الثلاثاء، 06 ذو القعدة 1445هـ| 2024/05/14م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

مؤتمر الخلافة السنوي 2023

الكلمة الرابعة

حزب التحرير والخلافة

الأستاذ منذر عبد الله

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

لم تمض سوى ثلاثة عقود على هدم الخلافة وزوال حكم الإسلام حتى نشأ حزب التحرير. فقد تأسس حزب التحرير سنة 1953 في القدس على يد المفكر والعالم والقاضي تقي الدين النبهاني رحمه الله.

 

لم تكن عملية إنشاء الحزب ارتجالية، وإنما كانت نتيجة عملية تفكير عميقة في واقع الأمة وتاريخها ومبدئها. أدت عملية التفكير هذه إلى فهم مشكلة الأمة وتحديد أسباب ضعفها وانحطاطها. كما تمخضت عن تشكل تصور واضح ومفصل عن كيفية إنهاضها.

 

فالحزب هو الجماعة الوحيدة التي سبق تشكلها عملية تفكير عميقة أدت إلى فهم مشكلة الأمة بشكل دقيق وفهم حقيقة التغيير والنهضة وفهم سيرة المصطفى ﷺ فهما تشريعيا وعمليا وفهم واقع الأنظمة القائمة في بلادنا اليوم وفهم واقع المجتمع ومعنى الدولة وواقع الحكم. فقد قام الحزب على أساس فكرة محددة ومنهج واضح وثقافة عميقة صقلت شخصية شبابه فكانوا حملة دعوة ورجال دولة جديرين بقيادة البشرية بالخير ونحو الخير.

 

وبناء على ذلك فإن الحزب أدرك أن مشكلة الأمة تتمثل في ضعف فكري ذي جذور تاريخية أدى إلى ضعف فهم الإسلام وتطبيقه وحمله إلى العالم. ثم تبع ذلك غزو فكري من الغرب أفقد المسلمين توازنهم فكانت الهزيمة التاريخية التي أدت إلى هدم الخلافة واحتلال بلاد المسلمين، وفرض الهيمنة الغربية على بلادنا بكل أشكالها.

فقد جعل الحزب غايته استئناف الحياة الإسلامية وإعادة الحكم بما أنزل الله بإقامة الخلافة الراشدة.

 

أما طريقة عمل الحزب لتحقيق غايته وإحداث التغيير المطلوب فقد تمثلت في عملين أساسيين:

 

التفاعل مع الأمة لتغيير أفكارها ومشاعرها وتحميلها الإسلام كمبدأ فتتبناه عن وعي وتسير مع الحزب لإيجاده في المجتمع والدولة. والعمل الثاني هو طلب النصرة من أهل القوة والمنعة لكسب ولائهم للإسلام وللأمة فينحازوا لمشروع تحررها ونهضتها الراشدة فيعملوا على إيصاله إلى الحكم.

 

والحزب يسعى لتحقيق أهدافه عن طريق العمل الفكري والسياسي ولا يعتمد العنف وسيلة في التغيير. كما أنه يرفض المشاركة في الأنظمة القائمة في بلاد المسلمين، ويرفض فكرة التدرج في تطبيق الإسلام، بل يعتبر ذلك منكرا عظيما وتكريسا للأنظمة الفاسدة.

 

ويسعى الحزب لأخذ الحكم عن طريق الأمة ويعتبر الاستعانة بالدول الكافرة خيانة وإثما مبينا وانتحارا سياسيا.

 

أدرك الحزب من البداية عمق الأزمة التي تعيشها بلادنا وأنها تتمثل في فقدان الهوية وسلب سلطان الأمة وفرض ثقافة الغرب وأنظمته على بلادنا. فالغرب يتحكم بقرار الأمة ومصيرها وبثرواتها وحتى بعقول أبنائها من خلال ثقافته. وهو الذي فرض علينا دستورا علمانيا مناقضا لعقيدة الأمة. وهو الذي يحدد السياسات الداخلية والخارجية. وهو الذي يفرض الحكام الفاسدين ويرعاهم، وإن هدد الشعب بعض هؤلاء الحكام، حضر الغرب بنفسه من خلال جيوشه وأساطيله لمواجهة الأمة.

 

ولذلك فقد جعل الحزب من أهم أهدافه تحرير البلاد من الهيمنة الغربية، وهذا لا يقتصر على إغلاق سفاراتهم وقواعدهم العسكرية، ولا يقتصر على إسقاط السلطة العميلة لهم، بل بنبذ ثقافتهم الليبرالية، ونظامهم العلماني، ودساتيرهم الوضعية. ثم جعل العقيدة الإسلامية بوصفها عقيدة روحية، وفكرة سياسية أساسا لبناء الدولة، وسن القوانين، ورسم السياسات، فتجعل السيادة للشرع، والسلطان للأمة.

 

فالصراع الحقيقي الذي نخوضه كحزب وأمة ليس مع هؤلاء الحكام، فهم مجرد أدوات. والعدو الأصلي هو الدول الغربية الاستعمارية. فقد تحولت بلادنا إلى مزارع للغرب منذ هدمت الخلافة. فالدولة الوطنية والاستقلال مجرد خدعة وكذبة، ونحن شعوب فاقدة للإرادة وللقرار. سلطاننا مغصوب، وثرواتنا منهوبة، وقرارنا مصادر، وشريعتنا معطلة، وحرماتنا مستباحة، وحكامنا عون لأعدائنا علينا.

 

وقد رأى الحزب أن الطريق لتحقيق التحرر من نفوذ المستعمرين وكسر شوكتهم وكسب هذه المواجهة التاريخية واستعادة سلطان الأمة وهويتها واستئناف الحياة الإسلامية يتمثل في ثلاثة أمور:

 

أولاً: هدم كل أثر فكري وثقافي للغرب في بلادنا. ويتم ذلك من خلال الصراع الفكري الذي يبين فساد ثقافة الغرب وتناقضها مع الإسلام وأنها تطرح في بلادنا كأداة استعمارية لصرف الشعوب عن سر نهضتها. وبالكفاح السياسي الذي يكشف مشاريع الغرب وأدواته في بلادنا ويتصدى لكل ما يروج له الغرب.

 

ثانيا: بلورة الأفكار الاسلامية التي تتعلق بالحكم الإسلامي ودولته، كي يدرك المسلمون معنى العيش الإسلامي وفق وجهة النظر الإسلامية، فيتولد وعي عام إسلامي ينتج عنه رأي عام جارف مطالب بالتحرر على أساس الإسلام وإقامة خلافته الراشدة.

 

ثالثاً: العمل على كسب ولاء أهل القوة والمنعة وجمعهم على فكرة الإسلام ووجوب نصرته وإفهامهم أن ولاءهم يجب أن يكون لدينهم وأمتهم وليس لحكام عملاء، ولا لكافر مستعمر. فإن وجد الرأي العام الجارف، ووجدت القوة التي تنصره، ووجد القائد؛ حزب التحرير فقد اكتملت عناصر التغيير.

 

وقد شَن الحزب حرباً فكريةً وسياسيةً على الأوضاع اﻻستعمارية القائمة وعلى اﻷنظمة العميلة التي تتولى حراستها كي تدركها الأمة على حقيقتها، فتنهض مع الحزب لخلعها من جذورها - في الوقت الذي كان يدعو فيه غيره إلى التعايش مع الأوضاع القائمة ومحاولة إصلاحها لتتناسب مع الإسلام قدر الإمكان - وعمل الحزب في الوقت نفسه على إيجاد الوعي في اﻷمة على طبيعة النظام السياسي في الإسلام (الخلافة) وما يجسده من وجهة نظر وطريقة عيش إسلامية متميزة.

 

فسار الحزب في خطين متوازيين؛ هدمٌ ﻷفكار الكفر ومناهجه وأنظمته، وتركيزٌ لأفكار الإسلام ومعالجاته الربانية. فتحركت في الأمة أحاسيس النهضة والتحرير من جديد بعد أن ظنّ الكفار وضعاف النفوس أنها قد ماتت.

 

وها هي الأمة اليوم في حالة تململ وحراك يُعبّر عن رفضها للأوضاع الثقافية والسياسية واﻻقتصادية اﻻستعمارية القائمة، وها هو المستعمر يطلق عملاءه في ثورة مضادة تستهدف تركيع الأمة.

 

أيها المسلمون: إن ما يحول دون خروجنا من مأزقنا ويؤخر نهضتنا ليس تفوق أعدائنا علينا، ولا انعدام الدوافع المطلوبة للتغيير في الأمة، ولم يعد يتمثل في جبن أو كسل، ولا هو في قلة الإمكانات. بل إننا والله نملك قدرات هائلة، ونواجه عدوا جبانا، ولدينا شباب تغلي الدماء في عروقهم.

 

إنّ مشكلتنا والتحدي الأكبر الذي يعيق نهضتنا هو ضعف الإدراك وغياب الوعي السياسي. فحين ندرك أن القضية الأولى والمصيرية للأمة هي إقامة الخلافة وإظهار الإسلام وإعادة حكمه وسلطانه، فسيزول تخبطنا، وستتوحد جهودنا وستتركز أعمالنا وسَتُسَخَّر جلُّ إمكاناتنا لتحقيق هذه القضية بوصفها جماع كل القضايا والمدخل إلى علاجها ومواجهتها، ما يجعلنا نسير نحو نهضتنا كالسهم الذي يسير بشكل سريع ومستقيم مخترقاً كل ما يواجهه إلى أن يصل هدفه.

 

لقد تميز الحزب بوعيه السياسي وفهمه التشريعي وبثباته على مبدئه، فلم يساوم على دعوته ولم يهادن بل ظل ثابتا رغم كل التحديات والمتغيرات والفتن.

 

وسر ثبات الحزب وعدم انحرافه يرجع إلى كونه قام على تصور مفصل يبلور فكرته ويحدد منهجه ويشكل شخصيته. فقد اعتبر الحزب أن الإسلام كل لا يتجزأ، فلا تتحقق فكرته إلا من خلال طريقته، ولا تتجسد عقيدته إلا من خلال التقيد بتفاصيل أحكامه، ولا ضمانة لتحقيق النصر إلا بالاستقامة على منهج الله.

 

لقد كرس الحزب في فكره وفي تكوينه مفهوم الأمة متجاوزا مخلفات الغرب من وطنية وقومية، فتحول الحزب في كل العالم وباختلاف جنسيات أعضائه إلى كيان فكري وشعوري وتنظيمي واحد دون أي اعتبار إلا للعقيدة الإسلامية والثقافة الحزبية.

 

وقد نجح الحزب في تحويل الخلافة من مسألة تاريخية وفقهية نظرية إلى فكرة سياسية يتمركز حولها المشروع الإسلامي، وتحولت إلى رأي عام بين المسلمين حتى باتت تؤرق الشرق والغرب وعملاءهم من الحكام.

 

وفي الوقت الذي يتقدم فيه مشروع الخلافة ويمثل أمل الأمة والبشرية بالخلاص يشهد النظام الغربي حالة ترهل وتفسخ تتمثل في فقدان شعوبه الثقة بمنظومته وبانقسام مجتمعاته وفي اشتداد أزماته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

 

لم يعد الإسلام تحدياً للغرب في بلاد المسلمين فقط، وإنما بات يتغلغل في مجتمعاته التي وصلت إلى طريق مسدود وباتت تبحث عن مخرج.

 

لا عودة إلى الوراء، بل سنكمل هذا الصراع إلى نهايته، نسير ونحن نعظّم أوامر الله ونستبشر بنصره وجنته، وفي الوقت نفسه ندوس بأقدامنا أنظمة الكفر التي فرضها الغرب علينا ونحتقر حضارته ونظمه، وتهون عندنا أمام قوة الله أساطيل الغرب وقوته.

 

﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع