الأربعاء، 02 ربيع الثاني 1447هـ| 2025/09/24م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

من ينتصر: صراع النفوذ أم صراع العقيدة؟

 

في عالم مضطرب تتصارع فيه القوى على مناطق النفوذ، وتُرسَم فيه خرائط الولاء وفق الحسابات، تبرز غزة باعتبارها استثناءً صارخاً؛ ليس لأنها محاصَرة منذ سنوات، ولا لأنها تتلقى الضربات العسكرية فحسب، بل لأنها تخوض صراعاً يتجاوز السياسة والنفوذ ليصل إلى القتال العقائدي بين الحق والباطل.

 

لطالما كانت فلسطين - وغزة على نحو خاص - ساحةً لصراعات النفوذ بين أطراف إقليمية ودولية، تتنازعها مشاريع متعارضة، ولربما متناقضة. وفي هذا السياق تُدار معارك تفاوضية باسم غزة، وتُبرم صفقات على حسابها، وتُستثمَر معاناتها في أروقة العواصم. وكل ذلك يدخل فيما نسمّيه صراع النفوذ أو صراع المصالح بأدوات السياسة.

 

لكن المتأمل في طبيعة المواجهة في غزة يدرك أن ما يجري ليس مجرد صراع على النفوذ، بل هو صراع عقيدة بكل ما تحمله الكلمة من معنى. فعقيدة المقاومة في غزة ليست خياراً تكتيكياً، بل هي نابعة من إيمان راسخ بأن فلسطين وقف إسلامي لا يُقسَّم ولا يُساوَم عليه، وأن الاحتلال ليس طرفاً سياسياً، بل عدوٌّ وجودي. فالمقاومة ليست ورقة ضغط، وإنما فريضة شرعية، ورؤية ثقافية متجذّرة في وعي الأمة. بهذا الفهم وبهذه الحقيقة يُفسَّر سرّ صمود غزة وعُسر انكسارها، رغم فداحة الثمن وقسوة المعركة.

 

إن صراع النفوذ، مهما اشتد، يظل قابلاً للتسوية، لأنه يقوم على حسابات مصالح يمكن أن تُضبط باتفاقات أو تفاهمات مرحلية. أما صراع العقيدة فغير قابل للمساومة، لأنه متجذّر في وجدان الأمة، ومرتبط بهويتها ورسالتها، ويتجاوز حدود الزمان والمكان. وهذا هو المحرّك الحقيقي للصمود والتضحية في غزة؛ إنها العقيدة التي يُبذَل في سبيلها الغالي والنفيس.

 

ليست قوة غزة في ترسانتها العسكرية، بل في العقيدة التي تحرك أبناءها، وتجعل من الأمهات صانعات مجد، ومن الأطفال مشاريع أبطال. ويهود يدركون هذا البُعد؛ لذلك فهم لا يشنّون عدوانهم على الحجر فحسب، بل على العقيدة والفكرة، وعلى رمزية غزة كحاضنة للوعي والمقاومة.

 

غزة لا تقاتل فقط من أجل نفسها، بل من أجل هوية الأمة. لذا فإن صمودها ليس مجرد بطولة محلية، بل هو تذكير دائم للأمة بأن الصراع في فلسطين ليس خلافاً على أرض أو معابر، وإنما هو معركة وجودية بين مشروع استعماري مدعوم دولياً، وبين أمة تمتلك من الإيمان ما يجعلها تتجاوز حدود سايكس بيكو المصطنعة.

 

إن صراع العقيدة هو صراع مع الزمن نفسه، لا تُطفئه هدنة ولا تُنهيه معاهدة. وغزة في هذا السياق ليست جغرافيا صغيرة تقاتل، بل شاهد حضاري على أن العقيدة إذا سكنت القلوب صنعت المعجزات وتفوّقت على الحسابات. وصراعها يراهن على وعد الله تعالى: ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾.

 

فغزة اليوم لا تقاتل وحيدة، بل تتقدّم في معركة الحق مع الباطل، متمسكةً بوعد السماء، ثابتةً على درب الأنبياء، وستبقى بإذن الله قلعة الإيمان في وجه الباطل، حتى النصر أو الشهادة.

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

مؤنس حميد – ولاية العراق

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع