولة وإفلاس المنظومة وفشل الأنظمة وفساد الرأسماليين والساسة وتفريخ العديد من الطبقات الرأسمالية المتناقضة المصالح، ولد مزيجا شديد السّمّية والانفجار جعل كل طبقة من هذه الطبقات المتنافرة تسعى لتسخير المجتمع وفئاته وأفراده والدولة وأنظمتها ومؤسساتها وأجهزتها لأهدافها ومصالحها الخاصة، والهدف تحطيم الخصم وتهشيمه وليس فقط عزله وتحييده. وسياسة كسر العظم والعنف المادي المصاحب لها بات عنوان المرحلة على المستوى السياسي في الداخل الأمريكي، وإطلاق النار الأخير أحد إفرازاته.

 

فإطلاق النار على الرئيس الأمريكي السابق خلال تجمع انتخابي في بنسلفانيا، يذكر بعمق الفساد الذي ينخر المنظومة الغربية وإفلاس وعوار أنظمتها، وها قد طفا إلى السطح نتن ديمقراطيتها، فأصبح معها اللجوء للعنف ومحاولة القتل والاغتيال والتآمر مادة التصارع والتطاحن السياسي وأدوات لتصريف المصالح المتناقضة لطبقات الرأسماليين المتصارعين مع التداعيات الكارثية على المجتمع والدولة.

 

فالحالة الغربية ستزداد تعفنا ونتنا ومعها الكارثة الإنسانية بحكم هيمنة وسيطرة النموذج العلماني الرأسمالي على السلطة والقرار العالمي، وستفرز مستوى من المآسي غير مسبوق وجحيما لا مثيل له في تاريخ البشر، وقد تبدت بعض مؤشراته خلال هذه السنوات الأخيرة، ترجمها تغول وتوحش رأسمالي أشد فتكا بالشعوب، وتعفن قيمي ينذر بالانتحار الحضاري، فتفكك مجتمعي مدمر استغرق الجماعات والأسر، وأنانية سامة وتقوقع على المصالح الذاتية الضيقة، وانحطاط سياسي أفرز تنظيماته وأحزابه العنصرية، ثم فقر وإفقار عبر غلاء لأساسيات المعيشة فاق كل المستويات، ونار جباية الضرائب التي التهمت الأخضر واليابس... ما يجعل الانفجار أمرا محتوما، ومع انسداد الأفق غربيا وانعدام البديل غربيا يصبح اللجوء للعنف المادي بكل أشكاله تعبيرا عن الاحتقان والامتعاض والتمرد.

 

أمام هذه الكارثة الغربية العظمى التي أشرفت معها البشرية على الهلاك والفناء، صار حتما عليكم معشر المسلمين إقامة خلافة الإسلام الراشدة بوصفها فريضة شرعية وضرورة مصيرية إنسانية، لإنقاذ البشرية وأنتم معها من هذا التيه السحيق لحضارة الغرب الكافرة وأنظمتها المدمرة، واستئناف حياتكم الإسلامية بوصفها الترجمة العملية للمنهج الرباني في الأرض، الذي لا عدل ولا رفاه ولا أمن إلا به، حتى لا تبقي الأرض في ظلها خيرا إلا أخرجته، ولا تبقي السماء من قطرها شيئا إلا أنزلته، ويلقي الإسلام بجرانه في الأرض.

 

﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

مناجي محمد

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع