الجمعة، 19 رمضان 1445هـ| 2024/03/29م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

إقامة شرع الله في الأرض

عهد القيادة الحق الذي يتجدّد حتّى يتمّ اللّه وعده

 

سبحان الذي خلق الإنسان وصوّره، ونفخ فيه من روحه وبالعقل كرّمه. سبحانه الذي بعث رسوله رحمة للعالمين ليخرجهم من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان. سبحانه الذي أنزل كتابه على نبيّه المصطفى ليكون نبراسا وسراجا ينير طريق النّاس أجمعين. سبحانه الذي قال: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ﴾. سبحانه الذي قال: ﴿قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ.

 

خلق الله عباده وأخذ عهدهم بأن يشهدوا أنّه ربّهم ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ﴾.

 

أنزل شرعه ليعيش به من في الأرض عيشة طيّبة تضمنها أحكامه التي لا يأتيها باطل ولا نقصان، يقيمها فيهم قائد يخشى الله. اصطفى الله أمّة نبيّه لتكون خير أمّة أخرجت للنّاس تدعو إلى الخير وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، لتكون الأمّة التي تقود الأمم بما يرضيه سبحانه ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ﴾.

 

من سننه سبحانه أن جعل القيادة ضرورة حياتيّة لتسيير شؤون خلقه، فأسراب الطّير لها قائد يوجّهها، والأنعام والحيوانات لها من يقودها، وكذا النّمل والنّحل... هي أمم مثل البشر ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ﴾.

 

فالقيادة سلطةُ توجيه وتنظيم للحياة وهي أمر ضروريّ لتسييرها، وقد جعل الله سبحانه وتعالى بيعة قائد لأمّة الإسلام فرضاً عليها لينفّذ فيها أحكام الله، وأوجب عليها طاعته إلّا أن يأمرها بمعصية فلا سمع له ولا طاعة.

 

كان الرّسول ﷺ أوّل قائد لأمّة الإسلام وأعظم رجل عرفته البشرية؛ بلّغ الرّسالة وأدّى الأمانة وترك أمّة الإسلام عزيزة قويّة تقود الأمم وتنشر فيهم نور الله وهديه، ولم تشهد البشريّة قائدا أعظم منه؛ فهو الذي جمع النّاس أطيافا وعشائر، أجناسا وألوانا تحت راية لا إله إلّا الله وكسر الحدود ووحّد القلوب.

 

أن نعبد الله معناه أن نعمّر الأرض وننشر فيها حكمه. تلك هي الأمانة التي أبت السّماوات والأرض والجبال أن يحملنها وحملها الإنسان. تسلّمها الأنبياء والرّسل وكان رسول الله ﷺ آخرهم أدّى هذه الأمانة العظيمة على أكمل وجه وأرضى ربّه وأشهده على تسليم الأمانة لأمّته لتواصل السّير على دربه وتتّبع منهجه في الوفاء بالعهد الذي قطعه لحفظ دين الله ونشره في العالمين.

 

كان عهد القائد الحقيقيّ الصّادق المخلص الذي لا همّ له إلّا إرضاء ربّه ونشر شرعه في النّاس كافّة حتّى تكون الحياة كما يحبّ الله ويرضاها لعباده ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ * وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ * لَهُم مَّا يَشَاءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ﴾، وعلى دربه سار أصحابه فكانوا لما وضعه فيهم وما علّمهم إيّاه من حفظ للدّين وعمل على نشره وقيام على شؤون الأمّة ونشر للعدل والأمن فيها وتوفير حاجيات كلّ من له تابعيّة لدولة الإسلام يتنافسون، وفي خدمة الدّين وإعلاء كلمته أموالَهم يبذلون، وللحياة الآخرة ورضوان الله ينفقون ما يملكون. كانوا يعملون على أن يحسنوا تطبيق أحكامه في العباد، يخشون الله فيهم ويتّقون غضبه إن قصّروا أو ظلموا. كانوا يقومون على خدمة رعاياهم ويقفون على تأمين حاجياتهم وخاصّة العجائز والعجّز ومن لا وليّ لهم. وقصّة العجوز الضّريرة التي قام على خدمتها أبو بكر خليفة رسول الله ثمّ استكمل رعايتها عمر بن الخطّاب خير مثال على التّسابق على حسن الرّعاية وغبطة الواحد منهم للآخر في ذلك "أتعبت الخلفاء من بعدك يا أبا بكر"... يتناوبون على الأمانة ويسعى كلّ منهم على حسن أدائها على الوجه الذي يرضي الله. وكانوا يرقبون الله حتّى في الطّيور (ينثرون لها الحبّ حتّى لا تجوع) والدّوابّ (يعبّدون لها الطريق حتّى لا تعثر)!

 

 أمانة أدّاها خلفاء المسلمين كلّ حسب تقواه وخشيته من الله. حاولوا الحفاظ على هذا الدّين والذّود عنه ونشره في كلّ بقاع الأرض لتكون كلمة الله هي العليا ويكون الحكم لله الواحد، ولكن أعداء هذا الدّين وبمساعدة شرذمة قليلة من أبناء الأمّة الذين خانوا الله ورسوله وفرّطوا في الأمانة وباعوها تمكّنوا من إسقاط دولة الخلافة؛ الكيان السّياسيّ الذي يحفظ الدّين ويقوم على تنفيذ أحكامه، وقسّموها إلى دويلات نصّبوا عليها عملاء لهم يقومون على مصالحهم ويؤمّنون لهم نهب ثروات الأمّة وأراضيها. أسند الأمر إلى غير أهله، وإذا أسند الأمر إلى غير أهله فلننتظر قيام السّاعة كما حدّثنا بذلك ﷺ: «إِذَا ضُيِّعَتْ الْأَمَانَةُ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ» قَالَ: كَيْفَ إِضَاعَتُهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «إِذَا أُسْنِدَ الْأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ» (رواه البخاري).

 

أُسند الأمر إلى من لا يرعى شؤون النّاس ولا يقف على مصالحهم. أثقلوا كاهلهم بالضّرائب وغلاء الأسعار وحرموهم من ثرواتهم التي حباهم الله بها. أُسنِد الأمر إلى من باعوا البلاد ونشروا الظّلم بين العباد وأفشوا بينهم الفسق والفساد.

 

فأين هم هؤلاء الذين تولّوا أمور النّاس وحكموهم بنظام بشريّ يخدم مصالح قلّة ويضطهد أغلبيّة النّاس ممّا يعانيه الأطفال في العالم (حروب، مجاعة، استغلال جسديّ وجنسيّ)؟! أين هم ممّا يعيشه هؤلاء وخاصّة منهم أبناء المسلمين من خوف وتهجير؟! أين هؤلاء الذين يحكمون بنظام قاصر عاجز عن الرّعاية لا يؤمّن حاجيات الإنسان ممّا يعيشه آلاف الأطفال الذين يموتون جوعا أو يقتاتون من الحشائش ومن القمامة ليسدّوا رمقهم؟! وهم أبناء أمّة لها من الثّروات ما يضمن لها العيش الكريم؟!

 

شتّان بين هؤلاء وبين من كانوا يحكمون بشرع الله يرحمون الصّغير ويوقّرون الكبير! «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا» رواه أبو داود والتّرمذيّ، شتّان بينهم وبين من كانوا يمسحون على رؤوس اليتامى ويوفّرون لهم ما يحتاجون!

 

أين أولياء الأمور اليوم ممّا يعانيه النّاس من فقر وبطالة؟! أين هم من شباب الأمّة الذين ينهون حياتهم شنقا أو غرقا أو حرقا بعد أن سدّت في وجوههم كلّ الأبواب ولوّن السّواد حياتهم وصار اليأس والإحباط عناوين لها؟!

 

أين هم من آلام شبابنا وهم مطوّقون بتيّار جارف من الفتن والمغريات؟! يعيشون حياة تدعوهم إلى المحرّمات وتنهاهم عن العفّة والطّهارة! أين هؤلاء ممّا كان عليه من حملوا الأمانة وسعوا للحفاظ عليها واتّقوا الله في الشّباب فزوّجوهم وعفّوهم وأعانوهم على تلبية غرائزهم بما سنّ الله من أحكام وبما يرضيه؟! عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قال، قال رسول الله ﷺ: «ثَلَاثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَوْنُهُمْ؛ الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالْمُكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الْأَدَاءَ، وَالنَّاكِحُ الَّذِي يُرِيدُ الْعَفَافَ».

 

فأين ولاة الأمور اليوم والشّباب عاجز عن التّعفّف لا يقدر على مصاريف الزّواج ولا على إعالة أسرة والقيام على نفقاتها (فالبطالة متفشّية وتكاليف الزّواج والمعيشة باهظة...)؟!

 

أين ولاة الأمور وقد صارت المرأة مستغلّة مقهورة مستعبدة مخدوعة بعناوين الحرّيّات والحقوق وهي مكبّلة تنتظر من يحرّرها من هذا العيش النّكد الذي أفقدها أنوثتها التي فطرها الله عليها؟!

 

أين هؤلاء الذين يدّعون قيادة العالم ممّا يعانيه العالم بأسره من مجاعات وفقر وبطالة وحروب؟! من عيش نكد ضاقت به صدور النّاس وصارت أعناقهم مشرئبّة ترقب نظاما آخر يرعى شؤون كلّ النّاس: فقيرهم وغنيّهم صغيرهم وكبيرهم رجالهم ونساءهم، يرعى الإنسان كإنسان؟!

 

وهل لها من نظام أفضل من نظام خالقها ليرعى شؤونها ويضمن حاجاتها؟ ﴿أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ.

 

أين هؤلاء من القادة الحقّ الذين وعوا على الأمانة التي أودعها الله لعباده وحملها خير البشريّة وصحابته وكلّ من صدق الله؟! ومن صدق وأدّى الأمانة فقد نجا ومن قصّر وكذب فقد خان وسيندم يوم لا ينفعه النّدم!

 

القيادة الحقّة تحمِل دعوة الله وتذكّر بالصّدق مع الله، تحمل همّ هذه الرّسالة وهمّ هذا الدّين وتعمل على الذّود عنه وإعزازه في الأرض، لا تخشى في ذلك لومة لائم ولا يثنيها عن ذلك قلّة السّالكين لهذا الطّريق. هي التي تعمل على حراسة شرع الله وتقوم على أن تجعله يحكم الأرض بكلّ قوة وصلابة. لا تهادن ولا تجامل ولا تتهاون. لها من العزيمة ما تقهر به كلّ تردُّدٍ ومن الجرأة والإقدام ما ينفي عنها كلّ تراخٍ أو إدبارٍ. صادقةٌ هي وصدقها مع الله المعزّ النّاصر ذي القوّة المتين.

 

القيادة الحقّة مسؤوليّة، يخشى كلّ من يخاف الله عدم إعطائها حقّها. في رواية عن أبي ذرّ قال: قلت يا رسول الله، ألا تستعملني؟ فضرب بيده على منكبي ثم قال: «يَا أَبَا ذَرٍّ إِنَّكَ ضَعِيفٌ، وَإِنَّهَا أَمَانَةُ، وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ، إِلَّا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا، وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا» رواه مسلم

 

 القيادة الحقّة هي أن يكون همّ القائم عليها تطبيق أحكام الله في النّاس لينير حياتهم بها فيتجلّى كمال شرع الله في حلّ مشاكلهم وتأمين حاجياتهم وضمان العيش الكريم لهم فينشر العدل والرّحمة بينهم ويجعلهم يطمئنّون له ويدخلون في الإسلام أفواجا. فالقائد الحقّ هو من لا يرى العالم إلّا وقد حكمه شرع الله وساده وقاده لأنّه على يقين بوعد الله بالتّمكين والنّصر لعباده الصّادقين.

 

 القائد الحقّ هو الذي يضع الأمانة العظيمة فوق كلّ اعتبار كما سيّدنا أبي بكر رضي الله عنه الذي نهل من خير الخلق وصاحَبَه في هجرته، قال كلمته الفصل إثر وفاة أحبّ النّاس إليه عليه الصّلاة والسّلام ونادى في المسلمين "فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ مُحَمَّداً ﷺ فَإِنَّ مُحَمَّداً ﷺ قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ" في خطوة حاسمة حافظت على وحدة الدّولة وقضت على الرّدّة.

 

القائد الحقّ رائد لا يكذب أهله، صادق مع الله ورسوله والمؤمنين، يعمل باللّيل والنّهار ليعيد عزّ الإسلام ومجده ويوحّد المسلمين تحت راية التّوحيد ويلمّ شملهم في دولة واحدة في ظلّها يحيون حياة قوّة وعزّة يقهرون بها الأعداء ويذلّونهم ويسودونهم ويقودونهم بأحكام الله العادلة.

 

القيادة الحقّة هي التي تضع عهدها مع الله على رأس أولويّات أعمالها لأنّها تؤمن بأنّ ذلك فرض عليها وواجب شرعيّ يجب الالتزام به. هي القيادة التي تجدّد هذا العهد كلّ حين وآنٍ وتجزم بأن لا راحة لها إلّا إذا حكم شرع الله العالم وعاد للإسلام عزّه وصار هو القيادة الوحيدة التي تخرج النّاس من ظلمات حكم البشر إلى نور حكم ربّ البشر، قيادة لا همّ لها إلّا تنفيذ حكم الله والعيش في ظلّه.

 

 هي قيادة تكتّلت في حزب سياسيّ، حزب التّحرير، يعمل على استئناف الحياة بالإسلام لا يريد منصبا ولا يسعى لعرض دنيويّ، بل يخشى الله وكأنّه يراه ويصدقه في تنفيذ العهد الذي قطعه حتّى تعلو راية التّوحيد في السّماء ويكون الدّين كلّه لله ولا أمر إلّا له. فلله درّها من قيادة صدقت ربّها: عليه توكّلت وبوعده تشبّثت وتيقّنت.

 

﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً

 

كتبته للمكتب الإعلاميّ المركزيّ لحزب التّحرير

زينة الصّامت

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع