- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
حزب التحرير ومشروع الخلافة الراشدة: بديل حضاري متكامل
في ظل الأزمات المتلاحقة التي تعصف بالعالم، وانكشاف عجز الأنظمة الوضعية عن معالجة مشكلات الإنسان معالجة حقيقية، برزت الحاجة الماسّة إلى مشروع حضاري شامل يعيد للإنسان توازنه، وللأمة الإسلامية مكانتها، ويقدّم للعالم نموذجاً راشداً في الحكم والرعاية والعدالة. وفي هذا السياق يقدم حزب التحرير مشروعاً سياسياً متكاملاً يتمثل في إقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، بوصفها الدولة التي تطبّق الإسلام تطبيقاً شاملاً، وتحمل رسالته إلى العالم.
هذا المشروع ليس مجرّد شعارات عامة أو نداءات عاطفية غامضة، بل هو بناء فكري مؤسّس على العقيدة الإسلامية، ومنظومة تشريعية وسياسية واقتصادية وإدارية وتعليمية متكاملة، صاغها الحزب في صورة دستور مفصّل من 191 مادة، وأنظمة فرعية تشمل كل مناحي الحياة، ما يجعل المشروع مؤهّلاً للقيادة الفعلية وتقديم بديل حضاري حقيقي.
أولاً: الأساس الفكري للمشروع
ينطلق حزب التحرير من العقيدة الإسلامية باعتبارها الأساس الذي تُبنى عليه الدولة والمجتمع والحضارة. فالعقيدة الإسلامية ليست شعوراً دينياً أو عبادة فردية فحسب، بل هي قاعدة فكرية تُبنى عليها مفاهيم الحياة، ومنها تنبثق أو تُشتق الأحكام الشرعية التي تنظّم جميع شؤون الناس. ولذلك يرفض الحزب أي محاولة لفصل الدين عن الحياة، أو التوفيق بين الإسلام والأنظمة الوضعية الرأسمالية أو الاشتراكية، ويرى أن الحضارة الإسلامية متميزة عن الحضارة الغربية، من حيث الأساس الفكري، والنظرة إلى الإنسان، وطبيعة النظام الاجتماعي والسياسي.
ثانياً: شكل الدولة ونظام الحكم
يطرح حزب التحرير نموذج الدولة الإسلامية في صورة دولة واحدة؛ خلافة على منهاج النبوة، توحّد المسلمين تحت راية الإسلام، وتزيل الحدود المصطنعة التي فرضها الغرب بين بلادهم. وشكل هذه الدولة متميز عن الأنظمة الملكية والجمهورية والديمقراطية، فهو لا يقوم على الوراثة، ولا على حكم الأحزاب، ولا على فصل السلطات، بل يقوم على نظام الخلافة الذي حدّدته النصوص الشرعية، فليس في الإسلام سيادة لفرد ولا لحزب ولا عائلة فوق سيادة الشرع، الذي أعطى السلطان للأمة وجعل لها أن تنيب عنها من يطبق الإسلام عليها وهو الخليفة.
رأس الدولة هو الخليفة، يُبايع من الأمة على السمع والطاعة في تطبيق الشرع، وتكون سلطته مقيدة بالأحكام الشرعية لا بأهواء الناس أو أغلبيتهم. أما التشريع فمصدره الوحيد هو الكتاب والسنة وما أرشدا إليه من إجماع الصحابة والقياس الشرعي، فلا مجال للقوانين الوضعية، ولا لمجالس تشريعية تضع أحكاماً من عندها. والسلطة التنفيذية تتمثل في الخليفة ومعاونيه والولاة والقضاة، مع وجود مجلس للأمة لمحاسبة الحكّام على أساس الشرع.
ثالثاً: القضاء والعدالة
يقوم النظام القضائي في دولة الخلافة على تطبيق الأحكام الشرعية في جميع النزاعات، دون تمييز بين حاكم ومحكوم. وقد خصّص حزب التحرير في مشروعه نظاماً دقيقاً للقضاء يشمل قضاء المظالم، الذي يراقب الحكّام ويحاسبهم على أي ظلم أو تعدٍّ على حقوق الناس. فلا حصانة لأحد أمام القضاء، والخليفة نفسه يُحاسَب، بخلاف الأنظمة القائمة التي تُحصّن الحاكم وتجعله فوق القانون، بل وتمكنه من صياغة القوانين حسب ما يرغب ويهوى وما يحصنه وقراراته ومن يريد ولو سرق ونهب أموال الناس بالباطل وهو بعض مما نعانيه من حكام زماننا!
رابعاً: النظام الاقتصادي الإسلامي
من أبرز ما يميز مشروع حزب التحرير أنه يقدم نظاماً اقتصادياً متكاملاً، لا إصلاحات جزئية كما تفعل الحركات الإصلاحية، ولا انخراطاً في المنظومة الرأسمالية كما تفعل الأنظمة الحاكمة. فيقوم النظام الاقتصادي الإسلامي على معالجة المشكلة الاقتصادية معالجة شرعية، من خلال توزيع الثروات وضمان حق الانتفاع بها لجميع الناس، لا من خلال الإنتاج المجرد كما تفعل الرأسمالية.
يقسّم الإسلام الملكيات إلى ثلاثة أقسام: ملكية فردية، وملكية عامة، وملكية دولة. فالمصادر الكبرى للثروة مثل النفط والغاز والمعادن الكبرى هي ملكية عامة، لا يجوز تمليكها لأفراد أو لشركات خاصة أو أجنبية، والدولة تتولى إدارتها لمصلحة الأمة. كما يُحرَّم الربا تحريماً قاطعاً، وتُلغى الضرائب الجائرة، ويُعتمد على الزكاة والخراج والأنفال والعشور وغيرها من الموارد الشرعية لتمويل بيت المال. بهذا النظام، تُلغى التبعية الاقتصادية للمؤسسات المالية الدولية، وتُبنى اقتصاديات الأمة على أسس منضبطة بأحكام الشرع.
وإلى جانب ذلك، يقدم حزب التحرير نظاماً نقدياً متميزاً يقوم على الذهب والفضة أساساً للعملة، تطبيقاً لأحكام الشرع التي ربطت النقود بالذهب والفضة من حيث الزكاة والمهور والدّيات وسائر المعاملات. فالعملة في دولة الخلافة ستكون عملة حقيقية ذات غطاء ذهبي كامل، ما يمنحها قوة ذاتية تحميها من التضخم والتلاعب، بخلاف العملات الورقية المعاصرة التي لا تستند إلى قيمة حقيقية وتفقد قوتها الشرائية مع الزمن.
إن العودة إلى قاعدة الذهب والفضة تعني أن قيمة العملة لا يمكن طباعتها أو إصدارها بلا حدود، بل تُضبط بما تملكه الدولة من احتياطي حقيقي، وهو ما يحدّ من التضخم ويمنع تآكل مدخرات الناس، ويجعل الاقتصاد أكثر استقراراً وقدرة على الصمود أمام الكوارث والنكبات الاقتصادية. كما أن هذه القاعدة النقدية تمنح الدولة قدرة تفاوضية أقوى في العلاقات التجارية والمالية الدولية، وتفك ارتباط اقتصاد الأمة بهيمنة الدولار والنظام المالي العالمي الذي تسيطر عليه القوى الاستعمارية.
خامساً: التعليم والثقافة
في مشروع حزب التحرير، لا يُنظر إلى التعليم على أنه مجرد تأهيل مهني أو تخريج موظفين، بل هو وسيلة لتكوين الشخصية الإسلامية بعقليتها ونفسيتها. فالتعليم يهدف إلى غرس العقيدة الإسلامية وبناء التفكير المنهجي الشرعي، إلى جانب العلوم التجريبية التي تحتاجها الأمة للنهضة. كما يعتمد المشروع على مناهج موحدة تربط الأمة كلها ثقافياً وفكرياً، وتشيع الثقافة الإسلامية في المجتمع لإيجاد رأي عام واعٍ منبثق عن العقيدة.
سادساً: السياسة الداخلية والخارجية
في السياسة الداخلية، تقوم دولة الخلافة كما يعرضها حزب التحرير على إزالة القوميات والوطنيات، وتذويب الفوارق المصطنعة بين المسلمين، وتوحيدهم على أساس العقيدة الإسلامية. أما في السياسة الخارجية، فالهدف المركزي هو حمل الإسلام إلى العالم بالدعوة والجهاد، لا التبعية للقوى الدولية ولا الالتزام بمنظومة القانون الدولي التي صاغها الغرب لحماية نفوذه. فالدولة الإسلامية في هذا التصور ليست دولة انعزالية، بل دولة قيادة وريادة، كما كانت في عصورها الأولى.
سابعاً: جاهزية المشروع للتطبيق
ما يميز حزب التحرير عن غيره من الجماعات الإسلامية هو أنه لا يكتفي بالتنظير أو الدعوة العامة، بل قدّم مشروعاً عملياً جاهزاً:
- دستور مفصل من 191 مادة مستنبطة من الأدلة الشرعية
- أنظمة حكم واقتصاد وتعليم وإدارة وقضاء
- تصور دقيق لكيفية الانتقال من واقع التجزئة والدول القُطرية إلى دولة الخلافة الواحدة
- خطة سياسية تعتمد على الأمة وجيوشها لإقامة الدولة، بعيداً عن العمل المسلح العشوائي
إن مشروع حزب التحرير لإقامة الخلافة الراشدة ليس مجرد رؤية نظرية، بل هو مشروع حضاري متكامل يستند إلى الوحي، ويقدّم للإنسانية بديلاً عن الحضارة المادية الغربية التي أثبتت فشلها في تحقيق السعادة والاستقرار. وهو في الوقت ذاته مشروع عملي جاهز للتطبيق، إذا ما وُجدت الإرادة السياسية لدى الأمة، وتحرّكت طاقاتها وجيوشها لإقامته.
فما يقدمه حزب التحرير ليس مجرد حنين إلى الماضي، بل هو استئناف عملي للحياة الإسلامية وبناء دولة قوية متميزة قادرة على مواجهة تحديات العصر، تقدم نموذجاً حضارياً يعالج مشكلات الإنسانية من منطلق رباني. وفي وقت تتهاوى فيه المنظومات الوضعية وتفقد الرأسمالية بريقها، تبرز دولة الخلافة القادمة كمشروع نهضة حقيقي، يعيد للأمة وحدتها وكرامتها، وللعالم عدله ورحمته.
وإن هذا المشروع العظيم لن يتحقق إلا بتضافر جهود الأمة جميعاً، وفي طليعتها المخلصون من أبنائها في الجيوش. فأنتم أيها الضباط والجنود، لستم أدوات بيد أنظمةٍ مرتبطةٍ بالمستعمر، بل أنتم أبناء هذه الأمة، من صلبها ولحمها ودمها، وقد حمّلكم الله أمانة عظيمة ومسؤولية جسيمة.
إن الأمة اليوم تناديكم، تستنصركم كما نصر الأنصارُ رسولَ الله ﷺ، لتكونوا السند والدرع الحامي لمشروع استئناف الحياة الإسلامية، فتمنعوا به الظلم، وتنصروا به العاملين المخلصين لإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، فيكون لكم شرف عظيم في الدنيا ومقام كريم في الآخرة.
فاللحظة التاريخية تقترب، والمنظومات القائمة تتهاوى، والأمة على أعتاب تحوّل مصيري. فانحيازكم لأمتكم ولدينكم اليوم هو الفارق بين ذلٍّ يطول، وعزٍّ يعود، وبين واقع مرير، ومستقبل مشرق يسطع فيه نور الإسلام من جديد.
اللهم أعد لنا دولة الإسلام وسلطانه وشرعه لنستظل بظلها من جديد؛ خلافة راشدة على منهاج النبوة.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾
كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
سعيد فضل
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر