- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
المسلم وصيّ وشاهد على الإنسانية!
(مترجم)
قال تعالى في سورة الحج الآية 78: ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾.
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: "﴿اجْتَبَاكُمْ﴾ أي: يا هذه الأمة، الله اصطفاكم واختاركم على سائر الأمم، وفضلكم وشرفكم وخصكم بأكرم رسول، وأكمل شرع... ثم ذكر منته تعالى على هذه الأمة بما نوه به من ذكرها والثناء عليها في سالف الدهر وقديم الزمان، في كتب الأنبياء، يتلى على الأحبار والرهبان".
سبحان الله! يا له من شرف ومكانة أنعم الله بها على هذه الأمة، لكن هذه المكانة العظيمة والبركات مرتبطة بمسؤولية جسيمة ذكرها الله سبحانه وتعالى في هذه الآية أن يكونوا ﴿شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ﴾. يكرر هذا الالتزام العظيم بأن على المسلمين أن يكونوا ﴿شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ﴾ في آية أخرى، عندما يقول الله ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ﴾ [البقرة: 143]، يقول ابن كثير أن "أمة الوسط" هي خير أمة وأكرمها. وذلك لأنها: أولاً: تشهد هذه الأمة في يوم القيامة لجميع أمم العالم - ماضًيا وحاضراً ومستقبلاً - أن النبي ﷺ بلغ رسالة الله للناس. وثانياً لأنه عهد إلينا كمسلمين بالتشريع الكامل وأفضل منهج موضّح في الكتاب والسنة.
ومن هنا أوكل الله سبحانه وتعالى للأمة الإسلامية دين الإسلام ليكونوا ﴿شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ﴾، وأن يوصلوا رسالتها إلى الإنسانية. من خلال إيصال الإسلام للبشرية، لا يعني ذلك مجرد نقله، بل أن نكون من يعمل على جعل هذا الدين، أفضل منهج، هذا المذهب الأفضل يصبح معيار الصواب والخطأ في هذا العالم، والذي من خلاله تنظّم البشرية شؤونها، والوسيلة التي من خلالها تطبق العدالة على دول العالم. وهذا يتطلب أن يكون للإسلام مكان في السلطة والسيطرة على هذه الأرض.
عندما نشهد حجم الفوضى والظلم والمعاناة في هذا العالم اليوم؛ من الفقر الجماعي والتشرد والتعذيب وذبح المدنيين الأبرياء والأطفال، ووباء الجريمة والعنصرية، وإيذاء واستغلال النساء، والأسر المفككة، والفراغ الأخلاقي داخل الدول، وما إلى ذلك، فمن الواضح تماماً أن عدالة ونور هذا الدين مطلوبان أكثر من أي وقت مضى في هذا العالم.
لذلك، تؤكد هذه الآيات القرآنية على أن هذه الأمة قد اختيرت لدور القيادة والوصاية على الإنسانية، وأنه ينبغي أن تحتل مكانة مركزية في هذا العالم، لأن الخالق أسند لها دوراً عظيماً في تنمية البشرية على أساس دين الإسلام. في الواقع، هذا الدور لإيصال الإسلام للإنسانية هو الهدف الأساسي لوجود هذه الأمة الإسلامية، كما قال تعالى في سورة آل عمران: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المنكر﴾. [آل عمران: 110] لذلك أخبرنا الله تعالى أنه رفع هذه الأمة الإسلامية إلى موقع القيادة على البشرية من أجل إيصال نور الإسلام وعدله للإنسانية. وفي يوم القيامة، سنحتاج إلى تقديم دليل لربنا سبحانه وتعالى على أننا بذلنا قصارى جهدنا قولاً وفعلاً لتحقيق هذا الغرض من وجودنا كمسلمين.
ولكن كيف يمكن للإسلام أن يتولى زمام الأمور مرة أخرى بأمر الله، وكيف يتم تبليغه للبشرية على الوجه الذي يريده الله سبحانه وتعالى؟ لا يمكن تحقيق ذلك ببساطة من خلال نشر الدعوة إلى الإسلام داخل المجتمعات كأفراد وجماعات، بل إنه يتطلب دولة تنفذ بالكامل التشريع الإسلامي الكامل الذي أوكله الله إلى هذه الأمة، ثم تستخدم كل الوسائل لنشر دين الحق وهداية الله سبحانه وتعالى للإنسانية. رأينا هذا في حياة النبي ﷺ قبل إنشاء الدولة الإسلامية الأولى في المدينة المنورة، حيث كان الرسول ﷺ والصحابة يسعون لإيصال رسالة الإسلام لمن هم داخل مكة والقبائل العربية المحيطة بها. ومع ذلك، عندما أصبح رئيساً للدولة، وعندما تبع نموذج حكمه فيما بعد الخلفاء رأينا كيف دخلت أمم بأكملها في حضن الإسلام في غضون عقود قليلة وانتشر من إسبانيا إلى الصين.
ومن أجل ذلك اليوم، وكأمة مسلمة تريد تحقيق الغرض من وجودها وإعادة القيادة للإسلام، فهذا يعني العمل على إقامة هذه الدولة التي يحكمها الإسلام المتمثلة بالخلافة على منهاج النبوة. إن هذه الرسالة لإرساء حكم الإسلام ونشر الدين للإنسانية من خلاله كانت ميراث نبينا الحبيب ﷺ الذي تركه لنا.
إن العمل لإقامة نظام الله سبحانه وتعالى على هذه الأرض ليس مجرد مسؤولية وواجب كبير علينا كمسلمين، ولكنه فرصة كبيرة وضعها ربنا سبحانه وتعالى بين أيدينا. في الواقع، إنها فرصة ذهبية، فرصة لم تُمنح لأجيال المسلمين السابقة في الماضي، باستثناء جيل الرسول ﷺ لإقامة دولة يحكمها الإسلام. إنها فرصة لنا إذن أن نكون أحباء الرسول ﷺ، وأن نكون معه في الجنة لكوننا من بين الذين حملوا رسالة الله لتنفيذ أحكامه على هذه الأرض التي استخلفنا فيها.
ولكن لكسب هذا الشرف العظيم، يتطلب منا أن نجتهد في هذه المهمة بالطريقة التي يجب أن نجتهد بها كما قال الله تعالى في أول كلمات سورة الحج، الآية 78 أعلاه. يجب علينا أن نكافح من أجل قضيتنا وأن نعمل بالمستوى الذي يستحق التكريم الذي منحنا إياه، ويتطلب منا أن نعطي من وقتنا وجهودنا الأهمية الكبيرة التي تستحقها قضيتنا بحق وأن تكون أولوية في حياتنا.
وهذا يعني أن ندرك أن حياتنا كمسلمين لا يمكن أن تكون حياة عادية مثل حياة الكفار، فقط لنلاحق مغريات هذه الدنيا ونركز على المصالح المؤقتة لهذه الدنيا؛ سواء أكانت دراستنا، أو وظائفنا، أو أطفالنا، أو عائلاتنا، أو تأمين منزل جيد، أو حياتنا الاجتماعية، أو الترفيه، أو بناء مكانة عالية لأنفسنا في المجتمع، أو السعي لتحقيق طموحاتنا الشخصية... لا يمكن أن نجعل هذه الأشياء هي الأولويات أو الهموم الأساسية في حياتنا التي تستهلك معظم طاقاتنا وتفكيرنا؛ فهذه الأشياء هي الغرض من وجود الكافر وليس وجودنا كمسلمين، لأن الله أعطانا قيمة أعلى. فالغاية هي أن نكون شهداء على البشرية! وهذا يعني السير على هدي أصحاب النبي ﷺ مثل مصعب بن عمير رضي الله عنه الذي ضحى بحياة الراحة والمال والرفاهية عندما أسلم، وصار في مقدمة حملة الدعوة الإسلامية، وقد نال شرف نشر الدين بين أهل المدينة المنورة وتهيئة المجتمع لأول دولة يحكمها الإسلام. وبالفعل، عند وفاته رضي الله عنه، تلا النبي ﷺ الآية التالية: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ﴾. [الأحزاب: 23].
وبالمثل، علينا أن نؤدي هذه المسؤولية الجسيمة كشهود على البشرية بإقامة نظام الله الخلافة على هذه الأرض، وبيان مكانة وثواب من يقوم بهذه المهمة المشرفة، ويتطلب منا أيضاً أن نكون مستعدين للتضحية بوقتنا وثروتنا ومصالحنا من أجل هذه الدعوة. قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ ﴾. وفي الآية نفسها قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [التوبة: 111].
ومع أننا بصفتنا أمة إسلامية، نعيش في زمن الظلام في غياب الخلافة، فإننا نعيش أيضا في وقت ذهبي من حيث الفرصة لكسب الثواب مقابل أداء مهمة حمل الدعوة لتحكيم دين الله على هذه الأرض. لذا، دعونا لا نخسر هذه الفرصة الذهبية التي وضعها ربنا في أيدينا. قال النبي ﷺ: «إِذَا جَاءَ الْمَوْتُ طَالِبَ الْعِلْمِ وَهُوَ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ مَاتَ وَهُوَ شَهِيدٌ». (الترمذي)
#أقيموا_الخلافة
#ReturnTheKhilafah
#YenidenHilafet
#خلافت_کو_قائم_کرو
كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
د. نسرين نواز
مديرة القسم النسائي في المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير