الثلاثاء، 03 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/05م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

عامان ونصف على خطف نفيد بوت شاهد على فشل النظام القضائي

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يكون أمراء تغشاهم غواش أو حواش من الناس، يظلمون ويكذبون، فمن دخل عليهم فصدقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه، ومن لم يدخل عليهم ويصدقهم بكذبهم ويعينهم على ظلمهم فهو مني وأنا منه». رواه أحمد


لقد أخذ المهندس نفيد بوت، الناطق الرسمي لحزب التحرير في ولاية باكستان بحديث رسول الله وعض عليه بالنواجذ وشهد له العدو قبل الصديق بأنه قوي في الحق لا يخشى في الله لومة لائم، يكشف فساد النظام الحاكم ويبين للناس بالشواهد تآمره وخيانته للأمة، (صدق الله فصدّقه الناس) نحسبه على خير والله حسيبه ولا نزكي على الله أحدا، شهد الجميع للمهندس نفيد بوت بالسيرة العطرة وتفاجأوا بنبأ اختطافه في 2012/5/11م أمام أولاده على يد بلطجية الجنرال أشفق كياني رئيس أركان القوات المسلحة الباكستانية، وبالرغم من نزاهته وعدم ثبوت أي جرم عليه فإن النظام القضائي في باكستان فشل للآن في إلزام زبانية كياني على إطلاق سراح نفيد أو محاكمته محاكمة عادلة.


خطفت الأجهزة الأمنية مهندسا يحظى باحترام الجميع، بينما تعج سجلات محكمة مكافحة الفساد في باكستان بقضايا السياسيين الفاسدين والذين ثبتت عليهم التهم ولكنهم طلقاء يهنئون برغد العيش يعيشون في قصور ويتنقلون بطائرات خاصة! قضايا كبرى تهز الرأي العام وتنتهي للاشيء! ومن ذلك إصدار محكمة مكافحة الفساد فى باكستان أوامرها بأن يواجه الرئيس السابق آصف علي زرداري خمس قضايا فساد وقد وصفته بالفاسد، وتوقيف راجه برويز مشرف المشتبه به في قضية فساد تتعلق بعقود غير مشروعة في مجال الطاقة، وغيرها من قضايا الفساد التي تم توجيهها لسياسيين آخرين. عم الظلم حتى بات تراشق تهم الفساد في الوسط السياسي الباكستاني أمراً مألوفاً. وقد تناول الإعلام المحلي والعالمي قضايا فساد متنوعة تشير لمدى تغلغل الفساد الإداري والسياسي في البلاد فأصبحت صورة السياسي بعيدة عن النزاهة والأمانة. والجدير بالذكر أن زرداري وغيره أفلتوا من العقاب بموجب تفعيل قانون عفو تم تقديمه عام 2007 وأدى إلى العفو عنه هو ومئات السياسيين الآخرين المتورطين في قضايا فساد مالي وإداري من بينهم زوجته بنازير بوتو التي اغتيلت في ديسمبر 2007.


ما فتئ حكام باكستان يرددون "قضاؤنا شامخ ونزيه وغير قابل للنقد"، وبالرغم من ذلك فقد تكررت حالات العنف والاغتيالات (حتى للقضاة ورجال القانون).

 

وانتشرت حالات الخطف، فقد رصدت مؤسسة الدفاع عن حقوق الإنسان والخدمة العامة في باكستان أكثر من 2027 حالة خطف غير قانونية، وشددت على رفض هذه الممارسة القاسية في اليوم العالمي للمختطفين. إن جرائم الخطف إن دلت على شيء فإنما تدل على كفر النظام الباكستاني بالمؤسسة القضائية وعجز هذا النظام عن فرض هيبته أمام الحاكم والمحكوم. لماذا يلجأ النظام لحملات الخطف والترويع إن كان بإمكانه إلزام الناس عبر القضاء ومحاسبة المخطئين حسب دستور وقانون متفق عليه؟! عندما يتعرض شخص لجريمة خطف فإن الجاني هو الخاطف ولو كان لدى الخاطف بيّنة لأظهرها للعيان ولما لجأ للخطف، لكن هذه الأنظمة تضع نفسها فوق القانون وتتعامل بمنطق الخصم والحكم.


الجدير بالذكر أن الفترة التي شهدت ملاحقة وخطف نفيد بوت تزامنت مع عصر فساد سياسي لا سقف له (2008-2013) ، وقد أدين النظام الحاكم في تلك الفترة من قبل المراقبين بأنه الأكثر فساداً في تاريخ البلاد. نفيد بوت خطف في فترة الرئيس زرداري الذي اقترن اسمه بالفساد وهو متهم في سلسلة من القضايا التي أضرت بالبلاد والعباد وفي فترة رئاسته شهدت البلاد فوضى وتخبطاً. وقد خسرت باكستان ما يزيد عن 94 مليار دولار في تحايل على الضرائب وسوء إدارة خلال السنوات الأربع الأخيرة من حكم رضا جيلاني رئيس وزراء زرداري (حسب التقرير الأخير لمنظمة الشفافية العالمية) ، بالإضافة لذلك فإن عهد زرداري/جيلاني شهد ارتفاعا ملحوظا في الهجمات الأمريكية على الأراضي الباكستانية وزيادة في عدد ضحايا الطائرات بدون طيار، وفاق عدد القتلى 400 قتيل. كل هذا وأخونا نفيد بوت أسيرٌ في غياهب المعتقل لا تصل أخباره وهم طلقاء يلعبون لعبة الكراسي ويتبادلون الأدوار.


باكستان ليست حالة خاصة؛ فالفساد في بلاد المسلمين تجاوز الحالات الاستثنائية وأصبح مؤسسة متكاملة وارتفعت أصوات أجراس الخطر تحذر من مغبة السكوت على هذا الفساد. تجاوز الأمر حد أفراد فاسدين لمؤسسات متواطئة تسهل السبل لإفلات المدانين وتحميهم وتبدد أي أثر لجرائمهم حتى شعرت الأغلبية بالإحباط. ومن الأمثلة على سوء الأوضاع رفض رئيس إدارة مكافحة الفساد القبض على رئيس الوزراء راجا برويز أشرف وتنفيذ أمر المحكمة العليا في باكستان . لقد وقف النظام في صف من اتُّهم بالتخطيط لتلقي رشاوى من شركات طاقة خاصة خلال فترة وجوده في منصب كوزير المياه والكهرباء، بينما تباطأ في إطلاق سراح شخص بريء لم يقترف أي ذنب سوى أنه قال لا للفساد والإفساد ونعم لشرع رب العباد. نعم يتمادى الفاسدون في غيهم وهم على ثقة بأن القانون لن يطالهم، وحتى إن تمت إدانتهم فما عليهم سوى الخروج من الباب والذهاب لمنفى اختياري والعودة عبر نافذة الانتخابات لأنهم يعملون في ظل نظام ديمقراطي من صنع البشر مليء بالثغرات التي حفظوها عن ظهر قلب. تحول هذا القضاء الشامخ إلى إله من عجوة يمجدونه تارة ويدوسون عليه تارة أخرى ويطبقونه بالقدر الذي يوافق أهواءهم.


دولة القانون أصبحت حلم كل مظلوم في البلاد وعبارات العدالة في الحكم والقضاء المنصف المستقل تحولت لعبارات تدغدع مشاعر الحالمين بعيدة عن الواقع وآليات تنفيذها مبهمة. نعم الجميع يريد العدل ولكن ما هي الطريقة المثلى لحماية حق المظلوم وإجبار الحاكم على الالتزام! لقد وصلت الحال إلى محاكمات صورية هزلية يملي فيها الحاكم على القاضي عبر اتصال هاتفي وقضاء تابع ومسيس يسخر منه الكبار والصغار.. لقد أصبحت الاعتقالات العشوائية هي الأصل وتحولت البيّنة والأدلة في المحاكمات إلى رفاهية. ومما زاد الطين بلة الحرب الهوجاء ضد ما يسمى بالإرهاب والتي أدت لمناداة الظالمين بتعطيل القوانين والادعاء بأن الظروف الحالية تستدعي قوانين "استثنائية"، والظروف الاستثنائية لها مقتضياتها. والنتيجة قضاء بعيد عن العدل والإنصاف يفرغ شعار "العدل أساس الملك" من المحتوى. لقد تحول القضاء من أداة لتحقيق العدل وفض النزاعات بين البشر إلى أداة لتثبيت حكم الطغاة، أداة مسخَّرة لخدمة الحاكم بأمر هواه ولا تخدم إلا مصلحة من يفوز بالكرسي. وهذا فيه إفساد للناس ويؤدي للمزيد من المخالفات والجرائم بحيث لا يرعوي شخص (قل شأنه أم كبر) من مراوغة هذا النظام الذي ظهر فساده. أصبح العدل حكراً على الأقوياء والأغنياء وبعيدا عن متناول الفقراء والضعفاء حتى إن أهل الباكستان يرددون مقولة "هناك قضاء ولكن عليك أن تشتريه"!


لقد أدت أهمية النظام القضائي وسلامته من الفساد بابن خلدون لأن يقول مقولته المشهورة "فساد القضاء يفضي إلى نهاية الدول". وفساد القضاء أمر جلل لكن تقييم وضع القضاء يجب أن لا ينفصل عن نقد أشمل لما تقوم عليه الدولة من دستور وقوانين منبثقة من هذا الدستور ومدى تواؤم هذا الدستور مع عقيدة الأمة.

 

هذا الفساد المستشري والمتغلغل في المنظومة القضائية يستدعي مراجعة كاملة للأساس الذي يقوم عليه ومدى صحة هذا الأساس. إن الحكم العادل هو الحكم بالإسلام والقضاء العادل لا يمكن أن يستند لغير شرع الله. كتب عمر إلى معاوية رضي الله عنهما: "أما بعد فإنني كتبت في القضاء كتاباً لم آلك ونفسي فيه خيراً،.." ثم إن عمر قال: "إلزم خمس خصال يسلم لك دينك، وتأخذ فيه بأفضل حظك، إذا تقدم إليك الخصمان، فعليك بالبينة العادلة، واليمين القاطعة فهو الطريق للقاضي الذي لا يعلم الغيب. فمن تمسك به سلم له دينه، ونال أفضل الحظ والثواب في الآخرة" (المبسوط)


إن القضاء في الإسلام هو الإخبار بالحكم على وجه الإلزام وعمل القاضي هو الحكم بالعدل، وهذا العدل لا يكون سوى شرع ربنا وما سواه يؤدي يقيناً إلى الجور والظلم والظلمات في الدنيا وفي دار الميعاد. والإسلام لم يقبل بأن يكون أي إنسان فوق القانون وبعيدا عن المساءلة، فقسم القضاة لثلاثة: القاضي الذي يفصل بين الناس في الخصومات الخاصة بالمعاملات والعقوبات، والثاني المحتسب الذي يفصل في الخصومات التي تضر بحق الجماعة، والثالث قاضي المظالم الذي يبت في النزاعات بين الناس والدولة، وعلى المتضرر اللجوء لقاضي المظالم الذي ينظر للخصمين ويفتي بشرع الله ويجبر المخطئ على رد الخصومة أياً كان.

 

والمظالم وردت في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في التسعير حين قال:« وإني لأرجو أن ألقى ربي وليس أحد منكم يطلبني بمظلمة في دم ولا مال».


هذا هو الإسلام العظيم الذي افتروا عليه وادعوا أنه يعطي الحاكم سلطاناً مطلقاً ففعلوا ما حذرهم الله منه حين قال: ﴿قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ﴾. تركوا عدل الرحمن لعدالة صورية يحتال القائمون عليها على الناس ويسيرون البلاد بالاغتيالات والخطف والترويع ونشر الفوضى. ألم يأن الأوان للمخلصين من رجال القضاء أن يرفضوا هذه الهيمنة الأمنية التي أذهبت هيبتهم وحولت القضاء لمؤسسة تابعة فقدت بوصلتها وتاهت عن طريق العدل؟!


يا أهلنا الكرام في باكستان: إن الصمت على الفساد المستشري والظلم الذي جاوز عتمة الليل ليس سوى دعوة للاستقرار في القاع وإدمان على تعذيب الذات وتكثير الجراح.. إن الخوف من ظلم الظالمين أدى بهم للتمادي في غيهم ونشر هذا الظلم بين الناس. كيف نخاف العبد الذليل ورب العزة يقول: ﴿أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ﴾؟! إن قضية خطف نفيد بوت أكبر من مجرد مظلمة شخصية.. إنها مؤشر على فساد مستشرٍ يستوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأن نمسك على يد الظالمين. إنها قضية تستوجب تحركاً واعياً من الأمة لتسترد سلطانها المغتصب. هذه القضية دليل آخر على ضرورة العمل لتغيير شامل لمنظومة متهالكة بدلاً من السعي نحو التمكين عبر التدرج. إن ثوب الرأسمالية التي فُرض علينا أصبح مهترئاً ولا ينفع معه الترقيع أو التحسين الشكلي بل لا بد من تطبيق شرع لله.


لا زال القائمون على حملة #أطلقوا_سراح_نفيد_بوت يرددون إن نفيد بوت لم يقترف أيّة جريمة، وغير مطلوب في أيّة قضية جنائية، وإنما هو مهندس محترم يعمل لتحرير باكستان وشعبها من أغلال الهيمنة الاستعمارية وظلم المفسدين، مسلمٌ يعمل لاستئناف الحياة الإسلامية بإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة ويطبق منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم في التغيير، يعمل للإسلام وبالإسلام لذلك يجب الإفراج عنه فورا.. لم يطالب نفيد بوت بأمر سوى تحكيم شرع الله وهذا مطلب كل مسلم في باكستان البلد الذي أسس من أجل الإسلام.. فهل من مجيب؟!


﴿وَقَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ ۚ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ * قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّـهِ وَاصْبِرُوا ۖ إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّـهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۖ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾

 


كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أم يحيى بنت محمد

 


 

i http://www.thenews.com.pk/Todays-News-13-12258-Rs
ii http://ara.reuters.com/article/worldNews/idARACAE9B25PB20130117

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع