- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
الترويج للتجارب الغربية الاجتماعية هو العنف الحقيقي ضد المرأة والأسرة
دعت المبادرة الاستراتيجية لنساء القرن الأفريقي (صيحة)، إلى إنشاء نيابات عامة بالعنف القائم على أساس النوع، وأبدت قلقها من تزايد العنف المنزلي ضد النساء في فترة الإغلاق الشامل، وقالت المدير الإقليمي لشبكة صيحة هالة الكارب: تتعرض النساء في السودان إلى انتهاكات كثيرة، بعضها محمي بالقانون، ودعت الكارب في مذكرة مطلبية إلى النائب العام السوداني تلقتها "سودان تربيون"، الأربعاء لردع العنف المبني على أساس النوع وإلى إنشاء نيابات خاصة بالعنف القائم على أساس النوع أسوة بنيابة الأسرة والطفل مع توفير منازل آمنة للمعنفات تعمل فيها جميع مكونات الدولة لضمان سلامتهن وإيصالهن إلى العدالة، وحث البيان النائب العام للعمل مع بقية أجهزة الدولة على إلغاء القوانين المميزة ضد النساء ووضع قوانين تمكن النساء من الوصول إلى العدالة والإنصاف، وجددت المبادرة مطلبها في التوقيع والمصادقة على اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد النساء (سيداو) وبروتوكول مابوتو الملحق بالميثاق الأفريقي للمحافظة على حقوق الإنسان والشعوب.
وأبدت المبادرة قلقها حيال أوضاع النساء والفتيات وما يتعرضن له من عنف يتمظهر جلياً خلال فترة الحجر المنزلي وتفشي فيروس كورونا مما استدعى عدم الخروج من المنازل، حيث ترتب على ذلك نسب عالية من الاعتداءات الجسيمة والانتهاكات على النساء والفتيات دون وجود آليات قانونية للتصدي لهذه الإشكالية.
وطالبت بأن تكون قضايا النساء والفتيات من القضايا التي يجب أن تحتل قائمة الأولويات في المؤسسة العدلية في ظل الحكومة الانتقالية، بعد أن عانت النساء تحت سطوة نظام البشير من العنف والظلم والتجريم، حتى فقدت المؤسسة العدلية مصداقيتها في التصدي لقضايا النساء ورفع الظلم عنهن وتوفير الحماية والأمن لهن. (الأربعاء 27 أيار/مايو2020م).
من المفارقات أن تعدل العديد من الحركات النسوية في الغرب برامجهن ومعتقداتهن المستمدة من الحضارة الغربية بعد ما لحق بالمجتمع من أضرار بالغة في المائة سنة الماضية سعياً إلى استعادة أهمية دور المرأة بعد أن أدركت الضرر الشديد الذي ألحقته الأفكار النسوية ببنية الأسرة، في حين إن الحكومات والمنظمات في بلادنا لا تزال مستمرة في اندفاع نحو التجربة الاجتماعية النسوية الكارثية المستوحاة من الغرب. فتراهم يسنون المزيد من القوانين والسياسات على أساس الأفكار النسوية البالية والسقيمة ويروجون لها بكثافة، مدعين بسخف أنها علامة على التقدم وبأنها ستوفر حياة أفضل للنساء، بدلاً من رفض هذه الأفكار المسمومة بعد أن ثبت عدم جدواها في الغرب.
إن مبادرة (صيحة) كمنظمة نسوية تعمل بدأب ونشاط لتفعيل جميع المقررات والبروتوكولات والاتفاقيات الدولية التي تخص المرأة والأسرة بشكل عام، عبر المطالبة المستمرة بشرعنة القوانين وتبنيها والمصادقة عليها والعمل على دمج قضايا النوع الجنسي (الجندر) في مختلف السياسات والبرامج والخطط الوطنية كما طالب البيان.
وفي ظل الفترة الانتقالية تضاعفت الجهود لعلمنة المجتمع في السودان عبر فرض قيم غريبة عن مجتمعنا بعيدة عن موروثنا الحضاري، فها هو رئيس الوزراء يوجه وزير العدل لدراسة إمكانية المصادقة على (سيداو) التي تستهدف الأسرة المسلمة، وأهم مكوناتها المرأة (أماً، زوجة، ابنة) تحت شعارات الحرية الشخصية والمساواة وصحة المرأة الإنجابية، ووقف العنف ضد المرأة وما أسموه بالعنف الأسري... الخ، هذه الشعارات المبطنة التي تدس السم في الدسم لن تخدم إلا أجندة عولمة المجتمع وتشتيت شمل الأسرة كما حدث في الغرب.
إن تجديد المطالبة بالتوقيع على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة لهي كارثة تحدق بالمجتمع في السودان؛ فهذه الاتفاقية تلغي كل أحكام النظام الاجتماعي في الإسلام، وتتعهد الدولة الموقعة عليها بتقديم تقرير سنوي عما اتخذته من تدابير تشريعية وقضائية وإدارية وغيرها من أجل إنفاذ هذه الاتفاقية، وعن التقدم المحرز في هذا الصدد (وفق ما نصت عليه المادة 18 من هذه الاتفاقية)، ما يعني إلغاء كل الأحكام الشرعية التي تنظم الأسرة والاستعاضة عنها بالقوانين الوضعية التي تشيع الفاحشة وتدمر كيان الأسرة.
والناظر في أجندة بنود سيداو وبرتوكول موبوتوا يجدها جميعها تستهدف الأسرة ومكوناتها، ومن ذلك: العمل على القضاء على الشكل النمطي للأسرة (أب وأم وأطفالهما) مع ضمان حق الشذوذ الجنسي وعدم تجريمه، ونشر الثقافة الجنسية في المدارس، وتقوية حقوق الأبناء برفع سلطة الآباء عنهم، وتفعيل آليات لإفقاد الأسرة وظائفها بالطعن في القوامة، وإدماج الزوجة الأم في التنمية بهدف الإضرار بواجبات الأمومة.
ويظهر ذلك جلياً في بيان مبادرة (صيحة) الذي يطالب بالمساواة بين المرأة والرجل وإلغاء القوانين التي أسماها مميزة في لفتة نظر واضحة لقوانين الشريعة الإسلامية التي فيها اختلاف في الحقوق والواجبات لكل من المرأة والرجل وليس هناك مساواة ولا تفاضل بل هو تشريع رباني يعلم ما يصلح حال المرأة والرجل، وفي حال استجابت الحكومة لهذه المطالب فسيؤدي ذلك إلى دمار الأسر بما سيؤول إليه الحال من الارتباك والشقاق فيما يتعلق بالمسؤوليات الزوجية والأبوية، ما يقود لتآكل الأدوار والواجبات المحددة بوضوح في إطار الزواج بالنسبة للرجل والمرأة فيما يتعلق ببناء الأسرة والأعمال المنزلية ورعاية الأطفال، ويفضي إلى نزاعات متكررة داخل الأسر. وعلاوة على ذلك، فإن الرجل الذي أقيل من منصبه كرئيس للأسرة بسبب "مساواة الجنسين" في إطار الهيكل الأسري، مع عدم وجود آليات وطريقة منظمة لحل هذه الخلافات سيتحول كحال الرجل الغربي الذي بلغت نسب عنفه ضد المرأة مآسي تحسب بالثواني من ضرب وتشويه وقت.
إن تصور وجود عنف ضد النساء ناتج عن الحجر المنزلي يدل على نسج خيال مريض يريد إفساد المجتمع وإلحاق ضرر كبير بالوئام ووحدة الحياة الأسرية بتوهم وجود تعنيف ضد المرأة في واقع لا يتم الاطلاع عليه؛ لأن المنظور النسوي الفردي قصير النظر دائماً ما ينظر إلى ما هو أفضل لرغبات المرأة ومصالحها بعيداً عن القيم والمثل العليا، وكأنما النموذج هو المرأة الغربية والتي تعاني في كل لحظة من حياتها البائسة التي فاضت بالحرية والتحرر فنتج عن ذلك نسب مهولة من الانتحار.
وقد تضافرت الأحداث التي تدفع المجتمع نحو هاوية العولمة بسرعة ولعبت فيها أجهزة الإعلام دوراً في الانحدار نحو ثقافة الفُجور والفسق والتفكك، فأصبح الإعلام يبث في كل لحظة المفاهيم والأفكار التي تهدم الأسرة وتدعم نشوز النساء وانفلاتهن عن قوامة الرجل مما يجعل المرأة تعتقد أن بإمكانها الاضطلاع بدور الأم والأب وبالتالي فإنها "لا تحتاج إلى رجل"! وقد أخذ ذلك بالكثير من النساء اللاتي واجهن مشاكل زوجية في زواجهن مفضلات التحول السريع إلى خيار الطلاق مما أدى لارتفاع نسبة الطلاق لأكثر من 35%... ودور الإعلام يظهر في بث برامج عديدة تخدم ما تم ذكره في بيان مبادرة صيحة منها مثلاً (برنامج ونسة) في قناة النيل الأزرق والذي بثت إحدى حلقاته باستضافة محامية تحرض المطلقات لعدم الرجوع مهما كانت الأوضاع ولزوم الاتصال بالمراكز العدلية. أما مسلسل (دار المطلقات) فكأنما صمم ليوافق ما تطالب به مبادرة صيحة والذي يروي حكايات ملفقة كأنها تحدث في مجتمع غير الذي نعيش فيه، فكل المطلقات معنفات ومهضومات الحقوق، وهذا لا يحدث دائما؛ فقد يحدث الطلاق دون أي عنف كحل لمشكلة وإنهاء علاقة لم يقدر لها الاستمرار لإعطاء الزوجين فرصة حياة زوجية أخرى يسودها التفاهم والوئام... ويروي المسلسل مشاهد تضرب الحياة الزوجية القائمة على المودة والرحمة، ناهيك عن أشكال الممثلات المتبرجات الموجودات في دار لوحدهن كأنهن لا ولي لهن في مجتمع تعتز فيه المرأة بأوليائها وتكتب في ذلك الشعر وتغني الأغاني.
ولكن العقل والفطنة تجعلنا نتساءل: ما هي النتائج التي جنتها الدول من الفكر النسوي والإمضاء على اتفاقية سيداو وتلويث المجتمع بما يبثه الإعلام من قاذورات الفكر الغربي؟ ألم تدمر الأسر وتزيد نسب الطلاق الشقاق الذي يزيد من العنف الأسري ليطال كل مكونات الأسرة، ويقوض الانسجام في الحياة الأسرية؟؟ وعلى سبيل المثال، ارتفع معدل الطلاق في مصر من 7% إلى 40% خلال السنوات الخمسين الماضية (الأمم المتحدة والوكالة المركزية للتعبئة العامة)؛ وفي لبنان، زادت بنسبة 55% بين عامي 2000م و2013م (اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا التابعة للأمم المتحدة)؛ وفي تركيا زادت الصدمة بنسبة 82% بين عامي 2006م و2016م (المديرية العامة للسجلات والإحصاءات الجنائية).
فلْتعِ كل النساء أن هذه الفبركات والأكاذيب النسوية ليس من أهدافها تحسين مستوى معيشة المرأة كما تدعي بل هدفها عولمة الحضارة الغربية الرأسمالية التي تختصرها كلمات وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون التي ذكرت في كلمة ألقتها في مؤتمر في بيرو في عام 2012م بعنوان: "السلطة هي المرأة بوصفها محركا للنمو والدمج الاجتماعي" "إن القيود المفروضة على المشاركة الاقتصادية للمرأة تكلفنا كميات هائلة من النمو الاقتصادي والدخل في كل منطقة من مناطق العالم. ففي منطقة آسيا والمحيط الهادئ على سبيل المثال، فإنها تزيد عن 40 مليار دولار سنويا في الناتج المحلي الإجمالي كل عام". ولذلك، فإن "النظام الرأسمالي" يستغل لغة الحركة النسوية والمساواة، ويروج لروايات مثل "تمكين المرأة من خلال العمل"، لتحقيق منفعة مالية محضة. ولم يكن هذا السرد سوى أكاذيب من الرأسمالية والنسوية التي خدعت المرأة بالأمومة، وسلبت الأطفال حقوقهم، وتحملت ثمناً باهظاً على رفاهية المرأة والمجتمع بصفة عامة. إنها علامة أيديولوجية تضع بانتظام وباستمرار خلق الثروة فوق الاحتياجات والقيم الإنسانية المهمة الأخرى.
إن مبادرة (صيحة) وغيرها من المنظمات النسوية التي تتبنى مشروع النوع الاجتماعي (الجندر) تعمل لتغيير واقع المرأة المسلمة والمجتمع في السودان ليستمد قيمه من حضارة الغرب الرأسمالي التي تجعل المرأة سلعة وتدمر الأسرة وذلك باقتلاع ثقافة الإسلام وأخلاقه وقيمه الرفيعة، وإحلال ثقافة (سيداو) وأخواتها بدلاً منها جرعة جرعة، ولن تكف الأيدي العابثة بثقافة أبنائنا وبناتنا وتماسك أسرنا وطهارة أفكار المجتمع إلا باجتثاث هذه الأنظمة العفنة، واستبدال الخلافة الراشدة على منهاج النبوة بها، هذه الخلافة التي تزرع الخير والطهارة، وتغلق أبواب الشر والبغي، وتحمي المرأة والأسرة من كل ما يقوّض كيانها وقوتها ونسائها.
كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
غادة عبد الجبار (أم أواب)