- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
بعد 30 عاما، ما زالت المنظومة الحقوقية الدولية
تبحث عن أساليب جديدة لتفعيلها
تشهد بلادنا هذه الأيام أنشطة وتحركات واسعة بمناسبة الاحتفال بمرور 30 سنة على إحداث اتفاقية حقوق الطفل وبموجب انخراطها في الحملة الدولية "16 يوما من النشاط لمناهضة العنف ضد المرأة". ويتزامن اختتام الأيام الستة عشر مع اليوم العالمي لحقوق الإنسان الموافق لـ10 كانون الأول/ديسمبر.
اللافت للنظر فيما أوردناه أن بلادنا هي التي تحتفل بهكذا مناسبات لأن الواقع يعكس صورة تتناقض بشكل كلي مع ما تصوره المنظومة الحقوقية العالمية. بل إن الأطفال في تونس اليوم يتعرضون لتهديدات لم تكن لتطالهم لولا خضوع بلادنا التام للمنظومة العالمية، فالفقر والتشرد والأمراض النفسية والتوحد والانتحار والإدمان... كلها تهديدات من نتاج تسلط النظام الرأسمالي على رقابنا.
أما واقع المرأة في ظل النظام الرأسمالي فإن الإحصائيات الصادرة عن مراكز الدراسات أو عن مؤسسات الدولة لتدل دلالة صريحة أنها تعاني ضنك العيش وتتجرع المذلة والمهانة مع خبزها اليومي... فبماذا يحتفلون؟!
والغريب أن القائمين على المنظمات الحقوقية في بلادنا يقرون بتناقض الواقع مع القوانين المصادق عليها في الاتفاقيات الدولية، ولكنهم يحتفلون!!
بل إنهم يبالغون في الاحتفال والاحتفاء والتمجيد لهذه القوانين حتى يخال السامع أنها قرآن منزل. وقد عاينتُ هذا أثناء الحضور في الملتقى العلمي الذي نظمته بلدية صفاقس بالاشتراك مع جمعية براءة تحت عنوان "حقوق الطفل بين الواقع والقانون". فكان المتدخلون يشيدون بهذه المنظومة الحقوقية، حتى إن الممثل للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان فرع صفاقس الأستاذ نعمان مزيد قال بالحرف "هي المرة الأولى التي تدرج فيها كلمة حقوق ويعترف بالطفل ككائن له حق". وكأن الأطفال قبل هذه الاتفاقية كانوا مضطهدين!!
ثم واصل مادحاً "نظرة الاتفاقية للحقوق نظرة متكاملة فهي لا تسمح بتغليب حق على حق آخر... وأحد أعمدتها الأساسية (وسائر الاتفاقيات الحقوقية) عدم التمييز، لكن ثقافتنا ما زالت تحمل أصول التمييز".
لنخرج باستنتاج واضح أن القوانين الدولية مثالية ولا خطأ فيها ولا مجال لمراجعتها أو اتهامها أو تقييمها رغم الكوارث التي نعيشها بعد 30 سنة من إحداثها، لكن خلفيتنا الثقافية ذات الأصول الإسلامية هي المتهم الوحيد في نظرهم!! وهذه هي الفكرة التي يراد إقناعنا بها.
وبالمنطق نفسه وبالإعجاب ذاته يقوم الإعلام بتصوير الأنشطة التي تقوم بها النساء ضد العنف خلال هذه الحملة الدولية على أنها حركة ضرورية ومهمة لتفعيل القوانين الدولية حتى يصلُح واقع المرأة رغم أن الشعارات المرفوعة تصوب سهامها في الجهة نفسها (أي الإسلام)، فقد أقرت رئيسة فرع صفاقس للنساء الديمقراطيات نعيمة النصيري عبر وسائل الإعلام بأن "حمل أوعية الطبخ والمكانس في هذه المسيرة، يرمز للإرادة في كنس العنف الأبوي..." في إشارة واضحة إلى أن العنف الذي أقلقهن وكان سببا في تظاهرهن هو الذي تعيشه المرأة في البيت وما تقوم به من أعباء داخله، وهذا ما جعلهن يحملن المكانس والأواني، وهذا مصوب مباشرة إلى الإسلام الذي تكون المرأة فيه أما وربة بيت وعرضا يجب أن يصان...
كيف يتصورن أصل المرأة عنفا مسلطا عليها، في حين يعتبرن ما تعانيه المرأة من فقر وتجويع وقهر تسبب فيه نظام وضعي أجبرت على العيش في ظله حقا؟!
بالإضافة إلى التهمة التي توجهها هذه التحركات إلى الإسلام لتزيد من تعميق الهوة بين المسلمين وعقيدتهم، فإن كل هذه التحركات تأتي في سياق الضغط الذي يمارسه الغرب على الشعوب المسلمة وفصل إسلامهم عن حياتهم. نعم إن الغرب ما يفتأ يجدد ويبدل أساليبه، فقد اعتمد في السابق على الحكومات العميلة لبسط نفوذه على المسلمين، ورغم ما حققه من استعمار سياسي واقتصادي وفكري وثقافي إلا أنه لم يتمكن من القضاء التام على بعض الأفكار والمفاهيم الإسلامية التي تشكل خطرا يهدد مبدأه الرأسمالي ويحول دون استمرار تسلطه على المسلمين، لذلك أوعز إلى أطراف جديدة لتعينه على المهمة وهو لا يستحي من التصريح بذلك، وقد صرح المستشار والخبير في مجال حقوق الطفل لدى منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونسيف) بسام مصطفى عيشة أثناء كلمته في الملتقى العلمي المنعقد يوم 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2019 بصفاقس أن "هيئة حقوق الإنسان غير قادرة على المهمة بمفردها وهي بحاجة لدعم من هيئات أخرى، وأن الأمم المتحدة طالبت في إطار المشروع الإنمائي (التنمية البشرية هو المشروع الإنمائي الذي يقوم على الحقوق والحريات) أن ينتقل الحكم المركزي إلى حكم محلي". ليقوم بتفعيل الاتفاقيات بحسب المحليات فإن أهل مكة أدرى بشعابها، لهذا فإن البلديات اليوم يجب أن تقوم بهذا الدور مع منظمات المجتمع المدني، وبهذه التجزئة للمجتمع يسهل تمرير أي فكرة قانون يضمن للغرب مزيدا من المصالح وإطالة العمر...
لهذه الأسباب كانت التحركات كثيرة وعلى نطاق واسع شملت كل الولايات وعرضت على كل المنابر.
هذه أسلحة جديدة يستخدمها الغرب ضد عقيدتنا، أسلحة يحملها أبناؤنا ويستميتون في الدفاع عنها، حتى إنهم يلجؤون إلى الإسلام ليثبتوا صحة قوانين الغرب، فقد أجاب كل من المستشار بسام مصطفى عيشة والدكتور حاتم قطران على سؤال "كيف تقرون بالتناقض بين الواقع والقوانين وتؤكدون أن الماضي كان أفضل ورغم ذلك تستوردون هذه القوانين المناقضة لعقيدتنا وثقافتنا؟"
حيث استنجد الدكتور قطران بآية من القرآن الكريم وحديث نبوي بعدما غابت حتى البسملة من كلماتهم، أما المستشار فقد استفاض في وصف كونية اتفاقية حقوق الطفل، وراح يتحدث عن الاستشارة التي مكنت الأمم المتحدة مشايخ وعلماء المسلمين قبل إقرارها، وكيف أنهم اعترضوا على البند 14 الذي يقر حرية الضمير والدين والتفكير، وبند التبني (21) وبعد مفاوضات عُدل البندان وتغير مفهوم التبني بمفهوم الكفالة وعدل أيضا ما جاء به البند 14. ثم صدر بيان عن كافة المذاهب الإسلامية يوصي الدول القائمة في العالم الإسلامي بقبول هذه الاتفاقية التي لا تتعارض مع الإسلام فكانت الاتفاقية الوحيدة التي حظيت بالإجماع... بهذا الخطاب يتوجهون إلينا ويحاولون أن يغيروا رفضنا لأفكارهم بأسلوب الناصحين والحريصين على مصالحنا ونحن نعلم خلفيتهم وندرك غاياتهم ولن نترك لهم المجال ليحققوا أهدافهم وسنعمل على كشف كل خططهم وأساليبهم حتى يمكن لنا الله ويتحقق لنا النصر بإذن الله.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
سهام عروس