الثلاثاء، 01 جمادى الثانية 1446هـ| 2024/12/03م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
  •   الموافق  
  • كٌن أول من يعلق!

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

الخلافة وفكرتها لم تخرج من التاريخ بل إنها ستصنع التاريخ

 

في مقال نشرته جريدة الشرق الأوسط تحت عنوان: "هل انتهى نموذج الحكم الديني؟" كتب الصحفي توفيق السيف من بلاد الحرمين متسائلا بصيغة استنكارية، ومن خلال مقالته خرج بالنتيجة التي وضعها سلفا وهي أن الخلافة أصبحت فكرة من الماضي الجميل وأن حقها الآن أن تكون في بطون الكتب، وعنوان مقاله ومضمونه يجعلني أضع بعض النقاط على الحروف فأقول:

 

أولا: إن الكاتب كغيره من الكتاب يستقون معلوماتهم عن الخلافة من الواقع، وإن تفكيرهم في هذا الاتجاه لا يعدو تفكير البسطاء من الناس، ولعلي أجد لهم بعض العذر، فإن الثقافة التي تُفرض عليهم بل على الأمة كلها هي ثقافة المنتصر، فهي التي تدرّس في المدارس والجامعات وقلما سلم منها أحد، فالجميع يفكر داخل الصندوق إلا من رحم الله، ولذلك لا أراني أجد في نفسي عداوة للكثير ممن يكتب حول هذا الأمر لأن مصادر المثقفين والعوام هي المصادر نفسها؛ إما الإعلام الموجه، وإما المدارس والجامعات، ولأن الإنسان بطبعه يميل إلى الدعة والراحة فإنه سرعان ما يجعل لنفسه منظومة فكرية صنعها لنفسه ولا يرغب بأن يجري تغييرها أو اللعب بها، والكاتب هنا وضع المقدمة والبرهان وخرج بالنتيجة دون أن يرأف بعقله.

 

ثانيا: عنون الكاتب مقالته بـ"هل انتهى الحكم الديني؟" وكأني به يريد التسوية بين الخلافة من حيث كونها نظاماً يقوم على تطبيقه بشر وبالتالي فإنه لا تقدح بقدسيته أخطاؤهم، وبين النظام الإيراني أو ما سماه الدولة الدينية التي يظن أصحابها أنهم قائمون مقام الإله أو على أقل تقدير أنهم قائمون مقام المعصوم، فدولة الخلافة دولة يقوم على حمل فكرتها وتنفيذ أحكامها بشر، فهي دولة بشرية وليست دولة دينية بالمعنى الثيوقراطي أو بالمعنى الإيراني والتي تستمد سلطتها من الخالق، فإن تطرق لها الخلل تطرق لصاحب الفكرة ومنزِّلها وهو الله تعالى، لذلك فإن هذا القياس من الكاتب لا يصح، وإثبات المقدمة والبناء عليها والخروج بالنتيجة التي خرج بها الكاتب لا تصح، فالخلافة دولة بشرية أساسها القرآن والسنة تقوى وتضعف ليس بسبب ضعف الفكرة وإنما بسبب القائمين على التطبيق، وإذن فهي ليست دولة دينية بالمعنى الكهنوتي ولا تنطق باسم الإله ولا ينوب خليفتها عن المعصوم أو المهدي الغائب.

 

ثالثا: خيرا فعل الكاتب إذ أقر أن الخلافة استمرت ثلاثة عشر قرنا فكانت دولة المدينة المنورة التي أقام قواعدها وأرسى أركانها رسول الله عليه الصلاة والسلام واستمرت حتى سنة 1924م، فهو يوافقنا أن الأمة الإسلامية لم تعرف لثلاثة عشر قرنا إلا نظام الخلافة، وما أنظمة المسارح الآن والكيانات الكرتونية القائمة في بلاد المسلمين ما كانت إلا بعد زوال الإطار الذي كان يجمع المسلمين كافة في مشارق الأرض ومغاربها.

 

رابعا: أنصف الكاتب حزب التحرير الذي قال فيه "لم أجد مخلصا لفكرة الخلافة ويعمل لها في العالم الإسلامي إلا حزب التحرير"، إلا أنه طعَّم كلامه بشيء من السم وكأنه يريد أن يقول بأن حزب التحرير يعمل في خيال وبأنه يعمل كمن ينفخ لبعث الحياة في فكرة ماتت وتم دفنها، ويعبر عن ذلك بقوله "إن فكرة الخلافة لم تعد احتمالا جدِّيا أو فكرة جديرة بالعناء من المسلمين".

 

خامسا: إن الخلافة حكم شرعي وهي وحدها النظام السياسي عند المسلمين ولا فرق بين كون الصلاة والصيام والجهاد فروضا بيّنها الشارع وطلبها على كيفية معينة وبين كونه جعل نظام الحكم في الإسلام هو الخلافة وجعلها الطريقة الشرعية الوحيدة لاستئناف الحياة الإسلامية، بل إن الشارع فوق ذلك جعل الفرائض لا تنتظم على وجهها الأكمل إلا في عقد الخلافة، فالخلافة هي السياج الحامي لكل الفرائض من أن ينتقص منها شيء، وحتى الفرائض العينية التي يُظن أنه يقام بها دون الخلافة فإنه لا يقام بها على وجهها الأمثل إلا بالخلافة، فمثلا الصلاة واجب عيني لكننا لا نجد الدولة مثلا تقيم حدودها وأركانها، فمن أراد الصلاة صلّى ومن أراد تركها تركها دون حسيب أو رقيب، وقل مثل ذلك في الزكاة. أما على مستوى الفروض الكفائية التي ترفع عماد الدول وتصان الدول بها مثل الجهاد فإن الدول تمنعه بل وتعتقل وتسجن وتقتل من يطالبها بتنفيذه، فالفروض كلها لا سياج يحميها إلا سياج الخلافة، ولذلك لم يخطئ من قال بأن الخلافة هي أم الفروض ولا يقام بالفروض على وجهها إلا بها، وهي حكم شرعي تعلق برقاب المسلمين لا فرق بينها وبين الصلاة، ولنا أن نستأنس بقوله سبحانه: ﴿الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾ فانظر كيف جعل الشارع إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ثمرة للتمكين تماما كما جعل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كذلك، مع أن الناظر للوهلة الأولى في شأن الصلاة يقول بأنها (أي الصلاة) علاقة بين العبد وربه يقيمها في دار الإسلام كما يقيمها في دار الكفر، فما بال الشارع قد ربط بين التمكين في الأرض وبين إقامة الصلاة؟ فالجواب هو ما ذكرناه آنفا من أن الشارع أنزل الإسلام وجعل فيه مجموعة من الأحكام الشرعية يدور بعضها مع بعض مثل السن في الدولاب، والخلافة هي بمثابة العقد الذي ينظم هذه الأحكام على شكلها الصحيح، فإذا جاءها الخلل فإن العقد سينفرط لا محالة، وما أجمل تمثيل النبي عليه الصلاة والسلام هذه الصورة بقوله: «لَيُنْقَضَنَّ عُرَى الْإِسْلَامِ عُرْوَةً عُرْوَةً، فَكُلَّمَا انْتَقَضَتْ عُرْوَةٌ تَشَبَّثَ النَّاسُ بِالَّتِي تَلِيهَا، وَأَوَّلُهُنَّ نَقْضًا الْحُكْمُ وَآخِرُهُنَّ الصَّلَاةُ» فانظر إلى هذا التوصيف كيف أن الشارع شبّه حال الأمة إذا زال أو انتقض الإسلام بوصفه نظاما للحكم بأن ذلك سيؤثر على الصلاة مع أنها من فروض الأعيان يظن المسلم أنه يقوم بها على وجهها بدولة أو بغير دولة!

 

سادسا: تناول الكاتب أمرا مهما، وهو كون الشباب في إيران انتفضوا على النظام الإيراني، وكون التسخط عمّ الشعب الأفغاني على منع النساء من إكمال تعليمهن الجامعي، فإن النتيجة أن النظام الديني في إيران أو أفغانستان أو غيرها غير مرغوب فيه وبالتالي فإن الناس لا تريد نظام الخلافة... وما زال الكاتب يضع الأصول والفروع ويجري القياس ويضع المقدمات والنتائج على هواه! على كل حال فإننا لا نقره أن حركة طالبان في أفغانستان أو النظام الجمهوري في إيران يمثلان الإسلام أو يحسنان تطبيقه، فالنظام في إيران والدستور في إيران هو دستور وضع لدولة قومية فارسية ولم يوضع دستورا إسلاميا، وما تسمية الثورة بالإسلامية إلا كورقة توت غطى ويغطي بها الملالي ولاءهم للغرب وخدمة أهدافه. أما النظام في أفغانستان فلم يّدّع أو يُدع له أنه دولة خلافة، فليست أفغانستان تحت حكم طالبان أو قبل طالبان بدولة للمسلمين كافة وإنما هي دولة قطرية تحاول أن تطبق بعض أحكام الإسلام. هذا هو التوصيف الصحيح للدولتين، فإذا صح هذا في العقول فلا يصح القول بأن تمرد الناس في هاتين الدولتين هو تمرد على الإسلام أو أحكامه، ونحن إذ نقول بأن الإسلام نعم يتضمن أنظمة وقوانين لا يصح تجاوزها بحال، لكننا بالمقابل نقول إن قوة الجندي وصرامة القانون ليستا هما المعول الذي تضرب به الدولة، وإنما الدولة دائما تزرع في الناس من الأفكار والمفاهيم التي بها يحافظ الناس على دولتهم، فالزكاة عبادة وليست اقتطاعا من أموال الناس، ولباس المرأة عبادة وليس انتهاكا لحرية المرأة، وهكذا... فإذا تم تعديل المفاهيم والأفكار تم تعديل السلوك تلقائيا، فلا يصح القياس مع الفارق، فالدولة الإسلامية غير إيران وغير أفغانستان، فالقيم فيها والأحكام الشرعية ستكون قيما للناس وأحكاما لها، وسيكون دافع التقوى واستحضار الجنة هما الضمانة الفعلية لتطبيق الإسلام، وإذا حصل خروج عن الأحكام الشرعية والقوانين فإن ذلك يكون حالة مرضيّة تستدعي تدخل الدولة.

 

سابعا: إن الخلافة وفكرتها لم تخرج من التاريخ كما يقول الكاتب، بل إنها ستصنع التاريخ قريبا إن شاء الله وستعيد كتابته كما كتبته من قبل في ثلاثة عشر قرنا، بل إننا مطمئنون أنها ستكون خلافة على منهاج النبوة كما بشرنا بذلك رسول الله ﷺ، فكما أننا لم نغير ولم نبدل في صلاتنا أو حجنا فكذلك نحن في العمل لإقامة الخلافة، فليس شأن الخلافة عندنا بأقل من الصلاة والصيام، وإن حزب التحرير الذي ذكره الكاتب بأنه لم يغير أو يبدل وبقي مخلصا لفكرة الخلافة فإن ذلك لعهد أخذه الله عليه وأمانة قَبِل حملها، نعم فإنه لن يغير أو يبدل وهو مطمئن أن الله سينصر دينه ويعلي راية الإسلام خفاقة في جنبات الأرض وستكتسي الأرض بعد الخلافة حلة جديدة ليس فيها ظلم وقتل ودماء، بل سيعم عدلها الدنيا بأكملها. قال تعالى: ﴿إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَرَاهُ قَرِيباً﴾.

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

أبو المعتز بالله الأشقر

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع