الجمعة، 18 ربيع الثاني 1447هـ| 2025/10/10م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

أمريكا وغزة والحسابات الخفية

 

لم يكن الموقفُ الأمريكي الداعي إلى وقف القتال في غزة وليدَ إنسانيةٍ مفاجِئةٍ، ولا استيقاظَ إحساس طال سباته؛ بل كان ثمرةَ حساباتٍ دقيقةٍ تفرضها شبكةُ أزماتٍ معقَّدةٍ صنعتها أمريكا وغذَّتها عبر العقود.

 

أمريكا هي اللاعب الأبرز في إشعال الحروب وتجميدها؛ فهي التي تخلق بؤرَ التوتر كي تقتات على مآسي الشعوب. لم تتحرّك تجاه غزة بدافع الرحمة، بل لأنّها وجدت نفسها أمام تشابك بؤرٍ متعدّدة: حرب أوكرانيا التي تستنزفها وتستنزف أوروبا، صعودُ الصين الذي غدا هاجسها الاقتصادي الأكبر، وهشاشةُ القارة العجوز التي قد ينفرط عقدها إن طال الاستنزاف. وآخر هذه البؤر الملف النووي الإيراني، الذي تُمسكه واشنطن كورقة ضغطٍ على أوروبا؛ إذ لم يكن هذا الملف يوماً خلافاً تقنياً حول تخصيب اليورانيوم فحسب، بل ورقةً استراتيجيةً تُلوّح بها لتقيِّد حركة الأوروبيين وتجارتهم مع طهران، فتجعلهم أكثر تبعيّةً للسياسات الأمريكية.

 

ومع كلّ تصعيدٍ في غزة أو توترٍ في الخليج، تتضاعف مخاوفُ أوروبا من أن يقود الملف النووي إلى انفجارٍ إقليميٍّ يفاقم أزماتها الاقتصادية والأمنية. أمام هذه التعقيدات، لم يعد في وسع واشنطن أن تسمح لحرب غزة أن تمتدّ بلا نهاية؛ لأنها قد تشعل حريقاً يخرج عن السيطرة، خصوصاً مع غليان الشعوب المسلمة وغير المسلمة تجاه ما يقع على أهل غزة، ومع تخاذل حكّام الذلّ والعار. وهذا بدوره يفتح الباب أمام قوى منافِسةٍ مثل روسيا والصين لاستثمار الغضب الشعبي والفوضى الإقليمية.

 

هكذا جاء الموقف الأمريكي: ليس حبّاً في غزة ولا عدلاً لفلسطين، بل خشيةً من انهيار موازين القوى العالمية التي تحاول واشنطن الإمساك بخيوطها. فالأولوية عندها ليست دماء الأبرياء، بل تثبيت الزعامة في مواجهة الكبار - روسيا والصين - والضغط على أوروبا بورقة طهران النووية، ومنع القارة العجوز من الانفراط.

 

إن الحقيقة التي يغفل عنها كثيرون أن مصير غزة وأمّتنا بأسرها لا ينبغي أن يُترك رهينةً لمعادلات البيت الأبيض. إن واشنطن تنظر إلينا كقضيةٍ ثانوية في صراعها مع القوى الكبرى، بينما نحن أصحاب الأرض والقضية. واستعادة زمام المبادرة مرهونةٌ بوعي الأمّة وقوّة إرادتها في إيجاد موقعها الصحيح بين هذه القوى الغاشمة - موقع القيادة والريادة. نحن أمةٌ خلقها الله لننقذ البشرية، لا لنكون ملفاً في أروقة مجلس الأمن والأمم المضلِّلة! لقد آن الأوان أن نصوغ معادلتنا: نحن حيث نكون، بحيث تكون قضايانا محورَ الموازين لا هامشَها.

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

مؤنس حميد – ولاية العراق

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع