- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
في رحاب بشرى عودة الخلافة الراشدة
ينكأ أعداء أمة الإسلام بين الفترة والأخرى جراحها العميقة فتعود الآلام والأوجاع قوية تنوء عن حملها الجبال، ويجد الواحد منا نفسه أمام شلالات دماء إخوانه وأبنائه وآهات أخواته الثكالى المعذبات وصيحات الأسيرات والمظلومات وأنين أقصانا المغتصب وغيرها من مآسٍ وويلات تلمّ بنا نحن المسلمين؛ يجد نفسه مغموما مهموما يتألم بشدّة لعظم المصاب بل يصل الأمر أن ينطبع الإحساس بالحزن والوجع في داخله لا يفارقه، يصبح ويمسي معه، حتى إنه قد يضع رأسه على وسادة نومه لأخذ قسط من الراحة فيجد شريط الصور المأساوية أمام عينيه يمّر في خياله يجدد جذوة لهيب حرقته وتألّمه ويوقظ مرارة تنغص عيشه لا نومه فقط.
إنّ من يستسلم لوجعه وأحزانه وآلامه يجد نفسه بين أسوار عالية مغلقة تُطبق على نفسه فكأني بها تضيق وتضيق لتخنقه... لذلك كان لزاما أن لا يستسلم المرء لها، بل ينظر أين فرجة الأمل والنور حوله ليستطيع أن يكمل مشوار هذه الحياة بما يرضي الله وينجحه في الاختبار.
وإنّه لمن رحمة الله بنا أن أعطى وعدا وبشرى لأمة الإسلام أنها ستبدّل من بعد خوفها أمناً بل أكثر، وأن مصابها الجلل إلى زوال بإذن الله وأن شمسها ستشرق غدا قطعا فتكون منارة هدى للعالمين؛ وإلا لما استطاع الكثير من المسلمين أن يتخطوا أحزانهم وآلامهم والمآسي التي تحيط بهم من كل صوب اليوم.
أردت من خلال هذه المقالة القصيرة أن أستحضر ما يقوي عزمنا وشكيمتنا في خضم أمواج المعاناة والألم التي تكاد تغرقنا اليوم ونحن نرى ما يحدث في سوريا وغيرها لنشحذ الهمة ونغذّ الخطا نحو تحقيق الوعد والبشرى؛ إذ لا بدّ أن تكون آيات الله عزّ وجلّ وأحاديث نبينا عليه الصلاة والسلام نبراسنا وهادينا ومرشدنا حين تضيق بنا الأرض بما رحبت.
يقول سيد قطب في تفسير قوله تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدِ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [النور: 55]
"لقد تحقق وعد الله مرة، وظل متحققا وواقعا ما قام المسلمون على شرط الله: يعبدونني لا يشركون بي شيئا.. لا من الآلهة ولا من الشهوات، ويؤمنون - من الإيمان - ويعملون صالحا، ووعد الله مذخور لكل من يقوم على الشرط من هذه الأمة إلى يوم القيامة، إنما يبطئ النصر والاستخلاف والتمكين والأمن؛ لتخلف شرط الله في جانب من جوانبه الفسيحة؛ أو في تكليف من تكاليفه الضخمة حتى إذا انتفعت الأمة بالبلاء، وجازت الابتلاء، وخافت فطلبت الأمن، وذلت فطلبت العزة، وتخلفت فطلبت الاستخلاف، كل ذلك بوسائله التي أرادها الله، وبشروطه التي قررها الله، تحقق وعد الله الذي لا يتخلف، ولا تقف في طريقه قوة من قوى الأرض جميعا.
لذلك يعقب على هذا الوعد بالأمر بالصلاة والزكاة والطاعة؛ وبألا يحسب الرسول e وأمته حسابا لقوة الكافرين الذين يحاربونهم ويحاربون دينهم الذي ارتضى لهم:
...فإذا استقمتم على النهج، فلا عليكم من قوة الكافرين، فما هم بمعجزين في الأرض، وقوتهم الظاهرة لن تقف لكم في طريق وأنتم أقوياء بإيمانكم أقوياء بنظامكم، أقوياء بعدتكم التي تستطيعون، وقد لا تكونون في مثل عدتهم من الناحية المادية، ولكن القلوب المؤمنة التي تجاهد تصنع الخوارق والأعاجيب" انتهى.
إذاً فالأمر مرتبط بعزمنا واستمساكنا أكثر بتحقيق الشروط المطلوبة وهذا فقط ما يقع في نطاقنا وما سنحاسب عليه، وعظم ما نعزم الوصول إليه يقتضي البذل والبذل والبذل.
يقول رسول الله e فيما رواه الإمام أحمد والبزار والطيالسي: «إنَّ أوّل دينكم نبوة ورحمة، وتكون فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله جل جلاله، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة تكون فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله جل جلاله، ثم تكون ملكاً عاضاً، فيكون فيكم ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعه الله جلَّ جلاله، ثم يكون ملكاً جبرياً، فيكون ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعه الله جل جلاله، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة تعمل في الناس بسنة النبي، ويلقي الإسلام بجرانه في الأرض، (أي ثقله) يرضى عنها ساكن السماء، وساكن الأرض، لا تدع السماء من مطر إلا صبته مدرارا، ولا تدع الأرض من نباتها ولا بركاتها شيئاً إلا أخرجته».
إنّ آية الوعد والحديث الآنف الذكر وأمثاله من أقوال النبي عليه الصلاة والسلام لتهدّئ فعلا من روع من يعيه وتثبت خطانا ونحن نسير في وسط الأمواج العاتية المتلاطمة، وإننا لنحتاج بين الفينة والأخرى أن نذكر أنفسنا بها مهما طال عهد معرفتنا بها، بل أن نفقه معناها فقها عميقا... فحينها فقط تكون بلسما شافيا لنفوسنا المتألمة وتكون حافزا على مزيد البذل والعطاء والتضحية في سبيلٍ ارتضى الله لنا السير فيه لإنقاذ الأمة الإسلامية وانتشالها من الوضع الذي وصلت إليه، ونسأل الله أن يثبتنا على ذلك الدرب حتى نلقاه عزّ وجلّ وفي أيدينا حجة أننا لم نكن من اليائسين والمتقاعسين... فاللّهم ثباتا حتى الممات...
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
هاجر اليعقوبي