- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
رسالة إلى الشباب
في كل زمان ومكان، وفي جميع أدوار التاريخ البشري كان الشباب هم عماد الأمم، وسبب نهضتها، ومنبع قوتها، ومن يعقد ألويتها، وهم مبعث فخرها وعزها.
هكذا حمل سيدنا إبراهيم عليه السلام فأسه وكسر الأصنام وهو شاب، ﴿قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ﴾، وثبت حين ابتُلي ووضع في النار، وهكذا كان ابنه الشاب إسماعيل عليه السلام حينما ابتلي بالذبح من أبيه، ﴿قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾، وهذا نبي الله يوسف الشاب يُبتلى بامرأة العزيز فيثبت ويتمنى السجن على الفاحشة ﴿قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ﴾، وهذا الأمر لا يقتصر على الأنبياء فقط، بل اختص الله تعالى بالذكر في كتابه الكريم شباباً آمنوا فاعتزلوا شرك قومهم، وآووا مع كلبهم إلى كهفهم، ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى﴾، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "ما بعث الله نبياً إلا شاباً، ولا أوتي العلم عالم إلا وهو شاب".
ولما بُعث النبي ﷺ استنكف شيوخ قريش وحكماؤها عن اتباعه، فكان شباب مكة أنصاره وعصبته، وأغلب من تقدم إسلامهم هم من الشباب، وأعضاء الكتلة السرية في دار الأرقم بن أبي الأرقم رضي الله عنهم كانوا أربعين من خيرة شباب قريش؛ وخلال الهجرة النبوية المباركة تفانى ثلة من شباب قريش في حماية الدعوة بحماية صاحبها عليه الصلاة والسلام؛ فعلي رضي الله عنه نام في فراش النبي ﷺ مع علمه أنه قد يُقتل مكانه، وكانت أسماء بنت أبي بكر تجهز الطعام وتذهب به إلى الغار، فتشق نطاقها نصفين، تتحزم بواحد، وتحزم الطعام بالآخر حتى سميت ذات النطاقين، وبعد بيعة العقبة الثانية حمل الإسلام إلى المدينة المنورة مصعب بن عمير رضي الله عنه وهو دون الثلاثين، وأسلم على يديه سعد بن معاذ سيد الأوس ابن الثلاثين عاما، وعالم الأنصار ومفتيها وقاضيها معاذ بن جبل رضي الله عنه أسلم وهو ابن ثمانية عشر عاماً، وبعثه النبي ﷺ إلى اليمن قاضياً ومعلماً ومفتياً وهو في العشرين، وجعفر بن أبي طالب أول سفير يتحدث باسم الإسلام كان شاباً في العشرينات من عمره، استطاع بلغة لم ولن تعرف الدبلوماسية المعاصرة لها مثيلاً على الإطلاق بعرضه لقضية الإسلام ليضيء للإسلام شمعة في أرض مظلمة، حين تحدث بين يدي النجاشي في بلاد الحبشة، وهذا أسامة بن زيد رضي الله عنه يقود جيشاً فيه أبو بكر وعمر وكبار الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، وهو شاب في الثامنة عشرة من عمره ليقاتل به الروم، وأمثالهم من الشباب كثر...
نعم هكذا كان شباب الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، يتحملون من المسئوليات ما يليق بهم من عزيمة وقوة وبأس، ولا يركنون إلى اللهو والكسل ومفاتن الدنيا، وما فتحت الفتوح، وعمرت الأمصار، وعُز الإسلام، وارتفعت رايته إلا بهم، وما ننعم به الآن من التدين بالإسلام بعد قرون من عصرهم ما كان والله إلا بسببهم؛ فهم حملة الدين ونقلته، شباب استثمروا حدة عقولهم، وقوة شبابهم في دين الله تعالى، شباب اصطفاهم الله تعالى طلائع لهذه الأمة المباركة فقام الإسلام بسواعدهم، وأرسى بنيانه على أكتافهم، وانتشر في الأصقاع بلسانهم وسنانهم، فلله تعالى درهم من شباب، فجزاهم الله تعالى عنا وعن المسلمين خير الجزاء، وجمعنا بهم في دار كرامته، ﴿وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الفَوْزُ العَظِيمُ﴾.
وهكذا شيدت الأمة مجدها وعزها؛ باستقامة شبابها الطاهر فبنوا في سنوات قليلة ما لم تستطعه الشعوب في أزمنة كثيرة، تسلحوا بالتوكل على الله؛ فبعث الله فيهم الشجاعة والإقدام؛ وهكذا خرج منهم عقبة بن نافع إلى شمال أفريقيا مبلغاً رسالة الله للشعوب، وكان عمره آنذاك اثنين وعشرين عاماً، حتى وقف على ساحل الأطلنطي، وخاض بفرسه مياه المحيط، وهتف في الفضاء الرحب: "والله لو أعلم أن وراء هذا البحر أرضاً؛ لخضت البحر بفرسي؛ حتى أُعلي عليها كلمة لا إله إلا الله". وخرج قتيبة بن مسلم الباهلي، متوجهاً شرقاً فاتحاً أذربيجان وأوزبيكستان وطاجيكستان وأفغانستان وباكستان، وهو "يقسم بالله ليطأن أرض الصين؛ فذعر ملك الصين وسارع إلى الصلح؛ ثم أرسل إليه صحافاً كبيرة من الذهب فيها تراب أرض الصين، وقال له: انثره بالأرض التي أنت عليها، ودس بخيلك تراب أرض الصين، ولا تحنث في يمينك". ومحمد بن القاسم الذي فتح بلاد الهند عن طريق السند، انطلق من الجزيرة العربية إلى بلاد لا يعرفها، يقود الجيوش لتنشر الإسلام. ومحمد الفاتح الذي فتح القسطنطينية وقضى على الدولة الرومانية البيزنطية، وكان في الثالثة والعشرين من عمره ليحقق بشرى الرسول الكريم ﷺ بقوله «فَلَنِعْمَ الْأَمِيرُ أَمِيرُهَا، وَلَنِعْمَ الْجَيْشُ ذَلِكَ الْجَيْشُ». وهذا غيض من فيض من أولئك الشباب العظام الذين ذكرهم الله تعالى بقوله: ﴿رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾.
قال عنهم الحبيب المصطفى ﷺ «إنَّ أحَبَّ الخَلائِقِ إلَى اللّه ِ تَعالى شابٌّ حَدَثُ السِّنِّ في صورَةٍ حَسَنَةٍ، جَعَلَ شَبابَهُ وجَمالَهُ في طاعَةِ اللّهِ تَعالى، ذاكَ الَّذي يُباهِي اللّهُ تَعالى بِهِ مَلائِكَتَهُ، فَيَقولُ: هذا عَبدي حَقّا».
نعم لقد اعتنى الإسلام بالشباب عناية فائقة ووجههم توجيها سديداً نحو البناء والنماء والخير، كما اهتم ﷺ بالشباب اهتماماً كبيراً، فكانوا الفئة الأكثر التي وقفت بجانبه في بداية الدعوة فأيدوه ونصروه ونشروا دعوة الإسلام وتحملوا في سبيل ذلك المشاق والأهوال.
وإذا ما قارنا اليوم بين حال شبابنا واهتماماتهم وطريقة تفكيرهم وفي قضاء أوقاتهم وماذا قدموا لدينهم، مع ما كان عليه شباب المسلمين في عصور العِزَّة من اهتمامات وطريقة تفكيرهم وقضاء الوقت وكيف أعزوا هذا الدين فأعزهم الله ونصرهم ليفتحوا الفتوح ويوصلوا هذا الدين لنا لننعم به.. والمقارنة لها أبعاد عميقة، ويكفي ما ذكرناه لعل الله أن ينفع به ويصلح أحوال شبابنا اليوم والتي بلغت طموحات الغالبية العظمى منهم مادية ودنيوية لا تفرق بين الحلال والحرام والحسن والقبيح، بل لا يعرفون شيئا عن واجباتهم تجاه دينهم، مقلدين للغرب، يفكرون كما يفكر الغربي، يريدون أن يعيشوا كما يعيش الغرب، فرسالتنا الأولى إلى الآباء: أيسرُّكم أن يتعلم ابنكم ويحصل على أعلى الشهادات، ويتسلم أرقى المناصب ثم يكون مصيره إلى جهنم؟! ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾، فمن البؤس والشقاء تمني الدنيا لأجل الدنيا، ومن السعادة من تمنى الدنيا لأجل الآخرة.
ورسالتنا الثانية للشباب: هل سألتم أنفسكم ماذا قدمتم اليوم لدينكم، قياساً بما قدم أسلافنا الأوائل من شباب الأمة لدينهم؟ والله لا يليق بكم أن يكون جُلّ اهتماماتكم أنفسكم وما تشتهون وما تتمنون، في حين يقتل إخواننا ويشردون، وتنتهك الأعراض وتهدم الديار، وما بلاد الشام وما حصل بها ولأهلها منكم ببعيد.
ونحن في حزب التحرير ندعوكم أيها الشباب إلى الوعي وعدم الانجرار وراء ملذات الدنيا ونفاق الحكام وأشياعهم وما يمكرون بكم وبأمتنا الإسلامية، والعمل معنا، ونحن الرائد الذي لا يكذب أهله، من أجل إقامة دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة والتي بشرنا بها رسول الله ﷺ ليكون لكم الشرف والرفعة في عز الإسلام مثل ما حصل ذلك الشرف لأسلافنا الأوائل، فيرضى عنكم ربكم سبحانه وتعالى وليتحقق فيكم قوله ﴿رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ﴾.
#أقيموا_الخلافة
#ReturnTheKhilafah
#YenidenHilafet
#خلافت_کو_قائم_کرو
كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
همام الفارس – ولاية العراق