- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
اتفاقية سيداو.. إحدى الفصول القذرة للقضاء على أحكام الإسلام
والحكومات الهزيلة بين الرفض والقبول
تضاربت أقوال المسؤولين في حكومة السودان وتصريحاتهم، حول المصادقة على اتفاقية إلغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة، المعروفة بـ(سيداو)، فقد أعلنت وزارة العدل يوم الاثنين 28 أيار/مايو 2018 عزمها المصادقة على الاتفاقية مع التحفظ على بعض البنود على غرار ما فعلته السعودية. وقالت وزيرة الدولة بوزارة العدل نعمات الحويرص في ردها على مداولات نواب البرلمان يوم الاثنين 2018/05/21م إن "السودان يتجه للتوقيع على اتفاقية سيداو مع التحفظ على بعض البنود"، وأشارت إلى أن وزارتها رفعت توصية بذلك إلى مجلس الوزراء. ويرى بعض نواب البرلمان، أن رفض السودان التوقيع على بعض المعاهدات يجعله مخالفاً لما جرى عليه اتفاق واسع بين الدول. وهذا يعني تأييدهم التوقيع على هذه الاتفاقية، حيث قال النائب أمين حسن عمر "برغم الاختلاف على الاتفاقيات إلا أنها قُبِلت لاعتبارات سياسية" بينما دعت وزيرة الضمان والتنمية الاجتماعية (مشاعر الدولب) بحسب وكالة السودان للأنباء يوم الاثنين، للموافقة على اتفاقية "سيداو".
ومن جانب آخر نفت وزارة العدل السودانية، يوم الاثنين 4 حزيران/يونيو 2018م، التوصية أو الدفع باتفاقية "سيداو" إلى البرلمان للمصادقة عليها، وأصدرت الوزارة توضيحا صحفيا، قالت فيه إن صحفاً أوردت تقارير عن نية السودان التوقيع على اتفاقية "سيداو" بعد أن نسبت ذلك إلى وزيرة الدولة أمام البرلمان. وقال التوضيح (لا صحة لما جاء في الصحف عن أن وزارة العدل أوصت أو دفعت بالاتفاقية إلى البرلمان للمصادقة). ونفت الوزارة أن يتضمن بيانها أي حديث عن نية الدولة التوقيع على الاتفاقية. وواضح من خلال هذه التصريحات أن أجواء التردد وأخذ الحيطة والحذر والتخبط في مسألة إعلان التوقيع على هذه الاتفاقية هي السائدة في أروقة الحكومة.
فما هي اتفاقية سيداو، ومن وراءها، وما الغاية منها؟
أما "سيداو" فهي معاهدة دولية نُسِجت خيوطها من (30) مادة (مسرطنة)، تم اعتمادها في 18 كانون أول/ديسمبر 1979 من قبل ما يعرف بالجمعية العامة للأمم المتحدة، وتوصف بأنها وثيقة حقوق دولية للنساء، وقد صادقت عليها كل دول (محور الفساد العالمي) التي تصنّف نفسها الدول المتقدمة، عدا أمريكا التي لم تصادق عليها لعنجهيتها، وغطرستها، باعتبارها سيدة مشاريع الفساد في العالم، وليس رفضاً لبنودها... وأيضاً صادقت غالبية الدول القائمة في العالم الإسلامي على الاتفاقية بما فيها السعودية، والسودان مع التحفظ على البنود التي تقول بأنها تعارض الشريعة الإسلامية، دون تحديد لهذه البنود، وتركتها مجهولة... ودخلت اتفاقية سيداو حيز التنفيذ في 3 أيلول/سبتمبر 1981م. ويقول الخبراء إن بعض الحكومات طبقت عملياً هذه الاتفاقية حتى قبل إيداع صكوك الانضمام والرضا والقبول إلى الأمين العام للأمم المتحدة.
وللعلم فإن دول الغرب الكافر المستعمر، وتلك القائمة في البلاد غير الإسلامية، لا تحتاج إلى اتفاقية سيداو، فقد رسمت لمجتمعاتها خريطة الفساد والإفساد والانحلال والحريات الشخصية واللاأخلاقية، عبر المبدأ الرأسمالي الديمقراطي، الذي يحكمها، فالسياسيون قد تولوا كبر إهانة المرأة، وإذلالها واحتقارها بهذا المبدأ الباطل من أساسه، لذلك تمارس الدول الموقعة على هذه الاتفاقية الضغوط، وتسعى بما أوتيت من قوة، لحمل بقية الدول، وبخاصة تلك القائمة في العالم الإسلامي، ومنها السودان، للتوقيع على معاهدة سيداو، ليتم إعلان مرحلة الدخول في عالم العهر والفجور علانية ليكونوا سواء... يقول مسؤولون سودانيون إن جهات أوروبية عديدة تعرقل انضمام السودان لمنظمة التجارة العالمية بسبب امتناعه عن الانضمام لمعاهدات دولية حقوقية، بينها (سيداو)، وميثاق المحكمة الجنائية الدولية. فالدول الأوروبية حريصة على ممارسة الضغوط، وأن أمريكا تؤيد بقوة تنفيذ صكوك المساواة بين المرأة والرجل، وبخاصة في الدويلات القائمة في العالم الإسلامي.
إن الصكوك الخاصة بالمساواة بين المرأة والرجل هي عهود مثبتة، حتى قبل اتفاقية سيداو، في ميثاق الأمم المتحدة، وفي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وجميعها تؤكد عدم جواز التمييز بين الذكر والأنثى، ويعلنون أن جميع الناس يولدون أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق، وأن لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات دون أي تمييز، بما في ذلك التمييز القائم على أساس الجنس. ولا شك أن هناك اتفاقيات دولية معقودة برعاية الأمم المتحدة والوكالات المتخصصة، تشجع أيضاً فكرة مساواة الرجل بالمرأة في الحقوق، والحريات، مثل مؤتمر السكان الذي عقد بالقاهرة، ومؤتمر بكين وغيرهما...
كل هؤلاء وأولئك يعتبرون أن التمييز ضد المرأة يشكل انتهاكا لمبدأ المساواة في الحقوق، واحترام كرامة الإنسان، ويُعد عقبة أمام مشاركة المرأة، على قدم المساواة مع الرجل، في حياة بلدهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ويعوق نمو رخاء المجتمع والأسرة، حسب زعمهم، ويزيد من صعوبة التنمية الكاملة لإمكانات المرأة في خدمة بلدها والبشرية. وقد جاءت اتفاقية سيداو أشد وضوحاً وأكثر تفصيلاً في مسألتي الحريات، والمساواة بين الذكر والأنثى، فأوردت مقدمة مطولة تحشد فيها المبررات المنطقية والواقعية لإحداث تغيير في الدور التقليدي للرجل وكذلك دور المرأة في المجتمع والأسرة.
فقد جاء في المادة (1): (يعني مصطلح التمييز ضد المرأة أي تفرقة أو استبعاد أو تقييد، يتم على أساس الجنس، ويكون من أغراضه توهين أو إحباط الاعتراف للمرأة بحقوق الإنسان والحريات الأساسية، في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية، أو في أي ميدان آخر، أو توهين أو إحباط تمتعها بهذه الحقوق أو ممارستها لها، بصرف النظر عن حالتها الزوجية، وعلى أساس المساواة بينها وبين الرجل).
هكذا وبكل سخف وبلاهة وعمى بصيرة، يتم إعلان إلغاء الفطرة الربانية، وما هم بقادرين عليه بإذن الله، فالحياة والكون والإنسان، هي من صنع اللطيف الخبير، وهو أعلم بمن خلق ذكراً كان أم أنثى، وجعل الذكر ذكراً، والأنثى أنثى، لأغراض يعلمها سبحانه، ومنها استمرار النوع الإنساني، قال سبحانه: ﴿فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى﴾، ويقول سبحانه: ﴿وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى﴾، ويقول سبحانه وتعالى: ﴿فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى﴾، فهذه مسائل يعلم الجميع أنها وقعت وستظل تقع في الدائرة التي تسيطر على الإنسان، مما تقتضيه أنظمة الوجود، فأي محاولة لإلغاء كنه الإنسان من زوجين اثنين كما فطر المولى إلى واحد، هي محاولة يائسة، وبائسة، وفاشلة، وخطيرة على الإنسانية جمعاء، ولا ترقى إلى مستوى النقاش والأخذ والرد، بل هي أضحوكة وسفه، فالسفهاء هم الذين يتمردون على صنع الله سبحانه في وضح النهار... فيجب أن لا يسمح لكائن من كان أن يتناول أفعال المولى عز وجل، ويجعلها موضع النقد والمحاسبة! قال تعالى: ﴿لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾، لأنه المالك على الحقيقة، ولو اعترض على السلطان بعض عبيده... لاستُقبح ذلك وعُدّ سفهاً، فمن هو مالك الملوك، ورب الأرباب، وفعله صواب كله، أولى بأن لا يُعترض عليه.
ثم إن سيداو في المادة (2)، فرضت الكثير من المطالبات على الدول، حيث قالت (بإدماج مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في دساتير الدول الوطنية أو تشريعاتها المناسبة الأخرى... واتخاذ جميع التدابير المناسبة... لتغيير أو إبطال القائم من القوانين والأنظمة والأعراف والممارسات التي تشكل تمييزاً ضد المرأة)، لذلك نرى كثيراً من مشاريع التعديلات في القوانين، نوقشت في برلمانات الدول القائمة في بلاد المسلمين، ومنها السودان، لتتواكب مع اتفاقية سيداو، ولا حول لا قوة إلا بالله...
وتناولت المواد 3 و4 و5 في بنودها التدابير المناسبة، بما في ذلك التشريعية، لاستعجال إخراج المرأة من حصنها إلى وحل السفور والعهر والفوضى، وتغيير الأنماط الثقافية والاجتماعية لسلوك المرأة والرجل! ففي المادة 4-1 جاء ما يلي: (لا يعتبر اتخاذ الدول الأطراف تدابير خاصة مؤقتة تستهدف التعجيل بالمساواة الفعلية بين الرجل والمرأة تمييزاً بالمعنى الذي تأخذ به هذه الاتفاقية) وفي المادة 5- أ: (تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة لتحقيق تغيير الأنماط الاجتماعية والثقافية لسلوك الرجل والمرأة، بهدف تحقيق القضاء على التحيزات والعادات العرفية...)، فالغرب قد أعلن عن حربه على الإسلام بصورة علنية. عسى أن يفهم المسلمون هذه المؤامرات فيتصدوا لها عن قوس واحدة عبر دولتهم الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة.
أما الكلام عن الأطفال وجنسيتهم ومساواة المرأة والرجل في موطنيهما في ذلك، فهو فوق كونه مخالفاً للشرع، فهو تثبيت للحدود الوهمية المصطنعة وتركيز للفصل بين المسلمين لضمان بقائهم متفرقين لتستمر السيطرة والهيمنة... حيث ورد: تمنح الدولُ الأطراف المرأةَ حقا مساويا لحق الرجل فيما يتعلق بجنسية أطفالهما...) وهذه المادة تحفظت عليها بعض الدول كالسعودية مثلاً.
وبهذه المناسبة فإن التحفظات التي أبدتها بعض الدول، كالسعودية والسودان، لا يعني الرفض، فالتحفظ كلمة فضفاضة هشة لا تؤدي معنى واضحاً معيناً على الإطلاق، بل الغرب الكافر، وتحسباً لرفض مثل هذه المؤامرات في البلاد الإسلامية، كان لا بد من إبداء المرونة في التعاطي مع هذه النصوص ليسهل ابتلاعها من قبل الحكام الرويبضات والشعوب، ففي المادة 28 ورد ما يلي: (1- يتلقى الأمين العام للأمم المتحدة نص التحفظات التي تبديها الدول وقت التصديق أو الانضمام، ويقوم بتعميمها على جميع الدول. 2- لا يجوز إبداء أي تحفظ يكون منافياً لموضوع هذه الاتفاقية وغرضها) سبحان الله! حتى موضوع التحفظ لا يجب أن يمس الغرض من هذه الاتفاقية. وهذه هي قمة السيطرة والغطرسة والإملاء، التي تمارسها الدول الكبرى على هؤلاء الحكام في بلاد المسلمين...
وهكذا تستمر المواد الثلاثين في شرح التدابير المتعلقة بتنفيذ هذه الاتفاقية، وما يترتب على الأطراف الموقعة والأطراف التي لم توقع بعد، بالاضافة إلى التدابير التي تؤكد مبدأ التساوي في فرص التعليم والمنح والرياضة وغيرها من أمور وظروف العمل والأجور والضمان الاجتماعي والرعاية الصحية... عن طريق التعليم المختلط! فقد ورد في المادة 10 (ج) (القضاء على أى مفهوم نمطي عن دور المرأة والرجل في جميع مراحل التعليم بجميع أشكاله، عن طريق تشجيع التعليم المختلط... ولا سيما عن طريق تنقيح كتب الدراسة والبرامج المدرسية وتكييف أساليب التعليم).
أما موضوع الزواج، وهو من الأهداف الأساسية والخفية وراء هذه الاتفاقية فقد ذكرت المادة (16- 1) ما يلي: تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في كافة الأمور المتعلقة بالزواج والعلاقات العائلية، وبوجه خاص تضمن على أساس المساواة بين الرجل والمرأة: وفي الفقرة (ج): (نفس الحقوق والمسؤوليات أثناء الزواج وعند فسخه)، وفي الفقرة (و) نفس الحقوق والمسؤوليات فيما يتعلق بالولاية والقوامة والوصاية على الأطفال وتبنيهم...). فهذه الاتفاقية تحارب أحكام النظام الاجتماعي في الإسلام عروة عروة وتستهدف الأم التي هي ربة بيت وعرض يجب أن يُصان...
نعم لا تزال منظمات الكفر الدولية ومن ورائها الدول العظمى تحتقر وتذل هؤلاء الحكام الرويبضات، وتتخذهم خدما أوفياء في الترويج لشرعة الكفر الدولية، وتنفيذها، وفي سبيل محاربة أحكام الإسلام... ومن صور الإذلال، والخضوع، أن تكتب أنت أيها الحاكم صكوك الطاعة بيدك وتودعه لدى الأمين العام للأمم المتحدة، لتكون مقبولاً في المجتمع الدولي، فقد ورد في المادة 25 الفقرة 3: (تخضع هذه الاتفاقية للتصديق. وتودع صكوك التصديق لدى الأمين العام للأمم المتحدة)، وفي الفقرة 4: (يكون الانضمام إلى هذه الاتفاقية متاحا لجميع الدول. ويقع الانضمام بإيداع صك انضمام لدى الأمين العام للأمم المتحدة).
وخلاصة القول فإن اتفاقية سيداو هي إحدى الفصول القذرة للقضاء على الإسلام، وهي من بنات أفكار ومؤامرات الغرب الكافر المستعمر، تستهدف ترويج بضاعته الفاسدة البائرة، ضرباً لأحكام الإسلام في مقتل إن استطاعوا، ونشراً لثقافة التفكك الأسري حول العالم، حسداً من عند أنفسهم، مصداقاً لقوله تعالى: ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ﴾، لكني أرى أن الغرب الكافر يقاتل من آخر معاقله، وحصونه، وستدمرها قريباً جداً دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة بإذن الله.
كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
يعقوب إبراهيم (أبو إبراهيم) – الخرطوم