- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
كيف ستمنع الخلافة القمع السياسي؟
الديمقراطية وحرية الرأي وحق انتخاب الحاكم ومحاسبته، شعارات ترفع في ظل الأنظمة الوضعية القائمة في العالم اليوم، ولكن سرعان ما يكشف زيف هذه الشعارات إن قام فرد أو جماعة بانتقاد هذه الأنظمة وبيّنَ فسادها، أو طالب بحقّ من الحقوق التي أضاعتها أو الواجبات التي قصّرت في أدائها بحق شعوبها، وسجون روسيا وريثة الاتحاد السوفييتي الذي يحتفل فيها في 10/3 من كل عام بيوم ضحايا الاضطهاد السياسي في ذكرى الإضراب عن الطعام الذي وقع في 1974/10/30م وبدأه السجناء في معتقلات مردوفيا وبيرم حيث أعلن المعتقلون السياسيون الإضراب عن الطعام احتجاجاً على الاضطهاد السياسي الذي مارسه الاتحاد السوفييتي، شاهدة على ذلك، وسجون الأنظمة المجرمة في العالم الإسلامي، ومقاصل جلاديها في مصر وسوريا وليبيا وأوزبيكستان وغيرها من بلاد المسلمين تشهد على ذلك.
ولأنَّ الخلافة نظام من لدن حكيم خبير، ولأنها الحلّ الأصيل لا البديل لهذه الأنظمة الوضعية، سنعرض في هذا المقال خطوطاً عريضة تمنع حصول القمع والاضطهاد السياسي الذي نشهده اليوم:
1- دولة الخلافة ليست دولة بوليسية تحصي على الناس أنفاسهم وتراقبهم في حلِّهم وترحالهم، وتضع كاميرات لمراقبتهم في الأماكن العامة وحتى الخاصة في بعض الأحيان، أو تراقب هواتفهم أو حساباتهم على مواقع التواصل الإلكتروني فتعتقلهم وتعذبهم بسبب تغريدة أو منشور على هذه المواقع، أو تخفيهم "وراء الشمس" بسبب انتماءاتهم السياسية كما تفعل الأنظمة الموجودة في العالم الإسلامي اليوم، فقد حرَّم الإسلام التجسس على المسلمين بنص الآية ﴿وَلَا تَجَسَّسُوا﴾، وهذا نهي عام عن الجاسوسية، فيبقى على عمومه ما لم يرد دليل التخصيص. ويؤكد هذا الحديث الذي أخرجه أحمد وأبو داود بسنده عن المقداد وأبي أمامة قالا: إنَّ رسول الله r قال: «إِنَّ الأَمِيرَ إِذَا ابْتَغَى الرِّيبَةَ مِنَ النَّاسِ أَفْسَدَهُمْ»، ولذلك فالتجسس على المسلم حرام، والحكم نفسه ينطبق على أهل الذمة من رعايا الدولة. فيحرم التجسس على الرعيّة، مسلمين كانوا أم غير مسلمين. كما حرّم الإسلام على الحاكم تعذيب النّاس وإيذاءهم. روى مسلم عن هشام بن حكيم قال: أشهد لسمعت رسول الله r يقول: «إِنَّ اللهَ يُعَذِّبُ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ النَّاسَ فِي الدُّنْيَا»، وقال رسول الله r: «صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا، قَوْمٌ مَعَهُمْ سِياطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ...» رواه مسلم، وقد حرّم الإسلام أيضا الاعتداء على حُرمات المسلمين وكرامتهم وأموالهم وهتك حرمات بيوتهم، قال عليه الصلاة والسلام: «كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ».
2- في ظلّ الخلافة يحق للنّاس التكلم وإبداء الرأي، ومحاسبة الحكام والتغيير عليهم إذا هضموا حقوق الرعية، أو قصّروا بواجباتهم نحوها، أو أهملوا شأناً من شؤونها، أو خالفوا أحكام الإسلام أو حكموا بغير ما أنزل الله، سواء أكان ذلك بشكل فردي أم جماعي من خلال مجلس الأمّة أو الأحزاب القائمة في الدولة، فالله سبحانه جعل الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر واجباً على المسلمين فقال تعالى: ﴿الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ﴾، وقد وردت أحاديث تنصُّ على محاسبة الحاكم خاصة، فقد روى مسلم في صحيحه عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللهِ r قَالَ: «سَتَكُونُ أُمَرَاءُ فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ، فَمَنْ عَرَفَ بَرِئَ، وَمَنْ أَنْكَرَ سَلِمَ، وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ» قَالُوا: أَفَلا نُقَاتِلُهُمْ؟ قَالَ: «لا، مَا صَلَّوْا» والصلاة هنا كناية عن الحكم بالإسلام. وقد حثَّ الرسول على مكافحة الحكام الظلمة، مهما حصل في سبيل ذلك من أذى، حتى لو أدى ذلك إلى القتل، حيث قال r: «سَـِّيدُ الشُّهَدَاءِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَرَجُلٌ قَامَ إِلَى إِمَامٍ جَائِرٍ فَأَمَرَهُ وَنَهَاهُ فَقَتَلَهُ» وهذا من أبلغ الصيغ في التعبير عن الحقّ وعلى تحمل الأذى حتى الموت في سبيل محاسبة الحكام وكفاح الحكام الظلمة. والشواهد كثيرة من تاريخ المسلمين على قيام المسلمين بمحاسبة الحكّام والمطالبة بحقوقهم دون أن ينكر عليهم أحد، فقد حاسبوا عمر بن الخطاب، وهو على المنبر على تقسيمه الأبراد اليمانية، كما اعترضوا عليه وحاسبوه لأنّه لم يقسم أرض سواد العراق بعد فتحها، وقد اشـتد عليه في ذلك بلال والزبير، وكان يحـاورهم ويسـتشـير الـصـحـابة حتى أقنعهم برأيه. وكما أنكر علي رضي الله عنه على عثمان رضي الله عنه وهو أمير المؤمنين، قوله في إتمام الحج والعمرة.
3- في ظلّ الخلافة سيكون مجلس الأمّة ممثلاً للنّاس ولهمومهم بحقّ وليس بشكل صوري، وسينوب عنهم في إيصال أصواتهم وإظهار شكايتهم ومحاسبة الخليفة ومَن هم في الحكم، ويحق للمسلم وغير المسلم، وللرجل والمرأة أن يكون عضواً في هذا المجلس، حيث تنص المادة 107 من الدستور الذي أعده حزب التحرير على أنّه: "لكلِّ من يحمل التابعية إذا كان بالغاً عاقلاً الحق في أن يكون عضواً في مجلس الأمة وفي مجلس الولاية، رجلاً كان أو امرأة مسلماً كان أو غير مسلم، إلا أن عضوية غير المسلم قاصرة على إظهار الشكوى من ظلم الحكام، أو من إساءة تطبيق الإسلام".
4- في ظلِّ الخلافة لن يكون القضاء أداة لظلم النّاس وقهرهم، ومنعهم من ممارسة حقهم الطبيعي في المحاسبة وإبداء الرأي، وتلفيق التهم لهم بسبب انتمائهم السياسي، وإصدار أحكام ظالمة بحقهم، كما حصل من إعدام بدم بارد لتسعة شباب من مصر في صباح يوم الأربعاء 20 شباط/فبراير 2019 بناء على اعترافات انتزعت تحت التعذيب بالكهرباء، بل ستكون المحاكم منارة للحق والعدل ورد الحقوق لأصحابها، ولن يكون فيها حصانة للحاكم ولا أي موظف في الدولة، وستكون هناك محكمة متخصصة للنظر في القضايا المرفوعة على الخليفة أو مَن هم في مناصب الحكم، وهي محكمة المظالم، فقضاء المظالم هو "الإخبار بالحكم الشرعي على سبيل الإلزام فيما يقع بين النّاس وبين الخليفة أو أحد معاونيه أو وُلاته أو موظفيه، وفيما يقع بين المسلمين من اختلاف في معنى نَصّ من نصوص الشرع الذي يُراد القضاء بحسبها والحكم بموجبها". (كتاب أجهزة دولة الخلافة في الحكم والإدارة). وقد حصل في تاريخ المسلمين أن جلس خليفة المسلمين مع أحد أفراد رعيته أمام القضاء، وحصل أنْ حكم القاضي للخصم وأدان الخليفة، وقصة عمر بن الخطاب مع الرجل الذي أراد أن يشتري منه الخيل مشهورة معروفة، وكذلك قصة القاضي الذي أصدر حكمه بسحب عمر بن عبد العزيز جيشه من بلاد افتتحوها لأنّهم لم يدعوهم للإسلام قبل تسيير الجيوش، وغيرها من القصص التي يمكن الرجوع إليها.
5- في ظلِّ الخلافة لا يُمنع إقامة أحزاب سياسية في الدولة، بشرط أن تكون قائمة على أساس الإسلام، ولا تحتاج إقامة هذه الأحزاب إلى ترخيص من الدولة، ورد في المادة 21 من مقدمة الدستور الذي أعده حزب التحرير ما نصه: "للمسلمين الحق في إقامة أحزاب سياسية لمحاسبة الحكام، أو الوصول للحكم عن طريق الأمة على شرط أن يكون أساسها العقيدة الإسلامية، وأن تكون الأحكام التي تتبناها أحكاماً شرعية. ولا يحتاج إنشاء الحزب لأي ترخيص. ويمنع أي تكتل يقوم على غير أساس الإسلام". ودليلها قوله تعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران: 104]. ووجه الاستدلال بهذه الآية على إقامة أحزاب سياسية هو أن الله تعالى قد أمر المسلمين بأن يكون منهم جماعة تقوم بالدعوة إلى الخير، أي الدعوة إلى الإسلام، وتقوم كذلك بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
6- في ظلِّ الخلافة السيادة للشرع والسلطان للأمة، فالأمّة هي التي تختار حاكمها وتبايعه على كتاب الله وسنة رسوله لينفذ الشرع، فلا يُفرض الحاكم عليها فرضاً، لينفذ إرادة أسياده، كما هو حاصل اليوم في بلاد المسلمين، فدولة الخلافة تملك إرادة سياسية حقيقية، وتمارس السياسة بمعناها الحقيقي وهو رعاية شؤون النّاس، لا التسلط على رقابهم وقمعهم والتضييق عليهم، وفي ظل الخلافة الحاكم والمحكوم فيها يخضعان لأحكام الشرع وطاعة المحكوم للحاكم منوطة بخضوعه لأحكام الشرع: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾.
وفي الختام عود على بدء وتذكير بأنَّ الخلافة الراشدة على منهاج النبوة هي الحلّ الأصيل للمشاكل التي تعانيها الأّمة، بل البشرية جمعاء، فهي نظام فريد متميز من لدن حكيم خبير، أفلا يكفينا 98 عاماً من الظلم والاضطهاد والشقاء بلا خلافة؟! أفلا نغذّ السير، ونحثّ الخطا لإقامتها؟!
كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
براءة مناصرة