- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
العمل السياسي لا يكون منتجاً إلا إذا كان على أساس الإسلام العظيم
تمر علينا ذكرى أليمة في هذا الشهر، شهر رجب الأغر، وقد أكملت الذكرى المائة عام على هدم دولة الخلافة في رجب 1342هـ، فهي لم تكن مجرد حدث تاريخي مرّ وانتهى دون أثر، بل ظلت تبعاته الكارثية يعيشها العالم بعامة، والأمة الإسلامية بخاصة في مختلف جوانب حياتهم، ظلماً وإفقاراً، ونهباً لثرواتهم، وترهيلاً، وعبثاً بمناهج التعليم، وتشريداً، وذلاً، وتمزيقاً لبلاد المسلمين الممزقة، كل هذه الأعمال يمارسها عدوها الذي هدم دولتها، وسار على نهجه المستعمرون الجدد بمساعدة الحكام في بلاد المسلمين وتواطؤهم معه.
ولتغيير حال الأمة والخروج من هذا الانحطاط والتدمير الممنهج، لا يكون البحث عن الآثار التي يعيشها الناس الآن. واختلافها على أنظمة ثار الناس عليها قبل سنوات بعد انطلاق ما يسمى الربيع العربي، وما ظل يردده البعض من الحنين إلى الأنظمة السابقة التي أطيح بها. هذا الحنين هو نتيجة لسوء الحكومات الجديدة وتفوقها على الحكومات البائدة في الإجرام والظلم. ولا نتحدث عن أعمال سياسية تكون مجرد ردة فعل أو حماس أو هتافات فارغة المحتوى من حيث الفكر والقناعات سرعان ما تبرد وتنتهي بإزاحة رأس النظام، ليجد الناس أنفسهم أمام ظلم أشد، وإجرام أكبر، وتبعية أعمق للاستعمار، ينتهي بالناس إلى الحيرة والجمود واليأس عن التغيير، بعد أن خاضوا غماره، وتحملوا الضرب والركل والقتل في سبيل الوصول إليه، فيجدوا أن النتيجة أن كل ما تغير هو إحلال عميل مكان عميل آخر.
أما لماذا حدث كل ذلك؟ فلأن العمل السياسي كان عبثياً تخديرياً، من جنس واقع الأنظمة نفسها التي ثار الناس عليها، ولم يكن عملاً مصحوباً بفكر تغييري منتج، يحمل في طياته بذور النهضة. إذن فكيف يكون العمل منتجاً يحدث أثراً في التغيير؟
فالتغيير يحتاج إلى فكر صالح يغير به، ويحتاج طريقا واضح المعالم يوصل هذا الفكر إلى سدة الحكم، ويحتاج إلى همة وعزيمة لا تلين، فلا يستطيع أحد أن يخدع الناس بغيره، أو يثبطهم، أو يضللهم. فكيف السبيل إلى ذلك؟
إن المسلمين، وحتى يقدموا عملاً سياسياً منتجاً فعالاً يوجد التغيير الحقيقي، فلا بد أن يكون ذلك على أساس العقيدة الإسلامية، وما انبثق عنها من أحكام لتنظيم كافة شئون الحياة في الحكم والاقتصاد والتعليم والنظام الاجتماعي، والقضاء، والسياسة الخارجية، وكافة شئون الدولة، إذ إن ما دونها ظلم وفساد وطغيان، يقول سبحانه: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾، وهو من حكم الجاهلية، يقول تعالى: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾، وذلك بأن يعرف الناس هذه الأحكام فتصبح مطلباً لهم، ويخاطب بها من هم أهل القوة والمنعة في بلاد المسلمين لينصروا هذا المشروع، فهو دينهم، وبه عزهم ونهضتهم، ومرضاة ربهم، وهذا يوجب أن يقوم الساعون للتغيير بتبني هذه الأحكام، ومعرفة تفاصيلها ليوجدوها في أذهان الأمة، ويصارعوا بها كل ما يخالف الإسلام من أفكار وأنظمة، فيكون هذا هو عمل الأمة والأحزاب والجماعات التي تعمل معها وتسعى لإنهاضها، كيف لا وهي أمة جعلت خيريتها بالقيام بهذه الفريضة (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، قال تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾.
وهي أمة حدد لها الشرع شكل العمل السياسي والحزبي المنتج، وهو أن العمل السياسي ليس نفاقاً، ولا تآمراً على البلاد والعباد، وليس خضوعاً للكافر المستعمر ولا قبولاً بمساومات يُتخلى بها عن أحكام الإسلام، ولا مصافحة للقتلة والمحتلين، بل خيوطه الشرع: قال تعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾، وقد عدّ رسول الله ﷺ ترك هذا الأمر موجباً لعدم استجابة الدعاء: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَاباً مِنْ عِنْدِهِ، ثُمَّ لَتَدْعُوُنَّهُ وَلَا يَسْتَجِيبُ لَكُمْ»، وقال عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الْمُنْكَرَ فَلَمْ يُغيرُوهُ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابِهِ»، وبناء على ذلك تنطلق الأمة والجماعات تنقب في الواقع فتنظر إلى المعروف الذي تُرِك فيؤمر بإقامته، والمنكر الذي تفشى، وما أكثر المنكرات، فيُنهى عنها.
نجد أن الظلم والدمار الاقتصادي والقروض الربوية التي أصبحت شراكاً لتمرير أجندات الكفار المستعمرين في بلاد المسلمين، ومن ثم روشتات صندوق النقد الدولي التبريرية القاضية بتخفيض أسعار العملة، وسياسات ما يسمى برفع الدعم عن السلع كالوقود والغاز والكهرباء والقمح والدواء وغيرها، والتآمر على ما تبقى من وحدة البلاد، بإثارة الصراع على أساس قبلي وجهوي، والتغيير المستمر الذي يطال مناهج التعليم، وطمس الأحكام الشرعية المتعلقة بالنظام الاجتماعي، الذي ينظم علاقة الرجل بالمرأة، لتؤسس على المفاهيم الغربية التي تفسد الرجل والمرأة، وتقضي على العفة والطهارة وتدمر الأسر تحت لافتة مساواة المرأة بالرجل، وما يسمى بحقوق المرأة والطفل. وتبني الاتفاقيات التي تقنن للفجور كاتفاقية سيداو وأخواتها. والتدخل السافر في شئون الأمة الداخلية لدرجة استدعاء بعثات أممية سياسية لتحكم البلاد بشكل مباشر، كما في حالة السودان.
كل هذه منكرات تسببت في كل هذه المشاكل والخراب في بلاد المسلمين، ورأس كل هذه المنكرات هو الحكم بغير ما أنزل الله، متمثلاً في الأنظمة العلمانية، مدنية كانت أو عسكرية، أو ملكية التي حلت محل الخلافة التي هدمها الكفار المستعمرون وعملاؤهم من خونة العرب والترك.
إذن رأس كل هذا الشقاء ووجود هذه المنكرات وما تفرع عنها، هو بعد إزالة نظام الخلافة الذي فرضه الله سبحانه، وأجمع الصحابة على أن لا يبيت المسلمون ليلتين وأيام ثلاثة بدون خليفة يطبق فيهم شرع الله، فإن لم يفعلوا ذلك ويسعون جاهدين لإزالة هذا المنكر العظيم فإنهم آثمون، ونحن خير أمة أخرجت للناس، أمة عدل وشاهدة على الأمم بهذا الحق والنور الذي أنزله الله تعالى هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، فإذا بالأمة تتخبط يمنة ويسرة في البحث عن الحلول عند الكافر المستعمر، دون أن تلتمس الخير في هذا الوحي المبين، والواجب أننا شهداء على الناس بحملنا هذا الخير لهم لينصلح حالهم، والواقع أننا لم نطبقه، ولم نهتد به فضلاً عن أن نحمله للآخرين لإخراجهم من الظلمات إلى النور.
إن إزالة الخلافة هو المنكر الذي أفسد به حياة الأمة الإسلامية، في شكل الحكم وكيفية الوصول إليه، فأصبحت الأمة لا تحكم بالشرع، ولا تُمَكّن من اختيار حاكمها عن رضا واختيار كما أمر الشرع، وكما بايع أهل المدينة رسول الله ﷺ حاكماً، وكما بايع الصحابة الخلفاء الراشدين، فذلك حق جعله الشرع للأمة، يقول النبي ﷺ: «مَنْ بَايَعَ إِمَاماً، فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ، فَلْيُطِعْهُ مَا اسْتَطَاعَ، فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ، فَاضْرِبُوا عُنُقَ الْآخَرِ»، فلما أزيل هذا المفهوم عن الأذهان، أصبح الكافر المستعمر هو الذي يفرض على الأمة من يحكمها، ممن يطبق أجندة المستعمر ويطبق أنظمته، عسكريين كانوا أم مدنيين، ويصور عن طريق الإعلام المأجور أن هؤلاء هم من تريدهم الأمة زوراً وبهتاناً، فأصبح سلطان المسلمين ليس بأيديهم، فيجب إزالة هذا المنكر حتى يعود السلطان بيد الأمة تختار من تبايعه ليحكمهم بشرع ربهم دون فرضه من مخابرات الدول الاستعمارية عبر سفاراتها.
هذه الخلافة التي لم يعد لها وجود منذ مائة عام، ليست حادثة تاريخية عابرة، بل هي أحكام شرعية فرضها رب العالمين، وتأثم الأمة بتركها، ويعاقب على القعود عنها أشد العقاب، كيف لا وهي الفرض الذي تقام به كثير من الفرائض، وتزال به كثير من المنكرات، فكان حقاً على المسلمين الأتقياء أن يشمروا عن سواعد الجد ليرفعوا كاهل الإثم عن أعناقهم بالعمل لها. يقول عليه الصلاة والسلام: «وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً».
إن الأمة فيها حشد من الرجال والنساء، وفيها الطاقات من الشباب المتحمس للتغيير، فقط ينقصهم الطريق الواضح، والخط المستقيم الذي يرسم لهم بجانب الخطوط المعوجة، شكل التغيير الجذري الحقيقي الذي يعالج القضايا بوحي السماء من عند الخبير بإصلاح المجتمعات والأمم، وكيفية النهوض بها، اللطيف فيما شرعه لعباده، كيف لا والشباب هم وقود حركة التغيير على مر التاريخ القديم والحديث لما يملكون من طاقات، وقد كان في تاريخ المسلمين من الشباب ممن كان لهم أثر واضح في قضايا الأمة الإسلامية، فكانوا قادة كأسامة بن زيد، وجعفر الطيار وغيرهما، وكان منهم عظماء فاتحين كطارق بن زياد فاتح الأندلس والقائد محمد الفاتح، الذي فاز بمدح الرسول الكريم ﷺ وجيشه الذي فتح القسطنطينية «فَلَنِعْمَ الْأَمِيرُ أَمِيرُهَا وَلَنِعْمَ الْجَيْشُ ذَلِكَ الْجَيْشُ»، ومنهم محررون لبلاد المسلمين من دنس الصليبيين كسيف الدين قطز، والظاهر بيبرس وصلاح الدين الأيوبي وغيرهم الكثير الكثير من شباب الأمة ورجالها.
كيف يكون هذا حالنا والأمة فيها من العلماء الذين كتب الله عليهم أن يقولوا الحق ولا يكتمونه، ولهم في المنابر ما يحرك الأمة إلى التبصير بطريق النهضة، والعزة المتمثلة في أحكام الإسلام ونظام حكمه الخلافة، الفرض الغائب، وهم ورثة الأنبياء، فلتستعيدوا مكانكم في الصفوف الأولى بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والعمل لإعادة الخلافة تاج الفروض، وحث الناس على العمل لها، كيف لا ولكم في سلفكم من العلماء ما تحفظونه مما قالوه عن الخلافة ووجوبها، ومنها على سبيل المثال ما قاله هؤلاء العلماء:
- الجرجاني: "نصب الإمام من أتم مصالح المسلمين وأعظم مقاصد الدين".
- ابن تيمية في مجموع الفتاوى والسياسة الشرعية: "يجب أن يعرف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين فلا قيام للدين إلا بها".
- الهيثمي في الصواعق المحرقة: "اعلم أيضاً أن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعوا على أن نصب الإمام بعد انقراض زمن النبوة واجب، بل جعلوه أهم الواجبات حيث اشتغلوا به عن دفن رسول الله ﷺ".
- ابن خلدون في المقدمة: "إن نصب الإمام واجب قد عرف وجوبه في الشرع بإجماع الصحابة والتابعين".
- النووي في شرح صحيح مسلم: "أجمعوا على أنه يجب على المسلمين نصب خليفة".
هذا غيض من فيض مما قاله سلف هذه الأمة من علمائها الأبرار، فليكن علماء هذا الزمان مثلهم، يدافعون عن الحق ولا يرضون لأنفسهم الجلوس بعيداً عن قضية الأمة، وإعادة الحكم بما أنزل الله.
ختاماً: فليكن هذا هو طريق الأمة؛ الأفراد، والجماعات، والعلماء، والشباب، رجالاً، ونساء، القيام بالعمل السياسي على وجهه الذي حدده الشرع حتى يكلل هذا المسعى بالتغيير الحقيقي الذي يرضاه الله، فتنصلح به حياة الأمة، بل والبشرية جمعاء. إلى هذا الخير يدعوكم حزب التحرير لتؤازروه وتنضموا إلى ركب العمل إلى الخلافة معه، فهو قد أعد لها عدتها، وتبنى الأحكام اللازمة للتطبيق عند قيام الخلافة وللتغيير بها وبطريقها قبل قيام الخلافة، فهو واجب عليكم كما هو واجب عليه، وحينها ينزل الله نصره وبركته علينا جميعا بإذن الله سبحانه.
﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً﴾.
#أقيموا_الخلافة
#ReturnTheKhilafah
#YenidenHilafet
#خلافت_کو_قائم_کرو
كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
الدكتور محمد عبد الرحمن – ولاية السودان